| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

د. ناجي نهر

 

 

 

                                                                                      السبت 25/6/ 2011

                                                 

الحد الفاصل بين العلم والمثال
(3)

د. ناجي نهر

هل تمكن الوعي المعاصر فى مجتمعات العالم الثالث بخاصة من تحديث وعي غالبية الناس وتحريرهم من عبودية الفكر الرأسمالي وانتهازية الفكر الديني؟ الجواب سيتوضح متلألئآ من خلال قراءة موضوعية للواقع المعاصر ، تؤكد على ان الأكثرية من عامة الناس فى هذه المجتمعات ، مازالت جامدة ومتخندقة خلف معارف سلفية ، بعيدة عن تطبيق وحدات قياس قانون التطور المبرهن على دقته وسلامته ومرونته التطبيقية من خلال تجارب نضالية قاسية .

ولقد صبرت هذه المجتمعات على تحمل لظى جمر التخلف ، ليس لأنها لا ترغب بتغيير احوالها المأساوية نحو الأفضل ، لكنها لم تجد الفرصة المناسبة فهي ما زالت مستعبدة ومقهورة ومظلومة ومسلوبة الحرية والأرادة ويائسة ومترددة عن انقاذ نفسها من الطغيان والهلاك لأساب كثيرة متداخلة :

1- ما زالت سمة الوعي العلمي فى مجتمعات العالم الثالث نخبوية تتجسد فى التطور التقني واستخداماته العملية المختلفة التي لا تتعدى المظاهر الشكلية وتقليد الآخر.

2 - ما زالت الرأسمالية المتسيدة قادرة على اعادة ترتيب أوراقها ومعالجة ازماتها القاتلة واستبدال عملائها فى مجتمعات العالم الثالث ، بخاصة من الذين لهم الأثر الأختصاصي فى صنع التخلف ومن الذين يتهافتون على اروقة السفارات الأجنبية والبيت الابيض كالذباب ، بانتظار تكليفهم بادارة مؤسسات اسيادهم الرأسمالية الأحتكارية باشكال جديدة تتناسب مع خبرتهم الطويلة فى خدمة مصالح الأسياد وتوسيع امكاناتها الأنتاجية.

3 - ما زال الحلف المقدس بين الرأسمالية والأنتهازية الدينية هو الأقوى باعآ فى الهيمنة السياسية والأقتصادية و ما زال هو المصدر الأساس للشرور فى مختلف بقاع الكوكب ، وما زال هذا الحلف مشهودآ له بفاعلية عدوانية قاهرة لطموح مجتمعات العالم الثالث بسلبية رديئة وضارة وملوثة لمختلف الأصعدة الأجتماعية والأقتصادية والسياسية ، فما زال الحلف المقدس بارعآ بصور ملونة واشكال شتى ، كبراعة باقي العملاء فى تطبيق شعار الرأسمالية سئ الصيت (فرق تسد) مقرونآ بترسيخ مبادئ الحلف المقدس الأساسية والمحافظة على تحقيق استراتجياتها ، وان اختلفت الوجوه والعمائم ، فالرأسمالية والأنتهازية ليس لها دين ولا اخلاق ولا تهمهما الآيديولوجيات مهما تعددت وتزوّقت ، بقدر ما تهمهما صيانة المصالح الذاتية لأحتكاراتها. ولذلك اصبح بامكان أي باحث ان يوثق وصفه للحلف المقدس بين الرأسمالية والأنتهازية الدينية ، فيقول: بان الحلف بين الرأسمالية والأنتهازية الدينية توأمان متحابان يكمل احدهما الآخر مهما تبدل الزمن والمكان ، كما اضحت عمايل هذا الحلف وتداعياتها موثقة بتجارب الشعوب التي عانت منها وما استخلصه المفكرون الأنسانيون من علوم مفيدة فى اكتشاف مصدر الأستغلال واذرع نهبه. فلقد ذهب المفكر الأسلامي عبد الرحمن الكواكبي الى تأكيد (ان الأستبداد السياسي متولد من الأستبداد الديني ، وان استعانة المستبد بالدين ضرورة لا بد منها ، لحياة كل منهما.)

4 - ما زالت امكانات الحلف المقدس[الرأسمالي والأنتهازي الديني] بارعة فى الحيلولة دون تطور الوعي العام باتجاه المثل الأنسانية والعلمية والتفتيش عما يبعد الأنسان السوي عنهما. وبالفعل فقد تم ابعاد الأنسان عن قيمه ، بأختلاق مختلف الأكاذيب والمظاهر المفتعلة والروايات المحبوكة والمخادعة ، فمثل هذا الأبعاد ليس بالامر الصعب على الحلفاء ، الذين يملكون جبروت السلطة وجبروت المال فى آن ، ويجدون امامهم سوقآ مكتضآ بالعملاء العارضين لخدماتهم الأجرامية بكل خسة ونذالة ، وهم على اهبة الأستعداد فى كل لحظة لتوقيع صكوك الطاعة التي تؤكد أخلاصهم المنقطع النظير لأسيادهم. وكما هو معلوم فلقد اعتاد الأسياد عند تنصيب العملاء وضع شرط واحد معروف هو: ان يهتم العميل بحراسة مصالح أسياده ويحافظ عليها بجدية وامانة كما يحافظ على عزيز مبجل ، والا فالعميل سيواجه الموت والمحن ، ولذلك اعتاد اغلب العملاء فى مجتمعات العالم الثالث على التحذلق لأسيادهم اكثر من اللازم ، وزادوا على الشرط الواحد لأسيادهم شروطا اخرى ظالمة وقاسية ومهينة لشعوبهم ، حتى ان بعض الأسياد يترددون من فعلها بانفسهم ، وقد اختصر الفلاح العراقي هذا الوصف وجعله مثلآ (السركال او الحوشي اظلم من الأقطاعي) ، حتى بات اكثرية الناس يفضلون حكم الرأسمالي بصورة مباشرة على حكم العميل ، لأن العميل عادة ما يتميز بالقسوة والظلم البشع!!!. اتذكر حينما تسلم حزب البعث السلطة فى العراق للمرة الثانية عام 1968 كانت شروط اسيادهم الأمريكان لا تتعدى شرطين ، الأول تبذير ثروة العراق التي كانت فائضة حينذاك على ميزانية الدولة العامة بمبلغ زاد على [180 مليار دينار عراقي وحينذاك [الدينار= ثلاثة دولارات ونصف] وكان الشرط الثاني العمل على اعادة ثقافة العراق وحضارته المتقدمتين آنذاك الى عهود التخلف والعشائرية. ولذلك فالباحث المنصف لا يتردد عن تأكيد ان ثقافة العراق قبل البعث كانت فى الغالب ثقافة علمانية وكان دور المرأة المناضلة متميزآ بالبسالة والأنسانية والحداثة والتحرر. ولم يطلب الأسياد من صدام او من البكر او البعث ان يكون دكتاتورآ وقائدآ لحملة ايمانية ، غير ان صدام تميّز بمكره ودهاءه السلبي وقراءة صدر سيده بدقة وخباثة ، فساس العراق بحرفية العميل المطيع المتقن لعمله بأمتياز ولاكثر من ثلاثة عقود ، بدد خلالها ثروة العراق على بناء قصوره وملذاته وعطاياه لعملاءه فى داخل العراق وخارجه ، غير انه عندما ظن انه وصل الى درجة الفرعون ، نفش ريشه ونكث العهد وتمرد على الأسياد وعلى غيرهم ، فكان ما كان!!!. وقد اعتاد الأسياد الرأسماليون ايضآ ان يختاروا بالأضافة الى تلك العمالة العلنية عمالة مستترة نوعآ ما تكون متوازنة مع العمالة العلنية بالفعل السئ وحسب ، غير انها تتمثل ايضآ بالقيام باعمال ومهمات أنتهازية دينية اضافية تفرضها الحالة المطلوبة فهي الأخرى لا يهمها اعلاء شأن الدين بقدر ما تهتم بمصالحها الأنانية وبوفرة الدولار واطباق الدجاج والأسماك والحلويات والنهود الفارعة والوجوه الحسناء المتلألئة ، مقابل اعادة التوعية بالثقافة السلفية واثارة الفتن والصراعات الدامية بين العقائد والأجناس المختلفة [البروتستانت ضد الكاثوليك ، والشيعة ضد السنة ، والعرب ضد الأكراد او التركمان ، او بالعكس ، اضافة الى جعل دوران مولادات معاملها مختصة بالأساس فى أنتاج مواد غسل عقول الصبية من الجنسين واعدادهم للأنتحار وقتل الأبرياء بدم بارد ، واختلاق الحروب الصليبية اللادينية والطالبانية وغيرها وهلم جرآ. ولذلك تجد فى الطرف الاخر فريقآ من هذه الأنتهازية يعمل بتمويل من الأسياد مفتوح على مصاريعه بأعمال البر والتقوى وادارة الأبنية العملاقة وتزويقها بالذهب والفضة والمجوهرات النادرة بقصد ادخال هالات الجمال والتبرج واضفاء مظاهر الخشوع والترهيب المصحوب بالموسيقى العذبة والأناشيد بأنغام خاشعة واصوات شجية ساحرة لأقناع البسطاء بوجود الدين كحقيقة مفيدة وملموسة ، مما يتطلب من العباد معرفة اهمية ان يكون الأنسان متدينآ ، وان يقتل اناس من اجله. غير ان المفكر الأسلامي قتيبة الأزدي يصف الحقيقة الموضوعية للأنسان بكل جرأة وعلمية فيقول (اعطي الحرية للناس وانظر ما هم فاعلون!!!) ، فالناس من غير المعتوهين تكون: (عقولهم فى عيونهم ، ولا يتجاوز ذلك فعلهم المحسوس المشاهد ، ولولا خوفهم من عذاب الاخرة ، لما صلوا وصاموا)، ويؤكد على ذلك باضافة صحيحة المفكر (اركون) فيقول (ان المرجعيات الدينية واغلب الفقهاء يحاولون الغاء دور العقل والتاريخ عن طريق ترديد مسلمات حتمية غير قابلة للنقاش ، حتى يصبح الكثير من المتعبدين وبسبب الرعب من عذاب الآخرة لا يفكرون بالجنة ، وما قد يحضى فيها المتعبد من المتع والأطايب ، بل يرضى فقط ببراءته من الأتهامات التي قد توجه اليه فى ساعة غضب غير مناسبة). ولذلك فلقد اختلقت الرأسمالية ووعاظها الأنتهازيون مع الآخر باختلاف فكري ومنهجي عنيف سبّب صراعا داميآ من اجل تحقيق منافع ذاتية وطبقية ليس غير , وتسبّب ذلك بسفك دم المنتجين الحقيقيين واختلاط حابل التحليل العلمي للظواهر بنابل المصالح الطبقية ، وادامة التسيد الرأسمالي فى الأرض والأستيلاء على المادة المنتجة لحاجات الناس الضرورية واحتكار (وسائل الأنتاج) وتسخيرها لمصالحهم الأنانية.

فلقد فرضت الطبقة الرأسمالية المتسيدة الجديدة ظاهرة (الأحتكار) بموجب ما تتخيله من أرباح وما تهدف الى تحقيقه من مصالح ، واعدت لذلك خطط جهنمية قرصنية تم تنفيذها بصور وجرائم شتى متناسبة مع ثقافتها المتجبرة وما جاءت به من أوهام مختلقة وآلات قياس عرجاء لتقويم مكونات وموقع ومكانة الخالق والمخلوق فيها ، فطلعت على الأنسانية بأدعاءات مختلقة ، وبأعداد لا تحصى من المدارس الفكرية الوهمية والثقافات والأجتهادات والتأويلات المربكة والقراءات الأفتراضية للواقع ، بقصد بلبلة وعي الناس وتعقيد واقعهم وتضييع الحقائق العلمية التي تساعدهم على التغيير. لذا فإن الخطر المحدق فى مجتمعات العالم الثالث ما زال يتصاعد على اشده ، بسبب تزايد افواج الأنتهازية الدينية وما يطلقون عليه بالصحوة السلفية متجسدآ بشرايح طفيلية وقيادات تتمتع بقوتين دينية وسياسية (كمبرادورية) كالأخوان المسلمين ومجمل التنظيمات الدينية السنية والشيعية الفاعلة بالسياسة من اجل تحقيق اهداف قرصنية من خلال توثيق تحالفها مع الرأسمالية العالمية. فليس من المعقول ان يغفل المتتبع لوسائل الأعلام المرئية فى انظمة العالم الثالث ملاحظتين بارزتين :

الأولى : فى الأعلام السعودي ، تتلخص فى زيادة ساعات البث الهادفة الى ترسيخ ثقافة رأسمالية خالصة بدفع الشباب قضاء ساعات يومهم لمراقبة البورصة والأسهم ، والتفنن بأعمال المضاربات التجارية ، ومسابقات الخيول (الريسز) وما يماثلهما من اعمال الميسر وبشكل يتناقض ويافطة خادم الحرمين الشريفين وخدام الفروج المسترجلين المشجعين على التقاعس فى اداء الأعمال المثمرة.

ثانيآ : لا يخلو خطاب اي متسلط فى انظمة العالم الثالث من الحث والتمجيد بالقيم والثوابت العروبوية والأسلاموية ، والتأكيد على الألتزام بعادات وتقاليد الأجداد واحيائها ، مما يعني رفض الحداثة والتجديد والديمقراطية ، وقتل طموح الشعب. لذا كانت المنهجية العلمية ولما تزل هي المقياس الدقيق لمدى صحة أحداث التاريخ والفيصل فى تقييمها وتزكية موثوقيتها. اما كيف نجدد افكارنا بموضوعية ونكتب تاريخنا بزهو انساني متألق؟ فهو موضوع بحثنا في الجزء الرابع .


الحد الفاصل بين العلم والمثال (2)
الحد الفاصل بين العلم والمثال (1)

 

 

free web counter