|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الأربعاء  18 / 6 / 2014                                 د. كاظم حبيب                          كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 


 

نقاش هادئ مع السيد أياد عبد الرزاق حول رسالتي إلى السيد السيستاني
 (3-3)

كاظم حبيب

وأخيراً أنتقل إلى المسألتين المهمتين التي أثارهما السيد أياد عبد الرزاق حول موقفي من عودة البعثيين إلى مناصبهم في الجيش والموقف من الكرد، إذ يتهمني بما يلي:
6. ويكتب أياد عبد الرزاق " انتم من أيدتم إرجاعهم إلى مناصبهم بحجه الطائفية والعنصرية" ويقصد هنا إرجاع الضباط البعثيين إلى مناصبهم السابقة.
7. ويتحدى السيد أياد عبد الرزاق الدكتور كاظم حبيب في عدم نقده للكرد ولستالين ولينين.

6. كم كان حرياً بالسيد أياد عبد الرزاق أن يعود إلى ما كتبته خلال العقود الثلاثة الأخيرة أو حتى العودة إلى ما كتبته حول السبب في اعتقالي في تموز/يوليو من العام 1978 وتعذيبي وإحالتي على التقاعد بدون تقاعد وخروجي إلى الجزائر بسبب قرار تقديمي إلى "محكمة الثورة" ببغداد بتهمة إهانة الثورة ومجلس قيادة الثورة. فهو يفترض وغير متيقن ولكنه مصر فكتب بأن اعتقالي جاء بسبب كوني ماركسياً، ونسي أن الحزب الشيوعي العراقي كان حينذاك ما يزال في تحالف حكومي مع حزب البعث. إن السبب وراء اعتقالي واعتقال شيوعيين آخرين بسبب النقد الذي وجهته كشيوعي حينذاك وكوطني عراقي ضد سياسات البعث في جريدة طريق الشعب. ويمكنك العودة إلى مقالي هذا في طريق الشعب في شهر تموز من نفس العام، كما يمكن قراءة المقابلة التي أجرتها معي مجلة المرأة في الأمارات العربية المتحدة، أو في شرحي لعوامل اعتقالي حينذاك. ثم هذا الكاتب الهميم لم يقرأ كتابي الذي صدر في العام 1984 ومن ثم في العام 2008 بعنوان "الفاشية التابعة في العراق" حول حزب البعث العربي الاشتراكي، كما لم يطلع على 2000 مقال ودراسة وبحث نشرت لي منذ سقوط الدكتاتورية الصدَّامية البعثية حتى الآن، إضافة إلى الكتب الكثيرة التي طبعت بالعراق ومنها حول حزب البعث. لم أطالب يوماً بعودة البعثيين إلى القوات المسلحة. وهنا يبرز من هو الملفق وضد من يتم التلفيق؟

من يقرأ مقالاتي سيجد فيها أكثر من تأكيد عن اندساس بعثيين وقاعديين في الجيش العراقي وفي بقية صنوف القوات المسلحة والى تسرب المعلومات إلى الانتحاريين وغيرهم من المجرمين. ولكن سياسات وبعض مساومات رئيس الوزراء البائسة هي التي جلبت البعثيين إلى مراكز المسؤولية بهدف التضييق على الكرد أو على قوى عربية سنية. مقالاتي كلها منشورة في صوت العراق والحوار المتمدن والناس وغيرها من المواقع ولا يمكنك اتهامي بما لم أقله. ولكن في ردي على شيخ الدين السيد كاظم الحسيني الحائري ميزت بين أربعة أقسام من البعثيين لأنه طالب بقتل كل البعثيين حتى من شهد على شخص ما وسجن, أي حتى على المرتزقة المخبرين السريين الذين يعششون اليوم بالآلاف في جهاز نوري المالكي الأمني والمدني والعسكري في الوقت الحاضر، وهم:

1. البعثيون المسؤولون مباشرة عن قيادة وتوجيه النظام البعثي في الحزب والدولة وكوادر الحزب الكثيرة التي مارست الحكم والقمع والتعذيب والقتل ضد الشعب العراقي وشنت الحروب الداخلية والخارجية.
2. البعثيون الذين التحقوا بحزب البعث بسبب خشيتهم وخوفهم من القتل والتعذيب/ وما كانوا يومياً بعثيين.
3. البعثيون الانتهازيون الذين التحقوا بالبعث للحصول على امتيازات ومواقع حكومية متقدمة.
4. البعثيون الذين أخذتهم الموجة البعثية وساروا في الدرب السيئ الذي ولجه حزب البعث.

لم أطالب بإعادتهم ولكن قلت لا يمكن قتل كل هؤلاء بل محاكمة من تثبت إدانته. وهذا مكتوب في أكثر من مكان ولا يمكن تصور غير ذلك. الموقف كمن البعثيين هو ليس لا يعني الموقف ضد الطائفية، فالكثير من البعثيين كانوا من الشيعة.

دعني الآن أخبرك بحقيقة يفترض أن لا تكون غائبة عنك ما دمت من غلاة الطائفيين المتحمسين للتمييز بين الناس على أساس ديني ومذهبي. وأغلب العراقيات والعراقيين يعرفون هذه الحقيقة. ويمكن أن يكون "على الشلاه" وعشرات ألوف غيره نماذج قبيحة لهذا النوع من البشر المتلون كالحرباء والصياد في المياه العكرة.

لقد احتضنت الأحزاب الإسلامية السياسية الشيعية منها والسنية قوافل من البعثيين الحزبيين والمؤيدين لحزب البعث تحت باب "التوبة". امتلأ بهم جيش المهدي وعصائب الحق، التي كانت جزءاً من جيش المهدي، ومنظمة بدر، التي كانت جزءاً من لواء بدر الذي هو جزء من فيلق القدس الإيراني ورئيسها الآن هادي العامري، وهي ما تزال إيرانية الهوى والعمل. لم يلتحق أي بعثي بالحزب الشيوعي العراقي ولا بالحزب الوطني الديمقراطي ولا بالتنظيمات الديمقراطية الأخرى، بل كلهم توجهوا وبمختلف رتبهم الحزبية إلى الأحزاب الإسلامية السياسية الشيعية منها والسنية، ومن ثم هناك الكثير من القادة البعثيين الذين التحقوا بالقاعدة وهيئة علماء المسلمين السنة وأنصار السنة وداعش الذين يمارسون القتل الإجرامي بحق أبناء الجيش العراقي.

لهذا لا يمكنك تلبيسي رداءً لم ارتده بل ارتداه أخوتك في الأحزاب الإسلامية السياسية الشيعية على نحو خاص. وهذا ليس تقولاً عليهم وإدعاءً مني ضدهم بل قالوها هم، ومن الذين قالها السيد مقتدى الصدر الذي أكد بأنهم أعلنوا التوبة!!!

والآن بالنسبة للنقطة السابعة والأخيرة.
7. لو كان السيد أياد عبد الرزاق قارئاً جيداً لوجد مقالاتي التي كتبتها في التسعينات من القرن الماضي وفي العقد الأول من القرن الحادي والعشرين حول الحركة الشيوعية والماركسية وحول لينين وستالين. ولكن الرجل يكتب بما لا يعرف، وهنا يبرز مكمن الخلل في أسلوب تفكيره وتعامله مع النقد. حين لا يعرف الناقد قضية ما لا يحاسبه أحد، ولكن حين يكتب الناقد عن شي لا يعرف عنه شيئاً أو سمع من بعيد أو افترض ذلك، عندها يكون الخلل كبيراً في أسس تفكير وأسلوب تعامل الشخص مع الأمور. وهو ما لا أرتضيه للسيد أياد عبد الرزاق وما كان له أن يرتكب مثل هذا الخطأ الفادح. إذ لم يكن ضرورياً أن يتحدث عن أمور لا يعرفها.

فلاديمير إيلتش لنين منظر ماركسي كبير وقائد ثورة عظيمة، هي ثورة أكتوبر 1917 رغم انهيارها بعد سبعة عقود ونيف. وقد قدمت الثورة دعماً هائلاً لحركات التحرر الوطني على الصعيدين العربي والعالمي. ولكن الخلل في عمل لينين، حسب قناعتي، برز في دعوته لبناء الاشتراكية بعد الثورة مباشرة ولم يكن الأمر صحيحاً أولاً، وحين تراجع عنه في العام 1921 لم يكن قادراً على تحقيق ما توصل إليه بسبب مرضه وعزلته عملياً، إضافة إلى الخلل الذي ارتكبه الحزب الشيوعي السوفييتي في روسنة النظرية الماركسية وتعميمها وتصديرها كماركسية قابلة للتثقيف بها والعمل بموجبها إلى جميع أنحاء العالم، إضافة إلى موقفه المتشدد من أتباع الرأي الآخر. أما ستالين الذي تجاوز على مقترحات لنين ورفض الالتزام بها وراح ينفذ الخطة الأولى، أي بناء الاشتراكية على أرضية غير ناضجة للاشتراكية، ثم مارس العنف والقوة في فرض الثورة الزراعية وبناء الكولخوزات والسوفخوزات في ظروف غير مقبولة لم يهضمها الفلاح الروسي وأغنياء الفلاحين الكولاك، وكذلك استخدام القسوة والإرهاب في قتل الشيوعيين الروس المخلصين للثورة بتهمة التحريفية أو الخيانة للثورة. لقد ارتكب جوزيف ستالين عبر جهاز الدولة الأمني وعبر الحزب جرائم بشعة والتي برزت بشكل خاص في الثلاثينات من القرن العشرين ومن ثم في فترة الحرب العالمية الثانية. لقد ارتكب ستالين إساءات هائلة إلى النظرية الماركسية وتوجيهات لينين. وكان دكتاتوراً شرساً مات بسبب سلوكه عشرات ألوف الشيوعيين الروس وشيوعيين من بلدان أوروبية أيضا وهجر العديد من المكونات القومية خشية خيانتهم للثو. لا يحتاج الإنسان إلى جرأة ليكتب مثل هذه الحقائق التي أصبحت معروفة للجميع، بل الجرأة في أن يشخص الإنسان السياسات الصائبة والخاطئة التي مارستها النخب الحاكمة بالعراق خلال أكثر من عقد على سقوط الدكتاتورية البعثية الفاشية من جهة واتخاذ الموقف السليم منها. إن ما وصل إليه العراق حتى الآن تعبر عن ارتكاب جرائم بشعة من قبل الطائفيين السياسيين وليس من الناس الطبيعيين، سواء أكانوا من السنة أو الشيعة. والخيانات التي وقعت بالعراق وفي الموصل أو غيرها سيكشف عنها وسوف لن يرحمهم التاريخ، ولكن أتمنى أن لا يرحمهم الشعب ويعيد انتخابهم كما حصل في الانتخابات الأخيرة.

ويردد السيد أياد عبد الرزاق كذبة لا تصمد أمام الوقائع والحقائق، وأعني برها فرية كوني أحجم عن نقد الكرد. وهنا لا يميز السيد عبد الرزاق بين الكرد كشعب وبين القيادات أو المسؤولين الكرد. وبهذا فهو يرتكب خطأين آخرين لا خطأً واحداً.

أنا لست مغرماً بنقد الآخرين وليس النقد لمجرد النقد فضيلة بل رذيلة. ولكن النقد حين يشعر الإنسان بضرورة توجيهه فلا بد منه، لأنه يعتقد بهذا النقد يستطيع المشاركة في إصلاح الخطأ. وهنا يمكن أن يخطئ الإنسان أو يصيب. كما لا بد من التمييز بين الكرد كشعب وبين الأحزاب السياسية أو القيادات السياسية. وأنا أميز ذلك بوضوح كبير.

لو كان السيد اياد عبد الرزاق قد قرأ مقالاتي التي نشرتها في مجلة گولان العربية والكردية لوجد النقد الذي أمارسه بشأن سياسات الأحزاب والقيادات السياسية والحكومة الكردستانية، وفي هذا لا أخشى لومة لائم. ومقالاتي النقدية منشورة في الحوار المتمدن وصوت العراق والناس وغيرها من المواقع أيضاً.

وخلال هذا العام وحده نشرت أكثر من مقال بهذا الصدد في نقدي للسياسات الكردستانية، ولكن يبدو أن الرجل لا يقرأ إلا ذلك النقد العادل والنظيف والنزيه الذي أوجهه إلى سياسات نوري المالكي وإلى تصرفاته وسياسات حزبه وقيادته وما آل إليه العراق بسبب ذلك وبسبب سلوك المتصارعين معه من أمثاله متن الطائفيين السنة.

لو كان الرجل قد أطلع على المقالات التي كتبتها حين وصل المالكي إلى السلطة حيث تمنيت له النجاح لأنه جاء بعد إبراهيم الجعفري الذي ارتكب الكثير من السياسات البائسة والخاطئة، ولكني شككت بقدرته على تحقيق التغيير في زجهة النظام السياسي الطائفي لأنه يقود حزباً طائفياً بامتياز. وفي الممارسة العملية سار المالكي ولمدة سنتين بشكل مناسب نسبياً، ولكنه سرعان ما ارتد على أعقابه وتراجع بخطوات سريعة إلى الوراء ليتحول إلى مستبد صغير لا يستحق أن يكون على رأس حكومة لدولة عراقية ذات حضارة عظيمة، الدولة التي أصبحت في زمانه أكثر هشاشة وأكثر بؤساً وعجزاً عن معالجة المشكلات وأكثر طائفية من أي وقت مضى,

المشكلة التي تواجه العراق اليوم كبيرة جداً ويصعب إعادة العراق إلى ما كان عليه قبل الأحداث الأخيرة، رغم كل التمنيات بعودته إلى الوحدة والسلامة. نحن نواجه اليوم هجوماً إرهابياً شرساً من منظمات إرهابية قذرة بقيادة المجموعة المسلحة والمجرمة، سواء أكانت من حزب البعث العربي الاشتراكي أم من داعش، ومن ثم التعاون الوثيق بينهما ومع الجماعة النقشبندية وأنصار السنة وغيرهم. وتقع على عاتق الجيش العراقي وبقية القوات المسلحة مواجهة هذا التحالف الخبيث بصلابة وحزم لأنه يستهدف الدولة العراقية وليس نظامها السياسي الطائفي وحده. ولكن علينا في الوقت نفسه أن نعمل على :

** التمييز بين أبناء وبنات الشعب الذين طالبوا بالإصلاح وبالمساواة في المواطنة من رجال ونساء السنة، وشاركهم في تلك المطالب الكثير من الشيعة أيضاً. وبالتالي عدم رميهم جميعاً في قدر واحد، فهو خطأ فادح وقد كلف ويكلف الكثير جداً في النفوس والتنمية والمال.

** إيقاف نشاط المليشيات الشيعية الطائفية المسلحة التي ستزيد من مشكلات العراق ومن ضحاياه. إنها منظمات حاقدة وتمارس شتى الأعمال غير القانونية والقتل أيضاً على الهوية وضد السنة بشكل خاص، ولكنها مارست القتل مع منظماإرهابية سنية أخرى قتل المسيحيين والصابئة المندائيين والإيزيديين أيضاً. وهو ما لا يجوز السكوت عنه مطلقاً.

** إن على المجتمع العراقي أن يجد لغة سياسية مشتركة في مواجهة الوضع الراهن إلى جانب اللغة العسكرية الموجهة ضد الإرهاب والإرهابيين. علينا أن نطلق مبادرة سياسية ترفض الطائفية وتعتمد مبادئ الحوار والحقوق الأساسية للشعب العراقي بكل مكوناته.

** إن مركزية الحكم لم تعد ذات فائدة للعراق ولا يمكن الأخذ بها ولا بد من التفكير بتوزيع مهمات الحكم على أسس جديدة متوفرة في الدستور الحالي.

** لكن لا يمكن أن يتم كل ذلك وغيره مع من ساهم بخلق المشكلات، سواء أكانوا من الشيعة أم السنة. لم يعد المالكي صالحاً لأي منصب وزاري أو سياسي، فهو ليس برجل دولة ولا سياسي متزن وغير موحد للصفوف، بل هو رجل مستبد ومفرق للصفوف وطائفي بامتياز. ووينطبق هذا على حزب الدعوة الإسلامية بقيادته الراهنة. ليس من مصلحة أحد أن تكون قوى طائفية على رأس الحكم بالعراق لأنها مدمرة.

أدرك تماماً الأفعال الدنيئة التي مارسها حزب البعث العربي الاشتراكي وقيادته وأحمد حسن البكر وصدام حسين بالعراق وضد الشعب العراقي بكل قومياته، وأدرك أيضا الردة الفكرية والاجتماعية والسياسية والثقافية التي يعيشها الشعب العراقي في الوقت الحاضر بفعل تلك السياسات والحصار الدولي والاحتلال الأمريكي-البريطاني ووجود أحزاب وقيادات ونخب سياسية طائفية على رأس السلطة بالعراق التي ساهمت كلها وغيرها في هذا الواقع السيئ الذي يعاني منه الاقتصاد والمجتمع والأخلاق في آن واحد. ولهذا لا استبعد أن يُهاجم بشراسة، كما فعل أياد عبد الرزاق معي، من يكتب ضد الطائفية السياسية أو يتوجه بالنقد لفتوى السيد علي السيستاني، والتي اختَلَفَ معه شيوخ دين من العراق وغيره، ومنهم السيد علي الأمين، العلامة الديني اللبناني المعروف أو الشيخ محمد اليعقوبي مثلا.


18/6/2014

 
ملاحظة: للأمانة العلمية، ولكي يطلع القراء والقارئات على مقال السيد أياد عبد الرزاق، يمكنهم الذهاب إلى موقع صوت العراق حيث نشر المقال يوم الأحد المصادف 15/حزيران/جون 2014.
 


نقاش هادئ مع السيد أياد عبد الرزاق حول رسالتي إلى السيد السيستاني (3-3)
 


 

 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter