| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

صائب خليل
s.khalil@chello.nl

 

 

 

الجمعة 20/3/ 2009



الحوار المتمدن وطرق الضغط الإعلامي الناعم

صائب خليل

في الجزئين الأول ، والثاني  من هذه المقالة عن سياسة الحوار المتمدن الإعلامية، نشرت إحصائيتين عن تقييمات قراء الحوار المتمدن للموقفين المتضادين وبينت أن تلاعباً في التصويتات والتعليقات لا بد أن يكون قد حدث لصالح موقف أميركا في الأولى وإسرائيل في الثانية، كذلك تناولت أهمية ذلك النوع من التلاعب وأثره على القراء حسب دراسات علمية أجراها عالم أمريكي في الخمسينات من القرن الماضي حول تأثير رأي الأغلبية، أو ما يتم تصويره على أنه رأي الأغلبية، على رأي الفرد وتقديراته، لتحقيق "تزحيف" في الرأي العام بالإتجاه الذي يريده ممتلكي وسائل الإعلام، وهو ما لن أكرره هنا لكني أدعو من لم يقرأه إلى أن يفعل ذلك. وهنا في الجزء الثالث أتناول بعض النقاط الأخرى في الحوار المتمدن التي تثير التساؤل المشروع.

قصة كلاسيكية لهزيمة حرية الرأي
تبدو لي قصة الحوار المتمدن، قصة كلاسيكية لتحول الإعلام تدريجياً من إعلام حر إلى إعلام مقيد بعد أن يستنفذ القائمون على السلطة في البلاد، وهم الآن الأمريكان، حاجتهم من "سمعة الديمقراطية"، ويشعرون أنهم أصبحوا في وضع يؤهلهم لكشف حقيقتهم تدريجياً، فالمعاهدة تم توقيعها من قبل نظام "ديمقراطي" منتخب، وما تزال المعارضة والمقاومة دائخة في خسارتها لتلك المعركة وغير قادرة على منع انهيارات جديدة مثل قانون النفط وعودة البعث وأي شيء يناسب الأمريكان، ولن يضير الأمريكان أن يبدأوا ببناء الدكتاتورية وإعادة الفاشية كما فعلوا في الكثير من البلدان التي حرروها يوماً من الدكتاتورية لحاجاتهم السياسية الآنية. وإذا كانت هذه هي مرحلة الحالة السياسية، فأنها تنعكس أول ما تنعكس في الإعلام.

ورغم أن الحوار المتمدن كشف عن أوراقه بالنسبة لي بمنع نشر جزئي مقالتي السابقة عن مجموعة شوفينية من "مثقفين" أكراد كانت تفضح تفاهة الفكر الشوفيني وانحطاطه، (أي أن الحوار المتمدن دافعت عن الشوفينية!) إلا أن الأمور نادراً ما تكون بهذه الطريقة الحادة. فبناء الدكتاتورية غالباً ما يكون ناعماً هادئاً لا يثير الغبار, ولا يحتوي على أية قفزات تستحق احتجاجاً من الناس يكفي لفضيحة او التسبب بردود فعل معاكسة. أن تضرب ضربة ثم تترك الناس تعتاد عليها وتهدئ نفسها وتخفض طموحها، لتهيء الجو النفسي للضربة الصغيرة الثانية وهكذا، تصحو في يوم من الإيام وقد طارت كل الديمقراطية والحرية، وتسأل نفسك : كيف ومتى حدث ذلك؟

وسائل جديدة للتسلط على الأفكار
ليس الضغط على حرية الصحافة وتوجيهها نحو وجهة محددة، أمراً جديداً في العراق الجديد، فلا يمر شهر دون اخبار اعتقال او تهديد أو تغريم لصحفي متمرد أو طرده من عمله، أما عندما تقف الجريدة مع صحفييها في حريتهم مثل جريدة "هولاتي" في كردستان، فستعاني الصحيفة أيضاً من التغريم والملاحقة. ولا تستثنى الصحافة الألكترونية "غير المناسبة" من الهجوم فيشتكي اليوم موقع الوسط العراقي  من هجمات متكررة عليه, ويدعي أن مدير مكتب المالكي منع تداول اخباره  ، وقد عانت الحوار المتمدن نفسها من المنع في دول عربية عدة، لأنها تعتبر "غير مناسبة" في تلك البلدان.

إلا أن "الحرب على الحرية الصحفية" تطورت ونضجت مع السنين وخاصة في أميركا حيث كانت المعارك على أشدها، وتعلم خصوم الحرية أساليباً وأسلحة اقل افتضاحاً وأكبر تأثيراً واكثر استقراراً في نتائجها، وطوروا طرقاً لـ "الرقابة الناعمة" التي تعمل دون ضجيج ولا تثير ردود فعل.

لو كنت مديراً لصحيفة، وأردت ممارسة تلك الرقابة، ودفع الرأي العام باتجاه معين، فليس من الضروري أن تفصل كل الصحفيين الذين يتحدثون باتجاه آخر. أنت بحاجة إلى أن تعرف مثلاً كم من الناس يقرأ الصفحة الأولى، الأخيرة، الصفحات الداخلية...هل ينظر الناس إلى أعلى الصفحة بالدرجة الرئيسية؟

هكذا تستطيع أن تدفع بالمقالات المناسبة الى المكان المناسب لتضاعف قراءتها وتخفض ما يقرأ من المقالات غير المناسبة ودون أن يبدو أنك تقوم بأية عملية رقابة. ويمكنك أن تثمن عمل الصحفيين الذين يكتبون كما تحب، دون أن تطرد الآخرين فيشعر الأوائل بالفرح وينشطون والآخرون بالغبن ويكسلون....ويمكنك أن تختار المواضيع التي "تهم الصحيفة" دون أن تحتاج عادة أن تفرض رأيك في كيفية تحليل تلك المواضيع، لكن الإختيار نفسه عملية انتقاء لما يجب أعتباره مهم وما يجب إهماله....هكذا وبأساليب اخرى لا حصر لها تنمو بشكل تدريجي صحافة متحيزة مضللة لا تختلف كثيراً عن الصحافة المقيدة الدكتاتورية سوى أن الأولى ما تزال تحتفظ بثقة الناس بها دون أن تستحقها، فيقرؤها الناس بدون التوجس الذي تعاني منه الثانية، وبذا يكون تأثيرها في التضليل أقوى وأعم.

بشكل عام، إن اردت لعبة الضغط الناعم، أو كنت مضطراً لها، فعليك البحث عن "الفعالية" والتأثير. إن أردت حجب المقالات فجد الطرق التي تمنع تأثير المقالة دون أن تمنعها فعلياً إن أمكن. في مرة سابقة تم منع نشر مقالة لي بعنوان عندما تريد شيئاً يمتلكه شخص آخر: هل صداقة أميركا ممكنة؟  بطريقة أقل صدامية واكثر ذكاءً، فنشرها الحوار المتمدن في الدقائق الأخيرة في صفحة الموقع الرئيسية لتختفي بعد ذلك في الأرشيف دون أن يتاح لأغلب القراء رؤيتها، ورفض احتجاجي وطلبي لنشرها ثانية بشكل طبيعي، دون أن أستطيع الإدعاء بأن مقالتي منعت من النشر!

يمكنك زيادة في التضليل أن تمنح الكتاب الأقل تأثيراً والأقل إقناعاً من الجانب المعاكس، بعض الأفضلية، فيخدمون قضيتك خدمة مضاعفة : يدفعون التهمة والشكوك عن تحيزك الذي لا بد أن يتسرب الى النفوس من جهة, ويظهرون للقراء بأن الفكر المعاكس فكر غير مقنع، من الجهة الثانية. فعندما تريد أن تسير عكس الراية التي ترفعها دون أن يحس بك أحد، أنظر أي المواضيع يؤمل أن تكون أكثر تأثيراً في إقناع الناس بأن صحيفتك ترفع رايتها بصدق، مهما كانت رايتها تلك : الحيادية أو اليسارية أو الحرية...ومن هذه أختر أقلها تأثيراً في إقناع الناس بالتصرف باتجاه تلك الراية، وهذا يتيح لك بالمقابل أن تضع أكثر المقالات إقناعاً من الجانب المعاكس في مكان جيد باعتبارك "توازن" الطرفين. على السطر الأول تنشر الحوار المتمدن كمثال ممتاز على ذلك خطاب إلى الرفيق مولتوف .  لـ "الرفيق" ستالين، وتنشر كذلك مقالات الستاليني المتحمس بشكل مفرط وغير المقنع الأستاذ فؤاد النمري، وكذلك شيوعيون سابقون لهم إسم ما زال رناناً ومرتبطاً بالشيوعية، لكنهم لم يعودوا حتى يساريين بأي شكل من الأشكال. بشكل عام عليك أن ترحب بكل "تائب" عن الفكر الذي تريد محاربته في حقيقتك، فلهؤلاء قيمة لا تقدر بثمن في تأثيرهم على الجمهور، وكل دكتاتور يعرف هذه الحقيقة فيلجأ حتى إلى التعذيب فيجبر البعض على التوبة العلنية، وهو ما ليس متاحاً لك بالطبع، فعليك أن تختار مما هو متوفر.

مصادر الـ "تكنولوجيا" الجديدة في مصادرة حرية الرأي
يقال أن "البروباغاندا للديمقراطية، كالعنف للدكتاتورية" كلاهما وسيلة للسيطرة على الشعب ومنعه من الدفاع عن مصالحه وإنسانيته، وحتى الدكتاتوريات لم تكن تلجأ إلى العنف لو أن الناس كانت تسير طوعاً إلى حيث تريدها تلك الدكتاتوريات أن تسير.

يعلمنا جومسكي أن موجة إحساس الشعوب بقيمتها وحقها في حكم بلادها، أي الديمقراطية، التي ازدهرت في القرن التاسع عشر، لحقت بها حملة "العلاقات العامة" الإعلامية التي أطلقتها الشركات في أوائل القرن العشرين للسيطرة على تلك الديمقراطية، وقد كان ذلك بشكل منظم تم جمع أموال ضخمة بقياس ذلك الوقت وقدم إدوارد برنايز "إنجيل" حملة العلاقات العامة والمسمى بـ "البروباغاندا" والتي لم تكن قد أخذت معناها السلبي المرتبط بالكذب بعد، والتي أدت إلى أننا نعيش اليوم في "شبكة لا نهاية لها من الخداع، يسهل عليها دفن حتى الحقائق الأولية الأساسية" حسب قول جومسكي.

يكمل جومسكي تحليله مشيراً إلى أن المؤسسات الإعلامية الكبرى تضطلع بمهمة صناعة "الأجندات" الإعلامية التي يجب أن تسير بقية المؤسسات والصحفيين ضمنها، ""ثم تأتي مسألة الصحفي المستقل أو الفردي، فأنت تعرف بأن الصحفي الشاب يصمم على أن يصبح صحفياً شريفاً. حسناً، فلتحاول ذلك. فبعد وقت قصير سوف تعلم من قبل رئيسك بأنك "عاطفي جداً، ومنخرط في القصة أو الرواية كثيراً، و "عليك أن تكون موضوعياً أكثر"..هناك كم كبير من الكلمات المخصصة لذلك، وما تعنيه تلك الكلمات هو "إتبع الخط يا زميل، أو ستجد نفسك خارجاً". (جومسكي: تواريخ الإنشقاق).

هكذا وجدت نفسي "خارجاً" من "الحوار المتمدن" الذي كتبت له سنوات عديدة لأني لم أستمع بشكل جيد إلى الإشارات التي ارسلت لي : من تأخير نشر، ثم تقييمات منخفضة ثم خفض مكان مقالاتي وإرسالها إلى قعر صفحة الحوار بشكل مفضوح مضحك، ثم تعليقات خشنة ووقحة تنشر إجبارياً على تلك المقالات، وحين شعرت الحوار أنها لم تعد بحاجة إلى القناع، أوقفت نشر مقالاتي دون تقديم سبب، سوى رسالة مستنسخة تشير إلى أن للإدارة الحق في رفض نشر أية مقالة دون إعطاء سبب! 

مثال كلاسيكي رائع على طريقة "إتبع الخط يا زميل أو ستجد نفسك خارجاً" ما يحدث الآن للزميل سعدون محسن ضمد مع جريدة الصباح، حيث يخوض معركة   لإنقاذ حقه في الكتابة بحرية  ويكفي أن يقرأ المرء رد الصباح  الذي لم تستطع دبلوماسيته أن تخفي الوقاحة الكبيرة خاصة في نهاية المقالة، حتى يفهم من أين نقلت هذه "التكنولوجيا" لمجابهة حرية الصحافة، وحجم الخطر القادم. كيف ستنتهي المعركة بين سعون والصباح؟ يعتمد الأمر على قرارات سعدون بأن "يكون خوش ولد" أو لا، وعلى تقدير "الصباح" عن لحظة استعدادها لنزع قناعها الديمقراطي دون كلفة كبيرة. ومما لاشك فيه أن قدرة الزميل سعدون على نشر شكاواه في مواقع الإنترنيت كالحوار، وتصميمه على أن لا يكون فريسة سهلة، لعبت وتلعب دوراً في تأخير تلك اللحظة.

إعلانات في الحوار المتمدن لتقديم معلومات تجسسية لإسرائيل
أخيراً يثير الإنتباه ما أضافه الحوار المتمدن من إعلانات كوكل إلى الموقع التي تتضمن دعايات إسرائيلية صريحة، بل تكثر فيها إعلانات الجيش الإسرائيلي التي تدعو القراء لمساعدتها في الحصول على معلومات تجسسية حول الجنود الإسرائيليين المعتقلين لدى الجهات العربية المقاتلة للإحتلال!!

وقد كتب البعض إلى الحوار المتمدن يشكو فيها هذه الظاهرة وأنا منهم، فكان رد الحوار المتمدن على من كتب أن إدارة الموقع مضطرة إلى ذلك لأسباب مادية، وهي لا تستطيع التدخل في نوعية الإعلانات، وهو كذب صريح ومباشر، حيث أن كوكل يقدم الفرصة للمواقع التي يعلن بها، أن يحذفوا أية مصادر معلنة لا يرغبون في الحصول على إعلاناتها، وهذا موجود بوضوح على صفحة كوكل ، لكن يبدو أن "الحوار المتمدن" لا ترغب في حذف تلك الجهات! هل أنها مصادفة أن الجزئين الذين منعتهما الحوار المتمدن من النشر في مقالتي عن المثقفين الأكراد، هما الجزئين الأكثر تركيزاً على العلاقة بين الشعبين الكردي والإسرائيلي التي كان يحاول ترويجها كل من نزار جاف ودكتور مهدي كاكه يي؟ ألم تكثر هذه "الصدف" التي تشير إلى اتجاه معين دون غيره؟

 

20 آذار 2009
 

¤ الحوار المتمدن والتقييمات المزورة (2) مقالات المعاهدة
¤ الحوار المتمدن والتقييمات المزورة (1) مقالات غزة

 

 

free web counter