| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

نزار ياسر الحيدر

 

 

 

الثلاثاء 16/8/ 2011                                                                                                   

 

عندما غزا صدام الكويت في 2/8/1990
(4)

نــــزار يـاســـر الحيـــــدر

كاريزمات من الدريهمية

في كل مكان محدد وزمان معين تبرز وجوه كاريزمية متميزة تترك اثرها على مر التأريخ ومنها ماهو سلبي وإيجابي او تتصف بشيء من الطرافة وسآتي على خمس كاريزمات كانت موجودة وتعمل في موقع الدريهمية أثناء غزو الكويت وما بعدها وحتى حرب تحريرها وهم :

أبو أنور:
نائب ضابط مسلكي مخضرم خمسيني العمر جنوبي مستبعث ويدّعي بأنه يتفانى من أجل حزب البعث ويعمل مسؤولا عن أمن موقع الدريهمية ، منافق درجة اولى ومرتش بشكل علني وسافر يدّعي أنه يفهم كل شيء وهو بالتأكيد لم ينه الابتدائية ، عندما تأزمت الأوضاع العامة بعد الغزو وتعالت التهديدات من دول التحالف وعلى رأسها أميركا بدأت حمى وهستيريا لتدريب جنود الموقع بالرغم من عملهم في مواقع إدارية خلفية، وكانوا يؤكدون على التدريب ضد السلاح الكيمياوي والغازات السامة حينها صدر امر للجنود والمراتب أن يتمنطقوا بقناع الحرب الكيمياوية خلال ساعات اليوم وكل من ينزع هذا القناع يعرض نفسه للسجن سبعة أيام واصبح التدريب اليومي للجنود ساعتين للتدريب على لبس ونزع القناع والوقاية من غاز الخردل والاعصاب وهكذا ، ثم بدأوا يعملون أنذارات وهمية يطلقون أجراس التنبيه في الموقع وخاصة عندما بدأت الحرب وأصبحنا تحت القصف الجوي الشرس ليعوّدوا الجنود على لبس الأقنعة واستعمالها حتى أصبح هذا الموضوع عملا سهلا وبديهيا . وفي يوم من الايام قرعت اجراس الإنذار من ضربة كيمياوية محتملة وكنا في ساحة التدريب والجميع اخرج قناعه وارتداه إلا صاحبنا المغوار أبا أنور ارتبك ولم يستطيع أن يفك أشرطته ليرتديه ولانه شعر بأن هناك فعلا ضربة كيمياوية حقيقية والجميع ارتدى الأقنعة بيسر وفشل في ارتدائه فصرخ خائفا صرخة لا تزال ترن في أذني وبشكل هستيري (ولكم ما أكدر) وبأعلى صوته كأن الموت أحاط به من كل الجهات وانهار كبرياؤه أمام الجنود وهو المدعي بانه البطل الصنديد الذي لا يشق له غبار فهرع الجميع إليه وتعاونوا وبسرعة البرق ساعدناه على ارتداء القناع بشكل اصولي ... وبعد أقل من نصف دقيقة أعلنت اجراس الإنذار عن ان الإنذار وهمي للتجربة ... فاستغرق الجميع يضحك بأعلى صوته ساخرين من هذا البطل المزيف والذي ظهر على حقيقته عند أول مواجهة . بعدها لم يضع أبوأنور عينه بعين أي جندي في الموقع خجلا مما حصل له .

هادي جولة :
نائب عريف انضباط عشريني العمر يعمل على باب آمر الموقع كمراسل متطوع لنقل كل صغيرة أو كبيرة للآمر تحصل في الموقع ، منافق من الدرجة الأولى وواش قل نظيره بحيث يقول للآمر أنت عندما تذهب في إجازتك أنا ابقى في الموقع لأن لا يجوز ان نترك الموقع نحن الاثنين ويجب ان يبقى دائما أحدنا لكي نتأكد أن الموقع مراقب!.

وفي يوم من الأيام ذهب هادي جولة في إجازته الاعتيادية وعاد منها حيث اوصلته سيارة الأجرة عند فتحة غير نظامية من سياج الموقع يستخدمها الجنود للخروج أو التهرب من الموقع لكي يزوروا أهلهم في مدينة الزبير الملاصقة للموقع فصادف أن يكون خروج اثنين من الجنود فتحة السياج بنفس وقت وصول ونزول هادي من التكسي الذي أوصله للموقع عندها شاهدهم هادي فقررا أن يعودا إلى الموقع خوفا منه لأنه حتما سيشي بهم عند الآمر ويعرضهم للسجن والعقوبة ... فصرخ عليهم هادي جولة مناديا عليهم (ارجعوا يا شباب وروحوا إلى أهلكم لانني في جميع الأحوال سأبلغ السيد الآمر بهروبكم عبر السياج لانني لا استطيع إلا أن أخبره حتى ولو أنكم رجعتم للمعسكر لأنني لا استطيع أن أخبئ هذه المخالفة، مو بيدي ..!!!) .وهكذا كان هذا المنافق سببا في سجن وإيذاء كل جنود الموقع والكل يخشاه ويحتقره لنفاقه.

وحيد :
جندي مكلف يعمل في مطبخ المراتب يبدو عليه من النظرة الأولى البلادة والغباء خاصة وتقاطيع جسمه عبارة عن برميل أو زق ريح عافاكم الله وهو ايضا غير نظيف ويرتدي في الموقع والمطبخ الذي يعمل فيه نعالا مقطوعا كل فردة لا تشبه الثانية . في أحد الأيام وبعد الغزو ذهب الى آمر الموقع وتوسل به أن يأخذه معه إلى الكويت في المأمورية القادمة فوافق الآمر واخذه معه وبعد أن عادوا عصر نفس اليوم فإذا بنا نرى وحيدا وهو ينزل من خلف سيارة الآمر وهو يرتدي زيا غريبا عجيبا عبارة عن سترة حمراء اللون موشات باللون الاخضر عند الأردان والرقبة وفيها نياشين ملونة وأزرار ذهبية تبرق وتتدلى منها القاردونات الذهبية فاستغرب الجميع من هذا المنظر كأنه مهرج سيرك الذي ظهر به وحيد بعد عودته من الكويت فانفجر الجميع من الضحك ساخرين من وحيد الطباخ ( الزق ) فتجمعنا حول وحيد نسأله : ما هذا الذي ترتديه ؟ فأجابنا الجنود الذين رافقوه أن واجبهم كان في قصر أمير الكويت وذهب الآمر لإنجاز واجبه مع القيادات التي احتلت القصر وبقى وحيد يتجول في غرف القصر ولأنه لم يجد شيئا يستفيد منه أو يصلح لأن يرتديه أو يكون مناسبا لمقاسه وجد هذه السترة معلقة في إحدى الغرف وهي تعود لقائد الجوق الموسيقي الأميري ويبدو أن هذا القائد كان زقا أيضا، وبنفس قياس وحيد. والمضحك ان وحيدا بقى مرتديا السترة طيلة احتلال العراق للكويت باعتبارها سترة عسكرية متميزة غنمها من قصر الأمير شخصيا .

يونس :
شاب عشريني مجنون رسمي يتكلم من أنفه ويحسن ترتيل ( الفراكيات ) وغناء المناقب النبوية تم سوقه لخدمة الاحتياط بعد غزو الكويت لأنه لم يتم استثناء أي جندي من خدمة الاحتياط، وصل إلى الموقع ليبقى به فقط حتى يقضي أيامه كأقرانه من الجنود . الملفت للانتباه أن يونس يجلس يوميا مقابل باب الآمر في الموقع ويبدأ بسبه وشتمه ويغني الفراكيات ( وهو نوع من الغناء يغنى على الموتى ) ويدعي عليه بالموت وبصوت مرتفع، في الأيام الأولى كان الآمر يغضب منه ويأمر بحبسه و تأكد أنه مجنون فعلي ورسمي حتى نصحه بعض الضباط بأن يهمله وتوطدت علاقته بيونس فصار الآمر يستدعي يونس عند المساء وعندما يفرغ من العمل ويطلب منه أن يغني له فراكيات ويوصيه بأن يكون مؤدبا ولا يتجاوز عليه لقاء صحن من يقايا طعام الآمر يطعم به يونس فيبدأ بالترتيل والغريب أنه كان يرتل بصوت جميل حتى تأتي إليه النوبة الجنونية فينقلب رأسا على عقب ويبدأ بالسب والشتم وهجاء الآمر عندها يطرده ليدور بعدها على الجنود ليعطفوا عليه . وما أن بدأ القصف الجوي والأصوات العالية المرعبة حتى جن جنون يونس وفي الوقت الذي كان الجنود يختبئون في مواضعهم عند الغارات ليحتموا بها كان يونس يجري في الموقع طولا وعرضا وهو يصرخ ولا نفهم ما يريد أو يقول حتى يسقط مغشيا عليه والزبد يملأ فمه !!! وتغير حاله فكنا نحاول - نحن الجنود - أن نبقيه بقربنا عند حصول غارات ونطلب منه أن يغني لنا فراكيات لكي ننسيه الأصوات المدوية للقصف فيبدأ بالغناء والجميع يردون عليه بطريقة (الونة) وهكذا تمكنا من السيطرة عليه.

أبو حيدر :
نائب ضابط كاتب مسلكي خمسيني مخضرم عمل لأكثر من خمس وثلاثين سنة يدير تجنيد الحلة وأحال نفسه قبل الغزو بستة أشهر على التقاعد وبدأ يفكر بعمل مشروع بسيط ليعيش منه ويساعده على مشاق الحياة يساعد راتبه التقاعدي ، كان رجلا طيبا ووقورا وهادئا ، أعيد للخدمة العسكرية بعد غزو الكويت مباشرة وتم تنسيبه إلى موقع الدريهمية ليعمل في مقر الموقع وكان مهموما طيلة الوقت ويلعن الحظ الذي أعاده إلى الجيش لأنه طيلة خدمته بالجيش لم يخدم إلا في تجنيد الحلة وكما أخبرني شخصيا ، وهو موسوعة بقضايا التجنيد وحساب الخدمة العسكرية وقاموس لتفسير كل الأحكام والتعليمات العسكرية ، تقرب مني كثيرا وكان يلازمني بالرغم من فارق السن بيني وبينه وكنا نستمع للأخبار من مذياعي الصغير ونحللها وما سنراه في قادم الأيام !!؟ .

وعندما صدر أمر تسريحنا أنا وهو بعد توقف الحرب البرية بأمر من قوات التحالف في اتفاق الخيمة واستلمنا كتب تسريحنا وكنا فرحين على سلامتنا وتسريحنا وصادف أن يكون نهاية نيسان 1991 منتصف شهر رمضان وهو صائم فكان يصلي بشكل دائم كل فرض بوقته وعند عودتنا إلى بغداد من البصرة بسيارتي التي أوصلها لي أحد أقاربي وعندما وصلنا بقرب مدينة شيخ سعد التي تقع على منتصف الطريق إلى بغداد حان وقت الفطور فطلب مني أن أقف ليصلي ويتناول الماء وطعام الإفطار البسيط الذي يحمله معه وبعد أن انتهى التفت إلى السيارة فوجد قطعتين من الخبز (الصمون) العسكري الذي كنا نتناوله في موقع الدريهمية ويتناوله الجندي العراق الباسل الذي يريد منه صدام ان يحارب وينتصر ليزهو هو وبطانته فكسر قطعة الخبز لأنه يعرف ما بها فظهر لبها أخضر اللون مسودا وفيها حبات من الشعير بشكل واضح فقال : ماهذا يا أخي ؟ وهو يحمل الخبزة بيده، فقلت له : أخذتها ليشاهدها أولادي وأهلي، وأريهم ماذا كنا ناكل نحن في الجيش ليس إلا، وكنموذج لاحتقار الجندي وذله، فقال لي : انت تعرف أنني رجل مؤمن وأصلي جميع الفرائض ونحن الآن راجعون بالسلامة لعوائلنا، وهذه التي في يدي يقال عنها ويسميها المؤمنون ( نعمة الله ) فإذا كانت هذه الخبزة هي هكذا، وكما يقال، فاسمح لي أن أكفر بكل القيم والمبادئ التي تعتبر هذا الخبز نعمة الله فقام وهو يكمل حديثه برمي الخبز بعيدا عنا وقال هل تريد أن تزعج وتؤلم عائلتك وأهلك عندما تريهم أنك كنت تأكل فضلات الطيور والحيوانات !!!! .


14/8/2011


عندما غزا صدام الكويت في 2/8/1990 (3)
عندما غزا صدام الكويت في 2/8/1990 (2)
عندما غزا صدام الكويت في 2/8/1990 (1)


 

free web counter