مزهر بن مدلول

 

| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

 

 

 

الثلاثاء 2/1/ 2007

 

 

المُشَوَّه
الجزء الاول
*
 


مزهر بن مدلول

في صباح ذلك اليوم ، وفي معسكر التاجي في بغداد ، أُستدعيَ حميد الى مقر الاستخبارات العسكرية ..
وسأله الضابط ، عن اسمه ، وعنوان سكنه في مدينته الناصرية ، وعن حالة اهله الاجتماعية والاقتصادية ، ثم اخذ يلح بالسؤال عن انتمائه السياسي ، ورغم نفي حميد وتمسكه ، بأنه مستقلا ولاينتمي الى حزب ولا شأن له بالسياسة ، لكن الضابط كان مصرا على .. ( انتم اهل الناصرية كلكم شيوعيون ) . ورافق الاسئلة ، بعض من سخرية واستهزاء من قبل مجموعة من العسكريين المتواجدين في الغرفة ، والذين ينتمون الى ذلك الجهاز .
ثم قادوه الى غرفة اخرى ، وطلبوا منه ان يجلس على كرسي في منتصفها وبدأوا بألتقاط الصور له ومن كل الجهات ، مثله في ذلك مثل من ارتكب جريمة جنائية خطيرة .
شعر حميد بالخطر الذي يداهمه ، فقرر الهروب من الخدمة العسكرية ولم يكن يتوقع بأن الناصرية ستضيق مساحتها ، فلم يجد مكان يضيع فيه افضل واحسن من شوارع بغداد .
حاول ان يبحث عن عمل في العاصمة ، يستطيع من خلاله ان يتدبر امور عيشه ، وبعد معانات كثيرة ، وجد عملا في فندق ، اسمه فندق الرحمن في شارع الرشيد بالقرب من الشورجة
**.
في ذلك الفندق المهمل ، عمل حميد ليلا ونهارا في تنظيفه وتوارى عن الانظار .
كان مدير الفندق لبناني الجنسية واسمه جمال (1)، وهو شاب وسيم وطويل وقوي البنية وسليط اللسان ، مكث في بغداد مدة طويلة كما يقول.
في تلك الفترة ، انتشر في العاصمة الكثير من الشيوعيين الهاربين من انظار الاجهزة الامنية ومن مختلف المحافظات ، وكان من بينهم عدد كبير من مدينة الناصرية .
وبالصدفة كان من بين الهاربين شاب لا حيلة له ، ولايتمتع بعلاقات متينة ولم يكن يوما معروفا لاهالي الناصرية وشبابها ، ذلك الشاب اسمه سعيد الذي سبق ان عمل في السياسة مع حميد وتحت قيادته . لكن علاقتهما انقطعت فور التحاقهما بالخدمة العسكرية .
التقى الاثنان في بغداد وقد رمى سعيد بثقله في احضان حميد (2)، متوسما المساعدة في السفر الى خارج العراق ، او اية مساعدة اخرى تنفع في هذه الظروف الصعبة .
كان حميد يعمل وينام في الفندق ، لكنه يختلس بضع ساعات احيانا لكي يخرج ويلتقي سعيد ، واستمرت الامور هكذا ، حتى ان سعيد شعر بعدم جدوى هذه اللقاءات القليلة ، وراح يزور حميد الى الفندق .
تكررت زيارات سعيد الى الفندق ، ومن خلال ذلك تكونت علاقة حميمة بين سعيد وجمال مدير الفندق ، الذي اظهر وبطريقة ذكية ميلا الى الماركسية والشيوعية ، وكان النقاش يمتد بينهما لساعات احيانا ، وكانا يتصافحان بحرارة وبطريقة توحي وكانهما قائدين ثوريين وان الجماهير تنتظر اشارة منهما لتهب وتقضي على الجلاد .
وكم مرة طلب حميد من سعيد ، ان يتجنب النقاش السياسي مع هذا الرجل اللبناني ، ولكنه لم يسمع ذلك ولم يقدر خطورة ماهما فيه ، واستمرت هذه العلاقة بين سعيد وجمال مدة شهر تقريبا ، حتى انتجت اتفاقا بينهما ، وهذا الاتفاق يقضي ، بأن يقوم جمال بتزوير جوازات سفر لمصريين يقطنون الفندق ومودعيين جوازاتهم في درج مكتبه لكي يسافر بها حميد وسعيد . كل هذه التضحية يقدمها اللبناني تعبيرا عن قناعته بالماركسية وحبه للشيوعيين العراقيين .
ولكن في هذا الوقت ، التحق بحميد وسعيد ، اثنان من الاصدقاء من الناصرية ايضا . وهما الشقيقان سلام وظفار(3) ، فاصبح الجميع يبحثون مضطرين عن اربعة جوازات سفر بدل الاثنين ، وعندما طرحا الموضوع على جمال ، طلب الاخير ، مائة دينارعراقي ثمنا لذلك ، فوافق الجميع دون تردد .
سلام وظفار ، لم يدخلا الفندق ، ولم يتعرفا على جمال مطلقا ، وهو الاخر لم يعرفهما .
في احد الايام طلب جمال صورة لكل واحد من الاربعة ، لكي يباشر عملية التزوير ، وكان في عجلة اكثر من اصحاب الشأن .
وعندما جلب كل من حميد وسعيد الصور الاربعة ، كان جمال يلح في السؤال عن سلام وظفار ، وعن السبب الذي منعهما من المجئ في هذا الموعد .
علما بان جمال اللبناني كان يحمل الجوازات الاربعة معه ، وحسب الاتفاق كان عليه ان يظهرها لكي يراها الاربعة ، ويقتنعون بها ولكي يطمانوا بان هناك فعلا جوازات سفر حقيقية .
اخذ حميد وسعيد يقلبان صفحات كل جواز ، وينظران الى ما فيها من معلومات وتأشيرات ، في تلك اللحظات جلب نظر الاثنين ، صورة مثبتة في احد الجوازات ، حيث شاهدا بأن تلك الصورة ، فيها الكثير من ملامح سعيد . تشاور الاثنان في الامر وكذلك اللبناني ، حتى اقتنع سعيد بتلك الصورة وبأرتياح كبير .
اذن لاضرورة ، ان يعطي سعيد صورته الى جمال ، ويكتفي بالصورة الاصلية ، وفي ذلك منافع عديدة. ثم اخذ جمال الصور ، وهي لثلاثة اشخاص فقط ، هم حميد وسلام وظفار . وهكذا تمت الصفقة وحددوا موعدا لاستلام الجوازات .

يتبع ..


*  القصة حقيقية وجرت في العام 1979 في بغداد .
** الامكنة التي ذكرتها حقيقية .
(1) جمال هو الاسم الحقيقي للرجل اللبناني .
(2) حميد وسعيد اسماء مستعارة لكنها هي نفسها كانت متداولة في ذلك الوقت وليست من الكاتب .
(3) سلام وظفار من عندي لعدم اخذ الاذن منهما بذكر اسميهما الحقيقيين .