مزهر بن مدلول

 

| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

 

 

 

الأربعاء 17/1/ 2007

 

 

المُشَوَّه
الجزء الرابع

 


مزهر بن مدلول

عندما انطلقت السيارة ، كان معي في داخلها اربعة من رجال الأمن ، بمن فيهم سائقها ، حاصروا جسدي النحيف بجثامينهم الكبيرة ، وكأنهم خائفين من ان اهرب منهم مرة اخرى ..
اما انا .. ومازال حميد يروي مامرَّ به في ذلك الوقت .. كنت في تلك اللحظة افكر بالالام التي داهمتني من شدة الضرب ، وفكرت ايضا بطرق التعذيب التي تنتظرني ، وخطر ببالي بأني ذاهب الى الموت لامحال ، وخاصة اذا عرفوا باني شيوعيا وهاربا من الجيش في ذات الوقت ، فذلك يكفي لقتلي حسب قوانين السلطة الجائرة انذاك ، وتذكرت جهاز الاستخبارات في وحدتي العسكرية في معسكر التاجي ، والطريقة التي بها ، التقطوا صورا لوجهي ، وكأني سأُعدم غدا ..
سلكتْ السيارة شارع الرشيد باتجاه ساحة الميدان ، ولم يستغرق وصولها وقتا يستحق الاشارة ، لان المسافة قريبة جدا ، ولكن علي ان اذكر هنا سخرية وضحك هؤلاء طول الطريق من عملية هروبي الفاشلة ..
دخلت السيارة الى مخفر الشرطة ، الذي يقع الى جهة اليسار من ساحة الميدان ، وهو قريب من مقهى جديد ، كنت ارتاده احيانا مع صديقي الشاعر عبد العظيم حسن فنجان ، حيث كان في ذلك الحين طالبا في كلية البيطرة ، ذلك المقهى كما اظن ولااستطيع ان اؤكد ظني كان يحمل اسم بغداد الحديث ..
ومخفر الشرطة هذا ، يبدو كذلك ، ولاتظهر عليه اية علامة تدل على ان الامن يستخدمونه ، في بابه يقف حرس بلباس شرطي عسكري ويحمل بيده بندقية كلاشنكوف..
عند دخول السيارة التي أقلتني الى المخفر، دخلت ايضا السيارتان الاخريان وكان جمال اللبناني في داخل احدى السيارتين ..
لم انزل من السيارة ، ولكني لاحظت هناك ، ان بعض رجال الامن نزلوا من السيارات الثلاثة ، وكانوا يتحدثون مع رجل اخر ، عرفت فيما بعد، انه كان مدير الامن ..
شاهدتُ جمال وقد كان بين الذين نزلوا ، ناولهُ احدهم يشماغاً ، وضعه على راسه ،ثم عاد الى داخل السيارة .. كان الجميع يحملق في وجهي ، وشعرت بمدى الحقد والبغض الذي يحملونه .. اعطاني احدهم يشماغا ايضا ، بعد ان انزلني من السيارة ، وألبسني اليشماغ بنفسه ، ولم اعرف لأي غرض كان ذلك ، ومازلت اجهل الامر الى الان ..
قال لي الشرطي .. عدْ الى مكانك داخل السيارة .. وحين درتُ بجسدي لكي اصعد ، حتى فاجأني رجل آخركان يقف خلفي ، بثلاثة من البوكسات القوية اثنان منها على بطني وواحدة في وجهي ..
الى الأن ، كانت جريمتي الوحيدة ، التي بسببها حصل لي كل ذلك ، هي محاولة هروبي من بين ايديهم ، وكأنَّ تلك المحاولة ، كانت شكل من اشكال الاهانة ونوع من التحدي لهم ، فلم تتوجه لي اية تهمة اخرى ..
وان الذي نفعني كثيرا ، هو دفتر الخدمة العسكرية ، الذي يشير الى اني قد اكملت الخدمة الالزامية دون ادنى شك ، كما اني لم اظهر يوما امام جمال باني شيوعيا او اني مشغولا بالسياسة ..
تحركت السيارات الثلاثة من المخفر ، سلكت شارع الجمهورية واتجهت نحو البيت الذي يسكن فيه سعيد ..
لم اتوقع ذلك ولم افكر به ابدا ، وكنت اعتقد بانهم سياخذوني الى مديرية الامن العامة ، او الى اي مكان معتم اخر ، لكني عرفت انهم ذاهبون الى سعيد حين توقفت السيارة التي تحملني على رصيف الشارع ، الذي يقابل البيت ، ولكن على مسافة مائتي متر منه تقريبا ، اما الاخرون ، فقد تجاوزوني باتجاه البيت .. وهناك لمحت جمال من بعيد ، تعرفت عليه من اليشماغ ، وقد وقف على مسافة بضع امتار من باب البيت ..
بعد وقت قصير ، مرَّ بجانب السيارة ،التي كنتُ في داخلها ، كل من سلام وظفار ، كانا مسرعين ، وقد خرجا من البيت وعبرا الى الرصيف المقابل ، ولم ينتبها لي ، واظن ايضا ، انهما كانا يحاولان ان يتجها الى اليسار حيث يتفرع الشارع هناك ، لكني لااستطيع ان اؤكد ذلك ،لاني حاولت ان لا اثير انتباه الشرطة الذين كانوا معي في السيارة ..
فرحت عندما رايتهما ، وهما قد افلتا من قبضة الامن ، واندهشت ايضا من الامر ، حيث كانت بحوزة الشرطة صورة لكل منهما ، لكن الشئ المهم هنا هو ان جمال لايعرفهما ..
ويواصل حميد سرد الحكاية ويقول ..
لم انزل من السيارة ابدا ، وكان معي اثنين من الشرطة السرية يحرساني ولم ينزلا ايضا ..
في تلك الاثناء ،جاء اثنان من الامن ومعهما سعيد ، فتح احدهم باب السيارة ودفعه الى داخلها .. ثم قال بطريقة التشفي ، موجها السؤال لي ..
- هذا هو سعيد مو ؟!.. وكانت اجابتي بصوت عالي وبوضوح وفيها سخرية ايضا من اجل ان يفهما سعيد ..
- لكنكم لاتعرفونه لو لم يكن جمال معكم ! .. وقبل ان اكمل الجملة جائني بوكس على وجهي نزفت منه في الحال ..
عادت بنا السيارة الى المخفر ، الذي كان اسفله للشرطة العسكرية ، واعلاه الى شرطة الامن ، ويبدو انه مكان للتوقيف المؤقت والتحقيق السريع فقط ، لاني هكذا رايته ولا اعلم اذا كان غير ماقلت ..
صعدنا الى الطابق الثاني ودخلنا الى مكتب مدير الامن ، وهو رجل ضخم بانت عليه كل سمات رجل الامن ولاداعي لوصفها .. وقفنا مقابل الرجل حيث فصلتنا عنه ، طاولة طويلة ، تبعثرت فوقها بعض الاوراق والملفات والاقلام ..
طلب اسمائنا وسأل عن اعمالنا وعناويننا ، ثم اظهر الصورالثلاثة .. وسألني ..
- اهذه صورتك ؟..
- نعم انها صورتي ..
- وهذه لمن ؟ مشيرا الى صورتي سلام وظفار ..
- لااعرف لمن هذه الصور ..
فقال ..
- او ليس انت الذي اعطيتها الى جمال ؟..
- كلا لم اعطيها الى جمال ولااعرف هذين الشخصين ابدا ..
وما ان انكرت معرفتي بظفاروسلام حتى نهض مديرالامن من مكانه وانهال علي بالركل والشتائم ..
ثم التفت نحو سعيد وساله ..
- اانت الذي جلب هذه الصور؟ ..
- نعم انا الذي اعطيتها الى جمال ..أجاب سعيد ..
- اين يسكنان ؟..
- لااعرف ، انهما ياتيان لزيارتي بين فترة واخرى ..
- اذن لابد ان يزوراك اليوم لاستلام الجوازات ، سناخذك معنا الى البيت أليس كذلك ؟..وما ان سمع سعيد ذلك حتى اسرع الى القول ..
- لكنهما كانا في البيت عندما دخل الشرطة وهربا ..
استشاط مدير الامن غضبا عندما عرف بان سلام وظفار كانا في البيت اثناء المداهمة .. دفعني بقوة نحو الشرطي الذي يقف في باب المكتب قائلا خذوه .. وجرَّ سعيد من قميصه وخرجا من المكتب وهو يصرخ الى الاخرين بطريقة يدعوهم فيها الى الاستعداد ..
من هنا .. ويضيف حميد ويقول .. ولا اعتقد اني نسيت اية صغيرة دون ان ارويها ..انفصلت عن سعيد ولم اراه ثانية ، ولم اعرف الى اين اخذوه ، وماذا حصل لظفار وسلام فيما بعد ..

يتبع

¤ الجزء الثالث

¤ الجزء الثاني

¤ الجزء الأول