| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

داود أمين

 

 

 

الجمعة 22/8/ 2008



مواسم الثقافة العراقية تزدهر في المنافي !!

يوميات مهرجان الثقافة العراقية الثاني في كوبنهاكن

داود أمين

اليوم الرابع من المهرجان
تبدأ نشاطات هذا اليوم بعرض فلم (صائد الآضواء ) للمخرج العراقي ( محمد توفيق ) الذي تحدث، قبل العرض، عن فكرة الفلم التي نمت لديه منذ ثمان سنوات، وقال إنه تمتع وزميله بطل الفلم الفنان ( جمال أمين ) أثناء عملهما، وتمنى للمشاهدين متعة مماثلة ورحلة موفقة مع اللحى !!
بدأ الفلم الذي إستمر 28 دقيقة بظهور بطله ( محسن ) وهو يجلس على أريكة في غرفته الصغيرة ، التي تحتوي على طاولة صغيرة عليها كومبيوتر، وعلى الجدار صورة لجيفارا، محسن يعبث بلحيته النامية قليلاً ويقول : شنو هاي اللحية؟! يتطلع في المرأة ويردد : وجماله بيها شيب !! كوم إسبح أحسنلك وزينها ! يذهب للحمام ويضع الصابون على وجهه ويتردد في الحلاقة ، ثم يقول لنفسه : محسن طوّل لحيتك أحسنلك !! ويقرر أن لا يحلق، ولكي يتأكد إن قراره صحيح وإن اللحية التي سيطلقها مناسبة له وجديرة بأن يحملها ، يخرج محسن للشارع المزدحم ليراقب زملائه من أصحاب اللحى، وفي مراقباته تلك يكتشف محسن عالماً عجيباً من اللحى وحامليها ! فاللحى أنواع ، كثة وخفيفة ، طويلة وقصيرة، بيضاء وسوداء وشقراء وحمراء وبين بين، أما أصحابها فخليط عجيب من البشر السود والبيض والشقر ، الشباب والشيوخ، السياسيون والفنانون والآرهابيون والمشعوذون والشحاذون، قصار القامة وطوالها، ذوي الشعر وأصحاب الصلعات! يلتقي محسن في شارع المشي في كوبنهاكن بأحد معارفه ( باسم الآنصار ) فيسأله باسم مستغرباً عن لحيته ، وهل هو مريض لكي يتركها تنمو هكذا! يعود للبيت ، يقلّب في قنوات التلفزيون فتفاجئه اللحى في كل القنوات التي يتنقل بينها ، لحى للمذيعين ولمقدمي البرامج وللمتحاورين ، وللمطربين وللسياسيين! يغادر البيت ويركب قطاراً فتصادفه اللحى للراكبين وللمنتظرين في المحطات ، ولمن يراهم من زجاج النافذة ! يذهب للمكتبة يتصفح كتاباً فتواجهه اللحى أيضاً في صور الكتب التي يفتحها ! يعود للبيت يضع صوراً لللحى في جهاز الكومبيوتر، يحاول أن يختار شكل واحدة منها لنفسه ، لكنه لا يقتنع! فهذه لحية فيلسوف كماركس ، وليس بمقدوره أن يكون فيلسوفاً مثله، وتلك لرجل خليجي ، وهو ليس خليجي ، وهذه لجيفارا، وهو لا يستطيع أن يعيش في غابة كجيفارا، وتلك لخامنئي وغيرها لنصير شمه أو أسامة بن لادن، وهو لا يستطيع أن يكون مثل هؤلاء، ثم يقوم محسن بطبع عدد من صور أصحاب هذه اللحى وإلصاقها على حائط غرفته، في هذه الفترة تكون لحيته قد نمت كثيراً، يذهب لمحل يشتري منه أدوات تشذيب اللحى ، وهي مقص وملقط ومرأة مُكبرة الخ ، ويقرر : لازم أحدد لحيتي ! لحيتي صارت حلوة .. لحية تخبل .. لازم أخلي المعجبات ميّه منا وميه منا !! يركب القطار فيلتقي بأحد معارفه ( حسين السكاف ) الذي يستغرب لحيته ويسأله : ليش مطول لحيتك ؟ بيها بياض .. والله مكبرتك !! محسن ينزعج ويقول : أنه أحبها ما أسمحلك تتدخل ! يخرج من القطار ويعود للبيت، يحاول النوم فلا يستطيع ، إذ يظل يتقلب في الفراش ، وكلمات صديقه ترن في رأسه ، ينهض من فراشه ويحدق في صور اللحى التي الصقها في الحائط ، ويتناولها واحدة بعد أخرى محاولاً تحديد لحيته بالمقص حسب الصورة التي يراها، وأخيراً يكتشف أنه أجهز على لحيته وشاربه أيضاً ! فيضج بالضحك ويرمي الصور من النافذة ، لتتطاير فوق الرصيف !
الحقيقة إن فكرة الفلم طريفة ، وهي تعكس وحدة وغربة لاجيء عراقي في الدانمارك، لاجيء مطلق لا زوجة ولا أولاد له ولا حتى صديق أو صديقة! لاجيء لا تشغله قضية مستقبل وطن أو شعب، لذلك ينشغل بموضوع ثانوي أو شكلي، الفلم رغم طرافته وحجم السخرية التي يتضمنها، مؤلم وقاسي، فالعالم الذي يعيشه البطل محسن لا يتعدى بضعة أمتار مربعة هي حجم الغرفة التي يسكنها، إذ لم نرى صالة ولا مطبخ في سكنه، وهذا الضيق والوحدة التي يعيشها إنعكست في نوع همومه ومشاغله، لقد أبدع المخرج محمد توفيق في التصوير والآنتقالات الموفقة للبطل بين الشوارع والساحات ومحطات القطار والمكتبة وداخل الغرفة، فقدم فلماً يستحق التقييم .
الفلم الثاني كان عنوانه ( رسام في زمن الآرهاب ) ومدته 23 دقيقه ، وهو من إخراج الفنان ( كاظم صالح ) وموسيقى الموسيقار المعروف ( عابد عازريه ) ويتحدث الفلم عن الفنان العراقي التشكيلي ( كاظم الداخل ).
يبدأ الفلم بموسيقى بابلية وإلقاء أوبرالي لمقاطع من ملحمة كلكامش، ثم يظهر الفنان ( كاظم الداخل ) جالساً مع ولديه ( تموز وأنو ) والموسيقى هذه المرة عراقية من التراث، كاظم الداخل يبدو في هذه المشاهد معتمداً على نفسه في تفاصيل حياته اليومية ، فهو الذي يطبخ ويغسل الصحون ويكنس الشقة ، ولا أثر لزوجة أو إمراة في حياته! يتجول في شوارع مدينة ( مالمو ) السويدية التي يعيش فيها، الحزن والوحدة هي المرسومة على ملامح الفنان، يعود لمرسمه فيفاجئه شبح مُطفيء العينين يلبس بدلة عليها علم أمريكي وحروف إختصار الولايات المتحدة، يتواجه الفنان والشبح وقبل أن يلتحمان يغرس الفنان فرشة الرسم في الشبح! ثم ينتقل المشهد لعالم متنوع من لوحات الفنان كاظم الداخل المعروفة بنسائها العراقيات ذوات العباءات، نساء يلفهن الحزن والفقدان ، كذلك لوحات لأبواب مقفلة وشبابيك مسدودة ، وهي أيضاً ما يتكرر كثيراً في موضوعات الفنان كاظم الداخل ، فهو يعمل منذ سنوات على مثل هذه الموضوعات التي تميزه، وتتداخل صور هذه اللوحات مع الزرقاوي ومع أسامة بن لادن، هناك مشهد يذهب فيه الفنان الى المقبرة وكأنما كان يبحث عن قبر ما ، وهو ما يضفي على الفلم مسحة الحزن والوحدة ، لقد إستطاع المخرج ( كاظم صالح ) أن يقدم فلماً ناجحاً، من خلال مزج أسطورة كلكامش، والمقاطع القاسية التي إختارها منها وقدمها بصوت الموسيقار ( عابد عازريه ) مزجها بالواقع الحالي ، واقع سيادة العصر الآمريكي على العالم ، وصعود ألآرهاب وشخصياته المعروفة ، وعلاقة ذلك بفنان تشكيلي عراقي يعيش وحيداً في الغربة ، لقد أوحى لنا الفلم بإن الفنان يعيش بين إرهابين، إرهاب تأريخي قديم عاشه العراق القديم أو بلاد الرافدين وطغاتها ، وإرهاب متنوع جديد ، فجذور الفنان تمتد لكلكامش الذي لم يُبق إبناً لآبيه ولا زوجة لزوجها ولا حبيبة لحبيب، والآمريكان والزرفاوي وإبن لادن الآن ، والعراقي مشرد ووحيد، لا أهل له ولا زوجة يستأنس بها ، إنه يعيش على ذاكرة سوداء ذاكرة تقوده لرسم وجوه النساء الحزينات والآضرحة وشواهد الموتى والشبابيك المقفلة ، الفلم رغم الآلوان المدهشة والرائعة للوحات الفنان ( كاظم الداخل ) والتي عرض منها الشيء الكثير، أقول الفلم قدم صورة قاتمة لوضع ميئوس منه، وربما كانت هذه هي رسالة المخرج !
إنتقل الجمهور بعد ذلك لقاعة العرض المسرحي ، حيث كان لي شرف تقديم ( فرقة الحافة ) القادمة من هولندا في عملها المسرحي ( أين الهناك ) والنص ( لشعلان شريف ) والفكرة والتمثيل للفنان ( صالح حسن فارس ) والآخراج للفنان ( فخر الدين بيكوفيتش ) بعد التقديم القصير بدأ العرض المسرحي بشاشة كبيرة تتوسط المسرح، وعلى الشاشة صورة لرأس شخص، موسيقى عالية للحن كردي ، موسيقى بابلية ، خلف الشاشة تلوح سيقان عارية لرجل يتمشى بإيقاع ، تختفي صورة الوجه من الشاشة في حين تستمر الموسيقى ومشي الاقدام ! يظهر الممثل على المسرح شبه عاري، يغطي نصفه الآسفل ( وزره ) مشقوقة من الجانبين ، كاشفة الفخذين ، يحمل في يده فوطة بنية اللون وهو يردد دامس .. دامس، بل يغني المفردة بصوت منغم ، يدور حول المنصة الصغيرة الموجودة وسط المسرح ، ثم يقبلها ويصعد فوقها بحركة راقصة ، يفرش الفوطة التي يحملها أمامه على المنصة ويتحدث كما كاهن مردداً : سأكون صريحاً معكم هذا المساء، لا جدوى من هذه المسرحية ، إنها لا تنفع أبداً، مثلي ! أنا أريد أن أتسلى تبديداً للوقت .. أتسلى لا غير ! ثم يلف الفوطة ويقول لا ينفع أحداً أن يُشاهد هذه المسرحية، يضع الفوطة على رأسه ، ثم ينزل من المنصة ويبربر بحروف لا معنى لها بر بر ... بر بر يعلو صوته ويشتد ثم ينخفض . يجلس وسط المسرح ويقول : إنها قصتي مع القمر.. القمر الذي هناك وأنتم هنا .. أريد أن أتسلى .. نحاول أن نخترع تسلية لتبديد الوقت لا غير ! لا بأس أن ألعب من أجلكم ! يضع الفوطة حول عنقه ويحاول شنق نفسه ، يتدلى لسانه يتقيء ، ثم يردد : الا تتذكروني ؟ دائماً كنت أمضي الى هناك وأشعر أني هنا . تظهر الشاشة مجدداً ، يجلس على المنصة وسط المسرح أصوات متداخلة لموسيقى صاخبة مع صوت أذان ( الله وأكبر ) يردد : مفزع أن تكون هنا .. مفزع أن تكون هناك ! يلطم ، موسيقى حالمة لون أزرق، يحدق عالياً في القمر، يتمنى أن ينزل ، أو يزوره ! ينصت لصوت إبنة الجيران وهي تناجي القمر أيضاً ، إنها تشاركه نفس رغبته ، هما متشابهان ، أحلامهما متشابهة لكنها لا تتحقق !
خيط صغير من الدخان يبدأ بالظهور يكبر الدخان ، يحجب القمر، يصير الدخان كثيفاً ، تشتعل الحرب ، يتحول الممثل لكائن أخر يُطلق النار دو .. دو .. دو ، يقف تحت الخوذة ، يجمع الرماد ويضعه داخلها ، تظهر الشاشة مجدداً تعرض رتلاً من الجنود ، يردد : الجنود خرق بالية جرفتها السيول ، يلطخ وجهه بالرماد يسحب الخوذة بالفوطة ، يغني أي .. اي ... الجنود ... أي والله الجنود! يتلاعب بالصوت كمعتوه ومشوه ، يلف نفسه بستارة تشبه الكفن ويردد : لن أتعبكم بحكاية الحرب فهي ثقيلة ومملة ، يغطي وجهه بالفوطة ويصرخ : السطوح .. أين السطوح ؟ القمر... أين القمر ؟ أنا ... أين أنا ؟ سأكون صريحاً معكم لا جدوى من هذه المسرحية . موسيقى ، يعيد تصفيف الفوطة ثم فرشها على يده ، يحدق بها ويسير منهياً هذا العرض الممتع والجميل.
الحقيقة لقد قدم الفنان صالح حسن عرضاً مميزاً وعكس خلال حوالي ساعة من الزمن إمكانيات جسدية وصوتية نادرة ، لقد كانت أصابعه ويداه وشفتاه وبقية تفاصيل جسده ، تستجيب بمرورة عالية مع متطلبات العرض، كان ينتقل بين الشخصيات والمواقف بسهولة ويسر وإقناع ، وقد شد المشاهدين طوال زمن العرض لتدفق متواصل من المواقف المختلفة والتبدلات الدائمة ، وقد نجح مع نص صعب ، ومع كونه الممثل الوحيد طوال العرض، نجح في إيصال فكرة المسرحية في إدانة الحرب ، صانعة البشاعات وقاتلة الآحلام، لقد حول الفنان صالح ( الفوطة ) لممثل الى جانبه يناجيه ويحادثه ، ألانارة والموسيقى لعبا دوراً جيداً في الآمتاع وإكمال نجاح العرض ، كما أن الآخراج الجيد والحركة التي إستفادت وتوزعت على جميع جوانب المسرح أعطت للعمل هذه الآستئنائية التي يستحقها .

 

¤ اليوم الثالث
¤ اليوم الثاني
¤ اليوم الأول
 

free web counter