|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الأربعاء 6 / 1 / 2016                                 د. كاظم حبيب                          كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

2015 سنة مريرة وعجفاء، فماذا يحمل العام 2016 لشعب العراق؟

كاظم حبيب
(موقع الناس)

مرَّ عام مليء بالمآسي والكوارث والتضحيات، مليء بالبؤس والفاقة والخزائن الخاوية لالتهام الأموال من الفاسدين والمفسدين من الحكام وأشباههم وحواريهم، عام مليء بالوعود الفارغة بالإصلاح والتغيير لاحتواء غضب الجماهير وتصريفه، عام أتى على الكثير من الأخضر واليابس، وانتهى بانتصار أولي مهم في محافظة الأنبار، في معارك الرمادي، حيث انتصرت القوات المسلحة العراقية وبدعم المتطوعين من أبناء العشائر وضربات القوات الجوية العراقية والدولية، فكان الحدث الذي أعاد البسمة القلقة إلى وجوه العراقيات والعراقيين وتمنيات بأن يكون العام الجديد أفضل من سابقه وأكثر رحمة وحناناً على الإنسان العراقي بغض النظر عن قوميته ودينه ومذهبه وعقيدته وفلسفته في الحياة أو الرأي السياسي الذي يقتنع به.

مرّ عام وقبله عام، عام 2014، كان عام الاجتياح والقتل والسبي والاغتصاب وبيع أخواتنا الإيزيديات في سوق النخاسة، عام النزوح والتهجير القسريين والبؤس والحرمان لمسيحيي وإيزيديي وشبكيي الموصل وتركمان تلعفر وأهل الموصل من الشيعة والسنة، مرّ عام على أقامة عصابات داعش دولتها وخلافتها المتوحشة على أرض الموصل وامتدادها في الرقة على أرض سوريا والتي عاثت وما تزال في الأرض فساداً ودماراً وبالناس قتلا وتنشريدا.

السؤال الذي كان وسيبقى يؤرق المجتمع العراقي وكل فرد فيه هو: هل كانت أحداث العام 2014 والاجتياح الداعشي للموصل، ومن ثم لمحافظة نينوى ومناطق أخرى قبل وبعد ذاك، صدفة محضة، أم كانت نتيجة فكر سلطوي تسلطي وطائفي عدواني حاقد وعمل انتقامي جبان، موجه ضد سكان المناطق بروح انتقامية مريضة، المناطق التي همشت عبر سياسات نظام المحاصصات الطائفية وأهملت مطالب أهلها وحاجاتهم الفعلية بفعل سياسات طائفية مقيتة وظالمة ومؤججة للصراعات الطائفية بالعراق؟

ما نشر من معلومات ووثائق وأدلة، وبعضها تكهنات واستنتاجات حتى الآن، تؤكد بأن "الخطبة" الوقحة التي ألقاها نوري المالكي بكربلاء والتي قال فيها: "الذين قتلوا الحسين لم ينتهوا بعد هاهم موجودين، والحسين باللون الآخر ما يزال موجوداً، هو الذي استحدث من قبل هؤلاء الطغاة. إذن أنصار يزيد وأنصار الحسين مرة أخرى وعلى طول الخط يصطدمون في مواجهة شرسة عنيدة، وهذا يعطينا رؤية بأن الجريمة التي ارتكبت بحق الحسين لم تنته بعد". وهذا يعني إن الصراع بين الشيعة ولسنة لم ينته بعد! [[جاء هذا في خطبة لنوري المالكي في كربلاء لتشديد الصراع بين الشيعة والسنة لا على مستوى الحكم بل وعلى مستوى الشعب ليبقى في السلطة." كانت هذه الخطبة بمثابة إعلان حرب فعلية على أبناء وبنات شعبنا من أتباع المذهب السني. كما أنه رفض الاستجابة المعقولة لمطالب أهل الفلوجة وعموم الأنبار وصلاح الدين ونينوى، وكان التعبير الصارخ على إصرار المستبد بأمره خوض حرب التهميش والإقصاء والتركيع حتى النهاية عندما وجه نيران قواته صوب صدور هؤلاء الناس ووفر السبيل لصعود دور تنظيم داعش الوحشي وأخواته. وعندما أُعلم المستبد بأمره من أكثر من جهة بوجود مخاطر تهدد الموصل فعلياً لم يستجب لها ولضرورات حشد القوى لمواجهة أي اعتداء. لم يكن بالطبع يعتقد بأن هذه العصابات الداعشية قادرة على تنفيذ مثل هذا الاجتياح الواسع، إذ كان يعتقد بأنها ستوجه ضرباتها لأهل الموصل "المتمردين عليه!" ويهدد الكُرد فذات الوقت، وكلهم سيجبرون على طلب النجد والعون من بغداد، منه بالذات، وبالتالي يصبح هو المنقذ لهم والسيد عليهم. فكانت حسابات الحقل غير حسابات البيدر!! وكانت الكارثة! إن الوقائع والوثائق يفترض أن تكون بيد الادعاء العام العراقي والقضاء العراقي الذي تتوفر لديه كل المعلومات الضرورية بهذا الصدد لتقديم المسؤول الأول وبقية المسؤولين عن جرائم تسهيل عملية اجتياح الموصل وتوفير مستلزمات ذلك على أرض الواقع، لتقديمهم إلى المحاكمة لنيل الجزاء العادل. وفي تصريح لمقتدى الصدر جاء فيه عن المالكي ما يلي: "في رده على سؤال: إن المالكي لا يزال يعيش في مرض حب السلطة، والشعب العراقي لن يبيع العراق إلى أيادٍ غير أمينة، وهيهات أن يكرر العراقيون خطأهم"، مضيفا: أن "على المالكي ألا يتدخل في شئون الجهاد والمجاهدين، بعد أن باع ما يزيد عن ثلث العراق للإرهاب والاحتلالات". (
موقع البوابة، 3/1/2016) .

إن معاناة أهل الموصل وسنجار وزمار وبقية مناطق سهل نينوى وكل المناطق التي اجتاحها الداعشيون المجرمون هائلة ومرعبة ولا يمكن وصفها، فـ "أهالي الموصل بكل طوائفهم ومذاهبهم وأديانهم يؤكدون أنهم تحملوا وزر هروب القوات الأمنية المدججة بمختلف أنواع الأسلحة والمعدات القتالية الأخرى ليواجهوا وحدهم أشرس هجمة يشهدها التاريخ الحديث، مشددين على أنهم رغم ذلك ما يزالوا يطالبون جميع العقلاء من العراقيين كي يعيدوا التفكير في مواقفهم وان يأخذوا بزمام الأمور ويتكاتفوا معهم لإعادة الأمور إلى مسارها الصحيح." (
موقع شفق نيوز، الموصل.. كلمة واحدة مقابل "الخسفة".. وما بين "خلافة الدم" سكوت وتململ.. وانتفاضة "ناعمة"، 2/1/2016).

ما لم تتخذ الإجراءات الكفيلة بتصفية عواقب السنوات المنصرمة ومحاسبة المسؤولين من الفاسدين ومن الذين سهلوا أمر انتشار الفساد والإرهاب بالعراق وتصفية الوجود المسلح لغير القوات المسلحة العراقية ونزع السلاح من أيدي الميلشيات الطائفية المسلحة السنية منها والشيعية، ما لم تجر الاستفادة القصوى من تجربة 13 سنة من الحكم الطائفي والمحاصة الطائفية بالعراق والتخلص من هذا الحكم المدمر للوطن والمواطن والمواطنة لصالح الدولة المدنية الديمقراطية والحكم المدني الديمقراطي والفصل بين الدين والدولة والسياسية والفصل بين السلطات واستقلال القضاء واحترام هوية الوطن والمواطنة لا يمكن نزع فتيل الصراع المبرمج سلفاً بين الأحزاب السنية والشيعية الراكضة وراء السلطة والنفوذ والمال والتي تقود جماهير السنة والشيعة إلى المحرقة الطائفية المدمرة التي يمكن أن تلي تحرير الموصل.

إن العيش على وهم الإصلاح على أيدي ذات القوى والأحزاب والعناصر القيادية الإسلامية التي كانت السبب في ما يعاني منه العراق حالياً وبعد مرور 13 عاماً على إسقاط دكتاتورية البعث العنصرية والتوسعية المجرمة هو العجز عن وعي الواقع المعاش بعينه وعن فهم طبيعة الإيديولوجية الحاكمة والأهداف العدوانية لدول الجوار وما يراد لهذا البلد في مستقبل الأيام .

إن الحراك المدني الشعبي ما يزال ضعيفاً وعاجزاً حتى الآن على تنويع وتوسيع وإشراك المزيد من البشر في فعالياته وعلى فرض التغيير المطلوب في النهج الطائفي السياسي والمحاصة الطائفية، وما تزال جماهير واسعة جداً بعيدة عن إدراك أهمية هذا الحراك لها ولمصالحها في بلد يسوده الأمن و الاستقرار والتضامن والاعتراف والاحترام المتبادلين بين مكوناته القومية والدينية والمذهبية والفكرية والسياسية السليمة. ومن هنا تنشأ أهمية العمل الفكري والسياسي والاجتماعي في صفوف الجماهير لرفع وعيها المدني الديمقراطي لتدرك المخاطر الجسيمة والعواقب الوخيمة التي تنتظر العراق في حالة استمرار نظام الطائفية السياسية بالبلاد. لا بد من خوض نضال فكري مباشر ضد النهج والسياسات التي تطرحها الأحزاب السياسية الإسلامية يومياً وعلى مدار الساعة عبر الإعلام المرئي والمسموع والصحف والمجلات والكتب التي تنشرها يومياً وتملأ الأسواق بها وتوزعها مجاناً لتشويه عقل الإنسان وتزييف وعيه، لا بد من فضح أساليبهم في الحكم وفي قهر الإنسان وتجويعه وإملاء جيوبهم وحساباتهم بالسحت الحرام. إنهم يسعون إلى إسقاط العراق في خضم الحرب الدينية الطائفية الناشبة في الوقت الحاضر بين السعودية وتركيا من جهة، وإيران وحزب الله من جهة أخرى، والتي إن تورط العراق بها، ستحرق كل شيء في هذا البلد المستباح وتدمر حضارة الإنسان العراقي المديدة والإنسانية وحياته ومستقبله. إن الأحزاب الإسلامية السياسية، الشيعية منها والسنية، تريد دفع العراق إلى هذا الصراع بانحيازها لهذا الطرف أو ذاك، وهو الخطر الذي ينبغي للشعب وقواه السياسية العقلانية تجنبه في كل الأحوال. كما إن البعض يريد أن يعيد إلى الواجهة التحالف الكُردي والشيعي الذي نشأ في فترة المعارضة وبعد إسقاط الدكتاتورية ويستثني منه السنة، والذي سيقود إلى ذات العواقب السلبية التي عاشها العراق طيلة السنوات المنصرمة، نظام حكم طائفي أثني مفتت لوحدة الشعب. إنه خطأ فادح الدعوة إلى إقامة تحالفات من هذا النوع وليس على أسس وطنية وديمقراطية تشمل الشعب كله وقواه الحية وليس القوى الشوفينية أو ضيقة الأفق والطائفية السياسية. إن الادعاء بالعلمانية والتصرف ضدها لا يمكن أن يخفي على الناس الأهداف الحقيقية الكامنة وراء ذلك وعواقبها السلبية على الشعب كله.


 


 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter