| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

صائب خليل
s.khalil@chello.nl

 

 

 

الأربعاء 18/3/ 2009



الحوار المتمدن والتقييمات المزورة
2- مقالات المعاهدة

صائب خليل

قبل نهاية العام الماضي، حققت القوى اليمينية المدافعة عن إسرائيل، أو بالأحرى التابعة لها، في الإتحاد الأوروبي إنتصاراً محدداً على خصومهم اليساريين، عشية زيارة فتاة الموساد التي قامت باغتيال عبد الرسول، العالم النووي العراقي أثناء دراسته في أوروبا، ثم صارت وزيرة للخارجية الإسرائيلية، تسيبي ليفني، فتمكنوا من تجاوز الشروط التي وضعها البرلمان الأوروبي لتطوير العلاقة مع إسرائيل، والتي كان الإتحاد يأمل منا الضغط على إسرائيل بإلزامها بتحقيق تقدم في عملية السلام، فحقق اليمين بذلك إنتصاراً لإسرائيل على القانون والعدالة وبقية القيم الإنسانية والسلام الدولي...وعلى اليسار.

رغم أن "اليسار" بمفهومه الأوروبي والعالمي، كيان بعيد عن التجانس، وبعيد عن الإستقلال، وقد اخترقته القوى اليمينية وتلك التابعة لإسرائيل وأميركا كثيراً وعميقاً، لكنه يبقى العدو الأكثر إزعاجاً لهذا الكيان العدائي العنصري الأخير في العالم. إنه الجزء الذي يقود مبادرات طلب التحقيقات بالجرائم الإسرائيلية ويقود التظاهرات والأعمال الفنية والوثائقية التي تشرح للعالم حقيقة هذه الدولة، وليس ذلك غريباً، فاليسار بطبيعته مكوّن من الأفراد الأكثر إنسانية في مجتمعهم. الأفراد الأكثر إحساساً بالمسؤولية عن مجتمعهم وعن الحياة عموماً، بينما ينحدر الباقون إلى الليبرالية واليمينية التي تتيح لهم إطاراً أيديولوجياً يبرر الأنانية التي تشكل المبدأ الأول بالنسبة لهم. هذا في الحال الإعتيادي، أما في أثناء الفضائح الشديدة التي تمر بها إسرائيل، فإنها تفقد الكثير من أتباعها و أصدقائها، حتى من اليمين، بينما يثير عليها اليسار العواصف الأشد أذىً.  

فلماذا إذن يصوت القراء في الموقع العراقي – العربي اليساري "الحوار المتمدن" لصالح إسرائيل وبفارق كبير، وخلال فصول مذبحة غزة نفسها؟ هل أن اليسار العربي، على عكس كل يسارات العالم، يقف أقرب إلى إسرائيل مما هو إلى ضحاياها من العرب أنفسهم؟ التفسير الأكثر معقولية هو أن إدارة الموقع تلاعبت بالتصويت كما تلاعبت بأمور أخرى أوصلت إلى هذا الإستنتاج الغريب!

هذا ما حاولت تبيانه في الحلقة الأولى من هذه المقالة والتي كشفت فيها أن نسبة التصويت لصالح فريق إسرائيل (من حكام عرب وفلسطينيين وإسرائيل) قاربت الثمانين في المئة بينما تراوح التصويت على مقالات الإحتجاج بحدود 50%. في الحلقة الثانية هذه أبين أعجوبة أخرى للتصويت في الحوار المتمدن، حول الموقف من الإحتلال الأمريكي والمعاهدة التي تبقي عساكر الأمريكان على أرضه، وهنا أيضاً نصاب بالدهشة والإحباط الشديد من اليسار، تلك القوى الإنسانية الشجاعة الأكثر ثقافة والأبعد عن الإمبريالية مشاعراً، والمشمئزة من كل قوة إستعمارية أو عسكرية، تقف بالضد من استقلال وسيادة وطنها، وأي بلد آخر. هذه القوى تجدها في الحوار المتمدن تهزأ من هذه المفاهيم، وتدعم المشروع الأمريكي في العراق، وتحصل على نتائج تصويت ممتازة من قرائه الذين يفترض أن يكونوا يساريين في غالبهم، فما هو السر في هذا "اليسار" الذي لا يشبه أي يسار، والذي يقبع في "الحوار المتمدن"؟

في الخمسينيات من القرن الماضي اكتشف باحث إجتماعي أمريكي إسمه سولومون آش (Solomon Asch)  خاصية خطيرة في دراسته لميكانيكية الأفراد في أتخاذ القرارات ضمن محيط إجتماعي، فأجرى تجاربه والتي برهن فيها أن الفرد ميال إلى قبول ما يستشف أنه "رأي الجماعة" حتى إن كان يعتبره خاطئاً، لو ترك له الخيار دون تأثير. وهو ما نطلق عليه "التوافقية الإجتماعية"  للأفراد، وقد شرحنا هذه الخاصية وتفاعلها الخطير مع السيطرة على الإعلام من أجل "تزحيف" أراء الشعوب باتجاه يناسب من يمتلك وسائل الإعلام في الجزء الأول من المقالة، فهل أن "الحوار المتمدن" ليس سوى أحدى هذه الوسائل التي تعمل على بث الرأي المناسب للأمريكان في وسط أكثر الناس صعوبة على الإختراق من قبل هذا الرأي؟

هذه الوسائل تبقى بعيدة عن الإنكشاف، وتتصرف بطريقة لا تثير الشبهات فتوفر بالتالي فعاليتها للحظات المؤثرة، لحظات اتخاذ القرارات والمواقف، مثلما كان الأمر في مذبحة غزة، وأيضاً في قرار المعاهدة سيىء الصيت. فهذه النقاط الزمنية الحساسة، هي اللحظات التي تتسبب بها مثل تلك الأجهزة بالأذى الأكبر، ولكنها أيضاً اللحظات التي يمكن كشف حقيقتها للناس حين تضطر هذه الأجهزة لإتخاذ موقفها التي وجدت من أجله ورفع بعض الغطاء عن وجهها. هذا الكشف يمكن ملاحظته ليس من المواقف المفاجئة لتلك الأجهزة فقط، بل أيضاً من موجات الإحتجاج التي يثيرها هذا الكشف الصلف لدى جمهورها، وخاصة الأكثر يسارية وإنسانية ووعياً منهم. لقد شاهدنا الإحتجاجات على أشدها لدى هؤلاء على موقعهم المحبوب خلال فترة حرب غزة، ومن يقلّب أرشيف الحوار المتمدن في تلك الفترة يكتشف بسهولة أن ما أتحدث عنه ظاهرة عامة وليس احتجاجا شخصيا مني على إدارة الموقع.

في الجزء الأول أوردت مقطعاً مطولاً من احتجاج متألم من قبل زميل كاتب هو كامل الشطري دفاعاً عن زميل له وجه له البعض تقييما ظالما، واليوم أقتطع تعليقاً آخر كتبه الأخ حميد الحلاوي تحت عنوان "هلهولة للبعث الصامد" حيث يشبه تصرفات إدارة الحوار بالتصرفات البعثية، فيقول:

" ولمن يتسـاءل كيف ولمـاذا تقول هـذا ؟ أقول بالأمس كان لي موضوع حول العام 2009 حمل تعليقين أرسلت عليهمـا ردين منفصلين ظهـر ردي على العزيز إبراهيم البهـرزي ولم يظهـر الرد بالرقم 1 رغم إنـه لم يكن حاويا في إعتقادي لأي إهانة أو بذاءة أو تعليقات ساخرة ... وهذا إن لم يكـن مؤشـرا على إنحيـاز المشرف على إصدار العـدد أو هيئة الحوار بأجمعها لجانب معين... إن البعـث سلوكية تركت آثارها العميقـة في نفوس الكثيـرين من ضحاياه بالذات وليس منتسبيـه فقط، وطالمـا نحـن نتعامـل مـع ما ينشـر بمكيالين .. إذن ما زال البعـث صامـداً..."

إنها عبارة رائعة من الأخ حميد، حول نقطة أنوي الكتابة عنها...يستمر التعليق في شرح مذبحة غزة ببساطة:

"إن المسـألة أيها الرفيق هي مسـألة ناس هم في مجموعهم نساء وأطفال وشيوخ يقتلون وتباد عوائل بأكملها من خـلال قصف جـوي بقنابل الفسـفور الأبيض دون وازع من ضمير وعندما يأتينـا القومي العربي أحمد الناصري ليتألم لما يجـري هناك وتقف أنت الشـيوعي الأممـي الـذي أرسل حزبـه مقاتليـن ضمن الفيلق الأممـي لنصرة الشـعب الأسـباني ضد الوحش فرانكو وتسـخر منه الآن وتتهكم"

ويضيف: "أما أنت يا كشـكولي فوالله إني أرثي لحالك ... فأنت عضو في هيئـة تحريـر مؤسسـة تعنـي بنشـر ثقافـة الحوار والحب والتسـامح لا نشـر الكراهية الشـخصية والتي بدت واضحـة لكل جاهل وأمـي ... أنا قرأت مقالتـك قبل يومين حول غزة فلم اسـتشف منها أي رابط بينك وبين ما تدعيه من إنتمـاء سـابق للحـزب الشـيوعي في تعليقك على ما كتبـه أحمد هنا اليوم.....سـؤالي لك ... إلى اين تريدون جر الحوار المتمدن ؟ هل للإنبطـاح امام المشـروع الأميركي المنفلت أم تريدون جعله لسـان حال لجهـة معينـة؟"
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=158649

ليس هذا سوى نموذج من التعليقات الغاضبة من الحوار المتمدن وتدخلاته المنحازة ضد من انتقد إسرائيل بشدة أثناء جريمة غزة، فلم أكن لوحدي من عانى من تلك المعاملة المخجلة ولم أكن وحدي من احتج عليها بشدة بل أكاد أجزم أن الغالبية العظمى ممن كتب ضد إسرائيل فعلاً، (وليس جماعة "إن انتقادنا لحماس لا يعني تأييدنا لإسرائيل" في "أزمة غزة" حسب تعبير أشرف عبد القادر) إن لم يكن كلهم، قد أحسوا بما يجري في الحوار المتمدن الذي أحبوه يوماً، من تحرك ضدهم وضد موقفهم.

هذا ما جرى في فترة غزة، لكنه لم يحصل لأول مرة، فقد كان هناك شعور مماثل في فترة مناقشة المعاهدة وبعدها، حيث كان هناك شكاوى بأن بعض المقالات المعارضة للمعاهدة لم تنشر, و كان أوضح تحيز ما جاء في التقييمات غير المعقولة, فبدا كل من كتب ضد المعاهدة، كاتباً سيئاً هاوياً لايحصل على مايزيد على الخمسين إلا في حالات نادرة، أما تأييد المعاهدة فكانت اكثر المقالات، حتى السطحية، تحضى بدرجة تتراوح ما بين الـ 75 و المئة، إلا ما ندر. فكيف حدث هذا بين مثقفي شعب يرفض المعاهدة رفضاً حاسماً غاضباً كما أشرنا إلى الأدلة أكثر من مرة؟ ليس هذا غضباً على التقييمات والنشازات وإنما محاولة استعمالها لكشف ما يقف وراءها، فهي بحد ذاتها لا تعني شيئاً على الإطلاق.

كيف يحصل عزيز عبد الحسين الرضي على 100% من الحوار المتمدن لمجرد أنه قال أن مفاهيم "الوطن والسيادة" "مصطلحات خشبية" "أكل الدهر عليها وشرب" في مقالته ( مع الاتفاقية الامنية بين العراق واميركا ضد اتفاقية النفط والغاز) ؟ هل هذه المفاهيم قد ولت من رأس اليسار فعلاً؟....أم أن هناك تفسيرا آخر؟

مؤيد عبد الستار  يكتب في مقالته الاتفاقية العراقية الامريكية و شر القتال بهذا المستوى: "اما هؤلاء الذين يتمخطرون في مجلس النواب واولئك المتربعون على كراسي الوزارة الذين يتشدقون برفض الاتفاقية مع امريكا ، فعليهم شد الرحال وحمل مقاعدهم وكراسيهم معهم لاقرب دولة جارة ، لان الادارة العراقية الجديدة التي تتشكل بعد انسحاب القوات الامريكية سوف لاتحتاج الى كراسي ومقاعد وثيرة ، وانما ستأتي ومعها الحصران والبواري لتجلس عليها وتفتح سجلات المحاكم الشرعية لتقطف رأس كل من طالب يوما بالحرية والديمقراطية"، ويحصل بهذا الكلام على درجة أكبر بكثير مما يأمل به "الرافضين"، فالقوات الأمريكية هي من تحمي "رأس كل من طالب يوماً بالحرية".

وبتعال وتهجم بلا مناسبة على معارضي رأيه في المعاهدة، وكل العراقيين، كتب سليم سوزة ( الاتفاقية الامنية وتردّد الكتل السياسية ) يقول "انها مسألة وقت فحسب لتتروض العقلية الهمجية وتدخل قفص التعقل والمعرفة، سيما والعراقي معروف بازدواجيته وتعاطفه مع الاحداث باللحظة، كما يقول شيخ الاجتماع علي الوردي." ويحصل سليم سوزة على 72 من قرائه لمشاركته في سياسة التحقير الموجهة اليهم!

ويحصل سهيل أحمد بهجت على 96 كتقييم له لإتهامه دون دليل، كل من يصر على رفض الإتفاقية بانه ينطلق من منطلق إسلاموي إقليمي (العراق.. اللا دولة -تنجز إتفاقية-؟!)، وهي التهمة الرخيصة التي أطلقتها السفارة وتلقفها "اليسار"، والتي استعملت كسلاح لإرهاب المعارضين وزجهم في موقف الدفاع، وفي العادة تكفي الإشارة إلى "الإسلاموي" أو "إيران" لتضمن لصاحبها قصرا في جنة تقييم الحوار المتمدن.

ويدلو سعيد علم الدين بدلوه في تثبيت هذه اللعبة فيؤكد للقارئ أن "الهلع" من الإتفاقية ليس سوى إيراني: "لماذا الهلع الإيراني من الاتفاقية الامنية؟ "، ثم يعود بعد اتهامه العراقيين الرافضين بالعمالة او التبعية لإيران، ليقر بأنه "لبناني" وأنه "يحترم الأشقاء العراقيين العزيزين" !! "ولا يريد أن يتدخل"!! (لكن يبدو أن هناك ما يجبره على التدخل). لأجل هذا الكلام المهين بحق " الأشقاء العزيزين" المتهمين بالعمالة، يحصل سعيد منهم على %78.

سليم سوزه يوضح في مقالة أخرى، (مَن هم الرافضون للاتفاقية الامنية )، قائلاً " مَن يرفضها اليوم هو مَن له الذراع الاطول في العبث بأمن العراق واستقراره خصوصاً الجارتان ايران (الاسلام) وسوريا (العرب)" وأيضاً " لا استعرض موقف الكتل الرافضة لاصل الاتفاق مع امريكا فتبريراتها وحججها واضحة لاي (زعطوط) لا يفهم في السياسة، فهي لم ولن تخرج من اطار الرفض من اجل الرفض والمعارضة من اجل المعارضة، والاّ ماذا يُفسّر موقفها الحالي ضد ارقى واجلى جدولة انسحاب ممكن ان تتضمنها اي اتفاقية".

والحقيقة أن أي "زعطوط" يستطيع تفنيد هذا الكلام ، وأي (زعطوط) يستطيع أن يرى أن المعاهدة بنيت على طبقات متتالية من الكذب والسرية والإتفاقات المظلمة، وأي (زعطوط) يستطيع أن يرى أن الشريك في المعاهدة أخطر شريك في التاريخ، وأي (زعطوط) يستطيع أن يرى أيضاً أنه ليس هناك أية مصلحة ممكنة للأمريكان إن هم أبقوا قواتهم لسنتين وخرجوا بعد دفع تكلفة إبقاء هذا الجيش الهائل خارج بلادهم، فمصلحتهم الوحيدة يمكن أن تأتي من التآمر السري ومن إقلاق العراق أكثر لنهب ثرواته..أي (زعطوط) يستطيع أن يرى أيضاً أنه في حالة الخلاف على التنفيذ مع هذا الشريك الجبار فلن يكون لك إلا رحمة الله، ويرى أن الفصل السابع لم يكن إلا خدعة شارك في صنعها جميع محتالي المعاهدة. هناك الكثير مما يستطيع أي (زعطوط) رؤيته، وعجز جميع مؤيدي المعاهدة عن أن يرتقوا إلى مستوى ذلك "الزعطوط"، فهل تستحق مقالة سليم سوزة هذه 80 %؟

يحصل مهند الحسيني على 82 على كلام من شاكلة هذا: "أما في الجانب المعارض للاتفاقية فنجد أن حلولهم لا تختلف شيئا عن حلول المقاومة الشريفة جدا جدا (( التحرير الناجز أو الموت الزؤام لكل العراقيين وليست مشكلة كيفية الموت لانهم يمؤمنون بالمقولة التي تقول تعددت الأسباب والموت واحد !! ))" (أين الواقعية في رفض المعاهدة العراقية – الاميركية ؟؟!! )

ويحصل حمزة الجواهري على 75 في مقالته التي تحتج على كثرة مطالب وشروط العراقيين من الأمريكان في مسألة التفتيش (الرافضون للاتفاقية الأمنية والتعديلات) ويعتبرها دلالاً زائداً وتمنعاً، ويدعو العراقيين إلى التساهل!

ولم يختلف عادل حبه عن هذا الطرح فكان محور مقالته (على هامش طرح مسودة الاتفاقية العراقية-الامريكية) التي يدعو فيها السياسيين العراقيين إلى عدم " الخضوع لابتزازات حكام دول الجوار أو غيرهم" وان يلتزموا بـ "الثوابت الوطنية"!! ("الثوابت الوطنية" الجديدة هي البصم على المعاهدات مع الجيوش المحتلة! ماذا يفعل العملاء إذن؟ يطردون القوات المحتلة؟) و تحصل مقالته على تقييم جيد (75) في الحوار المتمدن اليساري، بينما تحصل دعوة التفكير الحذرة لـ علي عرمش شوكت، " فمن يجتاز هذا المعطف وهو محملٌ بهموم شعبه سيكون قد ملأ مكانه في المسؤولية باقتدار ، لاسيما ونحن على موعد مع الناخب العراقي الذي سيجد في ذلك عوناً في القدرة على الاختيار" على غضب القراء فيسجلون لها 53 فقط! (الاتفاقية الامنية ... اختبار نهاية المطاف )!

بينما علاء الهويجل يحصل على 86 على منطقه التالي: بما ان "كل القرارات العربية أدت إلى مصير مظلم" ، "إذن فان قرار الإتفاقية سيكون خطوة أولى نحو بناء عراق قوي سيد على أرضه"! هكذا ببساطة! لذا فهو يسمي مقالته(توقيع الاتفاقية الامنية بين بغداد وواشنطن افضل قرار سياسي عربي منذ مطلع القرن العشرين). لم يقدم لنا الهويجل ما يدل على أنه قام بدراسة كل القرارات العربية منذ مطلع القرن العشرين وحتى بعد نهايته، إنما يفترض منا الثقة بأنه قد فعل ذلك....أو لعله اعتمد على "إحساسه" بأن هذا هو القرار الأفضل! لا غرابة في ذلك "الإحساس" لمن سوف يعود في مجزرة غزة ليمتدح عدم مبالاة العراقيين بها (كما قال ذلك زوراً عن العراقيين) ويعتبر ذلك "دليل تحضر" وسيحصل على تقييم عال في الحوار المتمدن على هذا أيضاً!

ولا يختلف باسم صاحب محسن عن رفاقه فيتهم من يرفض الإتفاقية بأنه "يتكلم بلغة الدول الإقليمية" وهذا يكفيه ليحصل على 90!  (المزاجات الثلاث على الاتفاقية ). أما إحسان جواد كاظم فيذهب أبعد في حرصه على مصالح أميركا من أميركا نفسها، بل ويلومها لتفريطها بها، وعدم "تسليم السلطة لحلفائها" بشكل أكثر وضوحاً، لذا فهو غاضب منها وشامت بها فهي " تجني الآن ثمار مازرعته امس بيديها. فلم يحدث في تاريخ العالم ان قامت دولة محتلة بتسليم السلطة لأعدائها -كما حدث في العراق - ولاتسلمها لحلفائها "!! ما هي عقوبة هذا الخطاب ، لدى القراء اليساريين في الحوار المتمدن؟ أن يعطى درجة 85!  (نار امريكا ولا جنة ايران).

الدكتور عبد الخالق حسين الذي يحذرنا كما حذر نوح قومه هاتفاً (الاتفاقية... أو الطوفان!!) التي ينهيها بحركة مسرحية قائلاً: " ألا هل بلغت؟ اللهم إشهد." يحصل على درجة عالية، وكذلك هناك الغيور على أهله ووطنه الذين يذبحهم الأسرائيليون بسلاح الأمريكان بين الحين والآخر ويوجهون لهم الإهانة الأزلية منذ ستين سنة، الفلسطيني أحمد أبو مطر الذي وجد الوقت لينصحنا بالخيار بين (الاتفاقية الأمنية الأمريكية أو الخراب ) وبنفس منطق "تخويف الناس من القراصنة والأشباح" الذي لجأ إليه الخطر للغاية، الذي يرأس وزارة الدفاع العراقية حالياً، بتخويف مواطنيه من "القراصنة" عندما لم يجد طريقة أخرى لدفع الناس لقبول المعاهدة. عن هذا يحصل أبو مطر على 84!

ما لم افهمه هو لماذا ترك محمود الوندي ليحصل على 25 فقط وهو لم يكتب شيئاً أسوأ (ولا أفضل) من بقية المتحمسين للمعاهدة! ربما "عن العين"؟ أو لكي يمكن القول أن هناك من مؤيدي المعاهدة من يمكن أن يحصل على درجة قليلة في الحوار المتمدن؟ فكرة صدام في جعل نتيجة التصويت 99 بدلاً من 100% للتمويه وكسب المصداقية؟ على أية حال، فإن هذه الحالات النادرة لتقييم ضعيف لمقالة تؤيد المعاهدة لم يغير كثيراً المعدل العام ولم يؤثر على الفارق الواضح والحاسم بين ما حصل عليه الفريقان، حسب الأرقام التي وصلت إليها حساباتي وكالتالي:

معدل تقييمات المقالات المؤيدة للإتفاقية بشدة = 79.4
معدل تقييمات المقالات المؤيدة للإتفاقية باعتدال نسبي = 76.8
معدل تقييمات المقالات  المعارضة للإتفاقية باعتدال نسبي = 53.5
معدل تقييمات المقالات المعارضة بشدة للإتفاقية = 58.1

هل يمكن أن تعبر هذه الأرقام عن رأي يسار عربي عرف الأمريكان جيداً وكان كل ما لاقاه من تعذيب وإعدامات وتدمير يعود إلى مخططاتهم لبلاده، هل يمكن أن تعبر عن رأيه بالإتفاقية الأمريكية؟ هل يعقل أن يصوت واحد فقط بالضد من المعاهدة من أصل 149 مصوتاً يصوتون بالدرجة الكاملة لجوزيف شلال فيحصل على 99%؟

حسناً، على الأقل أين أصوات "عملاء إيران" من المعارضين؟ هل توقفت إيران عن دفع أجورهم فتركوا العمل؟ مثلما حدث للحكومة "العميلة لإيران" التي صوتت بمجموعها للمعاهدة، عدا إمرأة ليست لها أية علاقة بإيران!

لقد كتبت تكراراً أن المعاهدة مشروع عاش على الكذب وتأسس عليه ولم يكن ممكناً الدفاع عنه سوى بالكذب الذي تبرع بأكثره هوشيار زيباري، لكن فضيحة الحوار المتمدن أكدت مرة ثانية صحة تلك المقولة، وأن الكذب لم يشمل "مفاوضي" المعاهدة ومسؤولي الحكومة "العميلة لإيران" فقط، بل كان أوسع من ذلك كثيراً. لكن هذا كله يثبت أكثر وأكثر رفض الشعب للمعاهدة،  فكلما تبين أن هذه الخدعة صاحبة الألف إسم كانت بحاجة إلى كذب أكثر، كان ذلك يعني أنها مرفوضة أكثر من العراقيين.

قد تسأل عزيزي القارئ، وما تأثير تزوير التقييم وإزعاج الكتاب المخالفين و"تشجيع" المؤيدين على إقرار المعاهدة؟

إفترض إنك المحتل، وأنك أردت تمرير قرار يكرهه غالبية الشعب، وكنت تعلم أن الحكومة لديها استعداد لأن تستجيب لضغوطاتك وإغراءاتك إن هي أمنت غضب الشعب، أليس من المفيد أن توحي للشعب بأن الأغلبية منه تؤيد المعاهدة؟ فلو اقتنع كل مواطن بأن الغالبية ضده، فإن احتجاجه سيكون أضعف، لذا فإن خير تهيئة لفرض المعاهدة هو أن تجهز رافضيها لقبولها كأمر واقع، وأفضل طريقة أن توحي لهم بأنهم أقلية!

لم يكتف الحوار بتقديم نتائج التصويت غير الطبيعية، لكنه أضاف إليها مواقف غير طبيعية تؤكد القصدية من تصرفات إدارة الحوار المتمدن، من مضايقات كانت توجه بوضوح إلى المجموعات التي كانت تقف ضد الموقف الإسرائيلي في غزة. كل الذين اعرفهم تقريباً، ممن كتب ضد الموقف الإسرائيلي بلا تأتأة، اشتكى مرة أو أكثر من إدارة الحوار المتمدن وتصرفاتها بالتعليقات، مثل شكوى واحتجاج السيدين كامل الشطري وحميد الحلاوي، وأرشيف الحوار المتمدن لتلك الفترة يعج بمثلها لمن يشاء المراجعة. هل هي صدفة أيضاً أن جماعة إسرائيل لم تشتك  إلا نادراً من حذف تعليق لها، أو السماح بتعليقات جارحه ضدها؟ لقد كانت مثل هذه التعليقات على مقالاتي تصلني بعد أن يلغي فريق الحوار المتمدن إمكانية حذفها من قبلي، وهو ما يتاح عادة لكاتب المقالة! إن لم يكن هذا محاولة لتشويه السمعة ودفع الكاتب ليفقد توازنه وتركيزه على موضوعه ويلتهي برد الشتائم، فما هي؟ هل تختلف هذه عن أساليب المكارثية الأمريكية في نهايات الأربعينات من القرن العشرين؟ حتى إن كانت إدارة الحوار المتمدن لها رأي مخالف لمن يتهمون إسرائيل بالمجزرة، وحتى لو كانت التصويتات سليمة، ما المبرر لمضايقتهم بهذه الطريقة ؟ هل كانت كل تلك الأمور صدفاً بريئة أم أموراً متعمدة؟ أترك الأمر لكم.

 

16 آذار 2009
 

¤ الحوار المتمدن والتقييمات المزورة (1) مقالات غزة
 

 

free web counter