| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. علي الأسدي

 

 

 

                                                                                 الثلاثاء 12/7/ 2011

 

الاشتراكية واليسار... ونظرية نهاية الرأسمالية
(1)

علي ألأسدي - البصرة  

" الاشتراكية الديمقراطية .. هي النظام الأفضل " (البروفيسور جيفري زاخس ، المنشق أخيرا عن الليبراليين الجدد)

كان متوقعا أن تنتهي السياسة الاقتصادية الحالية للدول الرأسمالية المنفذة منذ 1970 وفق رؤية نظرية الليبرالية الجديدة Neo liberalism) ) بكارثة اقتصادية على بعض بلدان العالم ، بسبب الدور القيادي المطلق الذي منحته للمشروع الخاص في عملية النمو الاقتصادي دون النظر إلى الظروف الخاصة التي تميز بلد عن آخر. بناء على تلك الرؤية أصبح للشركات والمؤسسات المالية والمصارف الكبرى هيمنة غير مسبوقة على الأنشطة الاقتصادية وتقرير نسب الأرباح التي تسعى اليها وإن كانت على حساب المصالح الاقتصادية لشعوب العالم. وكان متوقعا أيضا أن يتراجع بعض قادة تلك السياسة من اقتصاديين وماليين وسياسيين عما اعتقدوه خطأ بأن اطلاق الحرية لأرباب رأس المال سيقود إلى الازدهار الاقتصادي ، فقد كانوا أنفسهم شهودا على ما سببته تلك السياسة من تراجع النمو الاقتصادي واتساع دائرة الفقر وعدم المساواة وفقدان الملايين لأعمالهم في الكثير من دول العالم. لقد كانت هناك استثناءات ، فبعض دول العالم قد انتفعت بالفعل من الليبرالية الجديدة ، فالصين الشعبية وهونغ كونغ وسنغافورة و نسبيا أستراليا ونيوزيلندا وكندا ونوعا ما الشيلي في السنين الأولى من الأخذ بتلك السياسة. لكن دولا رأسمالية كبرى كالولايات المتحدة وبريطانيا وعددا من دول الاتحاد الأوربي وجميع الدول النامية قد تضررت بسببها. وقد أدت تداعيات الأزمة الاقتصادية في الولايات المتحدة الأمريكية بوجه خاص بأهم أقطاب اقتصاديي نظرية الليبرالية الجديدة Neo liberalism) ) من أمثال البروفيسور جيفري زاخس ، الأستاذ في جامعة كولومبيا الأمريكية ومستشار الأمم المتحدة ، و ألن غرينسبان ، المحافظ السابق لبنك الاحتياطي الأمريكي ، وجوزيف ستيكليتز نائب رئيس البنك الدولي السابق الى اعلان انشقاقهم وانتقادهم للنظرية التي عملوا على تنفيذها خلال العقود الثلاثة الماضية.

نظرية الليبرالية الجديدة أو ( الكلاسيكية الجديدة) ، التي يؤكد أنصارها استنادها إلى الاقتصاد الكلاسيكي الذي مثله آدم سميث وريكاردو ، مع أنها ابتعدت كثيرا في التطبيق العملي عن مبادئ الاقتصاد الكلاسيكي، سعت لعولمة وتحرير التجارة ورأس المال عبر الغاء أو تخفيف الاجراءات والضوابط المنظمة لنشاط المؤسسات المالية والمصرفية ، وتخفيف الضرائب على دخولها إلى الحدود الدنيا. لقد اضطرت حكومات الكثير من الدول التي أخذت بهذه النظرية إلى الاستدانة من السوق الدولية ومن المؤسسات المالية الوطنية لتعويض شحة موارد الميزانية من الضرائب ، وهي تواجه حاليا مشكلة العجزالدائم في ميزانها التجاري والميزانية المالية السنوية وميزان المدفوعات ، مثل الولايات المتحدة و بعض دول السوق الأوربية واليابان. وكان من الالتزامات التي ترتبت على تطبيق نظرية الليبرالية الجديدة خصخصة القطاع العام أينما وجد ، والغاء أي دور مباشر للحكومات في ادارة اقتصادها الوطني لأن القطاع الخاص وقوى السوق الحرة وفق النظرية يعملان بفعالية اكبر لتحقيق المنافع للاقتصاد الوطني. وبناء عليها جرى تقليص ميزانيات اقتصاديات الرفاه والتعليم والرعاية الصحية ، بينما تمت خصخصة الكثير من مؤسساتها أو خدماتها ،وذهبت بعض الدول إلى خصخصة الطرق العامة والجسور والمطارات والموانئ البحرية والمستشفيات والمدارس والجامعات ودور الرعاية لكبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة ، وحتى السجون وبعض أقسام قوى الأمن والشرطة. وقد شكلت مؤسسات صندوق النقد والبنك الدوليان ومنظمة التجارة الحرة الأداة الدولية شبه الرسمية لفرض هذه النظرية على الدول النامية والانصياع لسياستها.

البروفيسور زاخس في كلمته التي ألقاها في مؤتمر الاشتراكية الدولية الذي انعقد في براغ في 2010 قد فاجأ المشاركين في المؤتمر والرأي العام خارجه بما أورده في خطابه ، بأن- " الاشتراكية الديمقراطية هي النظام الأفضل ". مشيدا بحكومات البلدان الأوربية التي تنفذ سياسة الأحزاب الاشتراكية الديمقراطية ، ودعاها إلى الحفاظ على سياسة التكافل الاجتماعية وعدم الحد منها ، كما ثمن ثلاثة عناصر مهمة في السياسات الحكومية الأوربية التي يفتقدها في بلاده الولايات المتحدة وهي :- (1)

1 – أن مجتمع رجال الأعمال شريك لا متسيدا على السياسيين.

2 – النشاط المالي كخدمة عامة ،لا يجب أن يخضع لأصحاب المال.

3 – التطور الاقتصادي والدبلوماسية مصلحة تعلو على دورالعسكر في الشأن العالمي.

وأضاف : " يجب أن يجري الحديث عن انعدام العدالة الاجتماعية في كل نشرات الأخبار ، وليس فقط عن رياضة الغولف ". وفي موقف جديد أيضا خاطب الاجتماع بالقول ، نحن على عكس ما تتبعوه في بلدانكم ، فالوول ستريت عندنا تدير الدولة ، والحزبان الرئيسيان في بلادنا ممولين من قبلهم ، الجمهوريون لا يريدون أن يفكروا بمشاكل العالم الذي يشكل الجوع أهم سبب لاضطرابه ، فالطعام والطاقة يتم تجاهلهما من قبل الولايات المتحدة.

لقد أثارت أفكاره الجديدة موجة من التعليقات في صفوف مؤيدي ومعارضي الليبرالية الجديدة ، سارع على إثرها بالرد عليها ، موضحا أنه بالفعل له مشاكل مع رؤية جون وليامسون " وتوصيات واشنطن " Washington Consensus ".

ولكن قبل أن نناقش أفكاره الجديدة المتعارضة مع "توصيات واشنطن " التي شكلت الأساس لليبرالية الجديدة ، نشير بشكل مقتضب لمضمون تلك التوصيات التي اقترنت باسم الاقتصادي الأمريكي وليمسون لتساعد القراء الذين لم يطلعوا على فحواها قبلا ، لأجل التعرف على ما سببته لاقتصاديات البلدان النامية خلال أكثر من ثلاثة عقود من الزمن. التوصيات التي نحن بصددها اعتبرت السياسة الرسمية لكافة الدول الرأسمالية منذ السبعينيات بعد أن اتخذها البنك وصندوق النقد الدوليان ومنظمة التجارة الحرة سياسة ثابتة لها ، حيث جرى حث جميع الدول لتبنيها في سياساتها الاقتصادية. وبالنسبة للدول التي تستفيد من قروض وخبرة تلك المؤسسات فستكون ملزمة بتنفيذها. والتوصيات هي :

1- السياسة المالية العامة ، ينبغي أن تتحاشى العجز في الميزانية ، ويسمح فقط على المدى القصير وفي حالات اضطرارية.

2- اعادة توجيه الانفاق الحكومي والغاء الدعم للمنتجات الوطنية زراعية أو صناعية.

3- الاصلاح الضريبي ، واتباع نظاما مخففا للضرائب على الدخل والثروة.

4- اتباع اسعار فائدة واطئة على القروض ويفضل أن تترك للسوق.

5- تعويم اسعار تبادل العملات .

6- تحرير تجارة الاستيراد وازالة التحديدات الكمية واجازات الاستيراد وضرائب الجمارك.

7- تحرير حساب رأس المال في ميزان المدفوعات لاتاحة الفرصة للاستثمار لما وراء البحار ، والسماح لرأسمال الأجنبي بالدخول إلى البلاد.

8- خصخصة المشاريع الاقتصادية الحكومية ، لآن الحكومة لا تستطيع ادارتها بفعالية.

9- الغاء كافة الاجراءات التي تقيد المنافسة ، عدا تلك التي تبررها حماية البيئة والمستهلك

10-اصدار التشريعات الضرورية التي تحمي حق الملكية.

ولأهمية شخصية وموقع الاستاذ زاخس في أوساط الاقتصاديين وأرباب المال ومؤسسات الأمم المتحدة ، يكون من الضروري الاحاطة بآرائه السياسة والاقتصادية. واستميح القراء الأعزاء عذرا لطول النص المقتطع والمترجم من قبلي الذي اخترته من حديث الاستاذ زاخس والذي جاء فيه :- (2)

1- أنا لا أدعو إلى اشتراكية على شكل الاشتراكية السوفييتية ، وقد تعمدت ترك السؤال مفتوحا ، بصرف النظر عما يحدث بعد الرأسمالية.

2- ولا أدعو أيضا إلى رأسمالية تحد من حرية الناس في تملك وحيازة النقود أو التجارة التي كانت جزء من حياة الناس منذ 200000 عام، فقد عاشوا في ظل الرأسمالية كثقافة وتقاليد.

3- الرأسمالية هنا تشير إلى كامل النظام المدار من قبل رجال الأعمال الذين يسعوا إلى تحقيق فائض القيمة من خلال العمل المأجور. رجال الأعمال في العهد الروماني كانوا رأسماليين ، لكنهم لم يكونوا رأسماليين بالمعنى الذي نعرفه في الوقت الحاضر ، لأن فائض القيمة الذي كانوا يحصلون عليه من العمل المأجور كان يستهلك بدلا من اعادة استثماره.

الرأسمالية بدأت مع محاولة أوربا للسيطرة على العالم – مثال المستعمرات الأوربية في الأمريكيتين وأستراليا ، كما هيمنت انكلترا على الهند والصين وجزأت القارة الأفريقية. وانسجاما مع هذا تطور النظام الرأسمالي بعد عام 1492 ، وعندها كان هناك تقدما تكنولوجيا من نوع ما ونموا رأسماليا. وقد مرت الرأسمالية بعدة مراحل كان آخرها رأسمالية الليبرالية الجديدة منذ 1970 ، فقد وضعت هذه موضع العمل اطلاق حرية النشاط الربحي إلى أقصاه. وفي هذه المرحلة تعاظم النشاط المالي الربحي بموازاة ثورة الاتصالات وخاصة الانترنت والتوسع الصناعي وخاصة تكنولوجيا الطاقة الحيوية وهندسة الجينات والنانو تكنولوجي.

السؤال الآن في أيدي المفكرين ، وفيما اذا سنحتاج إلى معارضة الليبرالية الجديدة التي تشكل المنهج للرأسمالية الحالية ، أو هل من الضروري معارضة الرأسمالية ككل؟ فالليبرالية الجديدة اعتبرت ثورة القلة التي بهذا الشكل أو ذاك تتعلق بطلب الربح بدرجة لم يسبق لها مثيل ، مما قد يهدد بانهيارها ، فهل يجب على الرأسمالية أن تستمرعلى هذا؟

يتبع

 


 

free web counter