|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الخميس  7 / 8 / 2014                                 د. كاظم حبيب                          كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 


 

الإيزيديون العراقيون كانوا وما زالوا ضحية التشدد الديني والطائفية والتكفير!

كاظم حبيب

حين يتصفح الباحث كتب التاريخ حتى الوقت الحاضر سيجد ثلاث ظواهر رافقت حياة أتباع الديانة الإيزيدية بالعراق والدول المجاورة نشير إليها فيما يلي :
1. تعتبر الديانة الإيزيدية في هذه المنطقة من العراق وإيران وتركيا واحدة من أقدم الديانات التي ظهرت في هذه المنطقة وكانت مرافقة للديانات التي ظهرت في العراق القديم، وأعني بها المندائية، الحرانية، الإيزيدية والمانوية، ومن ثم ظهور ديانات أخرى كالزرفانية والسرادشتية على سبيل أمثال لا الحصر. ويعود تاريخها إلى العهد السومري في بلاد ما بين النهرين (ميزوبوتاميا)، فهي ليست ديانة طارئة أو حديثة العهد، كما إن أتباعها ليسوا طائفة منشقة عن الإسلام أو عن أي دين آخر، كما حاول حكام الدولة العثمانية أو مجموعة من شيوخ الدين المسلمين أو اعتبارهم أتباع يزيد بن معاوية لتأليب أتباع المذهب الشيعي ضدهم باعتبار يزيد بن معاوية هو الذي أمر بمحاربة الحسين بن علي بن أبي طالب وصحبه. ولكن الديانة الإيزيدية، رغم انغلاقها على نفسها، تلاقحت دون أدنى شك مع ديانات أخرى وبشكل خاص مع المانوية والزرادشتية أو حتى مع الديانة الإسلامية أو المسيحية. ولقد تسنى لأحفاد هذه الديانة على مرّ العصور أين يقاوموا نوائب الزمن ويتحملوا الكوارث التي مرت بهم رغم أهوالها المريعة والموت الجائر الذي اختطف الكثير جداً منهم. وهم بعد هذا وذاك يشكلون جزءاً من الشعب الكردي أو الأمة الكردية. وأتباع هذه الديانة يؤمنون بالثنائية المتجسدة في وحدة الله أو الخالق.

2. تعرضت هذه الديانة إلى التشويه والإساءة من جانب المتشددين على امتداد التاريخ. والديانة الإيزيدية ديانة مغلقة على نفسها، كما إنها ليست تبشيرية، مما سمح للمتشددين من أديان أخرى التشويش عليها الإساءة لها بمحاولة تشويه أسس الديانة، رغم النهج المسالم لأتباع هذه الديانة وعدم التعرض بالإساءة للديانات الأخرى أو لأتباعها. وأغلب الإساءات التي لحقت بهم جاءت من الحكام المسلمين أو المجموعات الدينية المتشددة ومن شيوخ دين مسلمين متشددين وبعض شيوخ الدين أو الباحثين المسيحيين المتشددين، وبشكل خاص في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين.

3. تعرض أتباع هذه الديانة المسالمة إلى الملاحقة والتشريد والتهجير وتنظيم المجازر الدموية ضدهم بدعوى أنهم مرتدون عن الإسلام أو عبدة أبليس وما إلى ذلك من التشويهات لغرض تعبئة الناس ضدهم ومنع التعامل معهم أو الدفاع عنهم.

إذا كان تاريخ الإيزيديين بالعراق والدول المجاورة مليء بالمصاعب والمحن، فأن معاناة أتباع هذه الديانة في المرحلة الراهنة تعيد إلى الأذهان ومن جديد ذلك التاريخ المؤلم والحافل بالتشريد والقتل والاستيلاء على الأراضي وفرض التحول من الديانة الإيزيدية إلى الدين الإسلامي ...الخ. إلى الجور المستمر الذي تعرضوا له وما زالوا يعانون منه حتى الآن. فمنذ سقوط الدكتاتورية الغاشمة ببغداد 2003 حتى الآن عانى الإيزيديون من سكان الموصل وأقضيتها ونواحيها وقراها صنوف العذاب واعتراض العمال وقتلهم أو تفجير السيارات بهم، والتي أدت إلى هجرة نسبة عالية منهم إلى الخارج أو الانتقال للعيش في مناطق إقليم كردستان. وذات المعاناة واجهت وما تزال تواجه أتباع الديانات الأخرى، وخاصة المسيحيين والصابئة المندائيين والشبك أو حتى القتل على الهوية من جانب المليشيات الطائفية المسلحة والقاعدة وغيرها لأتباع المذهبين السني والشيعي. وبسبب هشاشة الدولة العراقية وطائفية النظام السياسي والمحاصصة الطائفية وصراع الطوائف المرير ودور المليشيات الطائفية المسلحة، تعرض الشعب العراقي بكل مكوناته للمزيد من العذاب والتشريد والتهجير والقتل. ولكن ما حصل منذ التاسع من حزيران كان الأسوأ في هذه السنوات التي أعقبت سقوط الدكتاتورية. فقد سقطت الموصل في أيدي تنظيم الدولة الإسلامية الفاجرة وخُيّر المسيحيين من أهل الموصل بين التحول عن دينهم إلى الدين الإسلامي بالقسر أو الهجرة أو القتل. وعليه هُجّر عشرات ألوف المسيحيين إلى إقليم كردستان العراق. ثم جاء دور الشبك (أهل الحق) وهجّر الآلاف منهم أيضاً صوب وسط العراق وتعرض المئات منهم للموت على ايدي القوى التكفيرية المجرمة.

ومنذ عدة أيام استطاع القتلة أعضاء تنظيم الدول الإسلامية السيطرة على مدن زمار وسنجار التابعتين لمحافظة الموصل إدارياً، والتي كانت تحت الحماية الكردستانية، اجتياحها وانسحبت قوات البيشمركة بتخاذل غريب، مما وضع أهالي زمار وسنجار على نحو خاص تحت رحمة القتلة الأوباش مما دفع بهم إلى الهروب صوب الجبال. وهم الآن مطوقون بقوى داعش,

والمعلومات التي تردنا وما نشر عبر أجهزة الإعلام المحلية والعالمية تشير إلى مآسي رهيبة تتعرض لها العائلات الإيزيدية. وما نشرته جريدة طريق الشعب يؤكد ذلك :
فقد "ذكر رئيس الجمعية الإيزيدية الاجتماعية بدل إلياس خضر لـ"طريق الشعب"، إن"الأخبار التي وصلتنا، هي خطف الجماعات الإرهابية لأكثر من 300 فتاة من سكنة قضاء سنجار"، مبيناً بالقول إن "داعش تحتجزهن الآن في منطقة ما قرب مطار تلعفر".
وأوضح خضر إن "26 ألف عائلة محاصرة الآن في سنجار، فتنظيمات داعش أحاطت بهم بالكامل، ولا يمكن أن يفكروا بمغادرة الجبال تجاه أي منطقة"، منوهاً إلى أن"مسلحي داعش استولوا على جميع مدخرات العوائل في سنجار، وسرقوا رؤوس الماشية والجرافات الزراعية والآليات الزراعية، والمحاصيل التي كانت ستسوق لاحقاً".

كما أكدت النائبة فيان الدخيل، وهي مليئة بالمشاعر الإنسانية المرهفة والحزن الشديد، إلى أن العائلات الإيزيدية تتعرض إلى أبشع أنواع الإبادة على يد مسلحي داعش في مناطق سنجار، جاء ذلك أثناء مؤتمر صحفي عقدته في مبنى مجلس النواب العراقي ببغداد، إذ قالت: "إن أكثر من 500 إيزيدي ذبحوا على أيدي داعش فضلا عن سبي 500 امرأة إيزيدية، أخذهن مسلحو داعش كجواري وهن مسجونات في أماكن قريبة من تلعفر"، داعية "الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم إلى تخليص الإيزيديين من الوضع الإنساني السيئ الذي هم فيه الآن".

وتابعت السيدة دخيل إن "الوضع الأمني أدى إلى تهجير 30 ألف عائلة من سنجار"، مشيرة إلى "موت 70 طفلا و100 شيخ وامرأة بسبب الوضع الإنساني السيئ الذي يعيشونه حاليا".

إن العراق يشهد اليوم جريمة إبادة جماعية وضد الإنسانية ترتكبها عصابات الدولة الإسلامية الفاجرة ضد الإيزيديين، إضافة إلى ما جرى ويجري ضد المسيحيين والشبك الذين قتل منهم أكثر من مئة شخص وهجروا من مناطق سكناهم إلى وسط العراق. كما جرى تدمير واسع النطاق لبيوت العبادة للمسيحيين والشبك والإيزيديين.

إن هذه الكارثة الإنسانية الخانقة تتطلب مجموعة من الإجراءات العاجلة التي لا تقبل التأجيل بغض النظر عن العلاقات السياسية المتوترة جداً بالبلاد بسبب إصرار رئيس الوزراء الحالي ببغداد على ولاية ثالثة وسياساته الطائفية التي مزقت العراق والمرفوضة من غالبية الشعب العراقي ومن الكتل البرلمانية والقوى السياسية. ومن بين أهم تلك الإجراءات :
1. التنسيق العاجل بين الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم عسكرياً وأمنياً لمواجهة قوات تنظيم الدولة الإسلامية الفاجرة وكسر شوكتها وطردها من الأراضي العراقية واستخدام الأسلحة المتوفرة كافة لمنع بقاء هؤلاء القتلة يدنسون الأرض الطيبة ويقتلون أهلنا.

2. توفير الحماية السريعة لكل الهاربين في جبال سنجار والمناطق المحيطة بها وتوفير الطعام والماء وما هو ضروري لإنقاذ حياة الناس، وخاصة النساء والأطفال والشيوخ والمرضى.

3. العمل السريع والجاد لإنقاذ النساء المسبيات من قبل التنظيم الإجرامي والمعرضات للاغتصاب والبيع كرقيق أو حتى للموت على ايدي هؤلاء القتلة.

4. الطلب من الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي والمنظمات الإنسانية والرأي العام العالمي توفير الدعم السياسي من جهة، والدعم المادي اللازم للإقليم للنهوض بما ألقي عليه من مهمات استثنائية في المرحلة الراهنة من جهة ثانية. إن الوضع الراهن لا يشير إلى قدرة الحكومة العراقية أو حكومة الإقليم على تجاوز المحنة، وبالتالي لا بد لمجلس الأمن الدولي من التفكير السريع والعملي لدعم الجهود العسكرية والأمنية لطرد الغزاة من أرض العراق.

5. إنهاء الحصار المالي الراهن على إقليم كردستان من جانب الحكومة العراقية، إذ إن هذا الإجراء الظالم سيلحق أضراراً أكبر وفادحة في هذه الفترة الحرجة من الصراع والمعارك الدائرة بين قوات الپيشمرگة وقوات تنظيم الدولة الإسلامية الفاجرة,

6. الدعوة العامة للرأي العام العالمي إلى تنظيم احتجاجات ومظاهرات ضد الغزاة بالعراق في جميع أنحاء العالم، وتبني الجاليات العراقية لهذه المهمة الكبيرة في الوقت الحاضر، إضافة إلى تنظيم المظاهرات التضامنية مع المسيحيين والإيزيديين والشبك وغيرهم من الشعب العراقي في جميع أنحاء العراق والمطالبة بحل الأزمة السياسية التي تعرقل وتعطل القدرة على إبعاد قوى الإرهاب الداعشي عن أرض وشعب العراق.

7. تنظيم حملة جمع تبرعات في جميع أنحاء العالم لصالح النازحين الذين يتعرضون لأوضاع استثنائية مهينة وتعرض حياتهم للمخاطر الكبيرة.

8. وأخيراً وليس آخراً تقديم كل القادة العسكريين من قوات الجيش العراقي الذين تخاذلوا وانسحبوا هاربين أمام قوات داعش التي غزت واجتاحت الموصل وكذلك قادة الپيشمرگة الذين تخاذلوا وانسحبوا من سنجار وتركوا سكانها دون حماية.

إن نساء ورجال وأطفال وشيوخ وطننا العراق المستباح والمبتلى، إن أتباع الديانة الإيزيدية في سنجار وغيرها، إنهم يواجهون اليوم الدوس على الكرامة والاغتصاب ويحاصرهم الموت من كل مكان على أيدي القتلة الفاشست، على أيدي داعش، فحري بنا جميعاً أن نعمل بحمية وشهامة دفاعاً عنهم وعن المسيحيين والصابئة والشبك وغيرهم من بنات وأبناء الوطن. حري بنا أن نتضامن معهم وأن المجتمع الدولي للتضامن معهم.

 

7/8/2014
 


 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter