مزهر بن مدلول

 

| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

 

 

 

 

الأربعاء 10/1/ 2007

 

 

المُشَوَّه
الجزء الثالث

 


مزهر بن مدلول


يروي حميد الحكاية ويقول ..
- بعد ان اتفقنا .. انا وسعيد مع الرجل اللبناني المدعو جمال ، على الزمان والمكان ، الذي نتسلم فيه جوازات السفر منه ، وان يحصل هو الاخر على المائة دينارعراقي ثمنا لذلك ، اشترطنا عليه بان ناتي نحن الاربعة جميعا الى الموعد ، لكي يحصل كل منا على جواز سفره بنفسه ..
ولا اذكر بالضبط ، في اي ساعة ، وفي اي يوم من ايام الاسبوع ، جرت الاحداث ، لكن الذي استطيع ان اقوله واكده ، بان ذلك كان في وقت ، هو اقرب الى منتصف النهار ، وان اليوم ، هو في اخر النصف الثاني من شهر تموز ، حيث كنا انا وسعيد نناقش قبل ذلك بوقت قصير، انقلاب السابع عشر من تموز، الذي قاده صدام حسين ضد احمد حسن البكر ..
ويسترسل حميد في سرد الاحداث ..
- كنت قبل يومين .. اقوم بتنظيف غرفة الاستقبال في الفندق وممره كذلك.. حين دخلت امراة عراقية شابة ، وسالتني عن احد المصريين ، الذي قالت انه كان يسكن في الفندق ذاته .. ثم اخذت تبكي وتشكو لي مما فعل بها الرجل المصري ، الذي كما قالت بانه تزوجها ، ثم فجأة تركها هي وامها العجوز في البيت واختفى ، بعد ان استولى على كل مايملكون من قليل من الذهب وقليل من الاموال..
اثناء ذلك ، وانا مازلت اقوم بعملي ، جاء صاحب الفندق ، وهو رجل ريفي في العقد الرابع من عمره ، وكان يرتدي( الدشداشة ) والعقال .. وعندما استمع الى حكاية المراة ، راح يتحدث معها بطريقة ابوية حنونة واظهر للمراة وكانه يعرف زوجها او يحاول العثورعليه ، ثم اصطحبها الى احدى الغرف الخالية من الزبائن ، بحجة ان يريها اسماء المصريين المسجلين عنده ..
وبعد ساعة من الزمن ، او اقل بقليل .. خرجت الشابة مسرعة ، وهي متكدرة وغاضبة ..
قابلتها وهي تنزل من السلالم ، وسالتها عن الذي حصل، فقالت دون ان تلتفت نحوي .. بان صاحب الفندق كلب وحقير..
فذهبت الى الرجل وتشاجرت معه شجارا قويا ، وتركت العمل بالفندق ..
جئنا ، انا وسعيد مشيا على الاقدام ، وفي الموعد المقرر ، لكي نتسلم جوازات السفر من جمال .. بعد ان تركنا كلا من سلام وظفار ينتظران في البيت الذي يسكن فيه سعيد ..

وسعيد يسكن في بيت كبير.. ذلك البيت كان مخصصا للمستاجرين من الرجال العزاب واكثرهم من المصريين ، ولا اعرف ان كان سعيد قد استاجرغرفة فيه ، ام انه فقط استاجر مكانا للنوم على سطح المنزل ..
يقع البيت في اخر شارع الجمهورية على ما اذكر، وبقربه كانت هناك دارا للسينما اسمها غرناطة ، ولاني لا اعرف مناطق بغداد جيدا ، فلا استطيع ان اؤكد ماقلت بشكل دقيق .. ويضيف حميد ويقول ..
- رغم اننا كنا نشعر بالارتياح لهذه العملية ، نتيجة للثقة التي استطاع جمال ان يوفرها لنا بشخصه ، لكن ، ومع ذلك ، فقد كان قلقنا يزداد ، كلما اقتربنا من المكان الذي سنلتقي فيه ..
دخلنا نحن الاثنان الى سوق الشورجة ، ومن بوابته ، التي تقع باتجاه شارع الجمهورية .. وكان علينا ان نقطع الشورجة ، حتى البوابة التي تطل على شارع الرشيد ، حيث هناك موعدنا مع جمال ، في مقهى صغير تقع في مدخل السوق مباشرة ، وهي ليست مقهى بمعنى الكلمة ، وانما كان مكان لبيع الشاي فقط ، يحتوي على طاولة وثلاثة او اربعة كراسي ..
بدت الشورجة في ذلك النهار، تعج بالباعة والمتبضعين ، وتزدحم فيها كل اصناف العربات ، التي يجرها الاطفال والشيوخ باجسادهم المنهكة ووجوههم المجعدة ، وكذلك الذين يحملون اثقالا هائلة على ظهورهم، اولئك الذين يطلق عليهم صفة ( الحمالين ) ، وبالتاكيد بينهم الكثير مثلنا ، من الهاربين من ملاحقة اجهزة السلطة القمعية ..
مازال حميد يروي القصة .. محاولا ان يعصر ذاكرته بشدة ، لكي لايترك منها اي حدث ، مهما كان عابرا او صغيرا ، يمكن بعد ذلك ، ان يؤثرفي كشف الحقيقة كاملة ..
- قبل ان نصل الى مكان الموعد ، بحوالي ثلاثين او اربعين مترا ، طلبت من سعيد ان يبقى هناك .. وان يتوارى وسط الزحام ، ويراقب الموقف من بعيد .. وان اذهب وحدي ، لكي اقابل جمال .. كما طلبت ان تبقى المائة دينار معه كذلك..
تركت سعيد وذهبت باتجاه المقهى .. وكنت ارتدي قميصا، لونه رمانيا فاتح وبنطلون من موديل ( الجارلستون ) ، وكان شعر راسي طويل وممشط على طريقة ( النكرو ) ، وكنت ايضا ، اربي لحيتي على شكل( كزكوزة ) كما تسمى هناك ..
وصلت الى المكان .. ولا اخفي باني كنت خائفا ، واشتد خوفي عندما رايت جمال ينتظرنا هناك ، وظهرَ وجهه خاليا من الملامح ..
طلب لي شايا ، وقال ..
- اشرب الشاي حتى ياتي بقية الاخوة ..
قلت ..
-لااحد ياتي سواي ..
فاندهش جمال من كلامي .. وسالني بانفعال لاداعي له ..!
- كيف لااحد ياتي .. الم نتفق على ان تاتون انتم الاربعة ..؟!
تناولت استكان الشاي من بائعه .. وتطلعت في وجه جمال .. لم اراه من قبل بهذه الصورة .. فقد كان يتحدث معي بكلمات متعثرة ، وعينيه تحدقان في مكان اخر ، وكان مرعوبا اكثر مني .. !
لايمكنني ان اصف احاسيسي بدقة ، في تلك اللحظة الزمنية العجيبة ..
اهتز استكان الشاي من ارتعاشة اصابعي ، ووضعته على الطاولة ، دون ان ارتشف منه شيئا ، وكنت متيقنا ولاادري كيف ، باني وقعت في الفخ لامحال..
ثم قلت الى جمال بلهجة اخرى..
- نحن رفضنا فكرة السفر بطريقة التزوير .. فليس هناك مايبرر ذلك .. ليس لدينا مشاكل هنا ، ورأينا بان نقوم باجرءآت اصولية للحصول على جوازات سفر حقيقية ..
ورغم قناعتي ، بان ماقلته لاينفع بشئ ، لكني لم اجد ، غيرهذا شيئا يقال في ذلك الوقت ..
كان كل شئ يمر بسرعة خاطفة ، فكل الحديث الذي جرى بيني وبين جمال لايتجاوز الدقيقتين على الاكثر..حين وضع احدهم كفهُ الثقيل على كتفي .. ولم اندهش او استغرب ..التفتُّ نحو ذلك الوجه ، فوجدته ممتلئا بالقسوة واللئم والكراهية ..وجه رجل قوي ومفتول العضلات .. قال لي ..
- هويتك ..
- تفضل ..
ناولته دفتر الخدمة العسكرية ، الذي كان في حوزتي ، ويحمل اسمي ،اي اسم حميد ، وقد خدمت بالجيش لاكثر من ثلاثة سنين وتسرحت منه دون اية مشكلة ..
لكن ذلك الدفترلم يكن لي ، فقد استبدلت صورة صاحبه بصورة لي اخذتها من دفتري الحقيقي بحيث تطابقت معه تماما ، واصبح من الصعب اكتشاف التزوير فيه في الوهلة الاولى ..
تمسك رجل الامن بقوة ، بذراعي .. بعد ان تصفح دفترالخدمة بسرعة .. وفي ذات الوقت جاء اخر يشبهه في قوة البنية وتمسك بذراعي الاخرى وتسائل من الاول .. عن ، ما اذا كنتُ هاربا من الجيش ام لا .. فرد الاول قائلا .. ان دفتره صحيح وقد تسرح من العسكرية ..
فدار بيني وبينهما الحديث التالي ..
- اين جماعتك ؟..
- لااعرف .. انا لا اسكن معهم ..
- اين يسكن سلام وظفار وكيف تلتقي معهما ؟..
- لااعرف هذين الاسمين ولم التقي بهما ابدا ؟..
- اذا كان دفترك صحيح ، ولم تكن هارب من الجيش ، فلماذا تريد السفربهذه الطريقة ؟..
- انا لااريد السفر وانما جمال هو الذي اغراني على ذلك ، وأدعى بأني، إن سافرت ، سوف احصل على عمل افضل من عملي في هذا الفندق ..
كل ذلك كما ذكرت ، لم يستغرق سوى دقائق قليلة جدا .. وكانوا يوجهون لي الاسئلة ، ويجرونني حيث لاادري ، واسئلتهم لاتخلو من الاهانة والشتم والسخرية..
- الى اين تاخذوني ؟ .. صرخت .. لم ارتكب جريمة ، لقد تخليت عن فكرة السفر ، ولن اغادر العراق ..
- مع ذلك عليك ان تاتي معنا ..
اقتادوني حتى وصلنا الى اقرب نقطة ، تربط مدخل سوق الشورجة برصيف شارع الرشيد ، وهو المكان الاكثر ازدحاما بالناس .. وهناك قررت ان اهرب منهما ..
ورغم اني استطعت ، ان افلت ذراعاي منهما ، لكنهما يبدو كانا على استعداد لذلك ..فكانت محاولتي فاشلة ، وكان رد الفعل انتقاميا ..فلا ادري من اين جاء هذا الجمع واين كان يختفي .. اكثر من عشرة رجال التفوا حولي .. ( ومنين ماتجيك ) .. ( كل اشكال البوكسات المتمرسة وكل انواع الرفسات والدفرات) ، وفي كل مكان من جسدي .. وكنت اصرخ باعلى صوتي ..
- مامسوي شي .. ياناس ياعالم ، اخذوني الامن .. حتى وقعت على الارض وكان الدم يسيل من فمي وانفي ، وسحلوني وسط الناس واركبوني واحدة من ثلاثة سيارات ، كانت واقفة على رصيف شارع الرشيد ..

يتبع

¤ الجزء الثاني

¤ الجزء الأول