| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

د. أكرم هواس

 

 

                                                                                    الثلاثاء 1/3/ 2011

 

صبيحة الثورة (2).... نداء الى الثوار

د. اكرم هواس  *

في الحلقة الاولى من هذه السلسلة من المقالات طرحت فكرة ان تكون الثورة ثورة عقل و بناء و لكي تكون كذلك فلابد من الابتعاد كليا عن الاساليب التقليدية في كل ما يتعلق بقيادة الثورة و طرحها كمشروع ثقافي تغييري و ليس كمشروع انقلابي سياسي كما جرت الثورات السابقة التي تحولت الى ميكانزمات جديدة للتسلط والهيمنة وظلم الناس وهدر حقوقهم.

في هذه الحلقة اود ان اركز على بعض آليات الخطاب السياسي. اول ذي بدء اتوسل الى الثوار ان ينسوا الشعار التقليدي الفارغ من اية قيمة حقيقية وهي (بالروح بالدم......). ارجوكم انسوا هذا الكلام لان العراق قد مل الدماء والعنف قد هدم كل شيء. لقد اثبت التاريخ ان الدماء ليست عملا عقلانيا وهي لا يمكن ان تكون اساسا للبناء التنموي. الدماء لا تدعم الا ماكنة الايديولوجيات التي تظل تزهق المزيد من الارواح في ظل ممالك القهر والاستبداد والجمهوريات الكارتونية.

لا شك ان هناك الكثيرين ممن يرون في الثورة املاً ويرغبون بالالتحاق بها ولكنهم يتخوفون من تحولها الى بؤرة جديدة للصراع الطائفي. اعتقد ان هؤلاء لهم كل الحق في مخاوفهم فالسنوات الاخيرة قد شهدت شحنا جذريا بهذا الاتجاه وعليه فان من اهم مهام الثوار ان يثبتوا انهم يقودون ثورة اساسها الفرد والمواطن العراقي وليس اية مجموعة اجتماعية حتى وان كانت مجموعة المهمشين والفقراء. هوية الثورة يجب ان تكون واضحة فهي ثورة كل العراقيين ومن اجلهم جميعا حتى وان كانوا اغنياء و ذوو سلطة. الجميع له الحق ان يدرك ان الثورة ليست موجهة ضد الحكام بل ضد البنية السياسية الحالية لانها غير فعالة ولا يمكن ان تخدم احدا حتى وان كان ذا سلطة و مال الان. البنية السياسية الحالية عاجزة تماما عن تقديم اي شيء ناهيك عن الكلام عن مشروع تنموي و حضاري.

في مقالتي السابقة انتقدت بشكل لا لبس فيه امبراطوريات الاحزاب والجماعات المشابهة واعتقد ان الكثيرين يتفقون معي في ذلك و لكني اعتقد ان الخطاب السياسي للثورة يجب ان لا يتوقف عند النقد فمن حق الاغنياء ان يفهموا ان الثورة لا تستهدفهم من حيث كونهم اغنياء بل تستهدف البنية الاقتصادية الاجتماعية لاستثماراتهم. فبدلا من الأمبراطوريات المغلقة التي تستهدف الربح السريع و المريح دون حساب و مراجعة بل يمكن للاغنياء ان يلعبوا دورا فعالا في بناء العراق عن طريق توجيه استثماراتهم الى مشاريع تنموية تنفع الجميع كما تؤسس لربح مستقر ومستدام كما يفعل اصحاب رؤوس الأموال في المجتمعات المتقدمة (هذا الموضوع سأعود اليه لاحقا في المقالات التالية لانه يشكل اساس فكرتي عن الثورة).

اما الاحزاب والمنظمات والجمعيات و....,...الخ فلابد انها تقوم بخطوتين مهمتين اولاهما الفصل بين العمل السياسي وعقلية الادارة الاقتصادية وثانيهما الابتعاد عن الخطاب الايديولوجي واعتماد العقلانية الواقعية للتعامل مع مشكلات الناس وقضية بناء البلد. على هذا الاساس ينبغي ان لا تجد هذه الاحزاب والجماعات المختلفة حرجا في الالتحاق بالثورة والمساهمة في بناء عراق مختلف عن الفوضى والقدرية التي تتحكم في مفاصل العلاقات الراهنة في المجتمع العراقي.

خطاب الثورة بهذا الصدد هو ضرورة عدم الخلط بين الفساد وكل ما سياسي واقتصادي في عراق اليوم. الثورة تستهدف ثقافة الفساد وليس كل من مارس السياسة واغتنى في هذه الفترة المظلمة في العراق والفاسدون فان من يستطيع الفصل في امرهم هو القانون وليس الثوار. ينبغي ان يعمل الجميع على ارساء مجتمع يحكمه القانون وليس خلق الظروف لظهور وهيمنة نظام فوضوي جديد.

اما الفقراء والمهمشون والمثقفون وكل من يدرك ما يحصل في العراق فامرهم موكول اليهم. هذه هي الثورة تقدم لهم افضل فرصة ليلعبوا دورهم التي سلختهم اياه ظروف السنوات الغابرة و ليقدموا ما يستطيعون كي يضمنوا حياة افضل و نموذجا تنويريا للعالم.

ندائي الى الثوار هو اذن اتمنى ان يكون خطابكم واضحا جليا..... ايها العراقيون كلكم مدعوون الى عرس ثورة العقل و البناء فهلم بنا.

 

صبيحة الثورة (1).... ثورة العقل و البناء
 

* اكاديمي عراقي - الدنمارك

 

free web counter