|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الأربعاء 6 / 1 / 2016                                 د. كاظم حبيب                          كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

هل فقد دكتاتور تركيا عقله؟

كاظم حبيب
(موقع الناس)

من يتابع نهج وسياسات وإجراءات سلطان تركيا الجديد، أردوغان، خلال السنوات الأخيرة، يقتنع بأن الرجل فقد الحس بالتغيرات الجارية في الواقع الإقليمي والدولي، أو أنه يسعى للهروب إلى أمام بدلاً من الإسهام السلمي في معالجة مشكلات المنطقة وتركيا، وانهيار أحلامه بإعادة الحياة للسلطنة العثمانية التي ماتت منذ إعلان الجمهورية التركية في العام 1923. ولا يمكن للدكتاتور، الذي يسعى إلى تغيير الدستور واستفراده بالسلطة، أن يدرك العواقب الوخيمة المرتبطة بسياساته العدوانية إزاء الشعب الكردي بإقليم كردستان الشمالية وإزاء العراق وشعوب المنطقة، والتي ستكون وخيمة على الشعب التركي واقتصاده وعلاقاته الدولية أيضاً. والسؤال هنا: ما هدف هذا التخبط السياسي للرئيس التركي؟ يبدو للمتتبع أن أردوغان قد فقد البصر والبصيرة، وهي نتيجة كل المصابين بجنون العظمة والنرجسية المرضية والرغبة في التوسع الشوفيني على حساب حقوق وأراضي الآخرين. فهو من جانب قد ساهم بدعم ومساندة التنظيمات الإرهابية، داعش والنصرة وغيرهما، وسمح لإعداد غفيرة منهم بالعبور إلى سوريا والعراق بفتح الحدود أمامهم واعتبار تركيا الظهير والمؤخرة لهذه العصابات الإرهابية في توفير الأمور اللوجستية، وعزز من دورها في التوسع بأراضي الدولتين السورية والعراقية، ثم احتضن بعض قوى المعارضة السورية المدنية بالتعاون مع قطر وشوه أهدافها ومهماتها وأساء إلى البعض الذي ما يزال متورطا بالعمل معه. ومن جانب آخر قام بإسقاط الطائرة الروسية التي كانت توجه نيرانها ضد عصابات داعش وجبهة النُصرة بسوريا، مما ساهم في تعقيد العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية مع روسيا وإمكانية تشكيل تحالف دولي واسع النطاق لمواجهة هذه العصابات المجرمة. وبسبب المشكلات التي تواجهه مع الاتحاد الأوروبي، شارك مع السعودية في إقامة التحالف الإسلامي الجديد، ومعهما باكستان باعتباره "التحالف!" المناهض للإرهاب الإسلامي السياسي الذي ساهموا هم في تشكيله ولعبوا دوراً أساسياً في توسيع دوره العدواني والإجرامي الراهن ضد أتباع الديانات الأخرى بالمنطقة كما جرى ويجري بالعراق وسوريا مثلاً.

وطلع علينا دكتاتور تركيا الصغير معلناً عن نيته بتغيير نظام الحكم بتركيا إلى نظام رئاسي تنفيذي مؤكداً سلامة هذا النظام حين قال: "هناك العديد من الأمثلة في العالم للنظم الرئاسية الفعالة، ومنها النظام النازي". (
موقع اليوم الجديد، 2/1/2016). ولم يكن هذا الاختيار عبثياً، بل أراد به الإشارة إلى تلك الصلاحيات الاستثنائية التي منحه النظام النازي للدكتاتور أدولف هتلر والتي سهلت له توفير مستلزمات خوض حروب توسعية وممارسة سياسات عنصرية دموية ضد اليهود وضد الشعوب الأخرى وأشعال الحرب العالمية الثانية. وعلى العالم توقع الكوارث والمآسي التي ستلحق بتركيا والمنطقة من جراء سياسات وإجراءات أردوغان وصلاحياته الجديدة المحتملة.

وبصدد الحرب غير المشرفة التي يقودها ضد الشعب الكردي في إقليم كردستان تركيا "قال أردوغان، في كلمة تلفزيونية بمناسبة السنة الجديدة 2016 "قواتنا الأمنية تواصل تطهير كل مكان من الإرهابيين: في الجبال وفي المدن، وسنواصل ذلك". وأضاف أن نحو 3100 مقاتل كردي لقوا مصرعهم بالعمليات داخل تركيا وخارجها, وقال إن لدى بلاده عزما وموارد للتغلب على حزب العمال الذي وصفه بالمنظمة الإرهابية الانفصالية." (
موقع الجزيرة، أردوغان يتعهد بـ "تطهير" تركيا من المسلحين الأكراد، في 31/12/2015). إن السياسة التي ينتهجها اردوغان تذكرنا بالسياسات العنصرية والإجرامية التي قادها القوميون والبعثيون بالعراق ضد الشعب الكردي بإقليم كردستان العراق منذ العام 1963 والتي اعتقدوا بأنها ستكون نزهة ربيعية وينتهي أمر الشعب الكردي وقضيته العادلة، ولكنها انتهت إلى قيام الفيدرالية الكردستانية، وهي النتيجة التي سينتهي إليها الوضع بتركيا وسيحقق الشعب الكردي بإقليم كردستان تركيا الفيدرالية أيضاً.

وهنا نشير إلى واحدة من أبرز الظواهر العالمية السلبية هي أن المستبدين كافةً لا يتعلمون من بعضهم بل يمارسون ذات السياسات العدوانية ضد شعوبهم والشعوب الأخرى وينتهون إلى ذات المزبلة. فتاريخ تركيا يؤكد بأن الحرب التي خاضتها الحكومات التركية المتعاقبة قد أودت بحياة أكثر من 40 ألف قتيل وإلى خسارة عشرات المليارات من $ وإلى عشرات الآلاف من الجرحى والمعوقين والمعتقلين وسجناء الرأي والعقيدة، ولكن هذه السياسة العنصرية لم ولن تستطيع القضاء على حركة التحرر الوطني الكردية بكردستان تركيا.

إن من واجب الكُرد في كل مكان رفض هذه السياسة التركية وإعلان تضامنهم ومساندتهم لنضال أشقائهم الكرد في أقاليمهم الأخرى وليس التصدي لهم والتضييق عليهم مما يؤدي إلى عواقب وخيمة في العلاقات بين الأشقاء في الأقاليم الأربعة، كما إن من واجب الشعوب الأخرى، ومنها العربية والأوروبية، تأييد هذا النضال ودعمه وشجب سياسة تركيا العنصرية ضد الشعب الكردي.

ويواجه العراق حالياً عدواناً تركياً ينبغي التصدي له بكل السبل السياسية والدبلوماسية لمنع بقاء قواتها العسكرية بالأراضي العراقية، وأن يبتعد عن أي تحالف سياسي وعسكري مع إيران، التي لا تقل مطامعها بالعراق عن المطامع التركية، ولكي يمكن منع اشتداد الصراع والنزاع بين إيران من جهة، وتركيا والسعودية وقطر وغيرها من جهة أخرى، على الأرض العراقية والتي ستكون لها عواقب مدمرة ومبرمجة منذ الآن.
 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter