|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الثلاثاء  17 / 6 / 2014                                 د. كاظم حبيب                          كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 


 

نقاش هادئ مع السيد أياد عبد الرزاق حول رسالتي إلى السيد السيستاني
 (2-3)

كاظم حبيب

متابعة النقاش حول النقاط الثلاث التالية:

3. لا يريد الدكتور كاظم حبيب أن يرى دور المرجعية في تأكيدها على الديمقراطية حين طالبت بسرعة الانتخابات بعد سقوط الدكتاتورية بفترة وجيزة.
4. وأن المرجعية نفت أي تقارب بينها وبين الأحزاب الإسلامية السياسية ووقفت على مسافة واحدة منها.
5. وأن الدكتور حبيب يلفق على المرجعية، وكأن حبيب يقول لم أعلنتم الجهاد ضد داعش أحبابنا!

كم يكون الباحث سعيداً حين يرى كيف يتابع القراء والقارئات مقالاته وأبحاثه ويمارسون نقدهم لها، إذ إن في هذا إغناء مجاني للكاتب. وتزداد هذه السعادة حين يجد أن الكاتب كان موضوعياً في نقده وابتعد عن الشوائب التي لا تساعد على موضوعية النقاش وجدواه، ولكن يصبح النقاش عبثياً حين يسعى الكاتب توجيه إساءات لا للكاتب فحسب، بل وللقراء حين يعتقد بأنهم يُخدعون بما كتبه الكاتب أو ما لفقوه ولا يفقهون ما فيه ويؤيدونه دون تمحيص لما يكتبه. ويزداد الأمر سوءاً حين يكتب هذا الناقد أو ذاك دون أن يعود إلى كتابات الكاتب الأخرى ويعتقد بأنه لم يكتب فيها. وهو ما سأعالجه حين أناقش النقاط الأخيرة الخاصة بستالين ولينين أو الموقف من الكرد مثلاً. ومن المؤسف حقاً أن السيد أياد عبد الرزاق قد وقع في فخ غضبه الطائفي وفي مطبات ما كنت أرجوها له. فمنذ كنت أستاذاً في جامعة المستنصرية أو جامعة الجزائر أدرك طلابي مدى تدقيقي للأفكار التي أطرحها أو التي أناقشها ومدى سعي لتنشيط الفكر وممارسة النقد البناء والموضوعي والهادف للوصول إلى نتائج إيجابية. وقد أخطأ الرجل في ذكر سنوات عمري أيضاً. فأنا الآن أزحف نحو الثمانين بخطوات سريعة كما الخيل حين تسابق الريح. وسماحة السيستاني من جيلي الثلاثيني. وأرجو له وللسيد أياد عبد الرزاق طول العمر وطول الرقبة، كما قال الأمام علي بن أبي طالب في نهج البلاغة "تمنيت لو كانت لي رقبة بعير".

3. لا يريد الدكتور كاظم حبيب أن يرى دور المرجعية في تأكيدها على الديمقراطية حين طالبت بسرعة الانتخابات بعد سقوط الدكتاتورية بفترة وجيزة.

إن هذا الادعاء من السيد أياد عبد الرزاق غير صحيح، فما تزال أحداث تلك الفترة طرية في بالي حين دعا وأصرَّ المرجع الديني السيد علي السيستاني بإجراء الانتخابات بالعراق في حين كان الشعب العراقي قد خرج لتوه من اضطهاد وقمع وإرهاب صدام حسين ونظامه الفاشي ورهطه المعادي لمصالح الشعب، وبالتالي كان الشعب ما يزال لم يسترد أنفاسه، وبالتالي فأن أية انتخابات ما كانت لتكون واقعية ومفيدة للشعب العراقي. ولم تحصل هذه بالنسبة للانتخابات فحسب، بل حصلت مع وضع الدستور والتصويت عليه، إذ جرت العجالة غير الضرورية وغير المفيدة، بل والمضرة في إنجازه وطرحه. فالدستور اليوم موضع خلافات شديدة ويعاني من نواقص كبيرة، كما إنه حمال أوجه، والشعب العراقي بكل مكوناته القومية وحده هو من يعاني من الانتخابات ومن دستور العام 2005 التي جاءت بنوري المالكي إلى السلطة على وفق المحاصصة الطائفية اللعينة.

لم يكن هذا الموقف من السيد السيستاني يعبر عن وعي ديمقراطي أو ممارسة ديمقراطية، بل كان لمصلحة حصول الأحزاب الإسلامية السياسية الشيعية على الأكثرية بسبب تأثير الحوزة الدينية على الناس في ذلك الحين. وللعلم فأن الحوزة الدينية الشيعية لا تؤمن بالديمقراطية كفلسفة بأي حال. وهذا هو موقف جميع الأحزاب الإسلامية السياسية، سواء أكانت سنية أم شيعية. وهذا ليس تجني عليها، بل هذا موقف مبدئي من جانبها إزاء مفهوم الديمقراطية. وإن كان السيد اياد عبد الرزاق لا يصدق ما أقول، فما عليه إلا أن يعود إلى الحوزة الدينية ذاتها ليسأل منهم عن صحة ما أقول. كما إن على الأديب وهو الشخص الثاني في حزب الدعوة الإسلامية ونائب المالكي في الحزب قد أكد في ندوة تلفزيونية لقناة الحرة الأمريكية قبل عدة سنوات بأنه وحزب الدعوة الإسلامية وقيادة الحزب لا يؤمنون بالديمقراطية كفلسفة بل كأداة للوصول إلى السلطة. وعليه لم يكن ذلك الموقف من جانب السيد السيستاني ديمقراطية بل كان في الواقع ضد الديمقراطية وضد التحضير الجيد للانتخابات وضد وضع دستور عراقي مدني وديمقراطي اتحادي متين.

4. ويؤكد السيد اياد عبد الرزاق بأن المرجعية نفت أي تقارب بينها وبين الأحزاب الإسلامية السياسية ووقفت على مسافة واحدة منها.

هذا القول غير صحيح أيضاً. فكل الشعب العراقي بكل قومياته وأتباع دياناته ومذاهبه واتجاهاته الفكرية والسياسية كان شاهد عيان حين وقفت المرجعية الشيعية إلى جانب الأحزاب السياسية الشيعية جملة وتفصيلاً منذ أول انتخابات حتى الوقت الحاضر. وهذا ما لا يمكن إنكاره من جانب المرجعية أو من مؤيديها، وبشكل خاص في الانتخابات الأولى والثانية وفي التصويت على الدستور. وفي الانتخابات الأخيرة وقفت المرجعية إلى جانب الأحزاب الإسلامية السياسية الشيعية بالمطلق، ولكنها لم تميز بين هذه الأحزاب الشيعية المرشحة، أي لم تؤيد هذا الحزب الإسلامي الطائفي الشيعي أو ذاك، بل أيدت كل الأحزاب الإسلامية السياسية الشيعية كلها. وهنا يكمن جوهر المشكلة الحقيقي بالنسبة للموقف من الانتخابات ومن الأحزاب والقوى السياسية العراقية.

إن الموقف السليم هو أن لا تتدخل المرجعيات الدينية في الانتخابات العراقية وتبعد نفسها عنها وتجعل الأحزاب تتنافس في ما بينها على مقاعد مجلس النواب دون أن تؤيدها أو تعارضها. وهذا لم يحصل خلال السنوات التي أعقبت سقوط الدكتاتورية البعثية الصدَّامية. وها نحن نشهد صعود دكتاتورية جديدة باسم الدين يقودها نوري المالكي وحزب الدعوة الإسلامية والذي صرح بوضوح "أخذناها بعد ما ننطيها". وكان على المرجعية إن كانت ديمقراطية أن ترفض هذا القول من حيث المبدأ لأنه مخالف للديمقراطية والتداول السلمي الديمقراطي للسلطة. هذا الموقف المنحاز من جانب المرجعيات الشيعية إلى الأحزاب الإسلامية الشيعية القائمة على أساس طائفي شيعي يتوافق تماماً مع موقف الهيئات الدينية لأتباع المذهب السني بالعراق التي تتدخل هي الأخرى في الانتخابات لصالح أحزاب إسلامية سياسية طائفية سنية، وهو موقف غير مقبول ومرفوض أيضاً. وهذا الوضع هو الذي يعرض المرجعيات والهيئات الدينية الشيعية والسنية إلى الاهتزازات غير المطلوبة وغير المرغوبة.

5. ويقول السيد اياد عبد الرزاق أن الدكتور كاظم حبيب يلفق على المرجعية، وكأن حبيب يقول: لم أعلنتم الجهاد ضد داعش أحبابنا!
وهذا القول غير صحيح ومجاف للحقيقة والواقع. فأنا لم ألفق يوماً كلمة واحدة لم تقلها المرجعيات الدينية أو موقف لم تتخذه. ولم أطرح رؤية خاصة بي وحسبتها على المرجعيات الدينية، فهناك الكثير من القضايا التي يمكن ممارسة النقد بشأنها ولا يحتاج الإنسان إلى تلفيق قضايا لكي ينسبها إلى المرجعيات الدينية الشيعية أو السنية.

فحين لم يتم النصاب في المجلس النيابي العراقي وانسحبت مجموعات من النواب من قاعة المجلس ولم يتم التصويت على قرار إعلان حالة الطوارئ، فكان يعني إن المجلس لا يريد ذلك في أغلبيته أولاً وأن ليست هناك ثقة متبادلة بين الحكومة وغالبية نواب المجلس وبالتالي فالثقة معدومة بين الأحزاب السياسية المشاركة في الحكم ثانياً، وإنها تعتقد بأن الدولة بجيشها الكبير قادرة على مواجهة الحالة دون قرار إعلان حالة الطوارئ لأنها تمتلك من الصلاحيات ما يكفيها لمواجهة الموقف ثالثاً.

بعد ذلك أعلن نوري المالكي بأنه سيشكل جيشاً رديفاً لجيش الدولة العراقية الرسمي. وهذا الأمر مرفوض وغير مقبول لأنه سيكون جيشاً شيعياً بالمطلق، وفي هذا تعريض للوحدة الوطنية واحتمال نشوب حرب طائفية. وفي اليوم التالي أنفرد السيد علي السيستاني بإعلان الجهاد أو التطوع لمحاربة القوى الإرهابية التي استباحت الأرض العراقية. وكان هذا استجابة لموقف نوري المالكي. ولو قمت اليوم بالتحري الصادق عن الذين تطوعوا حتى الآن لما وجدت عراقياً واحداً من أتباع المذهب السني أو من المسيحيين أو الصابئة المندائيين قد تطوعوا بل كلهم تطوعوا في المليشيات الشيعية المسلحة، وهذا يعني إن التطوع المعلن من السيد علي السيستاني خص الشيعة فقط لا غير من الناحية العملية. ومثل هذه الحالة يمكن أن تتسبب في إثارة إشكالية كبيرة، إذ يمكن أن يبادر شيوخ دين سنة بإعلان الجهاد المضاد والذي سوف يعني الحرب الأهلية.

إن الجيش العراقي وبقية صنوف القوات المسلحة التي تزيد على مليون وربع المليون جندي ومنتسب للقوات المسلحة هو عدد يفيض عن الحاجة لمواجهة قوى الإرهاب لو كان هذا العدد موجهاً توجيهاً سليماً وعلى أسس المواطنة العراقية وليس على أساس فكر طائفي تمييزي.

إن الأخبار الواردة من مدن عراقية مختلطة تشير إلى حصول استفزازات جدية من قبل المتطوعين الجدد, سواء أكانوا في جيش المهدي أم منظمة بدر أم عصائب الحق أم غيرها، إزاء أبناء العراق من السنة. وهو أمر يمكن أن يتطور بالاتجاه غير الصحيح. وهذا ليس ادعاءً مني بل غالبية التقارير الواردة من مناطق ببغداد أو البصرة حيث وجود أبناء من أتباع المذهب السني تشير إلى تعرضهم للمضايقات والتهجير عملياً.

ليس هناك عراقي أمين لشعبه ووطنه يوافق على وجود داعش بالعراق أو ما تقوم به من عمليات إجرامية شرسة وفاشية بكل معنى. إن مثل هذا الأساس لا إحساس عنده ولا كرامة وطنية. تنظيم داعش الإرهابي منظمة إرهابية دموية مجرمة وقاتلة وهي من نتاج الفكر السياسي الوهابي المتطرف ونتاج محلي وإقليمي لتنظيم القاعدة الإرهابي، وهو نتاج السعودية وقطر ومن يؤيدهما في موقفهما من العراق. إن داعش تنظيم يعتمد في بنيته الراهنة على قيادات وكوادر بعثية عسكرية ومدنية وعلى قوى إسلامية سياسية متطرفة من جماعة هيئة علماء المسلمين التي تحالفت في وقت مبكر مع تنظيم القاعدة وأعلنها الدكتور حارث الضاري صراحة حين كان بالأردن.

إن العمليات التي تمارسها داعش وحزب البعث المسلح بقيادة عزة الدوري وجماعة النقشبندية وأنصار السنة ومن لف لفهم هي عمليات قتل بالجملة، عمليات إبادة جماعية وضد الإنسانية، وهي التي يجب أن تدان وأن يتصدى لها الجيش العراقي كله، وأن يكون الشعب العراقي كله سنة وشيعة وغيرهم وكل القوميات العراقية ظهيراً لجيش الدولة العراقية وأن لا يكون هناك سلاحاً بأيدي أخرى غير الجيش العراقي والقوات المسلحة العراقية.

ولهذا أقول بأن إعلان الجهاد ليس هو الطريق السليم لمواجهة قوات داعش والبعث وغيرهما من التنظيمات الإرهابية التكفيرية، بل الطريق السليم هو في تعبئة القوات المسلحة العراقية كلها، بمن فيها قوات البيشمركة الكردستانية، وإعادة تنظيم قوات الجيش العراقي وتدريبها ورفع معنوياتها وتخليصها من الوجهة الطائفية السياسية وجعلها تؤمن بالمواطنة العراقية الحرة والمتساوية وليس بالهويات الفرعية الطائفية القاتلة. ومثل هذه التنظيمات، داعش والبعث وغيرهما، أو عصائب الحق أو جيش المهدي أو بدر، لا يمكن أن يكون أحباب لنا ولغيرنا من الناس الشرفاء بالعراق، بل ينبغي أن يكون الجيش العراق هو من أحبابنا وأحباب الجميع حين يحمل السلاح بشرف ويدافع عن أرض الوطن وضد قوى الإرهاب أياً كانت صفتها العدواني. ولن تنفع أحداً توجيه اتهامات باطلة للغير ومحاول استعداء الناس البسطاء ضدي كسياسي مستقل عن الأحزاب السياسية العراقية أو ضد أي تنظيم وطني ديمقراطي عراقي.

انتهت الحلقة الثانية وتليها الحلقة الثالثة والأخيرة

17/6/2014



 


 

 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter