| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

نزار ياسر الحيدر

 

 

 

الثلاثاء 23/8/ 2011                                                                                                   

 

عندما غزا صدام الكويت في 2/8/1990
(5) الأخير

نــــزار يـاســـر الحيـــــدر

يقول نابليون بونابرت ( الجيوش تزحف وتقاتل على بطونها) ، والمعنى هنا واضح أي لايمكن ان يحارب الجيش وينتصر إلا إذا كان شبعانا، مملوءة بطون جنوده. لما اشتدت تهديدات الولايات المتحدة وقوى التحالف للعراق بعد أن غزا صدام الكويت وحولها الى المحافظة التاسعة عشرة، وارتفعت طبول الحرب استنفر صدام الشعب العراقي واستدعى كل الرجال في سن الاحتياط للخدمة العسكرية، وجند من هم أكبر من هذا السن الى الجيش الشعبي واستدعى كل وجبات الضباط الذين هم خارج الخدمة وحتى المتقاعديناستعدادا للمواجهة ( المصيرية ) القادمة . بالتأكيد ان نشر مثل هذه الأعداد تحتاج الى إمدادات لوجستية عظيمة، وشبكة طرق ووسائل نقل ومنظومة إدارية لإيصال الطعام والشراب الى أبعد جندي في جبهات القتال، التي امتدت من الفاو في العراق شرقا وامتدادا على حدود الكويت، من جزيرة بوبيان المطلة على الخليج العربي وحتى بداية الحدود السعودية في اقصى جنوب الكويت، قرب مدينة الخفجي السعودية؛ لتتحول جبهة القتال الى الحدود الكويتية السعودية في الصحراء امتدادا الى الحدود السعودية العراقية عند حفر الباطن في صحراء الناصرية ثم صحراء السماوة ليواجه أكثر من مليون جندي أمريكي ومن دول التحالف ،والأهم من ذلك كله ان هذه الجبهة تفتقد الى شبكة الطرق المعبدة التي تساعد الجيش في تقديم هذه الخدمات اللوجستية .
إن من استشارهم صدام للدخول في هذه الورطة ليسوا من العسكريين المحترفين ومن الدارسين في الأكاديميات العسكرية بل هم من الرداحين المنافقين الذين يستشيرهم وهم لايخالفونه في الرأي مهما قال او تحدث . لقد قص علي صديق لي وهو أقارب أحد الضباط القادة الكبار المحترفين الأركان خريج أكاديمية (سانت هيرس) العسكرية البريطانية كيف ان صدام - وقبل ان تبدأ حرب تحرير الكويت بثلاثة أشهر - قد كلف هذا القائد بأن يستطلع جبهات القتال والجيوش المتجحفلة على جبهات القتال ويقدم تقريره الى صدام، وبعد ان دار على الجبهات وعاد الى بغداد قدم التقرير الى صدام وقرأه له وكان يتحدث عن انتشار القطعات العراقية وطرق الإمدادات والخدمات اللوجستية وغير ذلك من الأمور العسكرية التي شاهدها شخصيا بعينه وقيمها فكان صدام كله أذن صاغية يستمع اليه بدون ان ينطق ببنت شفة حتى انتهى هذا الضابط الكبير وكان التقرير ينتقد الوضع المزري جدا بالجبهات وانتشار الجيش وطريقة وضع الدفاعات وكل الأمور اللوجستية والاتصالات فيقول صاحبي ان هذا القائد ترك صدام متجهما وعلامات الغضب تتطاير من عينيه ولكنه كان صامتا لايتكلم وخرج القائد من الاجتماع حتى بلغ في اليوم التالي صباحا بالهاتف بأنه عين سفيرا للعراق في إحدى الدول الأوربية وعليه ان يلتحق بأسرع ما يمكن !!!!!؟.
قبل ان تبدأ الحرب بشهر تقريبا فوجئنا برتل طويل من الشاحنات الكبيرة وهي محملة بصناديق كونكريتية يبلغ حجم كل صندوق حجم غرفة متوسطة، وقامت هذه الشاحنات وعدد من الرافعات الثقيلة المرافقة بإنزال هذه الغرف الكونكريتية بجانب موقعنا ( موقع الدريهمية) في العراء، واستمرت هذه الشاحنات بتفريغ حمولتها حتى أصبح عدد الغرف بحدود الخمسمائة غرفة، وعند سؤالنا واستفسارنا عنها أُخبرنا ان هذه الغرف هي خزانات ماء صنعت خصيصا في معامل الدولة للبناء الجاهز لكي توزع على وحدات الجيش؛ لتدفن بالرمال في جبهات القتال في الصحراء كي يوفروا الماء للجنود، وليضمنوا عدم تلوث الماء - ان حصلت ضربة كيمياوية او كتلوية وانها وضعت بشكل مؤقت بالقرب من موقعنا حتى تأتي هذه الوحدات وتستلم هذه المخازنن وتنقلها بالقرب من مواقعها وتدفنها بالرمال، وتملأها بالماء ليضمنوا للجيش عدم العطش، وتسارعت الأيام لتقع واقعة الحرب ولم ينقل ولا مخزن من هذه المخازن الى جبهات القتال، ويقيت مكشوفة بالقرب من مقرنا إلا عددا قليلا منها تم نقله عندما حصلت الضربة الجوية فأخذوا البعض منها لا لخزن الماء بل لكي يعملوا منها ملاجئ للضباط والقيادات بعد ان يزيدوا تحصينها ، وليذهب الجندي الى الجحيموكنا نتسائل ماذا شرب الجندي وهو تحت القصف الجوي المريع وهو في الصحراء خلال أربعين يوما وأكثر؟.
خلال الأيام العشرين التي قضيتها ونحن تحت القصف الجوي في الموقع كنا متعبين من العمل في إدارة الموقع لأننا كنا نستلم مواقف الوحدات في الجبهات ونعيد إرسالها الى القيادات العامة وفي أحد الأيام وبعد استراحة الظهيرة والكل مستلق على سريره في غرفتنا البسيطة دخل علينا ضابط برتبة مقدم وكان يحمل بيده مجموعة أوراق ويبدو انها مواقف وحدته في الكويت وعلى ما أتذكر كان ( كدس عتاد) فكان في حالة يرثى له ويبدو عليه التعب والإعياء وكان ذقنه طويلا فسألني متى ستعودون للعمل في الإدارة فقلت له خلال ساعة لان الآن عندنا استراحة وسنعود بعد القيلولة وقلت له ان باستطاعته الجلوس على كرسي موضوع بقرب طاولة في غرفتنا فجلس وأنا بين الصحو والنوم وكنت أختلس النظر اليه فانتبهت عليه وهو يقوم بتفتيت لب ( صمونة ) عسكرية متيبسة متروكة على المنضدة ويأكله وكان مستمرا بحركته هذه فنهضت من سريري وهو ينظر الي وفتحت خزانة صغيرة لي كان فيها بيضتين وقطعة خبز وقليتها وهو يراقبني وكان هناك ابريق مملوء بالشاي المعتق قمت بتسخينه ثم وضعت هذا الطعام البسيط أمام المقدم على الطاولة وقلت له ( تفضل كل، سيدي ) فرد علي بخجل متشكرا مني لأنني عرفت انه جائع وبعد ان أكل هذا الطعام وشرب قدح الشاي تشكر مني كثيرا وقال لي ( والله العظيم لم أذق طعم الأكل منذ صباح الأمس ) بعدها دار حديث بيننا فاخبرني انه لم يصل الطعام الى الجبهات منذ أيام، وان وصل فهو قليل جدا ورديء، وهو ضابط وآمر وحدة عسكرية مهمة؛ فماذا يأكل الجنود ؟ لقد أخبرني متألما : ( هربوا جميعا، ولذا تراني أنا أجلب المواقف لكمبيدي )!!؟
هكذا جاع وعطش الجيش العراقي المسكين في هذه الحرب اللعينة، ورغم ذلك فقد صمد صمود الأبطال، وقاتل، واستشهد منه من استشهد، وأسر غيرهم، ومات الكثيرون متحصنين في مواقعهم؛ لولا قرار الانسحاب الذي لم يصدقه المقاتلون إذ تم تبيلغهم بإمكانية تقليد صوت صدام ودعوته للانسحاب؛ فكم هو عظيم جيش بطونه خاوية، ويصمد ويقاتل قتال الأبطال ؟ سؤال يحتاج الى حديث يطول ويطول .... ويطول .
 


15/8/2011


عندما غزا صدام الكويت في 2/8/1990 (4)
عندما غزا صدام الكويت في 2/8/1990 (3)
عندما غزا صدام الكويت في 2/8/1990 (2)
عندما غزا صدام الكويت في 2/8/1990 (1)


 

free web counter