| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. علي الأسدي

 

 

 

                                                                                 السبت 16/7/ 2011

 

الاشتراكية واليسار... ونظرية نهاية الرأسمالية
(3)

علي ألأسدي - البصرة  

"الاشتراكية الديمقراطية .. هي النظام الأفضل" -
البروفيسور جيفري زاخس ، المنشق أخيرا عن الليبراليين الجدد

ورد في نهاية الجزء السابق من هذا المقال استعراض بعض خصائص النموذج الاشتراكي الذي كان سائدا في دول أوربا الشرقية الذي ضمن للأحزاب الديمقراطية الوطنية المعبرة عن مصالح المثقفين وصغارالمزارعين واصحاب الحرف الصناعية دورا في الحياة السياسية من خلال تقاسم السلطة مع الأحزاب الشيوعية والعمالية التي استلمت السلطة بعد تحرير بلدانها من الاحتلال النازي. لقد قامت دولة الديمقراطية الشعبية على مبدأ الاعتراف بالآخر واحترام الاختلاف في الرأي والمصالح الخاصة ، بنفس الوقت الذي لا تتناقض مصالحها الاقتصادية مع مصلحة الطبقة العاملة في البلد المعين. مثل هذا النظام الاشتراكي قد يكون النظام العالمي القادم لما بعد الرأسمالية ، واذا لم تكن الأزمة الاقتصادية الحالية من ينجب هذا النظام الاشتراكي الشعبي فان أزمة تالية ستفتح المجال لها كنظام بديل قادم.

دون شك أن هذا المشروع أو شكلا قريبا منه يناقش بخجل بين أعضاء قيادات الأحزاب الشيوعية واليسارية والدوائر الضيقة حولها وفي الأروقة الثقافية كأحد البدائل للدولة البروليتارية التي يتحرجون في رفضها علنا ، كونها غير واقعية أو غير ممكنة الحدوث. وقد لا يمضي الكثير من الوقت قبل أن يعلن المشروع عن نفسه ويرى النور. كثيرا من الأحزاب الشيوعية العربية ستكون مستعدة لتبنيه ، وخاصة تلك التي قد غيرت دساتيرها وبرامجها السياسية والاقتصادية بما ينسجم مع فكر الأحزاب الليبرالية الغربية ، بعد أن تخلت عن مبدأ الثورة البروليتارية لاقامة الدولة الاشتراكية ، كما هو الحال مع الأحزاب الاشتراكية الديمقراطية في البلدان الاشتراكية السابقة. فقد أخذت جميعها بمبادئ التعددية السياسية ، والأسلوب الديمقراطي في الوصول للسلطة عبر صناديق الاقتراع.

لكن الواقع الفعلي للنشاط السياسي في ظل النظم الديمقراطية الرأسمالية ، هو غير ما يعرفه الكثير من الناس ، وغير ما تنص عليه دساتير الدول الرأسمالية ، ففي هذه الدول تتحكم طبقة رجال الأعمال في قيادات الأحزاب الرئيسية ، وتكرس الديمقراطية فيها لصالح الطبقة الثرية ، ولا تجد الطبقة العاملة من يدافع عنها غير اتحادات العمال التي يخضع قادتها أيضا للاغراءات والابتزاز. فقادة اتحادات العمال الكبرى في بريطانيا على سبيل المثال لايجمعهم بالكادحين من عمال المناجم ومصانع الحديد والصلب ، أو عمال المطاعم ، او عمال التنظيف أي اهداف مشتركة ، فهم في افضل مستويات الترف البرجوازي ، ورواتبهم التي يستلمونها من جهد العمال ودافعي الضرائب تزيد عن رواتب أعضاء البرلمان ، أو الراتب الاسمي لرئيس الوزراء. فقد بلغت الرواتب السنوية لأربعة من قادة أكبر اتحادات العمال في بريطانيا ، كالآتي:(4)

1860000 ، 171000 ، 167000 ، 159000 باوند استرليني ، هذا عدا تكاليف السيارة الخاصة والسائق الخاص ، فمن من هؤلاء مستعدا للمخاطرة بموقعه من أجل فرض أرادة العمال في أي قضية تخصهم. وفي ظل النظم الديمقراطية هذه تحظى الامبراطوريات الاعلامية المملوكة مباشرة من قبل أباطرة المال والشركات الكبرى بنفوذ كبير على الطبقة السياسية فيها ، وهي من يقرر في حالات كثيرة فوز هذا القائد الحزبي أو ذاك في أي انتخابات رئاسية أو تشريعية. وفي حالة فوز أي واحد من المتنافسين ، فالشركات الكبرى تضمن للنواب والوزراء من أعضاء الحزب الفائز وظائف مهمة في اداراتها بعد انتهاء مهماتهم السياسية أو خلالها ، برواتب خيالية لكبح الاتجاهات الاصلاحية في الحزب أو البرلمان التي قد تتخذ خطوات ضد الشركات الكبرى والفئة الثرية التي قد تؤثر على دخولها ومصالحها كجزء من سياسة اعادة توزيع الدخل والثروة بين أبناء المجتمع التي عادة ما يجري الترويج لها قبل الانتخابات التشريعية أو مؤتمرات الأحزاب الدورية.

وهذا ما نعايشه بين دورة انتخابية وأخرى مع الحزبين الرئيسيين الجمهوري والديمقراطي في الولايات المتحدة الأمريكية ، فالأثرياء جدا والشركات الاعلامية هم من يهيمن على المجلسين. فعبر عشرات الانتخابات التشريعية من النادر جدا أن يفوز نائبا أو سيناتورا واحد من خارج من خارج الحزبين ، وحاليا هناك نائبا واحدا يمثل الاشتراكيين الديمقراطيين في الولايات المتحدة ، القريب في نهجه من حزب العمال البريطاني. لهذا فمبدأ التعددية الحزبية السائد في الغرب والشرق حاليا (اوربا الشرقية) الذي يستهوي الكثير من اليساريين والشيوعيين الجدد في بلداننا النامية هو وهم مضلل ، وما صناديق الاقتراع إلا الوسيلة القانونية لفرض شرعية التزييف واقصاء الآخر، وهو تجسيد صريح لذلك الوهم. لكن بكل الأحوال فهذه الممارسات ليست الا جزء من الديمقراطية السائدة في عالمنا التي أوجدها توازن القوى الطبقية في المجتمع متعدد الطبقات ، وفي الحالة الأمريكية والبريطانية وغيرها من الدول الرأسمالية يميل الميزان فيها لصالح البرجوازيات الكبرى تحت ثقل المال السياسي ، ولا يمكن تغييره من دون تغيير التوازن الحالي لصالح الأقل حظا في الثروة والدخل والحقوق الديمقراطية ، وقيادة أي حزب شيوعي تنتظر تلك اللحظة لتصل إلى الحكم لا تخدع غير نفسها ، فالثورة البروليتارية وحدها من يضع الأمور في نصابها الصحيح.

أن الأمة الأمريكية باستثناء حوالي 1.1 مليون مواطن ما تزال تسحق تحت راية الليبرالية الجديدة وأداتها " شبه المقدسة " قانون الربح " الذي أدى إلى تلاشي رخاء ما بعد الحرب العالمية الثانية الذي ميز المستوى المعيشي للأمريكيين حينها. ان الولايات المتحدة بحسب العديد من المصادر الصحفية والمحللين السياسيين تفقد الديمقراطية و تنحدر أكثر فأكثر إلى ما واجه الشعب الألماني قبل الحرب العالمية الثانية عندما تصاعدت الفاشية فيها. يؤكد ذلك البروفيسور مايكل كاريرا ، محذرا ، " نحن نخشى أن يسمح اليمين لفاشية جديدة ، انه تهديد جدي هنا في الولايات المتحدة ، فقد رأينا في السنين الأخيرة ظهور معارضة للمهاجرين من أمريكا الجنوبية ، بينما لنا رئيسا أسودا. وكما جرى في ألمانيا الهتلرية ، فان هذه القوى تقوي علاقاتها مع العسكر والصناعات الكبرى والأمن الداخلي والاعلام ورجال الدين ، وطبعا ، مع الأقلية الثرية التي لها كل الحرية للتصرف. ويعمل هذا التحالف الواسع على تزوير الانتخابات واستطلاعات الرأي ، لصالح هذا أو ذاك من المرشحين الموالين للسلطة والأقلية الثرية ، واستعمال وسائل الضغط لاعاقة وصول الناخبين إلى صناديق الانتخاب أو اسقاط أصواتهم عن طريق المحاكم الموالية (5).

يعكس هذا الواقع ، حالة غريبة غير موجودة في أي مجتمع ديمقراطي آخر في العالم عدا ما هو موجود وشائع في بلدان العالم النامية، واذا ما علمنا أن القوى العاملة الأمريكية بغالبيتها مهمشة ، ولا تجد من ينطق باسمها في وقت يتصاعد عدد العاطلين عن العمل ، فسيكون من الطبيعي أن يتحاشى العاملون المطالبة بحقوقهم خشية تعرضهم للفصل وقطع مصادر رزقهم ، فالبطالة سلاح فعال في أيدي أرباب العمل يستخدموه دون تردد ، وبخاصة في ظروف الركود الاقتصادي الراهنة. وحتى في حالات الرخاء والنمو الاقتصادي فان الاقتصاديين الكلاسيكيين والكلاسيكيين الجدد يعتبرون البطالة في حدود 4 % ضرورة اقتصادية ، كونها تحث على زيادة انتاجية العمل ، وتحد من تنامي حركة الاضرابات العمالية من أجل زيادة الأجور وتحسين ظروف العمل. الوضع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي في الولايات المتحدة ، ليس جديدا ، ولا بعيدا عن اهتمام الكثير من الاقتصاديين والباحثين الاجتماعيين داخل وخارج الولايات المتحدة. وسيكون من الضروري لاغراض هذا البحث " الاشتراكية واليسار ونظرية نهاية الرأسمالية " أن أتطرق إلى أهم الآراء التي عبر عنها اقتصاديون يساريون مرموقون من مختلف بلدان العالم بخصوص الأزمة الراهنة ، وكذلك البحوث والمقالات التي ناقشت مستقبل النظام الرأسمالي ، وبوجه خاص في الولايات المتحدة ، دون اهمال دولا رأسمالية أخرى تتقاسم نفس المصاعب والخيارات والمصير الذي ستئول اليه الرأسمالية في المستقبل.

ففي الندوة التي عقدت باشراف المنظمة الدولية للتعاون والتنمية OECD في عام 27 / 8 / 2010 بحضور عدد من الاختصاصين في التاريخ الاقتصادي والمالي في ضوء تداعيات الأزمة الاقتصادية الحالية ، حيث ناقش المشاركون موضوع " هل للرأسمالية مستقبل؟

فالنظام القائم على قوى السوق قد دخل مرحلة الشك " ، لكن ماذا بعد؟

الاستاذ كاليتزكي ، وهو اقتصادي وكاتب من صحيفة التايمز ، ذكر ، أننا ندخل مرحلة جديدة من البراغماتية حيث أتاحت النظرية للواقعية الرأسمالية كوسيلة لاشباع حاجات الانسان قد انقلبت إلى عكسها. وحذر من خطر انزلاق الديمقراطية الأمريكية نحو المزيد من الديكتاتورية. فيما تساءل آخر ، بالرغم من الأزمة الحالية التي سببتها المصارف ، لم نعمل الكثير لاقامة مصارف تضع الحواجز بين النشاط المصرفي اليومي الاعتيادي وبين النشاط المصرفي المغامر. وتساءل : إلى أي مدى يجب أن تذهب بنا الأزمة قبل أن تبادر الحكومة لاجراء الاصلاحات التي نريد؟

يتبع
 

الاشتراكية واليسار... ونظرية نهاية الرأسمالية (2)
الاشتراكية واليسار... ونظرية نهاية الرأسمالية (1)

 


 

free web counter