| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

صائب خليل
s.khalil@chello.nl

 

 

 

الأحد 15/3/ 2009



الحوار المتمدن والتقييمات المزورة
1- مقالات غزة

صائب خليل

على مقالة الدكتور عبد الحسين شعبان الجميلة "كلمات عتب مملح إلى منظمة العفو الدولية" في الحوار المتمدن، علق الزميل كامل الشطري، ليس على المقالة، بل على التقييم الذي لفت نظره أكثر من المقالة نفسها، فكتب يقول:

"اعتقد عندما ينقد الانسان او يعلق على موضوع ما ان يكون موضوعيا بنقده، وهذا يتطلب منه قراءة الموضوع اوالمقال المنشور بتأنٍ ثم ابداء الرأي حولة وبروح نقدية حيادية بعيدآ عن الحسابات الثانوية والمواقف الشخصية الاخرى والتي اعتبرها غير موضوعية.
وعند اطلاعي على المقال وجدته أنة ليس فيه إستهداف لأحد وانما يناقش موقف منظمة عالمية تناضل من اجل الدفاع عن حقوق الانسان والابادة الجماعية للشعوب وتهتم بجرائم الحروب ومرتكبيها من قادة بعض الدول وخصوصآ من العالم
الثالث المليء بالدكتاتوريات والقادة المستبدين والذين ارتكبوا مجازر بحق شعوبهم وبالتالي لا يستحق الموضوع هذه العلامات المتدنية من التقييم خصوصآ وان الكاتب له خبرة كبيرة في هذا المجال وهو حقوقي وعضو فيها على ما اعتقد وبالتالي ان هذا التقييم المتدني لابد وان يستند إلى مواقف شخصية من الكاتب وهذه الطامة الكبرى حيث نترك الجوهر ومنطق العقل والحكمة ونتمسك بالشكل ولغايات في نفس يعقوب
بالتأكيد مادعاني للكتابة والتعليق مجرد وجهة نظر لانه أثار استغرابي هذا التقييم المتدني مع العلم اني ليست لي معرفة بالاخ الكاتب لا من بعيد ولا من قريب سوى انة كاتب معروف وأن
التقييم اثار فضولي".

ما أثار غضب الزميل الشطري هو تقييم هذه المقالة بـ 24% ! مقالة أخرى للدكتور عبد الحسين شعبان (لماذا لا تلجأ “إسرائيل” إلى القضاء الدولي؟) تطرح تساؤلاً جديداً هاما، تحصل على 26 في "عرين اليسار" هذا! كيف نميزه عن "عرين إسرائيل" إذن؟

هل هو "موقف شخصي" من الكاتب أو مقالاته الممتازة التي أراد مقيموها في الحوار المتمدن تحطيمها بتقييم ظالم، كما يرى الأستاذ الشطري؟ للأسف لا اعتقد أن الأمر له علاقة بـ "مواقف شخصية" من الكاتب، بل هو موقف "موضوعي" موجه نحو ما تطرحه المقالتين! المؤشرات الأخرى الكثيرة تؤكد ذلك كما سنرى.

هذا الموضوع عاد بي إلى مقالة لي في الحوار(ما سر فتنة الحوار المتمدن؟) أشرت فيها الى نفس الملاحظة، فنبهت إدارة الموقع إلى "أن التقييمات للمقالات تشير إلى احتمال تلاعب كبير" حيث "حظيت المقالات المؤيدة للمعاهدة الأمريكية بتقييم عال جداً واحياناً غير معقول"، فحتى لو افترضنا أن قراء الحوار يميلون إلى تأييد المعاهدة فهي تبقى "مسألة خلافية" لذلك يستحيل تسجيل مثل تلك النسب من التصويت لصالحها.

حينها رد صديقان عزيزان فكتب السيد عزيزجاسب الملا: "في اعتقادي بان التصويت غير مهم سيما اني والقراء يعرفون صائب كاتبا ملتزما ومرموقا ومعظم الاحيان نتصفح المقالات بنهم فلانجد متسعا للتقييم وهي حاله غير دقيقه كما تنوه الحوار"

وكتب الأستاذ العزيز محمد خلف الرشدان " أخي الحبيب التصويت لا يعني شيئاً فكثيراً ما يفوتني التصويت لكم سهواً وأخرج من مقالتكم وأنا معتز بهذا الفكر الذي تحمله"

وقد أوضحت أن المسألة ليست تظلماً شخصياً من التقييم الذي تحصل عليه مقالاتي، فقد كانت جميع المقالات التي تتخذ موقفاً من نوع معين، - الموقف الذي لايناسب إسرائيل غالباً – تحصل على تقييمات أقل مما تستحق إن تم قياسها كجهد كتابي وتحليلي بشكل موضوعي وحيادي، في حين كثيرا ما تحصل مقالات ضعيفة المحتوى، تؤيد الموقف المعاكس، على تقييم اكبر مما تستحقه كثيراً!

لكن من يمكن أن يهتم بتزوير التقييم إن كان لايغير رأي القراء في المقالة و "غير مهم" و "لايعني شيئاً" كما ذكر السيدان عزيز الملا ومحمد الرشدان؟

لو نظرنا إلى المسألة باعتبارها موقفاً شخصياً من مقالة ما، أو بضع مقالات، فإن الأمر لن يتعدى حقداً عابراً و "لايعني شيئاً" فعلاً، لكن عندما توجه تلك التقييمات نحو موقف إجتماعي عام، فالأمر مختلف للأسف.

الأمر مختلف، ويعلم هذا جيداً كل من قرأ عن تجارب سولومون آش (Solomon Asch)  عن "التوافقية الإجتماعية" في الخمسينيات من القرن الماضي، والتي يبرهن فيها بتجارب أن الإنسان ميال إلى قبول ما يستشف أنه "رأي الجماعة" حتى إن كان يعتبره خاطئاً، لو ترك له الخيار دون تأثير.

هذا الضعف الإنساني المتأتي من كونه حيوانا إجتماعيا، صفة لا غنى عنها لأي حيوان إجتماعي، وهي تؤمّن هامشاً لتلاؤم أفراد المجتمع، خاصة ذلك الذي يتكون من أفراد "عاقلة" لها حرية نسبية في التفكير.

لكن هذا "الصمغ" الضروري للمجتمع ينقلب إلى عنصر تدمير له، ووسيلة خطيرة لنشر أية خدعة داخل المجتمع، خاصة بعد تطور هذا المجتمع وتوسعه الهائل. لنتفحص التقييمات، ولنقرر إن كان ما تعكسه رأياً يسارياً أو وطنياً، أم هو رأي أقرب إلى إسرائيل حتى من معدل الرأي العام العالمي وليس العربي!

لقد كتبت عن ذلك اكثر من مقالة مثل (دعوة لتذوق متعة أن تفقأ فقاعة!    ) و  الحملات الانتخابية والاعلام 2- حلزون الصمت  ، وفي هذه المقالة من ثلاثة أجزاء سأقوم في الجزئين الأولين بتحليل تقييمات الحوار المتمدن، بغض النظر عن مصدرها، للمقالات التي نشرت فيه في موضوعين حساسين جداً، هما موضوع مذبحة غزة (في الجزء الأول هذا) و مناقشات المعاهدة الأمريكية (العدد الثاني) ثم سأخصص العدد الثالث لأمور متفرقة وخاتمة المقالة. لاشك أن الإحصاءات التي قمت بها غير دقيقة، لأسباب عديدة منها، لأنني اعتمدت على المقالات التي تعرف من عنوانها أو الملف الذي وضعت فيه أنها حول غزة، كما أنني اضطررت في النهاية إلى الإكتفاء بنسبة من تلك المقالات. وهذا يعني أن بحثاً أكثر شمولاً قد يعطي أرقاماً تختلف قليلاً بهذه الإتجاه أو ذاك. لكن الفارق الشديد والحاسم بين الطرفين أكبر من أية أخطاء قد تتسبب بها تلك النواقص، وهو لايترك مجالاً للشك باتجاه قراء الحوار المتمدن،....أو إدارته!

****

أمام الموقف الوضيع الذي يستحيل الدفاع عنه لحكومة حسني مبارك، لجأ جماعته إلى خطة مراوغة لتحويل الإحتجاج والأحتقار العربي (والأجنبي!) الشديد لموقف حكومة "شارون غزة" (حسني مبارك) وتصويره وكأنه "هجوم على مصر"، وهي الستراتيجية التي التزم بها كل من حاول الدفاع عن مبارك وكأنها موجهة من منطقة مركزية، فيكتب أحمد سوكارنو عبد الحافظ " الحناجر التى تتهم مصر بالعمالة والخيانة هى التى أشعلت الفتيل فى الثوب الفلسطينى حين ساعدت وساندت حماس للانفراد بالسلطة فى غزة. تماما كما فعل حزب الله فى لبنان" وطبعاً لم يتهم أحد "مصر" بالعمالة والخيانة فلا يوجد "بلد خائن" إنما هناك دائماً حكام خائنون  أو متهاونون . على أية حال ما اردنا قوله الآن هو أن مساندة  إسرائيل ضد الفلسطينيين الذين انتخبوا حماس وضد حزب الله، من الملفت للنظر أن  تحصل في موقع "يساري" على تقييم 83 !  وهنا نشير إلى أن الغالبية الساحقة للتعليقات الكثيرة، كانت ضد الكاتب، فلماذا صارت التقييمات لصالحه بشكل ساحق؟ إنها "حزورة" أقدمها إلى الأعزاء في إدارة الحوار المتمدن!

بهذا المنطق يكتب أشرف عبد القادر: (إرفعوا أيديكم عن مصر) قائلاً : "فقد أرجع المغرضون أسباب هذه المذبحة إلى مصر ورئيسها لأنه لم يحرك الجيش المصري، ولم يسحب السفير، فهل حماس تفعل الحماقات ومصر هي التى تدفع الثمن؟؟!!"  "أشكر الرئيس مبارك على حسن إدارته لأزمة غزة" "حملة صليبية على مصر ورئيسها"  "فارفعوا أيديكم عن مصر. فحماك الله يا مصر حكومة وشعباً ولو كره المتأسلمون."

وبالطبع لا يثير هذا النهر من المغالطات والمواقف المشينة، "اليسار المتمدن"، فلا أحد يهاجم "مصر" لكي "يرفع يده عنها" وحول أشرف عبد القادر الهجوم على دور حكومة حسني مبارك فصور الأمر وكأن الجماهير المحتجة تطالب مبارك بتحريك جيشه (ربما فعل ذلك نفر قليل من الذين يغطون في نوم عميق منذ اكثر من ربع قرن) بينما كان أقصى طموح العرب والفلسطينيين أن "يقف مبارك على الحياد"! أن لا يساهم بحصار غزة اثناء ذبحها، لكن مبارك كان له دور في المذبحة وأشرف عبد القادر "يشكره عليه" (لاحظ حيادية عبارة "أزمة غزة"!) ، ولم يشن أحد "حملة صليبية" على "مصر" إنما كانت السهام موجهة بدقة إلى سجانها العتيد وحده، ليحميها الله منه، أما "الحكومة" فيبدو أنها تكتفي بحماية إسرائيل، ولو كره المصريون!

طبعاً لا ينسى أشرف جملة هنا وأخرى هناك ليعكر المياه، فيكون تأثير تشويهه للحقائق في "أزمة غزة" أكثر فعالية، فيكتب ان "نقدنا لحماس لا يعني تأييدنا لجيش الإحتلال، فكلاهما مجرم في حق الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة"!". ولا يطمح القاتل أكثر من أن يساويه الآخرين بالمقتول، وهو ما يفتخر به هذا "السفير الإسرائيلي"!

أي تقييم يحصل أشرف عبد القادر من "الحوار المتمدن" على هذا الخداع وهذا المنطق ؟... 94!

لا يقصد شامل عبد العزيز في مقالته (غزة من جديد )  من سؤاله " لماذا دماء غيرنا عزيزة ودماءنا رخيصة؟" (كما يكتب)، لا يقصد أن يقارن بين الضحايا العرب و"غيرنا" من الإسرائيليين مثلاً، بل بين العراقيين من جهة والفلسطينيين، الذين يبدو أن شامل يحسدهم على الإهتمام الذي حظوا به!! شامل يريد أن يصور من يهتم ويحتج على قتل الفلسطينيين على أنه "عنصري" لصالح الفلسطينيين ضد العراقيين! على هذا الموقف الوسخ يحصل شامل عبد العزيز، على هذا الطرح المغرق في إنسانيته يحصل شامل على %100 من رفاقه "الليبراليين"!

مقارنةً، لا يحصل باقر الفضلي على مقالته (غزة والطريق الى الحل..!) سوى على 40، فهي"غير مناسبة" لليسار الجديد على ما يبدو!

ولا يفشل عادل حبه في الحصول على 78 "يسارية" من الحوار المتمدن. إنه لا يرى في المذبحة سوى "خدعة" في مقالته  (قميص عثمان يفرخ قميص غزة )  ، لذا فهو يحول مقالته إلى موضوع آخر، هو الأكلة المفضلة لكل من "اليسار" العراقي  وأميركا وإسرائيل: "تحويل كل موضوع إلى ألهجوم على إيران"! لكنه اختار لمهاجمتها طريقة غير مطروقة كثيراً، وهي معاملتها لـ "شيرين عبادي"! ورغم أننا لا نختلف حول شيرين عبادي التي سبق لها رفض ابتزازها للتهجم على بلادها، فإننا نستغرب أن يجد حبه في الأذى الذي لحق بها، ما هو اكثر استحقاقاً لاهتمام ضميره "اليساري" اليقظ من مذبحة غزة! وطبعاً كوفئ حبه على ذلك الضمير بتقييم 78  من "يساريي" الحوار المتمدن!

عندما يسأل شخص ما (من المسؤول عن مجزرة غزة؟ ) ، فلن يختلف أحد تقريباً في الجواب، لا في اوروبا ولا أفريقيا ولا آسيا ولا بلاد الواقواق، لكن حين تعلم أن السائل كان الدكتور عبد الخالق حسين، تتحول ثقتك بالجواب إلى تردد! بل إلى ثقة بالجواب "المقلوب"! وحين يبادرك بضرورة الإبتعاد عن "أنصر أخاك ظالماً أو مظلوماً"  تدرك فوراً أن "أخاك لابد أنه كان ظالماً" ...كان عليه أن يتحمل الحصار حتى يموت، دون أن يخدش قاتله، فيصبح "ظالماً" ويضعه الدكتور عبد الخالق "في النار" ناطقا بحكمه قبل الله! 

كتب عبد الخالق في مقالة أخرى له : " أنا من الناس الذين يدينون إسرائيل إلى أقصى حد، ولكن ما قيمة هذه الإدانة والصياح والعويل وتهييج الشارع العربي من المحيط إلى الخليج؟" وكان ذلك إنقلاباً أدهش جميع متابعي الدكتور عبد الخالق، رغم أن مقالته فيها عشر جمل في انتقاد حماس مقابل كل جملة تنتقد إسرائيل، لكنها نسبة مشجعة وتحول شجعني أن أسأله إن كانت إدانته لجرائم إسرائيل الفظيعة تعني انه يدين بوش الذي يدعمها ويجهزها بالسلاح، فقال إن موقف بوش أعقد من أن يجيب عنه هكذا وأن الأمر بحاجة إلى مقالة، ويحصل على تقييم القراء في الحوار!

المقالة المعنونة (من حق اسرائيل الدفاع عن النفس )  لم يكتبها سفير إسرائيلي كما قد يستنتج من عنوانها، ولم تنشر في "يديعوت أحرنوت" بل كتبها "محمد كليبي" ونشرها في "الحوار المتمدن"، وهو يحصل (رغم التعليقات الكثيرة ضده)، على درجة جيدة من "قراء" الحوار يحسده عليها الكثيرون! 

ويحصل عبد الله مشختي من هذا اليسار على درجة أعلى حين يبين أن المذبحة من مسؤولية حماس والفصائل الإسلامية الأخرى لـ "مواقفها المتشددة من إسرائيل وبعملها وفق اجندات ايرانية " في مقالته (اين انتم يا معشر العرب من المجزرة الجديدة؟ )  "!  ويكشف لنا إبراهيم قعدوني أمراً خطيراً مماثلاً فيقول "قد يكون ما يحدث جزءاً مما أرادته حماس"! ويحطم أرقام تقييمات زميليه فيحصل من قراء الحوار على 85!

لكن عبد الرحمن اللهبي يكشف لنا سراً مدهشاً : (حماس هي من يحاصر غزة )! وبذا يبز إبراهيم ويحصل على 87، لكنه يخسر أمام رياض الأسدي الذي اتخذ موقفاً عاماً ضد كل شيء: إسرائيل والعرب وإمارة غزة الإسلامية ويحصل على 88!

لكن مزايدات التقييمات لا تقف هنا، فيكتب ناس حدهوم أحمد "تحليلاً" ينتقل فيه من لوم الذين: "يريدون ربما أن يدخل العالم العربي كله في الحرب. هذا العالم الذي لم يضمن حتى لقمة العيش لأبنائه فكيف تريدون منه أن يدخل حربا غير متكافئة سوف لا تبقي ولا تذر ؟ " حسب كلماته، ينتقل خلال نصف صفحة إلى الإشمئزاز من موقف سوريا التي لا تريد أن تحارب، فيقول إنه لا يفهم "هذا العجز" وذلك القصور السوري!...على هذه المقالة "اللهلوبة" (مجزرة غزة ) يحصل الأستاذ حدهوم على 92 في موقع اليسار "المتمدن"!!

في الجانب المقابل، لم تحظ وجهة نظر "مازن كم الماز" في مقالة له تحت نفس العنوان (مجزرة غزة )  سوى بـ 50%، فخطابه لم يكن "يسارياً" على ما يبدو بمستوى يسارية حدهوم! وكذلك حصل على التقييم المتواضع نفسه سامان كريم عن مقالة "يفضحها" عنوانها :(الهجوم الوحشي والبربري على غزة عار على المجتمع البشري، ويجب وقفه فوراَ! )  فهل من المعقول أن بقي في "اليسارالحديث" من يعتبر هذا الهجوم عارا؟ أو أنه يجب وقفه فوراً دون تحطيم "الإرهاب" أولاً، الذي تسبب بالمجزرة كما نوّر اليسار برأيه، كل من كليبي واللهيبي وقعدون والمشختي وعبد الخالق حسين؟ حصلت مقالة ذات عنوان مماثل تجرأ به بشير الحامدي على 44 , وحطم جمال محمد تقي الرقم القياسي في "الإتجاه المعاكس" مسجلاً 35 عن مقالة (غزة لا تشرب ماء البحر ! )  لأنها لا تحتوي سوى على تحليلات ومعلومات أكثرها "غير مناسبة"، كما أن تحليلاتها لم تكن سريالية كما يفضل ذوق هذا "اليسار"!

أنظروا أيضاً مقالة أحمد الناصري، (غزة داخل المحرقة النازية الجديدة وفي حالة الإعدام الجماعي الشامل ) الطبيعية والإنسانية البحتة، واحكموا بأنفسكم إن كانت تستحق التقييم الظالم (33%) الذي حصلت عليه، أو التهجم العنيف لعضو الحوار المتمدن حميد كشكولي الذي كتب عن " النهج الفكري القومي البعثي الذي يؤمن به احمد الناصري و رفاقه المتمردون على الحزب الشيوعي العراقي"!!

أخيراً أنقل لكم نتائج إحصائية (غير شاملة، رغم الوقت الكبير الذي قضيته فيها) لنتائج تقييمات الحوار المتمدن حسب موقف الكاتب من مذبحة غزة، أو "أزمة غزة" حسب تعبير أشرف عبد القادر، فكانت النتائج كالتالي:

معدل تقييمات المقالات الأقرب إلى موقف فريق إسرائيل – مصر - عباس = 80
معدل تقييمات المقالات القريبة باعتدال إلى موقف فريق إسرائيل – مصر - عباس = 81.1
معدل تقييمات المقالات  المعارضة باعتدال لموقف فريق إسرائيل – مصر - عباس = 50
معدل تقييمات المقالات المحتجة بشدة على موقف فريق إسرائيل – مصر - عباس = 52.3

نلاحظ عدم وجود فروقات تستحق الذكر بين "الإعتدال" والتطرف، وأن العامل الحاسم في تقييم المقالات في الحوار المتمدن، مهما كان من يقوم به، القراء أو الإدارة، هو أن تقف مع فريق إسرائيل!

****

لنعود إلى تجارب سولومون أش التي أثبتت بشكل نهائي تأثر الفرد في تقييمه للأمور والقرارات، وإحساسه بالضغط للتوافق مع الرأي المنتشر في مجتمعه، مهما كان هذا المجتمع، ولنسأل: كيف يعرف الفرد الإنساني ماهو الرأي المنتشر في قبيلته لكي يتوافق معه ؟ الأمر سهل، فهو يرى هؤلاء الأفراد ويتحدث معهم مباشرة يومياً، وسرعان ما يتبين ما هو الرأي الغالب فتنصاع له الأقلية المختلفة معه. يمكننا أن نعتبر هذا نوع بدائي من الديمقراطية!

ولكن كيف يعرف أحدنا ما هو الرأي المنتشر في مجتمعه الحديث؟ ليس بالإمكان ان نتصل مباشرةً بأية نسبة تذكر من عشرات الملايين التي يتكون منها مجتمعنا، لذا فليس لدينا سوى : ألإعلام!

هكذا يمتلك الإعلام أن يحدد لنا، صدقاً أو كذباً، ماهو الرأي الأكثر انتشاراً في مجتمعنا حول أي موضوع، وبذلك يجعلنا نميل إلى قبوله، أي أن للإعلام السلطة ليس فقط في نشر الأخبار التي يريدها أصحابها ، والكذب الذي يريده هؤلاء احياناً، بل يتعدى ذلك إلى توجيه أفكارنا حتى في مقالات الرأي! ولا يقتصر تأثير هذا التوجيه الإعلامي على من لم يتخذ قراره بعد، بل يشمل ضغطه، كما بين آش بوضوح، حتى اؤلئك الذين اتخذوا قرارهم!

هذا ما يحدث في "الحوار المتمدن" وغيرها، فربما يكون عقلنا مستقلاً في تقييمه لرأي ما في مقالة ما، لكن عقلنا الباطن ما زال يتساءل عن "رأي القطيع" وإن كان الآخرون يؤيدونه في الرأي، وليس لعقلنا الباطن أن يعرف "الرأي المنتشر" سوى عن طريق التقييم الذي تحظى به المقالات سواء كان ذلك من خلال الأرقام التقييمية أو من التعليقات أو من خلال وضع المقالة في مكان متميز في الصفحة.

ربما لا يستطيع التقييم غير المنطقي أن يقلب رأيك تماماً في موضوع ما، ويجعلك ترى السيىء جيداً أو الجيد سيئاً، لكنه يؤثر دون أي شك في قوة ووضوح رأيك فيه، فالتقييم السيىء لمقالة جيدة في رأيك، يجعلك تعيد النظر فيها ولو قليلاً. يجعلك تتساءل من جديد إن كانت فعلاً جيدة كما حكمت عليها وإن لم يكن لهؤلاء المقيمين بعض وجهة نظر معقولة. ربما تعود إلى المقالة، قراءةً فعليةً أو ذهنياً، متسائلاً عن السبب في ذلك التقييم، باحثاً عن نقاط الضعف ومركزاً على الأخطاء والنواقص، لتفهم لماذا اختلف الآخر معك في التقييم، ولتحاول أن تتوصل إلى التوفيق بين رأيك وبين "الرأي الشائع" الذي أوحى لك التقييم به.

وبنفس الطريقة تراجع مقالة اعتبرتها سيئة لكنها حصلت على تقييم عال، فتعود للبحث عن نقاط قوة "ربما لم تلاحظها" وتشعر بالشك في تقييمك الأول، تماماً كما فعل من أجرى سولومون التجارب عليهم قبل ستين عاماً!

هكذا يمكن للصحيفة أو محطة التلفزيون أو موقع الإنترنيت إن يقوم "بتزحيف" الرأي العام نحو الجانب الذي يريد من يمتلك وسيلة الإعلام أن يقتنع الناس به، ودون أن يدرك المتلقون ما يحدث لهم،  بشرط أن لا يمارس ذلك بشكل حاد مفضوح، ولذلك يكتب أشرف عبد القادر وغيره " نقدنا لحماس لا يعني تأييدنا لجيش الإحتلال"!

ما هو " المفضوح"؟ الأمر يعتمد على كل قارئ على حده، فالجميع تقريباً كان يشكك بمسألة التقييمات في الحوار المتمدن مثلاً، ومنهم كاتب هذه المقالة، لكني لم أتأكد منها بشكل حاسم حتى ارتكب الحوار المتمدن الخطأ الكبير وتجاوز "المفضوح" حين حصل "جوزيف شلال" على 99% بالضبط من 149 مصوت! على مقالة عادية في تأييد المعاهدة، (ما سر فتنة الحوار المتمدن؟) وأثار في نفسي التساؤل: "أين ذهبت أصوات معارضي المعاهدة إذن؟ هل يعقل أن قارئاً واحداً فقط صوت ضد المعاهدة من 149 قارئ ؟ كيف يحصل كتاب الحوار المعارضين للمعاهدة إذن على نصف الأصوات (حيث لم يكن التزوير "مفضوحاً" تماماً) ؟ هل من المعقول أن قراء الحوار المتمدن معزولين تماماً عن الشعب الذي خشيت الأحزاب من رفضه لها في الإنتخابات إن هي صوتت للمعاهدة ؟ لقد غيروا تصويت مقالة جوزيف شلال لتصبح 95% (فقط) بعد كتابتي لنقدي، رغم أنها كانت في الأرشيف بعيداً عن نظر القراء واحتمال إعادة تقييمها من قبل قراء حقيقيين ضعيف جداً، لكن الفضيحة تمكنت من الوصول إلينا وكشفت الحقائق قبل أن يتم طمسها، ولو أنهم أكتفوا بـ 95% أو 90% لصعب كشفهم، لكنهم كانوا بحاجة إلى التطرف لشدة ضيق موقفهم على ما يبدو، ففضحوا الأمر كله!

في رد للأستاذ عدنان عاكف على أحد الكتاب، ذكّره بأن موقف الحزب الشيوعي العراقي الرسمي، الذي ينتمي إليه ذلك الكاتب، يقف مع الفلسطينيين بشكل واضح ودون أي إشارة نقدية إلى حماس باعتبارها مشاركة في اللوم على الجريمة التي حدثت. ومن ناحية ثانية فأن ناقدي الحزب الشيوعي العراقي والمعترضين عليه من اليساريين، هم أكثر منه اتجاهاً لتأييد غزة وحكومتها، فمن أين جاء هؤلاء "اليساريون" الذين يملأون الحوار المتمدن تأييداً لفريق إسرائيل، ويقيمون المقالات حسب قربها من رأي ذلك الفريق؟

كيف سيرد الحوار المتمدن على هذا، إن قام بالرد؟ في تصوري أنه سيؤكد من ناحية أنه لا يتلاعب بالتصويت وأنه ذكر مراراً أن التصويت ليس مقياساً دقيقاً وأن البعض يمكن أن يرسل من يصوت بشكل تعسفي. ثم سيلجأ غالباً إلى تصوير دوافعي بأنها شخصية وأنني منزعج من رفض القراء لمقالاتي وتقييمها بشكل ضعيف الخ...

وأرد مسبقاً، لأعطيهم الفرصة للبحث عن حجج أفضل، أن بإمكان الغشاشين أن يضيفوا أصواتاً إلى أية مقالة وبكثرة تزور النتيجة، لكنهم لا يستطيعون أن "يحذفوا" الأصوات لتبقى الإصوات المناسبة فقط كما حدث بشكل متطرف في مقالة جوزيف شلال حيث تركوا صوتاً واحداً معارضاً للمعاهدة. أما من ناحية دوافعي الشخصية فهذه المقالة تشير الى عشرات المقالات التي عانت من تقييم ظالم لا يمكن إلا أن يكون مزوراً، وهي ليست مقالاتي.

هذا كله إضافة إلى لجوء فريق الحوار المتمدن إلى تصرفات مؤسفة سنتحدث عنها في الحلقتين القادمتين حين سأحلل مقالات مناقشة المعاهدة الأمريكية في الحوار المتمدن ثم ختام المقالة.

 

15 آذار 2009

 

free web counter