| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. صدام فهد الأسدي

 

 

 

 

السبت 13 /1/ 2007

 

 

قناديل بصرية - 4

الشاعرعاطف معتوق السعد
من غنى لدجلة الخير ومات في حبها


د. صدام فهد الاسدي

كنت اعرف الشاعر صديقا وقريبا وموهوبا في بداية السبعينات وفي غمرة الزحام والصراع الأدبي آنذاك كان صوته البصري مميزا كان كظل شجرة في وقدة مشبوبة من هجير ، وكان عاطف محبا لبصرته عبّر بقصائده عن عذابات المسحوقين وآلام الناس وهو يرفض الحياة المتناقضة قائلا:
يا بصرة الخير والأيام عابثة
فلا أراها سوى بالشر تسقيني
ولا أرى الدهر سمحا في نوازعه
إلا كما نزعت أم الثعابينِ

وسوف أدخل في تقديم موجز عن سيرة الشاعر لكي يطلع عليها القرّاء وأصحاب الفكر راجيا عدم نسيان هذا الشاعر الذي ولد في القرنة الشعراء التي بعثت للفكر والأدب قافلة من الشعراء وفي تلك البيئة الخصبة بالشعر نشأ عاطف محبا وموهوبا فدخل معهد المعلمين عام 1963 وتخرج فيه عام 1965م ثم عين معلما في مدرسة شيروند في قضاء خانقين في محافظة ديالى ، وكان الشاعر يقلد الجواهري كثيرا حتى التقى به اليوم وجالسه وقرأ عليه بعضا من قصائده ، وكذلك التقى بالشاعرتين ، الرائدة نازك الملائكة ولميعة عباس عمارة وبالشاعر صالح مهدي عماش كذلك ، تزوج الشاعر عام 1968م وبعد نقله إلى مدرسة الشاطئ الابتدائية في النجيبية في البصرة وللشاعر ولد واحد وهو الدكتور فرات عاطف الطبيب في البصرة وابنتان معلمتان هما شيرين وفاتن ، توفي الشاعر عام 1976م عن عمر يناهز (32) عاما بعد ترك أثرا طيبا في نفوس محبيه من الأدباء وقد نشر الكثير من قصائده في الصحف المحلية ولأن القدر قد داهمه مبكرا لم ينشر ديوان شعره ، وكنت ابن خالته فحصلت على بعض من قصائده وقد جاء الوقت للتذكير بهذا الشاعر.
للشاعر عاطف فيض حاد من الشعر الصارخ بعذابات الإنسان ينبع من وعي وتجربة وكان يترجم للقارئ عن غربة حقيقية :
يا بصرة الخير والأيام تنهشني
وطالع السوء بالأرزاء يرميني
أبكي الأبوة حرمانا بلا أمل
وأم زلفى بذا الحرمان تكويني
من عهد ادم معروفا لها صلف
كخاتم الرسل والطهر الميامين

كان الشاعر مخاطبا شيخ الشعراء وشاغل الدهر المتنبي في قصيدته البائية قائلا له :
يا شاغل الدهر لو لم يجر من قدر
عليك ما ولدت أمثالك النجب
جارت عليك يد بالخزي ما برحت
تملى بها عصور ضجة كتب
أفصح فإن مخول الفكر شاردة
أذهانها فهي نزر موشل نضب
أفصح ففي حلبة الدنيا عباقرة
أزاء نهجك قد شطوا بما كتبوا

وقد ألقى الشاعر هذه القصيدة في الحفل الذي أقيم في مديرية الإرشاد بمناسبة الذكرى الألف والربع على رحيل المتنبي وكنت من الحاضرين وقد اسمع جلجلة صوت عاطف تشق الجدران بعد الآذان وهو يصرخ :
والخيل والليل والبيداء شاهدة
إذ ليس من آية إلا لها أدب
يا قاطع البيد لا نكسا ولا جزعا
ما خانك الجهد لكن خانك الطلب
أبا الفصاحة لا تحزن فحاضرة
من وحي مجدك تستسقى وتحتلب

وكان للشاعر عاطف صوت آخر في رثاء شاعر لبنان بشارة الخوري قائلا :
فيا شاعر الوجدان لا جف منهل
تساقيه من رقراقة هانئا دهرا
ترحلت يا بشار هل منك عودة
لروض غزاه الجدب إذ عفته هجرا
سلام هزبر الشعر أقدم وعُدْ لنا
غبار المدى والموت أفقدنا البدرا

أما المرأة فكانت أغنية دافئة في قصائد عاطف وقد ألقى قصيدة في كلية الآداب عام 1969 قال فيها:
لك ما حييتُ من الزمان سلامي
وتحيتي ومودتي وغرامي
بشرى أطلت بلوعتي وسلبت من
وحي باسمك واهنا مترامي
لا تعذلي قلباً أضرّ به الهوى
إربا وخلي عنك لذع ملامي
رقص الفؤاد شذى بفوزك وانتشى
رقص الزهور تميس بالأنسام

وهكذا كان عاطف حالما ببشرى وهي تحمل فوزها ليباركها ولكن بشرى المرأة ما تذكرت فتى احلامها بل تناسته أبدا وهذا شأن النساء ، ولا ادري هل يتذكره صاحبه ( أبو ناهض) الذي يظهر في قوله :
بالأمس ودّعت اللذائذ والمنى
والاريحي أبا نهوض السامي

وقد تميز اسلوب عاطف باللغة الجزلة والالفاظ المنتقاة مثل (النوى ، الصبا ، الحشاشة ، الربوع ، أم الثعابين ، صوحت ، الحشرجات ، معاهد الانس ، نزر موشل ، نضب ) وكان التكرار ظاهرة بارزة في قصائده ، فالفعل حييت يتكرر خمس مرات في قصيدته (يا بصرة الخير) التي يقلد فيها الجواهري:
حييت فيك الربوع الخضر أنفسها
لدى الاصائل تنعاب الشواهينِ
حييت والعمر يستوفي مناهله
معاهد الانس في شتى الميادين

وكان يكرر نداءه ( يا بصرة الخير) أكثر من ست مرات ، وفي قصيدة المتنبي كرر اسم الإشارة (هذا) سبع مرات ، وابا المحسد (ست مرات) وفي قصيدته ( إلى من أحب) كرر بالأمس أربع مرات وبشرى خمس مرات وفي رثائية الخري كرر اسلوب النفي (ولم أطلب ، لم يسطب ، لم يك) ، وقد احتلت الصور الشعرية مساحة في قصائده بين الصور المفردة والمركبة مثال ذلك :
وفجرت بركانا تمادت سواكتا
قذائف اشعاري به تصطلي غمرا
فكم بجمان الشعر قلدت غادة
فزينت من لباتها الصدر والنحرا
واطربت نعسانا ألمّ به الهوى
وحييت للندمان مستعذبا خمرا

وكان عاطف ينتقي قافيته المؤثرة ذات الجرس القوي مع البحر الطويل والبسيط مستخدما التصريع :
تململت من صمت فلم احتمل صبرا
وهزتني إذ امسكت بالقلم الذكرى

وكانت الإشارة من دواعي الشاعر المكانية التي تناثرت في جسد قصائده (وذا اليوم يبكيك الفؤاد) (هذا الثريا فلا عيب ولا جنف) ، وكانت الاستغاثة من ايقاعاته الداخلية (آه أبا الطيب) ، وأما البلاغة فقد اهتم بها كثيرا فالتشبيه أولها (أبا محسد والدنيا كما شهدت) (كأن سائرها هونا). والطباق (حييت والقلب لا ينفك اونة يبكي ويضحك في شتى الميادين) ، وجاءت التقابلات الثنائية (لا تمنح الدفء نارا ما لها حطب) وكانت الحكمة تتقاسم بنية قصائده (والنفس ان جمحت من قيد راكبها)
( لا تسرفوا ان في مبسوطة فرحا
وان في العمر ايسارا لمن يشب
)
وكان عاطف ينهل من الموروث ويستل من الجواهري بعض اشطاره : (فذو المطامح انى صار مغترب) ، ومن المتنبي (الخيل والليل والبيداء) ولابد من الإشارة بأن قصيدة دجلة الخير قد بلغت اوج شهرتها لذا قلدها العديد من الشعراء منهم الشاعر رشدي العامل ولعلي اخرجت شاعرا من خلف الستار ووضعته أمام العيون والأدب الحي فما قصدي إلا ان نرد للمبدعين حقوقهم ونعترف بأن البصرة مدينة الشعراء فيها الكثير من المغمورين المنسيين وان تناساهم الجهلاء فإن المستقبل بان يستطلع دورهم ويعلق اسماءهم في لائحة الشرف . رحماك يا أبا فرات ويا ابن مدينتي القرنة تلك المدينة الفيحاء بالعطاء فكم من استاذ جامعي واديب لامع وباحث قدير وناقد أصيل قد أعطت القرنة فهل من مذكر..!!!
 

¤ قناديل بصرية - 3

¤ قناديل بصرية - 2

¤ قناديل بصرية - 1