| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

علي عرمش شوكت

 

 

 

                                                                              الثلاثاء 6/9/ 2011

 

رواية

ابجدية حب في مدرسة العصافير
(9-9)

علي عرمش شوكت

وعندما صارا تحت شجرة توت وافرة الظلال، كانت تجمعت فيها عصافير كثيرة، تحتل موقعها في احد اركان الحديقة الخلفية لدارها، التي تكثر فيها اشجار الرمان والليمون فضلاً عن شجيرات الزهور التي يفوح عطرها الطيّب في ارجاء المكان، وبخاصة زهور القرنفل.  اخذ بلاسم يبدي اعجابه بتلك العصافير الجميلة شكلاً وزقزقة. بينما كانت كليلة تنظر الى قامته الممشوقة بهيام وغرام، وكان هو منشغلاً بتفحص الشجرة وروّادها من عصافير وديعة تحب بعضها البعض وربما لها لغة مشتركة لتبادل مشاعر الود، وحتى العشق والغرام ايضاً، وفي ذلك الجو الفردوسي وبنشوة رومانسية.  دنت كليلة منه كثيراً، غير مبالية بوجود اهلها داخل البيت، وكأن هنالك قوة جاذبية خارقة كانت تسحبها نحوه، اذ كادت تلتصق بظهره، وعندما التفت صار وجهه قبالة وجهها لاتفصلهما الا بضع " سنتمترات " .

تسمر في مكانه مرتبكاً لوقع المفاجأة، وبفعل تاثير وهج بريق عينيها الساحرتين الذي كان العنصر الممهد للمباغتة التي اخترقت حاجز التردد. حررت كليلة ذراعيها من عنان الخجل، وراحت ماسكة خلف راسه بيد وواضعة يدها الاخرى بارتباك على خده الآخر ... لتقبله قبلة عجلى، وهي واقفة على اطراف اصابع قدميها لكي تتمكن من ان تطال خده، الذي غدا وكأنه رغيف خبز ساخن ومحمص، من هول المفاجأة ( القبلة ) الصاعقة.

 تلقى بلاسم تلك القبلة التي كانت مشفوعة بهفيف نسمات انفاسها الدافئة العبقة المنبعثة من اعماق حشاشة روحها الزلالية النقية، وكأنها فجرت بركاناً  في  دواخله، وجعلته يشعر بان قلبه قد تحول الى شظايا. كما ظل مذهولاً ينظر الى خطواتها ذات الايقاع المتعثر بعض الشيء، وكأنها رئم – الغزال الابيض - قد جفل، وهي متجهة الى داخل البيت.

         قرر بلاسم الانسحاب وهو لا يشعر بمواضع قدميه، ولكن بعد بضع خطوات،  تناهى الى مسمعه صوت كليلة وكأنه انين ناي حزين، راح يترك صداه مباشرة في ثنايا قلبه المشتعل بنار غرام مستفز، مما جعله غير قادر على فهم ما ارادت قوله، فالتفت اليها نافضاً عن نفسه تداعيات تلك القبلة الجهنمية وصاغياً لكلماتها :

-   الى اين ذاهب  يا شافي ...الا تريد ان تودعني ... ؟

سمع كلماتها التي بعثت به الصحوة من ذلك الذهول الذي انتابه، وليعزز تلك النشوة اللذيذة التي مازال يهنأ بها، وهو شبه غائب عن الوعي، وسارحاً بخياله خارج الوجود.

ظن بلاسم لاول وهلة انها تقصد الوداع التقليدي اليومي... الا انها لم تتوان عن ان تفصح عما تقصده بالوداع .

-   انني مسافرة مع الاهل الى الموصل لقضاء العطلة الصيفية .

قالتها بصوت مرتبك وبألم ينم عن عدم الرضا. وظهر على محياها ما يوحي بطلب المعذرة والرجاء بتفهم الامر من قبل الحبيب، بهدف جعل مرارة الخبر  وكأنها (حلاوة ليل محروقة) التي غالباً ما يتخلل مذاقها خيط مرارة ، لان فراق الاحبة علقم يصعب تجرعه .

استحوذ هذا الخبر على مناخ السعادة الغامر الذي ما زال عائماً فيه، بعد تلك القبلة ذات الدمار الشامل، التي ظل يشعر باثرها الساخن على خده طويلاً.

 فجمع قواه قائلاً:

-  مفاجأة غير سارة.

قالها بصوت متحشرج وبلسان ناشف لا يقوى على النطق السليم. وكأنه قد اخذ جرعة من مخدر.

وسرعان ما شعرت هي باحاسيسه وتوجساته التي تولدت لديه من هول المفاجأة، فعادت اليه بخطوات وئيدة وهي تقول:

-        انا ايضاً تفاجأت بهذه السفرة بقرار من والدي.                                    

-        وماهي فترة البقاء في الموصل ...؟

-        ربما الى نهاية العطلة المدرسية ..الى بداية شهر سبتمبر.

-        ومتى موعد السفر ...؟.

-        غداً صباحاً .

لقد خامر بلاسم الظن بان اهل كليلة ارادوا ابعادها عنه بعد ان شعروا  بتعلقها الشديد به.

 وبعد برهة صمت من كليهما، تخللها استمرار تواصل كلام القلوب عبر لغة العيون بينهما.

 تكلم قائلاً:

-        اذاً لا اودعكِ الآن انما غداً صباحاً في محطة قطار الموصل.

    تبادلت عيناهما نظرات عبرت عن احلام جميلة وعن امنيات اجمل، لكنها مرت بسرعة فلكية تحيطها الخشية من غدر الاقدار. تصافح معها وتمنى لو بقيت يدها ذات الملمس اللدن الدافئ في حضن يده الى ما لا نهاية، ومن ثم ذهب مهموماً يملأه هاجس الخوف من أن تكون هذه السفرة ابدية . كان ذلك الشعور لم يتح له الفرصة لمعرفة ساعة السفر، فقط قد عرف انه سيكون  في صباح اليوم التالي .        

جاء يوم الغد الموعود. حيث تمنت كليلة من كل جوارحها ان يبزغ فجره قبل اوانه، وان يتجاوز حركة الزمن،  بغية اطفاء ما تركه من اشتعال لهيب في قلبها، الذي لم ينتابها مثله طيلة حياتها، كما ان الارق والقلق وكوابيس مريرة كانت قد هيمنت عليها بحالة غريبة.

نهضت كليلة مبكرة في مستهل الفجر. وصارت تباشير النهار بمثابة منقذ لها من ذلك الكابوس المتعب، تهيأت قبل غيرها من افراد عائلتها ليس لغرض السفر، انما لغاية لقائها مع بلاسم في محطة القطار. ذهبت الى حديقة منزلها وتفقدت مكان الشافي وواقعة  " قبلتها الاولى " للحبيب الاول، تحت شجرة التوت التي تطلق عليها اسم – مدرسة العصافير – تنهدت وابتلعت ريقها الناشف من شدة الشوق، وحينما تذكرت تلك القبلة التي فجرت كل كائنات الحب الساكنة في داخلها، غدت تتغنى بينها وبين نفسها بسيناريو تلك القبلة الاولى. اذ جرت العادة ان تتلقى الحبيبة قبلتها الاولى بمبادرة من الحبيب، ولكن كانت هذه المرة بمبادرة منها، ولهذا حسبتها قبلة اولى بامتياز.

 تجولت في الحديقة سارحة البال ولكنها لم تنس ان تختار وردة حمراء بغية اهدائها الى بلاسم عند لقائهما في المحطة او بالاحرى عند الوداع المر .

حملتها مع باقي افراد اسرتها وامتعتهم سيارة تابعة لمصلحة السكك، ولم تستغرق وقتاً طويلاً حيث اوصلتهم الى المحطة... ترجلت بسرعة متلهفة لرؤية بلاسم وجالت بعينيها في خارج المكان فلم تجده، اقنعت نفسها بتصور يقين منها انه في داخل المحطة عند مكان الانتظار، تحركت وبيدها تلك الوردة الحمراء، باحثة عنه بتلهف وشرود ذهن، تاركة الاخرين من افراد عائلتها يتبعونها بمسافة، كانت كأنها طفل فاقد لامه، اما قلبها فيكاد يسمع خفقانه عن بعد، وكانت عيناها زائغتين لا تستقران في جهة، او زاوية معينة من ذلك المكان، فلم تجده ايضاً، حينها اصيبت بشبه اعياء وخارت قواها، مما ادى بها الى الاتكاء على احد اعمدة المحطة، ومن ثم الجلوس على كرسي الانتظار، شعرت وكأنها غادرت العالم المحيط بها، ولم تعبأ بوجود باقي اسرتها، بل وكادت تطلب من اهلها ان تعود الى بيتها ولا ترافقهم في هذه السفرة المقيتة، لولا سماعها نداء موظف المحطة الذي وجه الى الركاب عبر المذياع نداءاً للصعود الى القطار المتوجه الى الموصل على الرصيف رقم 13 .

على اثر ذلك اصيبت كليلة بحيرة وادمعت عيناها واعتصر قلبها الذي عاش طيلة سنوات عمرها الخامس عشرة مرتوياً بالسعادة والاستقرار، للحد الذي احست بقلبها قد بات هشيماً تطحنه طاقتا رحى. وصارت تتمنى لو تسنى لها ان تعطي نصف عمرها لكي تعرف لماذا لم يأت بلاسم، فلم يهنأ لها قرار ولم يهدأ لها بال، وراحت تضرب اخماساً باسداس، هل غضب عليها لانها فاجأته بالسفر؟. والسفر يعني الفراق. والفراق يعني الموت كما عبرت عنه في اكثر من مناسبة. وفي لحظة الحسابات المتشائمة تلك تجسم امامها ذلك الموقف الذي اراد به بلاسم بالامس ان يذهب من دون ان يودعها بل وقال لها:

-        لا اودعك اليوم انما في صباح الغد عند محطة القطار.

ابتعدت كليلة في هواجسها الى ظنون مخيفة، فتصورت بانه قد اعتقل بلاسم من قبل السلطات بسبب تعاطيه السياسة حسب معرفتها بذلك، تأسيساً على ما كان يحدثها به عن الحرية والعدالة الاجتماعية واستغلال الانسان لاخيه الانسان، كما كان يزودها بقصص ذات طابع يساري، مثل :، اجراس السلام، ووراء الجدار، وحصاد الشوك، وكان ما كان، للروائي، عبد الرزاق الشيخ علي، نصير السلم المعروف الذي فُقد في 14 تموز 1957 اي قبل عام من ذلك التاريخ، تلك القصص مع مثيلاتها من الادب الثوري التقدمي التي كانت متداولة آنذاك بين المثقفين وبخاصة الشباب الواعي.

     ولكن عندما تحرك القطار شعرت كليلة وكأن عجلاته لاتمشي على السكة ، ونما تدوس على قلبها، الذي كاد ان ينفجر لولا مشاهدتها لبلاسم وهو يهرول على رصيف المحطة متّبعاً سير القطار، وحينما شاهد احدهما الاخر تغيرت حساباتهما رأساً على عقب .                                                     

     كان بلاسم قد جاء في صباح ذلك اليوم الى تلك المحطة التي لاتبعد عن منطقة سكناه كثيراً، ربما قد اخره عن الوصول في الوقت المناسب، ما حصل من عطل في دواليب الباص الخشبية  المتقادمة، التي كانت الوسيلة الوحيدة لنقل الركاب من مدينة الكاظمية عبر منطقته الى علاوي الحلة ،حيث تقع " محطة القطارات العالمية " كما كانت تسمى آنذاك ، وصل بعد فوات الاوان وترجل من ذلك الباص المستهلك، الذي اكل الدهر عليه وشرب، حيث كان من مخلفات الجيش البريطاني.

   توجه على الفور الى مكان المسافرين سائلاً في استعلامات المحطة عن موعد سفر القطار المتّجه الى الموصل ، فاشار الموظف المسؤول الى قطار قد بدأ تواً بالتحرّك، ركض كالمذعور نحو القطار الذي حسبه في تلك اللحظة غريماً ووغداً وقحاً تمادى في خطف حبيبته، وتمنى لو كان هذا القطار رجلاً لانقض عليه وانتزع منه ( قلبه الذي يمشي على الارض) كما كان يسمي حبيبته، ولكن الامر كان غير ذلك.

 لم يتمكن من اللحاق به ولكن لمح وجه كليلة وشعرها الكستنائي الطويل الذي اطلقته للريح تعبث به، وكانت تلوّح بيدها من بعيد عبر نافذة عربة القطار.  وقد غابت عن محياها تلك الابتسامة الساحرة التي كانت تبعث موجة من السرور بوجه الناظر اليها. مع انها قد افهمته باشارة كانت تعني انها ستعود قريباً. ورمت اليه بتلك الوردة الحمراء، الا انه شعر وكأنها منزعجة من تأخره. توارى القطار سريعاً وكأنه ذئب قد اختطف فريسة ويريد التخلص من ملاحقة اصحابها له.

 التقط بلاسم تلك الوردة الحمراء من على الارض وحسبها اجمل هدية قدمت له في حياته.

عاد  محملاً بهموم لايُقدر وزرها، للحد الذي لم يتمكن من السير الى الشارع، ظل جالساً خائر القوى برهة من الزمن في داخل المحطة.انتابه شعور غريب واخذ يسيطر على كل كيانه . صار عنده احساس بان قلبه غادر مكانه، بل وصل الى قناعة بأن هذا القلب ابى إلا ان يرافق حبيبته، وغدا لا يشعر بوجود قلبه سوى كونه كتلة لهيب مستعرة، وايقن بان دورته الدموية قد جفت في عروقه، كما حسب نفسه حينها في نزاع مع الموت، حتى انه قد اختلطت لديه سكرات الحب بسكرات الموت، وبات عاجزاً عن السيطرة على تثبيت اقدامه التي كثرت عثراتها. واذا ما ظل ماشياً على تلك السكة الحديدية، ربما لن يخرج عنها حتى وان داهمه قطار، انه في غيبوبة ذهنية لم يتمكن من الصحوة منها الا بعد ان ضرب في رأسه رنين جرس الامل وثارت فيه عزيمة رجل لا تسقطه عاديات الزمن .

  فراح يطرد حالة التداعي التي اصابته وذلك باستنشاق وردتها الحمراء ليس بحثاً عن عطر تلك الوردة التي باتت ذابلة، وانما محاولاً استنشاق رائحة اليد التي قطفتها ورمتها له. وظل يحتفظ بتلك الوردة دهراً من الزمن ، وكلما اراد ان يتلمس شيئاً من حبيبته لجأ  الى استنشاق ما تبقى من عطرها .

     آثر بعدها ان يبقى ماشياً في  سكة ذلك القطار اللعين، وتمنى من كل قلبه ان يرجع القطار القهقرى. لاي سبب كان، واخذ يردد تلك الاغنية الشعبية لحضيري ابو عزيز، وبصوت يكاد لا يسمع :                                          

" وعلى درب اليمرون اريد اكعد وانادي

  متى احبابي يعودون مد كلي يحادي "،

 وبصورة مفاجئة قدحت قريحته بكلمات شعرية، حسبها الهاماً ولاول مرة.

يا حبيباً ذقت منه شهد قبلة             كانت وداعاً بطعم العلقمِ.

هفيف انفاسه كحّل ناظري             راسماً في الوجه وشم المغرمِ.

لاذت  بقايا الدمع في مقلتيه خجلاً     ولاحت على محياه ابتسامة المرغمِ.

جئت على جناح الشوق لاودعه        فودعته عن بُعد بلغة الابكمِ.

غدت اماكنه كلها تلومني                فتعبدت في محرابه  واشهرت ندمي.

 

 الا ان امنيته تبددت عندما افاق من تخيلاته، وذلك بوصوله الى منطقة سكناه مشياً على الاقدام وسط القضبان الحديدية لسكة القطار، دون ان  يشعر بالوقت الذي استغرق اكثر من ساعة ، ولم يعد ذلك القطار ولا قطارغيره آت .  

كان ذلك اليوم المحزن مؤوخاً في 13 تموز 1958. لم يذق طعم النوم في ليلته، الا عند بزوغ الفجر. تمكن منه سلطان النوم لدقائق محدودة، عند التباشير الاولى من الصباح،  سارعت والدته التي تنهض مبكرة بالعادة  لغرض صلاة. لتيقظه بدافع سماعها بخبر ثورة  الرابع عشر من تموز 1958، على اثر جلبة حصلت في محيط البيت باصوات عالية، فجاءت مسرعة لتخبره بماذا حصل. نهض مفزوعاً متجهاً  نحو جهاز الراديو الهرم الذي يعمل على البطارية، واذا به يسمع باذاعة البيان الاول للثورة. في تلك اللحظة ايقن بتحقيق توقعات  بعض اعضاء الحزب الشيوعي في حيه والتي تداولوها عبر بيان سري وزع قبل يومين، وكان ملخصها ،( ترقبوا بيقظة عالية ... سيحدث امر هام.)

تجمع شباب ذلك الحي الشعبي من ابناء عمال السكك وبعد التيقّن من  الخبر، قادهم  الشابّان جبار وهادي اللذان كانا مطاردين من قبل السلطات الملكية بتهمة الانتماء الى الحزب الشيوعي، متوجهين الى الشارع العام حيث التحموا بمظاهرة لعمال معامل الشالجية، باتجاه قصر الرحاب الملكي، سائرة عبر منطقة الرحمانية والجعيفر ومحلة التكارتة وانعطافاً الى علاوي الحلة، حيث التحمت جماهير هذه المناطق معهم. وما ان وصلوا "جسر الخر" حتى جاءت مظاهرة اخرى بعبد الاله ( الوصي ) من الاتجاه المعاكس، وقد حصل ماحصل له من الجماهير المكتوية بنار نظامه الملكي.

انشغل بلاسم بنصف عقله مع الناس وبنصف فرح لسقوط النظام الملكي لعدة ايام، وبالنصف الاخر ظل مشغولاً بمصير حبيبته كليلة، وبعد حين هدأت الامور فسمع بان البعض ممن كانوا يشغلون المناصب الوظيفية الرفيعة في معامل الشالجية قد ازيحوا عن وظائفهم الى وظائف اخرى اقل شأناً، وذلك بسبب قربهم من الادارة الانكليزية، ولكن عندما اطلع على اسماء المبعدين وجد اسم ابي كليلة معهم، وكان الخبر قد وقع عليه كالصاعقة، ليس لما سيؤدي الى افتراق بينه وبينها فحسب، وانما كان لا يتصور بان ابا كليلة، ذلك الرجل القدير. هو واحد من هؤلاء المقربين من الادارة الانكليزية لمؤسسة السكك الحديدية. ومع ذلك واصل تقصي اخبارها من زميلهم خالد الذي يسكن بجوار دارها. لم تعد عائلتها الى مسكنها، رغم انتهاء العطلة المدرسية. كما مر شهران على قيام الثورة المجيدة التي بقدر ما فرح بها جلبت له تعاسة وهماً قاسيين بضياع امل اللقاء بـ " بشبه ليلى " الذي كان ينتظره بشغف غير محدود .

ظل يبحث عن اخبارها، وغدا يسمع اخباراً متضاربة، فمرة يقال بانها وعائلتها في الموصل، ليبقى لديه الخيط الرفيع من الامل مشدوداً، ومرة اخرى يسمع خبراً مفاده انها وعائلتها قد سافروا الى لندن مع الموظفين الانكليز، الذين كانوا يعملون في معامل الشالجية، فيكاد يقطع ذلك الخبر شرايين قلبه قبل ان يقطع امله بلقائها .

استمر يحاول بكل السبل للعثور على اثر لها فلم يفلح، ومع مضي السنين الطوال بقى يبحث عنها ويزور الاماكن ويكاد يتمزق قلبه عندما يتكئ على ذلك الهرم الصغير لوقت طويل احياناً، وغالباً ما كان يتخيل تلك الايام الخوالي ويتصورها موجودة بجانبه ، ولم تغادر مخيلته، وصار ذلك المكان مزاراً مفضلاً له حتى غيّبته سجون حكومة الثورة ذاتها بسبب نشاطه السياسي.

انتهى الجزء الاول


ابجدية حب في مدرسة العصافير (8-9)
ابجدية حب في مدرسة العصافير (7-9)
ابجدية حب في مدرسة العصافير (6-9)
ابجدية حب في مدرسة العصافير (5-9)
ابجدية حب في مدرسة العصافير (4-9)
ابجدية حب في مدرسة العصافير (3-9)
ابجدية حب في مدرسة العصافير (2-9)
ابجدية حب في مدرسة العصافير (1-9)
 


 

free web counter