| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. علي الأسدي

 

 

 

                                                                                 الخميس 4/8/ 2011

 

الاشتراكية واليسار... ونظرية نهاية الرأسمالية
(10)

علي ألأسدي - البصرة  

3 - الاشتراكية
كنا أشرنا في نهاية الجزء التاسع من هذا البحث إلى آراء الاستاذ اريك هوبزبو حول الأزمة الاقتصادية في العالم ، حيث يتوقع أن يكون تأثيرها على جميع الدول الرأسمالية أشد مما أحدثته أزمة 1929 ، لأن الاقتصاد الاشتراكي لم يتأثر بها حينها ، اما الآن فاقتصاد جميع الدول قد تأثر بالأزمة الحالية بسبب العولمة التي ربطت الاقتصاد العالمي بسوق دولي واحد ، وبسبب ذلك لن نستطيع تقدير الضرر الذي ألحقته بعالمنا الحالي. لكنها بالتأكيد قد وضعت نهاية لهذا الصنف من رأسمالية السوق الحرة التي انتهجتها الحكومات منذ حقبة مارغريت تاتجر رئيسة الحكومة البريطانية ورئيس الولايات المتحدة رونالد ريغان في ثمانينيات القرن الماضي. وما هو أهم في أراء الاستاذ هوبزبو هو استنتاجه : " بأن فشل نظام فوضى السوق الحرة الذي سعت اليه البرجوازية اللاسلطوية العالمية (الليبراليون الجدد) ، ومؤيدي الاقتصاد الاشتراكي المخطط غير الملوث بالسعي الخاص لتحقيق الربح ، سيسعيان إلى " نظام الاقتصاد المختلط " ، حيث سيعملان سوية بطريقة أو بأخرى ".

لكن كيف ؟
برغم مرور حوالي أربعة سنوات على بدء الأزمة الاقتصادية لم تظهر أي اشارة عن وجود رغبة لدى قادة الدول الرأسمالية للعمل نحو هذا الحل أو غيره للتعجيل في تحقيق الانتعاش الاقتصادي ، ويبدو أنهم ينتظرون نظام سوقهم الحرة ليقوم نيابة عنهم بمهمة ايجاد الحل الذي لم تظهر أي اشارات على مقدمه. وفي الوقت نفسه تزداد حياة العاطلين عن العمل سوء ، بعد أن انضمت اليهم اعدادا جديدة من سيئي الحظ ممن فقدوا وظائفهم فقط لتوفر الحكومة أموالا تدفع بها أقساط دينها العام نيابة عن الأثرياء والشركات الكبرى. الولايات المتحدة الأمريكية تفقد ديمقراطيتها بسبب هيمنة الأثرياء على السلطة التشريعية ومن خلالها على السياسة المالية ، حيث ترفض هذه تمرير أي تشريع لزيادة الضرائب على ثرواتها ، بل وتطالب بتشريع يمنح اعفاءات ضريبية لهم. في وضع كهذا لا يمكن توقع تحول سياسي واقتصادي يغير من القواعد الرأسمالية الليبرالية ، بل ما يجري الآن هو ترسيخ السياسة الليبرالية أكثر فأكثر عبر رفع القيود أو تخفيفها على النشاطات المالية والشركات متعددة الجنسية داخل وخارج الدول الرأسمالية.

صحيفة
Wall Street Journal op-ed نشرت بتاريخ 28 /7 / 2011 مقالا للسيناتور برنيه ساندرس (20)، بعنوان " The Rich. Their Tax Rate “، نقتطف منه بعض الأرقام عن تصميم ممثلي اليمين المتطرف من الحزب الجمهوري في الكونغرس الأمريكي للدفاع عن مصالح الأقلية الثرية والشركات متعددة الجنسية ، و لهذا فهم غير ملزمين بدفع سنتا واحدا لصالح تخفيض العجز في الميزانية. وتدل الأرقام أدناه التي نستخلصها من الصحيفة على عدم اهتمامهم بأسوأ أزمة اقتصادية تواجهها الولايات المتحدة بعد الركود العظيم في الثلاثينيات من القرن الماضي. أن نسب الضرائب على الأغنياء قد انخفضت في السنين الأخيرة إلى أدنى مستوى لها في التاريخ الأمريكي. فالممرضات والمدرسين ورجال الاطفاء يدفعون ضرائب أعلى من بعض البليونيرات ، فبعض الشركات مثل جنرال موتورز وأكسون موبيل ، حققت أرباحا بالبلايين لكنها تتحاشى الضرائب بأساليب مفضوحة. وتخسر الخزانة الأمريكية سنويا 100 بليون دولارا نتيجة تهريب الأموال إلى الواحات الضريبية ، ونتيجة لهذا فان موارد الميزانية المالية الحالية تشكل 14.8 % الدخل القومي الاجمالي الأمريكي ، وهي الأقل في خلال 50 عاما. وتشيرالأرقام التي أوردتها الصحيفة الى أن 1 % من الأمريكيين ( الأغنى في أمريكا) يحوزون على 23 % من مجموع الدخل الوطني ، وهي أكثر من مجموع الدخل الذي يحصل عليه 50 % من عامة الشعب. وبناء على هذا فان توزيع الثروة والدخل الوطنيين يعتبر الأسوء من أي بلد في العالم. وان الهوة بين الأغنياء والفقراء تزداد اتساعا من يوم لآخر ، وفي حين أن الرقم الرسمي للبطالة في أمريكا هو 9.8 % ، لكن الرقم الحقيقي غير المعلن هو 16 % ، وبين الملونين ومن اصول غير أمريكية فان نسبة العاطلين عن العمل أعلى من هذا بكثير. وبالرغم من ذلك فالجمهوريون يقومون بحملة داخل وخارج الكونغرس من أجل الضغط على القصر الأبيض للموافقة على اصدار تشريع جديد يمنح الأقلية الثرية والشركات الكبرى ومتعددة الجنسية اعفاءات ضريبية جديدة (tax breaks)، وبرفع القيود عن نشاطات الشركات الكبرى ومزيدا من حرية التجارة. ويطالبون ايضا باتخاذ اجراءات ضد الاتحادات النقابية العمالية ، وتخفيضات محسوسة في الانفاق على معونات البطالة والعلاج الطبي والتعليم والسكن الشعبي لضعفاء الحال وكبار السن والطفولة وحماية البيئة . ويعتبر الجمهوريون أن مثل هذه المعونات سيئة وذات آثار سلبية على النمو الاقتصادي ، بينما الاعفاءات الضريبية للشركات والأثرياء جيدة.

وقد كشفت الصحيفة المذكورة عن فضيحة مالية كبيرة ارتكبها البنك الفيدرالي الأمريكي ، تمثلت بمنح قروض بحوالي سبعة عشر تريليونا من الدولارات إلى أكبر البنوك الأمريكية والأجنبية وبعض الشركات الكبرى خلال فترة الركود الحالية. وقد ذهبت تلك القروض إلى تلك البنوك والشركات في انحاء العالم بدء من كوريا الجنوبية في جنوب أسيا حتى اسكوتلندا في شمال أوربا ، علما بأنه ليس مسموحا لأي وكالة أمريكية حكومية منح قروضا لشركات أجنبية أو بنوكا بدون موافقة الكونغرس والرئيس الأمريكي. توازن القوى في مجلس الشيوخ ليس دائما أحسن حالا مما هو في مجلس النواب حيث الأكثرية من الجمهوريين ، فبين الديمقراطيين الذين يتمتعون بأكثرية حرجة في مجلس الشيوخ توجد مجموعة تساند الاتجاهات اليمينية بين الجمهوريين. فقد وافق الديمقراطيون في هذا المجلس وتحت ضغط الجمهوريين بقطع مبلغ 38.5 بليون دولار من برنامج دعم القوى العاملة والطبقة الوسطى. وهذه الأيام اقترح زعيم الأكثرية في مجلس الشيوخ هاري ريد ، وهو ديمقراطي ، اقترح بتوفير 2.4 تريليون دولارا عن طريق تخفيض الانفاق الحكومي في الكثير من الحقول الاقتصادية والاجتماعية والعسكرية ، بما فيها 900 بليون دولارا من برنامج المعونات على البطالة وكبار السن والأطفال والعناية الصحية والتعليم والسكن الشعبي وغيرها من المعونات الاجتماعية خلال عشرة سنوات (خلال كتابة هذا المقطع من البحث تم الاتفاق بين الديمقراطيين والجمهوريين على تخفيض مبلغ خفض النفقات على برامج التكافل الاجتماعية إلى 2.1 تريليون دولار ، ضمن صفقة ستقدم لمجلس النواب للتصويت عليها اليوم 2 / 8 الجاري) . برنامج اقتطاع النفقات على البرامج الاجتماعية على ما يظهر هو هدفا مشتركا للجمهوريين والديمقراطيين ، فالأول يريد المباشرة بخفض النفقات خلال ستة أشهر ، بينما يطالب الثاني تجزئتها على عشرة اعوام. كل هذه المباريات بين من يقتطع أكثر الآن وبين من يقتطع أكثرغدا من برامج التكافل الاجتماعي الذي تنتفع منه أكثرية الأمريكيين ، لا يقدم الولايات المتحدة مسافة قدم واحدة باتجاه حل الأزمة الاقتصادية.

ففي الوقت الذي يطالب 72 % من الشعب الأمريكي بضرورة أن ترفع نسب الضرائب على الدخول التي تزيد عن 250,000 ألف دولارا في العام يضغط الجمهوريون في الكونغرس لتخفيض الضرائب على الأكثر ثراء في الولايات المتحدة. ويستخلص السيناتور ساندرس من كل هذا ، فيقول :" أن الكونغرس يعمل تماما بالضد مما يطالب به الأمريكيون. الأمريكيون مستعدون لتقديم التضحيات من أجل بلادهم في الأوقات الصعبة ، لكن الكونغرس يعبر لهم العكس تماما ، القوى العاملة والطبقة الوسطى تدفع الثمن والأثرياء لا شيئ."

أمام هذه الحقائق في مركز الأزمة الاقتصادية العالمية (الولايات المتحدة الأمريكية) لا نجد بين المسئولين الأمريكيين من يفكر بحل ما ، ولا حتى برؤية هوبزبو حول ( نظام الاقتصاد المختلط ) ، فللأمريكيين تصوراتهم عن الحل ، و يتلخص في واحد من اثنين ، اما في تجويع الناس كما يطرحه الديمقراطيون ، أو في تجويعهم أكثر، كما يراه الجمهوريون ، في حين تأخذ الأزمة الاقتصادية مداها هبوطا بالاقتصاد العالمي نحو الهاوية.

الاستاذ هوبزبو قد طرح وجهة نظره بخصوص النظام البديل لما بعد الرأسمالية والاشتراكية بناء على قناعة شخصية ، وليست بالضرورة نتيجة تحليل للتطورات الاقتصادية والسياسية الجارية في عالمنا المترامي. فهو خرج بقناعة مفادها ، (21) " أن المشكلة التي ستواجه الجميع ، وبصورة خاصة أولئك من اليسار، أن ليس هناك من يفكر جديا بالعودة إلى نموذج الاشتراكية السوفيتية ، ليس فقط بسبب أخطائها السياسية ، بل وأيضا بسبب عدم فعالية اقتصادها ، لكن هذا لا يجب أن يأخذنا إلى نكران أو التقليل من شأن منجزاتها الرائعة العلمية والاجتماعية. أمام هذا الوضع ، ومنذ انهيار الاتحاد السوفييتي لا أجد حزبا يرفض الرأسمالية كونها غير مقبولة. "

لا شك أن الاستاذ هوبزبو وهو مثقف ماركسي على معرفة تامة بأن لا أحد يملك مفاتيح أبواب الثورات البروليتارية ، ولم تكن لماركس نفسه وهو مكتشف الثورة البروليتارية مفتاحا واحدا منها ، ومع أن ثورة الكومونيون قد حدثت في أثناء حياته ، لكنه لم يتوقعها ولم يشعل فتيلها ، وبعدما قمعت بحراب البرجوازية المتوحشة لم ينف أبدا تكرارها في أي بلد في العالم. لقد قامت عشرات الثورات في أوربا وفي بقية العالم خلال حياة ماركس وبعده ، فرنسية وانكليزية وألمانية وايطالية واسبانية ويونانية. كما تفجرت أخرى في الشرق الأقصى كالثورة الصينية والفييتنامية والكورية ، وفي أمريكا الجنوبية والوسطى في المكسيك وبوليفيا وفنزويلا والتشيلي ونيغاراغوا والسلفادور وجزيرة غرينادا وكوبا ، وفي الشرق الأوسط في العراق واليمن الجنوبي. وفي القارة الهندية ، حيث يقود الشيوعيون منذ سنين حكومة اتحادية تنفذ في كيرالا برنامجا اشتراكيا ، هذا اضافة إلى عدد من الاحزاب الشيوعية في الهند ذاتها تعمل من أجل الانتقال بالهند إلى الاشتراكية ، وفي النيبال والباكستان وبنغلادشت كذلك ما تزال أحزابها ترفع راية الثورة الاشتراكية بقيادة البروليتاريا. وفي أوربا الشرقية الاشتراكية السابقة تتصاعد تيارات واحزابا شيوعية ويسارية لاعادة دولهم إلى النظام الاشتراكي. وفي العراق بوجه خاص يكافح عددا من الأحزاب والحركات والاتحادات الشيوعية واليسارية عراقية وكردستانية من أجل الانتقال بالعراق إلى الاشتراكية بقيادة الطبقة العاملة. ( باستثناء الحزب الشيوعي العراقي ، بقيادة الرفيق حميد البياتي ، حيث يتبنى حاليا برنامجا وطنيا ديمقراطيا ). وهذه الأحزاب أما أن تكون موجودة قبل انهيار الاشتراكية ، واستمرت ترفع راية الثورة الاشتراكية دون أن تتأثر بالانهيار في روسيا وغيرها من البلدان الاشتراكية ، أو بعد الانهيار لتؤكد ايمانها بأن الثورة غير مرهونة بوجود الاتحاد السوفييتي.

الثورة البولشفية قد اخترقت الحواجز المحلية والعالمية ، ولم تنتظر اجازة من أحد ، فكانت لها ظروفها التي حتمت قيامها ، وكان لقيادتها الدورالمهم في اختيار اللحظة المناسبة ، وبالتأكيد لولا دعم الطبقة العاملة والشعب الروسي لها لكانت انهارت قبل هذا التاريخ بكثير. ويعود الفضل لقيادتها حينها في وضع الخطط المحكمة لترسيخها وللدفاع عنها أمام الأخطار التي أحاطتها ، وبخاصة العدوان الامبريالي بقيادة الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا 1918 – 1922 ، وثم العدوان النازي 1939 – 1945. وقد خرجت من كلا الحربين أكثر تصميما على تحقيق المكاسب المادية والروحية للشعوب السوفييتية. ولسنا هنا لتقييم ثورة اكتوبر وقيادتها وبطولات شعوبها ، فهذا الموضوع مهما كتب عنه لن يوفى حقه ، ولا يمكن أبدا أن يزدل الستار على تلك الثورة وانجازاتها العظيمة.

وكما نعرف من دروس التاريخ أن كل الثورات التي حدثت قبل ثورة أكتوبر كان لها قياداتها الأممية والوطنية ، لكنها لم تملك الخبرة الكافية ، ولا الالمام الكافي بالنظرية الثورية التي كان على كل الثوريين التسلح بها كما تسلحت بها قيادة ثورة أكتوبر، فقيادة ثورة اكتوبر قد ألمت بفكر ماركس وأنجلس و اهتدت به في كل مراحل الثورة والبناء الاشتراكي. ولنفس السبب لم تنجح أو تعمر الثورات التي حدثت بعدها ، مما يؤكد أن للفرد وليس فقط الفكر يلعب دورا مهما في نجاح أي عمل ثوري. وكان هذا سر نجاح ثورة أكتوبر رغم قوة الأعداء الداخليين والخارجيين. لقد كانت ثورة أكتوبر أطول الثورات عمرا وأكثرها تأثيرا في التطورات السياسية والاقتصادية في العالم خلال القرن الماضي ، ولا شك ستبقى نموذجا للثورات البروليتارية المستقبلية ، إلا اذا توفرت قيادة ثورية جديدة تتفوق على كفاءة وقدرات قيادة الثورات البروليتارية والشعبية التي شهدتها البشرية خلال التاريخ الماضي ، ولايمنع هذا أن تستفيد القيادات الثورية الجديدة من مآثر الثورات الاشتراكية السابقة وبالأخص ثورة أكتوبر ، كدروس لكل التواقين للخلاص من نظم الاستغلال الطبقي. ولا شك بأن الأخطاء التي ارتكبت خلال عملية البناء الاشتراكي في روسيا أو البلدان الاشتراكية الأخرى من قبل حكوماتها أو بعض قادتها ستكون دروسا ثمينة لصياغة سياسات أكثر نجاحا ومنافع للمجتمعات الاشتراكية في المستقبل. فالأجواء العدائية التي أحاطت النظام الاشتراكي السابق منذ بدايته قد فرضت على القيادات الحكومية مسئوليات كبرى ، ما كان التعامل معها ممكنا دون حزم ، وبدون ذلك ما كانت ستستمر الاشتراكية يوما واحدا.

 

الاشتراكية واليسار... ونظرية نهاية الرأسمالية (9)
الاشتراكية واليسار... ونظرية نهاية الرأسمالية (8)
الاشتراكية واليسار... ونظرية نهاية الرأسمالية (7)
الاشتراكية واليسار... ونظرية نهاية الرأسمالية (6)
الاشتراكية واليسار... ونظرية نهاية الرأسمالية (5)
الاشتراكية واليسار... ونظرية نهاية الرأسمالية (4)
الاشتراكية واليسار... ونظرية نهاية الرأسمالية (3)
الاشتراكية واليسار... ونظرية نهاية الرأسمالية (2)
الاشتراكية واليسار... ونظرية نهاية الرأسمالية (1)

 


 

free web counter