|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الثلاثاء  7 / 4 / 2015                                 د. كاظم حبيب                          كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

ما المعنى الحقيقي للسعادة؟

كاظم حبيب 

حين كنا نسير معاً أثناء قطعنا الطريق الطويل الممتد بين ناوكان / ناوزنگ (مقر المكتب السياسي والقيادة العسكرية) على الحدود العراقية الإيرانية ومقر قاطع بادينان في باهدينان على مقربة من قرية يك ماله على الحدود العراقية التركية في العام 1982 ضمن مفرزة يقودها الرفيق الطيب الذكر والشيوعي الفقيد أبو جوزيف (توما توماس)، الذي يعتبر أسطورة نضالية مقدامة في حياة المنطقة والشيوعيين، كنا نتحاور في قضايا كثيرة منها الحنين لسنوات الطفولة وفترة المراهقة وأيام الدراسة والسجن والإبعاد، سنوات النضال والمظاهرات في الخمسينات من القرن الماضي، وبعضها مس حاضرنا وما كان يجري بالعراق حينذاك وحروب النظام البعثي الصدّامي والاستبداد الدموي وما يعاني منه الشعب على امتداد السنوات المنصرمة من حكم البعث ، أو عن حياة الأنصار ونضالهم المسلح ضد الدكتاتورية مع بقية الفصائل الكردية المسلحة (الپيشمرگة) والمصاعب والمشكلات التی تواجهها...الخ.

ونحن في هذا الحوار الممتع الذي يسهل علينا قطع هذا الطريق الجبلي الوعر الذي امتد أثنى عشر يوماً بلياليها، سألني رفيقي في النضال وبدون مقدمات : ماذا تعني لك السعادة رفيق أبو سامي ؟ قلت له : للسعادة أوجه كثيرة في حياة الإنسان ، وغالباً ما يختلف الناس في ما بينهم حول مفهوم السعادة ومضمونها ، فهي لزيد غير ما لعمر مثلا. وربما بالنسبة لك ولرفاق آخرين غير ما هي بالنسبة لي. ولكن سؤالك موجه لي تحديداً : ماذا تعني السعادة بالنسبة لي ؟ قلت بقناعة تامة : "سعادتي تكمن في امتلاكي لحريتي كما تكمن في نضالي من أجل حرية الآخرين". وبهذا المعني فـ"الحرية هي إدراك الضرورة".

كان هذا الجواب، كما اعتقد، يرافق كل المناضلات والمناضلين ضد الدكتاتورية والظلم ومصادرة الحرية الفردية والحريات العامة. وقد فقد الكثير من المناضلات والمناضلين الشجعان حياتهم في خضم هذا النضال النبيل، وهم ما زالوا في ريعان شبابهم. ولم يكن استشهاد الكثير من الشيوعيين والوطنيين الديمقراطيين العلمانيين والعقلانيين حالة عبثية، بل كانت تستهدف الخلاص من الاستبداد والجور والظلام وتنسم رياح الحرية والأمن والاستقرار والتقدم .

قال شاعر العرب الكبير محمد مهدي الجواهري :

لثورة الفكر تاريخ يذكرنا    بألف ألف مسيح دونها صلبا

أو كما قال الشاعر الكبير أحمد شوقي  :

وللحرية الحمراء باب     بكل يد مضرجة يدق

رافقني هذا الجواب المباشر طيلة السنوات والعقود التالية, وسيبقى معي ما دام الوعي فاعلاً. وكان هذا الجواب سبباً في سعي للمشاركة المكثفة في منظمات عاملة في إطار المجتمع المدني مثل منظمة العفو الدولية في الثمانينات والمشاركة في تشكيل منظمة الدفاع عن حقوق الإنسان في الدول العربية / ألمانيا (أومراس) أو منظمة الدفاع عن حقوق الإنسان بالعراق / ألمانيا (أمريك) في التسعينات من القرن الماضي، أو المشاركة في تشكيل التجمع العربي لنصرة القضية الكردية أو هيأة الدفاع عن أتباع الديانات والمذاهب في العراق بعد إسقاط الدكتاتورية بالعراق عام 2003، على سبيل المثال لا الحصر.

وكان الدافع الرئيسي للكثير من المناضلين في هذه المجالات هو الدفاع عن المبادئ التي تضمنتها اللائحة الدولية لحقوق الإنسان وكذلك العهود والمواثيق الخاصة بشرعة حقوق الإنسان التي صدرت بعد تلك اللائحة حتى الوقت الحاضر، وهي قرارات واتفاقيات وعهود ومواثيق كثيرة جداً، منها ما هو إقليمي ومنها ما هو دولي، وهي تمس مختلف جوانب حياة الإنسان، سواء أكان ذكراً أم أُنثى.

البعض ممن التحق بهذه المنظمات لم يكن يعي مبادئ حقوق الإنسان أو لم يكن قد تعرّف عليها أو لم يمارسها في حياته اليومية ومع أفراد عائلته بل انجر إليها بحكم الموضة (المودة عراقياً)، فالتربية المجتمعية في بلدان مثل العراق وجميع الدول العربية دون استثناء وباكستان والكثير من الدول النامية لا تساعد على فهم أو استيعاب مناسب لمبادئ حقوق الإنسان. فما يسمح الذكر لنفسه أن يمارسه لا يجد مناسباً أن يمارسه ابنه أو ابنته على نحو خاص. فمن حق الشاب القاطن في أوروبا أو الغرب عموماً أن يصادق فتاة غربية مثلاً، ولكن غير مسموح لأخته أو لابنته أن تصادقا رجلاً أجنبياً أو حتى عربياً. وكثيراً ما أدى حصول ذلك إلى اغتيال الأخت أو البنت. وكثيراً ما نقرأ في الصحافة الأوروبية وقوع حوادث اغتيال لهذه الفتاة أو تلك بين العائلات التركية أو العربية أو غيرهما بسبب شكوك أو وجود علاقة صداقية مع رجل أجنبي مثلاً.

لا شك في إمكانية تروض النفس والتطبع لمن يعمل في هذه المجالات ويتغير باتجاه وعي مضمون حقوق الإنسان وأهمية ممارستها في عائلته ومع الآخرين. ولكن في الوقت ذاته نلاحظ وجود عشرات ألوف العراقيين مثلاً الذين عادوا إلى الوطن بعد إسقاط الدكتاتورية وتخلوا عما تعلموه في مجال احترام حقوق الإنسان في أوروبا ليمارسوا الطائفية المناهضة تماماً لحقوق الإنسان، سواء أكان الشخص سنياً أم شيعياً، ليمارسوا التمييز بين المواطنين على أساس الهوية الدينية أو المذهبية. ويروي عراقيون حكايات مؤلمة عن مثل هؤلاء الأشخاص الذين لم يتعلموا شيئاً من حضارة أوروبا وعقلانيتها ونسوا كل ذلك بعد أن عادوا إلى وطنهم..

وكان دافع البعض القليل ممن التحق بهذه المنظمات الإنسانية ذات الأهداف النبيلة هو التطلع إلى موقع اجتماعي أو نفوذ أفضل وإلى بروز اسمه وصورته في أجهزة الإعلام والإشادة بالنفس وإرضاء النرجسية الذاتية. وحين لا يجد هذا البعض الفرصة في مجال ما تراهم يبتعد عن هذه المجالات ويلتصق بمجال يوفر له مثل هذا التطلع الذاتي. ويمكن أن يتساهل الإنسان في مواجهة مثل هذه الحالة حين لا يؤثر هذا السلوك على وجهة العمل الإنساني وأهدافه وأن لا يحاول الشخص رفع قامته أعلى من قامة العمل ذاته لصالح الإنسان الآخر الذي يعاني من الظلم والاضطهاد والحرمان. وغالباً ما يبتعد هؤلاء الناس عن هذه المنظمات حين لا يفوزون بالثقة الكافية من الناخبين لهم في منظماتهم، وبالتالي يتذرعون بشتى السبل لعرقلة العمل ووضع العصي في طريق الآخرين. إن مثل هؤلاء الأشخاص يفترض أن لا يكون لهم مكاناً في صفوف هذه المنظمات لأن العواقب سيئة وسلبية.

المنافسة في العمل في مثل هذه المنظمات جيدة حين تتوجه صوب تقديم الأفضل لصالح الإنسان المقصود في أهداف هذا النضال وليس بقصد الوصول إلى المناصب فيها أو تركيز أكبر عدد ممكن من المهمات بيد شخص واحد، بحيث يضعف العمل الجماعي والمشاركة الضرورية. كما يفترض عدم احتكار العمل القيادي في هذه المنظمات بل لابد من إجراء تطعيم دائم بين شيوخ العمل أو المجربين منهم وبين الشبيبة من النساء والرجال لمنحهم الفرصة الكافية والمناسبة ليمارسوا دورهم بما يملكوه من حيوية ومبادرة وإبداع وتجديد. إن التطعيم المستمر بين الأجيال في قيادات هذه المنظمات ضرورة ملحة لمواصلة العمل والتجديد والمبادرة والإبداع وتحقيق الأهداف.

إن المرحلة الراهنة مليئة بالصعاب والتعقيدات بسبب طبيعة النظام السياسي السائد من جهة، وبسبب الاجتياح الذي تعرض له العراق في صيف العام 2014 وما يزال قائماً حتى الآن واستباحة مكونات الشعب العراقي الدينية والمذهبية من جانب قطعان داعش المجرمة ومن تعاون وتحالف معها من قوى إجرامية من جهة أخرى. ولكن المرحلة القادمة التي تلي الانتصار على هذه القطعان المتوحشة ستكون أكثر صعوبة وتعقيداً وتشابكاً، وكما أطلق عليها الزميل نهاد القاضي، أمين عام هيئة الدفاع عن أتباع الديانات والمذاهب في العراق، وعقيلته السيدة الدكتورة فيان عبد العزيز، "أزمة ما بعد الأزمة"، والتي سوف تستوجب المزيد من الفاعلية لمنظمات المجتمع المدني، ومنها منظمات حقوق الإنسان وهيأة الدفاع عن ابتاع الديانات والمذاهب في العراق أو التجمع العربي لنصرة القضية الكردية، وعقد المؤتمرات وتوسيع الإعلام ضد قوى الشر والظلام، ضد قوى التمييز الديني والطائفي والتكفيري.

فلنعمل على شحذ همم الهيئات القيادية وأعضاء ومؤازري هذه المنظمات الإنسانية وتوسيع قاعدة المشاركين فيها والداعين إلى تحقيق مهماتها.

السؤال العادل والمشروع الذي يواجهنا جميعاً هو، كيف يمكن أن يحس الإنسان بالسعادة ويرى أمامه نساءً عراقيات من الإيزيديين والمسيحيين والشبك والتركمان ونساء موصليات مسلمات يتعرضن لكل أشكال الاغتصاب والتعذيب والقتل ؟، إضافة لما تتعرض له أخواتنا النساء الإيزيديات من بيع لهن في سوق النخاسة وكأنهن عبيد على أيدي هؤلاء الوحوش القتلة.

أملك حريتي ولكن ما زلت عاجزاً عن الدفاع عن حرية هؤلاء الناس الأبرياء بالعراق أو العائلات المعذبات عموماً النازحة قسراً من محافظة نينوى ، وبالتالي فأن لا أملك حريتي ولست سعيداً بأي حال.

كيف يمكن أن يشعر الإنسان بالسعادة ويجد أمامه إصراراً عجيباً غريباً على تصفية الوجود المسيحي والإيزيدي والصابئي المندائي بالعراق، ليس من تنظيم القاعدة وداعش فحسب، بل من قوى إسلامية سياسية أخرى ؟

اشعر بالحزن الغاضب لما جرى ويجري بالعراق، وكذلك بسبب السكوت المطبق عن المسؤولين لما حصل ويحصل من جرائم مرعبة، جرائم الإبادة الجماعية والتطهير العرقي والثقافي.

أتمنى على الأخوات والأخوة في المنظمات الإنسانية أن يرفعوا راية النضال عالياً ويزيدوا من حيويتهم ومستوى فعلهم وتشكيل المزيد من الفروع لهذه المنظمات بدول العالم الغربي وبالدول العربية والمدن العراقية للدفاع عن الإنسان العراقي وعن خياراته الدينية والمذهبية والفكرية والسياسية، عن حريته والتي تعني أيضاً سعادته أيضاً أولاً وأخيراً.
 


6/4/2015

 







 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter