| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. صادق أطيمش

 

 

 

 

الأحد 7/10/ 2007

 




وا حرّ قلباه......يا وطني
3

د. صادق إطيمش

ثقافتان في العراق الجديد .....بالية بائدة ورائدة واعدة
ألآمال التي كانت تداعب نفوس أهلنا في الوطن بعد سقوط البعثفاشية المقيته كثيرة ومتشعبة شملت مختلف مفاصل الحياة التي كان يعاني منها المواطن العراقي والتي ظلّ ينتظر تغييرها نحو الأحسن على يد حكومة وطنية حقآ تنظر نحو الشعب أولآ وأخيرآ وتعمل من أجله وفي سبيله ليس غير, بعد أن كان الإهتمام تحت سياط تنظيم العفالقة ألأوباش بحفنة من ألأقارب والمتنفذين في هذا التنظيم ألذي حوله الجرذ المقبور إلى عصابات إرهابية تجوب الشوارع وتقتحم البيوت على عوائلها لتقتل مَن تقتل وتعتقل وتغيب مَن تشاء , فلا عدالة تُرتجى ولا نزاهة تشفع ولا مواهب تُنقذ من مخالب وحوش البعثفاشية . وكما تعرض ألإقتصاد الوطني والعلاقات ألإجتماعية والتعليم في كافة مراحله وكل ما يتعلق بالحياة ألإنسانية الطبيعية إلى ألإهمال والتدميروالتهميش والإبتذال , تعرضت الثقافة العراقية ألأصيلة وروادها ألأحرار إلى الملاحقة والتزوير والإبتزاز والتشرد والتهجير, من خلال سياسة ديكتاتورية جعلت من الجريمة سبيلها لخلو الجو الثقافي لها ولأفكارها المتخلفة ولأطروحاتها الشوفينية , فتحقق لها بعض ما أرادت فعلآ حين سادت ثقافة إنهاء الآخر التي بلورتها ألأفكار النازية العنصرية على الساحة الثقافية العراقية ممثلة بالتعصب القومي العروبي المتخلف والتبجح الفارغ والعنجهيات البدائية وكل التوجهات الفكرية التي لم تكن تعرف للحوار سبيلآ ولا لتبادل الرأي والتعلم من ألآخرين منهجآ , شعارها ذلك القول البالي : ألصدر أو القبر , الذي جعل وطننا العراق يتصدر التخلف والعزلة والتأخر بمراحل تاريخية بعيدآ عن ركب البشرية في قرنها الحادي والعشرين . ألآمال التي داعبت أهل العراق بنهاية التقوقع الفكري والتخلف الثقافي بنهاية عقود الظلام ألأربعة التي كست تاريخ العراق الحديث , لم تتحقق تمامآ , وا حرّ قلباه , بزوال هذه الغيمة الدكتاتورية السوداء من سماء الوطن , إذ ظل بعض ظلامها يفتش له عن مخابئ تقيه من التشتت وتنقذه من الزوال الأبدي بعد أن إنفجر البركان الثقافي العراقي في التاسع من نيسان من عام 2003 ليعبر عن مكنون هذا الشعب وليفتح السبل أمام ينابيعه التي تدفقت داخل وخارج الوطن لتكتسح قذارات أربعة عقود تراكمت على صدور بنات وأبناء هذا الشعب الذي أسس لثقافة العالم والذي حمل مشعل العلم والحضارة ألأولى . لقد عادت الثقافة العراقية ألأصيلة بعد التاسع من نيسان لتضيئ ظلام الركود الثقافي الذي ساد العقود الأربعة الماضية وخرجت إلى الشارع العراقي تلك الكنوز ألفكرية التي غيبها النظام الدكتاتوري . إلا ان هذا الظهور لم يكن خاليآ من الشوائب التي خلفها الفكر الشوفيني الرجعي ألأسود الذي عمل , وبنجاح مع ألأسف الشديد , على إستغلال التهاون في سرعة الحساب وتحديد العقاب لما جناه هذا الفكر بحق الشعب والوطن, فوطأ ألشارع العراقي ليشيع الثقافة البالية إلى جانب الثقافة الرائدة .
شارع الثقافة العراقية ألأصيلة , شارع المتنبي , يقدم لنا صورة يكاد يتكامل فيها هذا المسار المزدوج الذي عكسه الحال السائد الآن في سوق الثقافة العريق هذا . فإلى جانب الخزين الثقافي من الكتب والمجلات التي تمتلئ بها المكتبات القديمة والحديثة , والكتب المعروضة على الشارع بكل ما تحويه من أفكار, وأصحاب المكتبات ذوي الباع الطويل والمساهمة الفعالة في نشر الثقافة العراقية ,حيث أوجد البعض منهم أنجع الطرق وأسهلها لإيصال ما يتيسر من الكتب إلى المواطنين ذوي الدخول المحدودة وذلك من خلال مزاد الجمعة للكتب , هذا النوع من التعامل مع الكتاب الذي لم تعرفه سوق الكتب العربية من قبل , ورواد السوق الذين يعكسون وجه الثقافة الشعبية الحقة بما يدخرونه لشراء كتاب أو إقتناء مجلة , والقُراء الذين لم يسعفهم الدهر على إقتناء الكتاب فاكتفوا بتصفحه على قارعة شارع هذه المدرسة الشعبية , إلى جانب هذا وذاك كله لا يستطيع المرء ان يتجاهل الصورة التي خلفتها ثقافة العنف التي نشرها الإرهاب ألأسود في بعض مرابع هذا السوق العريق . فالجانب المجاور والمقابل لملتقى ألمثقفين في مقهى الشابندر مغطى بالسواد الذي نشرته الثقافة السوداء , ثقافة أعداء الثقافة الحقة, ثقافة ألأحفاد الفكريين لهولاكو , ثقافة مقلدي فقهاء الإرهاب , ثقافة قتلة الشعب العراقي الذين طعنوا هذا الشعب طعنة سيظل يعاني منها رغم صبره العظيم وجَلَده الكبير على تحملها والخروج منها كما خرج من مجازر من سبقوهم من ألأوباش , شعب قوي الشكيمة يرفع هامة الوطن عاليآ .
عصابات ثقافة الظلام هذه لا يقتصر نشر ظلامها على معاقل الثقافة العراقية ألأصيلة وحسب , بل تحاول أن تنال من رموز الثقافة ألأخرى إضافة إلى رمزها ألأساسي المتمثل بالكتاب . لقد أشعلت ثقافة التخلف هذه حربآ شعواء على الفن والفنانين ونتاجاتهم التي عكست وبلورت القابليات العراقية الفذة التي حاز ألكثير منها على تقدير واهتمام شعوب أخرى كثيرة. الفن العراقي ألأصيل في الرسم والغناء والموسيقى والنحت والتمثيل وجميع مفاصله ألأخرى يشكل صفحات مشرقة مضيئة في تاريخ العراق القديم والحديث, صفحات يفخر بها الوطن وبمبدعيها. عصابات ثقافة الظلام والتخلف تنشر الأفكار السوداء بعد أن تلبسها الجبة والعمامة المنقوشة بفتاوى شيوخ ألإرهاب القابعين داخل الوطن وخارجه , الداعية إلى تحريم الفن وتطبيق حدود شريعتهم,التي طالما يربطونها بمبادئ الدين ألإسلامي الحنيف البريئ منها ومنهم , على من يخالفهم الرأي ومن يضع الفن والأعمال الفنية في عداد الثقافة الرائدة التي تفخر بها الشعوب وتسعى إلى رعايتها والإهتمام بها وتطويرها نحو ألأفضل دومآ .
الثقافة البالية المتخلفة التي تطل بأذيالها على الشارع العراقي اليوم تحاول أن تقف بوجه المد الثقافي الثوري التحرري الذي يسعى لتعويض ما فقده المواطن العراقي طيلة سنين القهرالبعثفاشي والتسلط الدكتاتوري البغيض. فثقافة ألإنفتاح على هذا الكون الواسع الرحب الداعية إلى تلاقح الثقافات وتنافس النتاجات الفكرية للوصول إلى ألأحسن وإلى ما ينفع الناس ويعينهم على تحقيق مبدأ وخلقناكم شعوبآ وقبائل لتعارفوا , لا لتباغضوا أو لتقاتلوا , هذه الثقافة ألإنسانية تقاتلها ثقافة الجهل والتخلف التي لم تعرف من التراث الذي تتبجح به دومآ سوى قشوره التي يبست وتجاوزها الزمن, أما لب وجوهر التراث الفكري والثقافي الفلسفي فلا تفقه منه شيئآ بتاتآ. الثقافة البالية المتخلفة هذه ليس لديها ما تواجه به ثقافة الفكر المتحرر الساعي لتعايش ألإنسان مع أخيه ألإنسان لا لإستغلاله أو إستعباده إلا اللجوء إلى نصوص تفسرها حسب ما يوحي بها إليها عقلها المتحجر أو ما يخرج بها عليها شيوخها الإنتهازيون الذين يعيشون على فتات موائد تجار البشر من ذوي الكروش والعروش .
إن ثقافة كهذه ديدنها إنهاء من لا يسير على نهجها , منطقها الوحيد هو منطق القوة لأنها لا تملك شيئآ يُذكر من قوة المنطق , إن ثقافة كهذه زائلة لا محالة , فالتاريخ لا ينظر إلى الوراء وثقافة الوراء هذه لا مكان لها بين صفحات القرن الحادي والعشرين .

¤ وا حرّ قلباه......يا وطني  2

¤ وا حرّ قلباه......يا وطني  1