|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الجمعة  9 / 8 / 2013                                 د. كاظم حبيب                          كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 


 

"أنا" النرجسية المرضية لدى رئيس وزراء العراق!!

كاظم حبيب

إذا كان الشك، ولو قليلاً، قد لازم البعض من القارئات والقراء بما كتبته عن "دولة" رئيس وزراء العراق في مقالاتي السابقة، فأجزم بأن هذا البعض قد تيقن الآن تماماً بما كنت أكتبه عنه وعن سياساته وعواقب ذلك، وخاصة بعد اللقاءات والتصريحات الأخيرة، بما فيها اللقاء الأخير الذي عقده رئيس الوزراء مع بعض الاقتصاديين والسياسيين والصحفيين العراقيين وكانوا قلة. وأقول بملء الوعي والقناعة "إذا كان حاكم العراق السابق مأساة فعلية, فحاكم اليوم مأساة ومهزلة في آن واحد!!!
هل استمعتم إليه وهو يتحدث عن نفسه: عشرات المرات وردت كلمة "أنا" في جلسة قصيرة في حديث لا يزيد عن دقائق معدودات. هذه الـ "أنا" جاءت لتقارن نفسها بـ "الآخر", وهي تعني ضمناً ذلك. فأنا المؤمن وأنا الذي فعلت وأنا الذي سافرت إلى البصرة, وانا الذي لم أنم الليل كله, ولكن الآخر لم يفعل كل ذلك!

أنا ابن جلا وطلاع الثنايا      متى أضع العمامة تعرفوني

هل تعرفون من قال ذلك, إنه الحجاج بن يوسف الثقفي الذي قال أيضاً "أرى رؤوساً قد أينعت وحان قطافها..." هذه الـ "أنا" تجسد لنرجسية غير اعتيادية، نرجسية مرضية مهلكة. فماذا تعني النرجسية المرضية؟ إنها عشق الذات, إنها الحب الذي سار بالاتجاه الخطأ, إنها الذاتية القاتلة, إنها جنون العظمة, إنها الغرور المتضخم, إنها القناعة بأنه الوحيد القادر على كل شيء بخلاف الآخرين غير القادرين على شيء، إنها ترى في أعمالها منجزات، وليست الجوع والحرمان والفساد والإرهاب، إنها تحول الانكسارات والخسائر إلى انتصارات ومكاسب، إنها مركب نقص متفاقم، إنها الكارثة على الشعب حين يكون الحاكم المستبد بأمره مصاباً بهذه النرجسية المرضية القاتلة، إنها المشكلة التي يواجهها الشعب في المرحلة الراهنة.

كان الأستاذ باسم جميل أنطوان صريحاً وواضحاً في ملاحظاته النقدية الجادة, وذكرني المتحدث الثاني بمساحي الچوخ أو لماعي صورة رئيس الوزراء غير القابلة للتلميع وواعظ لا يعي ما يعظ به من شدة حماسته وانتهازيته.

قال الخبير الاقتصادي الأستاذ باسم جميل أنطوان كنا نسعى منذ سنوات لكي يتحقق مثل هذا اللقاء ولم نفلح! والسؤال المشروع الذي يتبادر للذهن هو: لماذا لم يحصل إلَّا الآن, ولماذا طلب رئيس الوزراء نفسه تنظيم هذا اللقاء في هذه الفترة؟ الجواب لا يحتاج إلى ذكاء خاص, إنه واضح، لم يكن بحاجة قبل الآن، ولكنه وبعد انتخابات مجالس المحافظات ونتائجها بحاجة ماسة لهم، فالانتخابات العامة على الأبواب, ولأن نجمه آخذ بالأفول رغم نرجسيته، ولأن حصيلة أعماله تشكل مأساة ومهزلة في آن واحد, رغم حديثه البائس عن النمو بالعراق وهو نمو في موارد النفط يا سيد العارفين بالاقتصاد وبكل شيء!!

لقد استمعت بإصغاء إلى الأستاذ باسم جميل أنطوان وهو يتحدث عن مشكلات الاقتصاد الوطني وعن هموم الناس وعن أوجاعهم, عن الفشل في توفير الكهرباء للناس بعد عشر سنوات, مع العلم إن النظام السابق ورغم الضغط والحصار والمشكلات الكبيرة استطاع أن يعيد بناء الكثير في فترة قصيرة, هكذا ذكره ليعي واقعه. أشار السيد أنطوان إلى مشكلة السكن والحاجة إلى 3 ملايين وحدة سكنية وحالة الناس البائسة، إلى مشكلة الصناعة والزراعة وغياب الاستثمار فيهما وعدم دعم القطاع الخاص ليساهم في التنمية، غياب التنمية أصلاً، أشار إلى المنافسة القاتلة من جانب السلع الأجنبية المستوردة للسلع المنتجة محلياً أو منعها عملياً لأي استثمار في الصناعة والزراعة عملياً، طرح عن البطالة المتفاقمة والفقر الواسع, والفساد المهيمن، وتحدث بشكل غير مباشر عن البطالة المقنعة دون أن يذكرها بالاسم. لقد وضع الأستاذ باسم جميل الأمور في نصابها في الجانب الاقتصادي والاجتماعي, وهي تجسيد للحالة السياسية باعتبارها الخلفية المتسببة في كل ذلك. وكان الحاكم بأمره يسجل ملاحظات لما كان يقوله الاقتصادي. وقد ذكرني ذلك بما كان يمارسه صدام حسين حين كان يسجل ملاحظات من يتحدث, ولكن في قرارة نفسه كان يشتم الطرف المقابل, فهل مارس رئيس وزراء العراق نفس ما كان يمارسه صدام حسين.

لقد انطلق الرجل, وهو خالي الوفاض من أي منجزات خلال السنوات الثماني المنصرمة, عدا زيادة استخراج وتصدير النفط الخام ويعتبر ذلك منجزاً كبيراً في حين نسلى وتناسى أهمية إقامة مشاريع لتصنيع النفط, وقدم له مقارنة بين عوائد النفط الخام وعوائد تصنيعه, ومنها الصناعات البتروكيمياوية, انطلق لا ليجيب عن ملاحظات الأستاذ أنطوان بل ليتحدث عن بطولاته ومنجزاته بالبصرة في العام 2008. وكيف نصحوه بأن لا يسافر، ولكن الفارس المغوار والبطل الهمام قرر السفر، كيف لا يسافر وهو المنقذ الذي أرسله الله للشعب العراقي كما أرسل قبل ذاك صدام حسين.. ولم تنقطع ألـ "أنا" عن لسانه.. ثم أنا.. وتبعتها أنا... أنا سافرت وأنا قلت وأنا عملت وأنا اعتقلت... حتى الحاكم المستبد بأمره صدام حسين لم يستخدم هذه الأنا القاتلة بهذه الكثرة في لقاء واحد, لو حاول المشاهدون تعدادها لوصلت إلى ستين مرة أو أكثر. ثم جاءت الـ "أنا" في موقع آخر: أنا المؤمن, أنا المجاهد، أنا مؤمن منذ صغري، أنا جدي محمد حسن أبو المحاسن ممثل المرجعية في كربلاء ووزير معارف اسبق، ولكن يا رئيس الوزراء العراق, يا رجل اتقي ربك في ما تقول:

إن الفتى من يقول ها أنا ذا        وليس الفتى من يقول كان أبي

كلما كثرت تصريحات ومؤتمرات وخطب "القائد المغوار" حفظه الله ورعاه!, كلما ازدادت الأخطاء التي يرتكبها, أأدرك ذلك أم لم يدركه, وهو في الغالب الأعم لا يدرك ذلك, فالنرجسي لا يعي أحياناً ما يقوله لأنه سكران وغائب بمكاسبه عن الوعي بحب ذاته. إن هذه النرجسية المرضية ليست بلعنة على الرجل ذاته بقدر ما هي لعنة على هذا الشعب المستباح بحزب الدعوة الإسلامية وقائده "المؤمن".

أتمنى أن يكتشف الشعب بسرعة الكارثة التي ابتلي بها قبل فوات الأوان وقبل تعرضه لمزيد من الآلام والمصائب، فالنرجسي لا يترك المقعد الذي استولى عليه في غفلة من الزمن بسهولة، بل قالها هو "أخذناها بعد ما ننطيها, هو أكو بعد واحد يگدر يأخذها", لا مو بالحيف عليكم! هل یتذکر رئيس وزراء العراق الحالي ما كان صدام يردده باستمرار "جئنا لنبقى"، فأين هو الآن؟؟!!


7/8/2013

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter