| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. علي الأسدي

 

 

 

                                                                                 الأحد 17/7/ 2011

 

الاشتراكية واليسار... ونظرية نهاية الرأسمالية
(5)

علي ألأسدي - البصرة  

( الاشتراكية الديمقراطية .. هي النظام الأفضل )
- " البروفيسور جيفري زاخس المنشق عن الليبراليين الجدد "

أود هنا أن أطلع القارئ العزيز على حوار أجرته محطة KPFA للراديو الأمريكية بداية الأزمة المالية في الولايات المتحدة الأمريكية نهاية 2007 مع الدكتور مايكل هدسون (11)، الاقتصادي والمؤرخ ورئيس معهد الدراسات البعيدة المدى والأستاذ في جامعة ميزوري الأمريكية. موضوع الحوار كان حول الاقتصاد الأمريكي في ظل مدرسة ميلتون فريدمان النقدية ، التي تطورت وأخذت اسم الليبرالية الجديدة. تحدث فيه عن " الاقتصاد الزائف أو الوهمي " (
The Fictitious Economy ) ويقصد به حصرا الاقتصاد الأمريكي ، والمالي خاصة ، باعتباره اقتصادا مزعوما وغير حقيقي ، مبينا أن المؤسسات المالية والمصرفية في الولايات المتحدة بوجه خاص الآخذة بالليبرالية الجديدة تدمر الصناعة الرأسمالية وتفتح الطريق الى العبودية. حيث يعتبر: ان القطاع المالي في أمريكا ليس جزء من الاقتصاد ، وما يقوم به لا يخرج عن نشاطات طفيلية لا تنتج أي بضاعة أو خدمة ذات قيمة ، فمثلا ، شركة تحصل على قروض من البنوك فتقوم هي باقراضها لشراء البيوت لتحصل مقابل ذلك على فوائد أعلى من المقترضين ، مثل هذا النشاط شائع وينسجم مع رؤية الليبرالية الجديدة.

الاقتصاد الأمريكي يعتمد حاليا سياسة اقتصادية تستند الى نظام السوق الحرة ، لكنها ليست الحرية الاقتصادية التي تحدث عنها الاقتصاديون الكلاسيك كما يشرح ذلك الاستاذ هدسون. وجهة نظره ، أن النظرية الكلاسيكية ( آدم سميث وجون ستيوارث ميل ) حددت مصادر الدخل وعرفتها كما يلي : هناك دخول لم تأت نتيجة انتاج ، مثلا ، الايجار لم يأت نتيجة انتاج ، بل نتيجة احتكار أو قوة السوق. الفائدة ليست دخلا ، لأنها نتيجة احتكار ، الأرباح الاحتكارية ليست دخلا. هذه كلها عوملت من قبل الاقتصاديين الكلاسيكيين على أنها اشياء يجب على الدولة التحرر منها ، او عدم السماح بها ، او اخضاع النشاط الاحتكاري لسيطرة الدولة لصالح المجتمع. مدرسة شيكاغو في حرية السوق هي عكس فكرة الاقتصاديين الكلاسيك عن حرية السوق. السوق الحرة في ظل الليبرالية الجديدة تعني حرية المستغلين في فرض أي سعر على العامة ، أحرارا في تحاشي الاجراءات الحكومية ، أحرارا في الكذب على المستهلكين ، أحرارا في الاستغلال ، احرارا في دفع أي شركة للافلاس والغرق بالديون. وبذلك تكون مقولة الحرية قد قلبت كل شيئ كما أرادتها مدرسة شيكاغو ، وكما أرادتها ادارة بوش.

لهذه الأسباب وصف الاقتصاد الأمريكي بنظامه المالي والاقتصادي الحالي بالاقتصاد الفقاعي الذي ظهرت ملامحه بأكثر وضوحا نتيجة قيام البنك الاتحادي الأمريكي تحت قيادة آلان غرينسبان بتخفيف القيود التي تتبعها المصارف والمؤسسات المالية عند منح القروض الى الأشخاص والشركات. وقد اعتبر البنك الاتحادي ان زيادة القروض هو وسيلة لزيادة الأموال لدى الناس يشجعهم على الانفاق ، وما يتبع ذلك من زيادة الطلب على السلع والخدمات الذي بدوره يحرك النشاط الاقتصادي ويزيد معدل النمو الاقتصادي. لكن زيادة الأموال لم يحرك النشاط الاقتصادي ، ولم ينتج فرصا للعمل كتعبير حقيقي عن النمو الاقتصادي. وبدلا من وقف هذه السياسة لفشلها في تحريك النشاط الاستثماري بالغت المؤسسات المالية بالتساهل أكثر في منح القروض للأفراد والشركات لأي هدف دون التحقق من قدرة المقترضين على التسديد. الاقتصاد الفقاعي ، يكون عندما يقوم البنك باقراض شركات لم تحقق أرباحا كافية بحيث تتمكن من تسديد الفائدة على القرض. وكل ما تقوم به الشركة في هذه الحالة هو اقتراض مبلغا آخر لتسديد أقساط القرض السابق ، وهكذا تزداد ديون الشركة الى البنك مع مرور الوقت. هذا النظام لا يمكن أن يتقدم ، وليس هناك أي أمكانية لنمو الاقتصاد وفق هذه العمليات ، ولابد أن تنفجر الفقاعات عاجلا أو آجلا. الحكومة الأمريكية لا تفرض الضرائب على دخول الأثرياء لأنها ببساطة تمثلهم ، وبدلا من فرضها الضرائب التصاعدية على دخول وثروة الأغنياء لتمويل النفقات تقوم بالاستدانة منهم ثم دفع الفوائد عن ديونها لهم. بخصوص الضرائب فان الاقتصاد الكلاسيكي يقول ان هناك نوعين من الضرائب ، ضرائب على الدخل وضرائب على المبالغ التي تزيد عن حد معين من الدخل والثروة. فاذا دفع المواطن ضريبة من دخله كموظف او عامل ، فما يتبقى له يستخدمه لأغراض الاستهلاك أو الاستثمار، ولكن اذا فرضت ضرائب على شركة فانها ستضيف الضرائب التي تدفعها للحكومة الى تكلفة السلعة التي تنتجها لتعويض الضرائب المدفوعة.

ويذكر الاستاذ هدسون لنا أمثلة عن واقع السياسة المالية الأمريكية الحالية فيقول - الحكومة الأمريكية كانت تمول نشاطاتها عن طريق الضرائب على الدخل والأرض ولم تكن تستدين ، وهكذا كان الحال منذ زمن البابليين مرورا بالعهود اليونانية والرومانية أو النورمانديين ، فكل الحكومات كانت تضع الضريبة على الأرض. لكن ملاكي الأرض في الوقت الحالي من القوة والنفوذ على الحكومات بحيث جرى ثني الحكومة عن اخضاع الاراضي للضريبة وكذلك الاحتكار. وبذلك فان الأموال الي كانت ستخضع للضريبة ( الأرض والاحتكار) تبقى في أيدي القطاع الخاص ( ملاكي الأرض ومحتكري السلع) حيث سيوظفونها في السوق المالية واجبار الحكومة للتصرف بواحد من وسيلتين : 1- اما فرض ضرائب على الدخل والمبيعات و زيادة الضرائب ، أو 2- الاستدانة ، وفي هذه الحالة تتجه الحكومة للاستدانة من أصحاب الأراضي والمؤسسات المالية والأثرياء ، بينما كان يجب فرض الضرائب على ثرواتهم .

منذ عام 1913 والى عام 1970 كانت الحكومة تمول نفقاتها من الضرائب أما الآن بعد عام 1970 فهي تستدين وتدفع فوائد للأثرياء. النتيجة الأخرى التي تتمخض عن ضرائب منخفضة على الأملاك والأراضي والمباني هي هبوط بدل ايجاراتها التي ستؤدي الى انخفاض دخل مالكيها ومن ثم الى عجزهم عن دفاع أقساط القروض المترتبة عليهم تجاه المصارف والدائنين الآخرين سيضطرهم في نهاية المطاف الى الاستدانة من المصارف لدفع مستحقات البنوك عليهم. في النتيجة أن المستفيد من كل العملية هم المصارف والمؤسسات المالية. فهم سيحصلون على :- أولا - فوائد على قروضهم الجديدة لاصحاب الأملاك ،

وثانيا - سيحصلون على فوائد عن القروض التي يمنحونها للحكومة التي شحت عليها الأموال بسبب هبوط موارد الضرائب المفروضة على أصحاب الأملاك. وبذلك يصبح الأثرياء هم الممولون الرئيسيون للنخبة السياسية في واشنطن ، لأنهم من يصدر القوانين الخاصة بالضرائب المنخفضة على الأثرياء ، بينما تزداد الأعباء على العمال والفقراء. الرأسمالية تقوم على الأنانية ، ولم تتمتع بقبول أكثرية المجتمع.

لكن ، ما هو البديل؟

لأستاذ مايكل هدسون كشف لنا عيوب الاقتصاد الأمريكي ، والمضار التي سببتها له سياسة الليبراليين الجدد (ملتون فريدمان وألان غرينسبان وجيفري زاخس وغيرهم) لم يرسم لنا صورة بديل لنظام قائم على الغش والكذب كما يعتبره هو، حيث قلة تتمتع بالثروة والنفوذ ، وأكثرية فقيرة تكافح بمشقة من اجل البقاء ، وتتزايد الفوارق بين الفئتين وتتعمق أكثر فأكثر. وأمام كل هذه المشاكل التي تحدث عنها لم يشر الى مخرج من أزمة الرأسمالية المستمرة منذ عقود والتي فاقمتها الأزمة الأخيرة. اذ ليس من المعقول أوالمتوقع أن يبادر الأثرياء بالتخلي عن أنانيتهم ، والقبول بقيود على نشاطهم ، أو بنسبة أرباح أقل مما يحصلون حاليا (كما يقترح ذلك الاستاذ جيفري زاخس الذي أشرنا له في الجزء الأول من مقالنا المنشور في 10 / 7 )، أو أن يقرروا طوعا زيادة الضرائب على دخولهم وثرواتهم ، وليس متوقعا أيضا أن يتوقفوا عن تهريب أرباحهم الى الواحات المحمية من الضرائب. الرأسمالية ما زالت على قيد الحياة برغم الأزمات العاصفة التي تمر بها بين حين وآخر ، واذا كان الدكتور هدسون مع رأسمالية لا تقوم على الغش وعدم المساواة والبطالة ، فهل في عالمنا الأرضي رأسمالية عادلة كهذه؟

سيكون من الضروري هنا أن نناقش الموضوع من وجهة نظر أخرى ربما لا تتفق مع رؤية الاستاذ هدسون. إن الثراء الفاحش ما كان ليحدث لو تم التعامل مع الدخول التي يتحصل عليها أرباب العمل والمقصود هنا الأرباح ، الضرائب لم تكن فعالة ، ولا عادلة ، بل جائرة بحق الأكثرية. ولو طبقت سياسة ضريبية أخرى غير هذه المطبقة حاليا ( على الأقل منذ بداية الأزمة الحالية ) ، سياسة ضريبية تستعيد فائض القيمة الذي استحوذ عليه الأثرياء مالكي وسائل الانتاج عبر استغلالهم للطبقة العاملة وافقارها لكان قد تحقق للحكومة ما يكفي من التراكم الرأسمالي لاعادة توزيعه على عامة الناس ، لا توزيعه نقدا كما يفهم من ذلك ، بل عن طريق خدمات الرعاية الصحية والتدريب وبناء المساكن الشعبية التي تباع بأسعار مناسبة وشروط سهلة للمواطنين من محدودي الدخل وكبار السن ، وبناء دور للرعاية الاجتماعية ومدارس وملاعب للأطفال في الأحياء المهملة والمحرومة. ( كانت مثل هذه النشاطات الحكومية متبعة في بعض الدول الرأسمالية في فترة ما بعد الحرب العالمية الثاني مثال بريطانيا في عهد الحكومة العمالية ). وما يقصد بوسائل الانتاج - المصانع والمعدات والمواد الأولية والأراضي الصناعية والتجارية. وفائض القيمة هنا لا يقصد به الربح الكلي المتحقق بعد طرح كافة التكاليف والذي يذهب كله الى مالكي عناصر الانتاج ، بل ذلك الجزء من الربح المتبقي بعد اقتطاع حق مالك وسائل الانتاج كمكافئة لجهده في حشد عناصر الانتاج واعداده للعمليات الانتاجية لانتاج السلع أو الخدمات. ويمكن حساب الربح هذا بناء على معايير معينة كأن يكون مكافئا لراتب مدير أو ما شابه ليكون كافيا لمعيشة المالك وعائلته وفق مستوى حياة الطبقة الوسطى في المجتمع ، فهو بالفعل له الحق بدخل يتناسب و الجهود المهمة التي يبذلها للوصول الى الانتاج النهائي. وهذا بالضبط ما يجب أن تسعى اليه الضرائب في كل الدول ، لكنها انحرفت فيما بعد عن هذه الوظيفة. من دون هذه السياسة ، لا يمكن معالجة الفقر وتضييق حدة التفاوت في الدخل والثروة ، ولا يمكن أن تستمر الحكومة في تقديم الخدمات العامة في الأمن والصحة والتعليم وحماية البيئة وضمان سلامة الناس من الأخطار والكوارث والحروب ، وضمان تنمية اقتصادية مستدامة توفر فرص العمل ، وتدعم التقدم العلمي والتكنولوجي ، وحماية الطبيعة والغلاف الجوي من أسباب سخونته وتلوثه. هذه النشاطات تكلف المليارات من الدولارات يوميا ( ونتحدث هنا عن دولة كالولايات المتحدة )، ومن المستحيل تغطيتها عن طريق الاستدانة من المصادر الداخلية أو الأجنبية. ويكون منافيا للأخلاق والمنطق أن تقوم الحكومة بالاستدانة لتغطية تكاليف الخدمات التي تقدمها للمجتمع في حين تجلس قلة من أصحاب المليارات على جبال من الأموال لم يدفع عنها ضرائب سوى فتات. واذا لم تتخذ الحكومة ، أي حكومة ، سياسة اقتصادية ومالية تأخذ بالاعتبار ما أشرنا له لتضمن لها الموارد المالية ( لا كما يجري حاليا في أكثر الدول الرأسمالية ، من ضغوط على العامة من الناس بخفض سياسة المعونات الاجتماعية ، وزيادة ضرائب الاستهلاك ، وتسريح عمال القطاع العام ) فان نقل وسائل الانتاج من الملكية الخاصة الى ملكية المجتمع ،سيكون الحل الأفضل لعدم المساواة ، وينهي عدم التوازن الحاصل بين نفقات الدولة ومواردها. و عندها يكون بامكان الحكومة معالجة مشكلة الدين العام المتراكم ، لتتفرغ بعده الى الاهتمام بتحسين حياة الناس لتمكنهم من بناء مستقبل افضل لهم ولأبنائهم. لكن قرار تحويل وسائل الانتاج الخاصة الى ملكية المجتمع هو أشد ما تعارضه الحكومات الرأسمالية ، رغم أنها تسارع الى شراء الشركات والمصارف المتعثرة لانقاذها من تحمل المزيد من الخسائر ، أو دعمها ماليا لتتجاوز ما تواجهه من مصاعب ، كما حدث هذا مع بداية الأزمة المالية بداية 2008 مع عدة مصارف وشركات صناعة السيارات في الولايات المتحدة وبريطانيا ودولا عديدة في الاتحاد الأوربي و كندا وأستراليا.

يتبع
 

الاشتراكية واليسار... ونظرية نهاية الرأسمالية (4)
الاشتراكية واليسار... ونظرية نهاية الرأسمالية (3)
الاشتراكية واليسار... ونظرية نهاية الرأسمالية (2)
الاشتراكية واليسار... ونظرية نهاية الرأسمالية (1)

 


 

free web counter