| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

داود أمين

 

 

 

الثلاثاء 19/8/ 2008



مواسم الثقافة العراقية تزدهر في المنافي !!

يوميات مهرجان الثقافة العراقية الثاني في كوبنهاكن

داود أمين

اليوم الثاني من المهرجان
في نفس قاعة دار الثقافات العالمية في منطقة ( النور برو ) في كوبنهاكن، التي أفتتح بها اليوم الآول من المهرجان ، بدأت فعاليات اليوم الثاني، وكانت البداية هذا اليوم بتقديم مرتجل للفنان السينمائي ( طارق هاشم ) الذي أشاد بجهود زميليه مخرجي الفلمين وبالكادر الفني العامل معهما وبالممثلين المساهمين متمنياً مشاهدة وتفاعلاً مع مضمون الفلمين.
بدأ الفلم الآول وعنوانه ( فيروس ) وهو من إخراج الفنان العراقي ( جمال أمين ) وتمثيل خمسة من الممثلين العراقيين، بطرح فكرة جديدة وطريفة، تتناول الوضع العراقي الآن من خلال حوار يدور بين أبطاله الخمسة، داخل سيارة تسير في طريق عام خارج العاصمة الدانماركية، وربما ليس صدفة أن يكون ثلاثة من الخمسة من الطاثفة الشيعية وهم السائق وفرقد وجليل في حين كان محمد سنياً وجيا كردياً.
الحوار الذي بدا عفوياً وتلقائياً بين الآصدقاء الخمسة ، والذي إستغرق معظم دقائق الفلم الآربعين، عكس رؤية كل طرف من ألآطراف الثلاثة للعملية السياسية الجارية في العراق، ففرقد الذي كان محور الحديث ولولبه له رؤى تمثل شريحة واسعة من العراقيين الذين لا تعجبهم كثيراً الحقوق التي يتمتع بها الآكراد، فهو لا يعترف بفكرة إنفصالهم وبأنهم قومية خاصة لها سماتها وخصائصها ، بل يتمنى ظهور ( علي كيمياوي أخر ) أو يستعين بالآتراك لآجهاض مثل هذا المسعى!! وهو يعكس أراء مواطن عادي غير مسيس، يرى الآمور من وجهة نظرمواطن عراقي يهمه أن يبقى العراق موحداً ، حتى لو كانت هناك تجاوزات على حقوق ومطالب بعض شرائحه ، أما جليل وهو شيعي أيضاً فهو لا يوافق فرقد على هذه الآراء، ويبدو أكثر إعتدالاً ودبلومامسية، وربما يعكس أراء المسيسين من الشيعة، فهو يؤيد حقوق ألآكراد ويؤكد على خصوصيتهم كقومية، وتسود لهجة جليل المعتدلة أيضاً في مناقشة مختلف القضايا الآخرى ، لكن طائفيته تتوضح عندما أصر زميله الساثق على فرض الآستماع لشريط ( اللطميات ) إذ إتفق معه ووافقه على إستمرار ألآستماع للشريط حتى لو زعل الآخرون ونزلوا من السيارة !وهم الكردي جيا والسني محمد والشيعي فرقد، والآخيرلا تبدو طاثفيته واضحة، إذ يرفض ويصر على عدم رغبته في الآستماع لشريط اللطميات! جيا دافع عن قوميته الكردية بثقة وتصدى بلباقة وأدب لآراء فرقد ، محمد السني كان أقل الجميع حديثاً، فهو في جانب لا يوافق كثيراً على فكرة إنفصال كردستان ، ولكنه لا يريد أيضاً أن يفرض عليه الآستماع لشريط اللطميات ( الذي يمثل سيادة الجانب الطاثفي الشيعي )، السيارة( وكأنما هي السلطة أو الحكومة ) تنطلق بجليل والسائق لوحدهما ، وهما شيعيان، بعد أن يتركها شيعي وسني وكردي ، ولكن هذه المقاطعة لا تستمر طويلاً ، فالآصدقاء الثلاثة الذين تركوا السيارة، وإستقلوا سيارة أجرة يقودها أجنبي، سرعان ما يلتحقون بسيارتهم الآولى عندما يجدونها معطلة في الطريق، فيسارع ألاربعة لدفعها في حين يظل الساثق في موقعه ، وصوت الفنان فؤاد سالم وهو يصدح بأغنيته العراقية غريب على الخليج ( صوت تفجر في قرارة نفسي الثكلى عراق ) فالعراق هو ما يجمعنا شيعة وسنة ، عرباً وأكراداً وباقي القوميات والآديان والمذاهب . الفكرة جميلة ، والآخراج، رغم ضيق مكان التصوير كان ممتعاً ولم يشعر المشاهد بملل ولا رتابة، فالآنتقال في الحديث والكاميرا التي تابعت المتحدث كان موفقاً ورائعاً .
الفلم الثاني لهذا اليوم كان بعنوان ( الهارب ) وهو للمخرج الدانماركي ( يسبر تغولستغوب ) ومن بطولة الطفل العراقي (بيدر ديوان ) و(كينيث فيست ) والطفل العراقي ( سنان سباهي ) والفنانة العراقية ( سهام علوان ) والفنان العراقي ( حيدر أبو حيدر ) ويتحدث الفلم عن معاناة عائلة عراقية تعيش في الدانمارك ، حيث ينشغل الآب المتعب والمهموم بمتابعة أخبار الحرب والقتل وعمليات الآرهاب الجارية في الوطن من التلفاز الذي يمضي معظم ساعات يومه جالساً أمامه، بحيث أن أحلام الآب عندما ينام تتحول الى كوابيس مرعبة ، تستمد نفس ملامح ما يراه في التلفاز! أما ألآم فهي مريضة ومتعبة ، ولا رأي لديها ، بحيث لا تستطيع منع الآب من أن يترك التلفاز ! أو أن يهتم أو يتابع شؤون أبنائه ، أو يتابع الجهات الدانماركية لآيجاد حلول لمشاكلهم ! محور الفلم هو معاناة إبن هذه العائلة الطفل ( يونس ) الذي كلما نمت لديه صداقات وحاول الآستقرار في مكان معين ، حتى تأتيه وعائلته أوامر النقل لسكن جديد ، مما يضطره للهرب من البيت ، معتمداً على طفل دانماركي ، كان قد تعرف عليه ، فيخفيه في بيته، ثم يرشده لموقع ترمى فيه السيارات التالفة ، فينام فيه قبل أن تقبض عليه الشرطة وتعيده لبيته وأسرته ، والنهاية كانت إيجابية إذ يقبل الطفل في مدرسة دانماركية وتظل الآسرة في نفس سكنها ، ويستمر ( يونس ) في صداقاته التي كونها حيث تتسع وتتطور . الحقيقة إن تمثيل المجموعة بكاملها كان رائعاً فقد عكس الجميع جوهر الشخصيات التي قاموا بتأديتها فالفنان حيدر أبو حيدر جسد صورة أب عراقي مأزوم وعصبي ومهموم بالوطن وأخباره ، وقد أجاد لعب دوره تماماً ، ونفس الشيء بالنسبة للفنانة سهام علوان ، التي كانت مقنعة في أدائها لدور الأم العراقية المهمشة ، التي تبدي رأياً ولكنها لا تنتظر أن يُستجاب لها أو لا! أما الطفلان بيدر وسنان فقد عكسا قدرات رائعة على التمثيل السينمائي ، وكأنهما ممثلان محترفان، فقد مثلا بتلقائية وإنسجام ، اما ألآخراج فقد كان ممتازاً ، إذ إستخدم المخرج مواقع مختلفة للأحداث ، فمرة يكون التصوير في البيت وثانية في الشارع وثالثة في ساحة اللعب أو الغابة وهكذا ، وقد إستخدم المخرج في التصويرمختلف اللقطات المناسبة لكل مشهد، وكانت الموسيقى التصويرية مناسبة ومنسجمة مع الآحداث، لذلك فأن متعة مشاهدة الفلم كانت حقيقية .
بعد عرض الفلمين إنتقل الجمهور لقاعة المسرح المجاورة لقاعة عرض الآفلام، فهي في نفس مبنى دار الثقافات العالمية ، حيث عرضت مسرحية ( الهنا والهناك ) وهي من إعداد الفنان أسعد راشد عن قصة مهاجرون للكاتب البولوني ( سلامو مروجك ) وموسيقى الفنان جعفر الخفاف، وإخراج الفنان حميد الجمالي، وتمثيل الفنان أسعد راشد والفنان حيدر أبو حيدر. وقد قدم الفنان طارق هاشم المسرحية للجمهور قائلاً أن هذا المشروع الحضاري هو النقطة المضيئة ضد الصوت النشاز، الذي يحاول أن يسود في الوطن .
يبدأ العرض بظهور الشخصيتين اللتين تمثلان أثنين من العراقيين المهاجرين ، الآول مثقف والثاني عامل، ومن خلال حوار الشخصيتين نكتشف أن العامل يحاول إستغلال طيبة وتسامح المثقف فلا يدفع اجرة المكان المشترك الذي يسكنانه، وكذلك يأخذ من معلباته، والسبب هو أن العامل يحاول جمع المال لكي يعود لوطنه وعائلته ويبني بيتاً .. الخ ، الحوار طوال زمن العرض يعكس أزمة الشخصيتين المتشابهة في الجوهر، والمختلفة في الشكل، فالمثقف سياسي معارض، يحلم بالكتابة والتغييرلكنه ينتهي بهذا السكن البائس، وبهذه الحياة التي تمضي دون هدف محدد ولا أفق منظور، لذلك يتوحد مصير الشخصيتين في النهاية عندما يكتشفان صعوبة أو إستحالة عودتهما للوطن، فيمزق العامل ما جمعه من مال ويمزق المثقف ما كتبه من أوراق . لقد أجاد الفنانان أسعد راشد وحيدر أبو حيدر في دوريهما ، وكان حوارهما المتشابك والمتداخل ، يشكل لوحة هارمونية جميلة، فيها تلوين موفق في الصوت ومرونة في الحركة الموضعية والمتنقلة ، لقد شد أداؤهما المُبهر الجمهور طوال زمن العرض، وقد لعبت الخطة الآخراجية الجيدة للفنان حميد الجمالي دورها في تقديم عرض ممتاز، وكان للموسيقى التي وضعها الفنان جعفر الخفاف للمسرحية أن تشكل إضافة نوعية أخرى لآكتمال العرض  .

 

¤ اليوم الأول

 

free web counter