|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الخميس  22 / 01 / 2015                                 د. كاظم حبيب                          كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

زيارات حزينة إلى مخيمات سكان النزوح القسري بإقليم كردستان العراق
(2)

كاظم حبيب 

مخيم آسيان في ناحية باعذرا

يقدر عدد سكان إقليم كردستان بـ 5 مليون نسمة. ولكن هذا العدد من السكان يحتضن اليوم عدداً كبيراً جداً من النازحين قسراً إلى الإقليم من عدد من محافظات العراق مثل نينوى، الأنبار، صلاح الدين، ديالى وبغداد أو غيرها. وإذا كانت القسم الأعظم من النازحين إليها قسراً من الإيزيديين والمسيحيين, فأن عدداً غير قليل من الصابئة المندائيين والشيعة والسنة نزحوا إليها هرباً من الاضطهاد الذي تعرضوا له في مناطق سكناهم في الوسط والجنوب أو في غرب بغداد.

يقدر عدد النازحين إلى الإقليم بين 1450000 – 1500000 نسمة، وهم موزعون على مجموعتين حوالي 1250 ألف نسمة من العراقيات والعراقيين وحوالي 260 ألف نسمة من نازحي سوريا. وهذا يعني إن حصة كل ثلاثة أشخاص من سكان الإقليم شخص واحد من النازحين قسراً. وهو في كل الأحوال عبء ثقيل وثقيل جداً على الإقليم وميزانيته وسكانه وقدراته الاستيعابية وتوفير مستلزمات احتضان هذا العدد المتزايد وتوفير الخدمات، رغم إن هناك رغبة متنامية للكثير من النازحين في الهجرة إلى خارج العراق، كما بلغ من هاجر منذ بدء اجتياح الموصل حتى الآن حوالي 60 ألف نسمة من المسيحيين والإيزيديين. يضاف إلى ذلك أن التعاون بين الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم، رغم تحسنها النسبي، ما زالت بعيدة عن المطلوب منها في هذا الظرف الاستثنائي الذي يمر به الإقليم والعراق عموماً، كما إن الدعم الدولي ليس بالمستوى المطلوب، سواء بالنسبة لجبهات القتال أم بالنسبة للمواقع الخلفية أو السكان المدنيين والنازحين قسراً.

ويشير تقرير الجمعية العراقية لحقوق الإنسان في الولايات المتحدة الأمريكية، فرع كردستان، إلى توزيع مجموع النازحين في الإقليم على النحو التالي :

330 ألف عائلة من الموصل وتكريت وديالى ومدن محافظة الأنبار
19 ألف عائلة من سهل نينوى والموصل، 58 ألف عائلة من الموصل وتلعفر وكركوك، 60 ألف عائلة من سنجار والموصل، 33 ألف عائلة من مدن محافظة نينوى، 120 عائلة من الجنوب وبغداد بالنسبة لعام 2014 فقط، أي في أعقاب الاجتياح في العاشر من حزيران/يونيو 2014.

أقيم بالإقليم عشرات المخيمات للنازحين المسيحيين قسراً من الموصل وسهل نينوى أو النازحين الإيزيديين من مدن سهل نينوى وجبل سنجار وزمار وغيرها، إضافة إلى إسكان أعداداً أخرى في البيوت غير كاكلة البناء والتي يطلق عليها بالهياكل أو في بيوت بعنكاوا وكذلك مخيمات في الكنائس والنوادي وغير ذلك. كما توجد حسينيات وخانات في كربلاء نزح إليها الكثير من الشبك والتركمان وكذلك جمهرة من الإيزيديين.

بلغ إجمالي المخيمات بالإقليم 54 مخيماً يضم عشرات الألوف من النازحين قسراً. وفي دهوك مثلاً توجد خمسة مجمعات تحتوي على 20 ألف خيمة (وحدة سكنية) موزعة على النحو التالي
:
آسيان 3000 خيمة في ناحية باعذرة، 3000 خيمة في قضاء بردة رش في دهوك، 3000 خيمة في عقرة، 3000 خيمة في كابرتو، و3000 خيمة كابر بك و3000 خيمة في سميل و5000 خيمة في جامشكو زاخو. وهناك مخيمات أخرى كثيرة للنازحين قسراً في دهوك غير التي ذكرتها ويصل مجموعها إلى 18 مخيم تعيش فيه جماعات من مختلف القوميات والديانات. ومجموع الإيزيديين في هذه المخيمات يتراوح بين 120-150 ألف نسمة. ساهمت الحكومة الاتحادية بالتمويل وحكومة الإقليم في تنفيذ إقامة المخيمات وإدارتها. لا توجد إدارة مركزية لهذه المخيمات. (
راجع تقرير الجمعية العراقية لحقوق الإنسان في الولايات المتحدة الأمريكية لسنة 2014).

واليكم بعض المعلومات عن واحد من هذه المخيمات السكنية المقام في ناحية باعذره في محافظة دهوك واسمه "مخيم "آسيان". توجد في هذا المخيم 3000 خيمة للسكن تسكن فيها حتى الآن 2480 عائلة أو ما يساوي 14440 نسمة. المخيم مزود بالكهرباء والماء وهو من المخيمات المحسنة نسبياً بسبب وجود مطبخ وحمام في مقابل كل خيمة.

لا توجد مدرسة للأطفال ولا خدمات اجتماعية ضرورية ولا أي نشاط اجتماعي والبطالة منتشرة بين أبناء وبنات هذا المخيم كما هو حال بقية المخيمات. رغم صدور قرار بمنح كل عائلة مليون دينار شهرياً فالكثير من العائلات لم يتسلم هذه المنحة الضئيلة حتى الآن. أقل من نصف القاطنين تسلموا النفط والغاز في حين لم يتسلم البقية ذلك رغم قسوة برد الشتاء في المنطقة. في هذا المخيم نلتقي بـ 54 معاقاً من ذوي الاحتياجات الخاصة و104 يتيم الأبوين.

يعاني الأطفال وكذلك الكثير من الشباب والنساء من اضطرابات نفسية وعصبية معقدة جداً ومن كوابيس مستمرة ولا توجد أي معالجة نفسية لهؤلاء الناس ولا مراكز صحية. الكثير من العوائل التي تعيش في هذا المخيم خسرت الكثير من أفرادها بعضهم قتل والبعض الآخر اختطف ولم يعد ولا يعرفون مصيره حتى الآن ومن بينهم الكثير جداً من النساء. فعائلة واحدة فقدت 38 شخصاً، منهم 23 امرأة وثلاثة أطفال و12 رجلاً من مختلف الأعمار. (احتفظ بقائمة الأسماء).

الأوضاع الحياتية في هذه المجمعات بائسة حقاً ومريعة، خاصة وان اغلبهم من سكان المدن وكانت لهم دورهم ومعيشتهم وعملهم وحياتهم الاجتماعية، وبالتالي فهم يعانون من الكثير من المصاعب اليومية التي لا تستطيع إدارة هذه المخيمات على حلها، إذ لا مورد لها غير بعض المساعدات العينية التي تصل إلى النازحين.

من الجدير بالإشارة إلى إن العائلات الإيزيدية قد استقبلت النساء الأسرى الذين عادوا إلى أهلهم بصورة حسنة متفهمة بشكل إنساني متحضر أوضاعهم، فهم لم يكونوا مخيرين بل أسروا وعانوا من العذابات المريرة الشيء الكثيرة وهن يواجهن أوضاعاً نفسية وكوابيس قاسية وخشية دائمة تؤرقهم دوماً وتنغص حياتهم.

إن الإشكاليات التي يعاني منها النازحون قسراً لا تنتهي بانتهاء حياة المخيمات، بل ستكون عبئاً ثقيلاً على أوضاعهم النفسية والاجتماعية والاقتصادية لاحقاً، إضافة إلى انعدام الثقة بين المكونات العراقية، إزاء أولئك الذين شاركوا في اضطهادهم واغتصاب النساء أو قتل الأقرباء أو الاختطاف وقتل الأطفال. والطبيبة النفسية الدكتورة فيان وزوجها الأستاذ نهاد القاضي أطلقوا على معاناة وأوضاع النازحين قسراً بعد التحرير بـ"الأزمة ما بعد الأزمة الراهنة" التي يستوجب الأمر الاستعداد لها منذ اليوم لمعالجة الوضع النفسي وفقدان الثقة بين مكونات الشعب العراقي في المناطق التي تم اجتياحها واستباحتها وممارسة التطهير العرقي والإبادة الجماعية فيها.


انتهت الحلقة الثانية وستليها الحلقة الثالثة

21/1/2014
 

- زيارات حزينة إلى مخيمات سكان النزوح القسري بإقليم كردستان العراق (1)



 

 


 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter