|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الجمعة 3/5/ 2013                                   د. كاظم حبيب                          كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

تحريم تشكيل الميليشيات المسلحة لمواجهة القوات المسلحة العراقية

كاظم حبيب

أعلن الشيخ علي حاتم سليمان, أحد شيوخ محافظة الأنبار, عن تشكيل ميليشيا مسلحة باسم جيش شيوخ العشائر في المنطقة بهدف انتزاع حقوق أهالي وشيوخ عشائر محافظة الأنبار بالقوة المسلحة ومقاومة تدخل الجيش العراقي في التصدي للمظاهرات والاعتصامات والأعمال المسلحة.

أجد لزاماً على كل مواطنة ومواطن عراقي أن يرفض هذا الموقف جملة وتفصيلا, وأن يرفض أي موقف مماثل من أي جهة كانت, سواء أكانت شيوخ عشائر أو أحزاب إسلامية سياسية شيعية أم سنية. إذ إن هذا لا يعني سوى الفوضى واستعرض العضلات والقوة ودفع البلاد إلى أتون صراعات ونزاعات مسلحة دموية لن يخرج منها العراق إلا مدمراً ومقسماً أكثر بكثير مما يعاني منه الشعب السوري في الوقت الحاضر من ظلم النظام السوري ومن أفعال شنيعة لبعض القوى الإرهابية المسلحة من تنظيمات القاعدة وتحت اسم النصرة والتي تبرز على شكل تفجيرات انتحارية وسيارات مفخخة عرفها الشعب العراقي وما يزال يعاني منها ومن القوى التي تمارسها.

من الواجب هنا أن نؤكد على جملة من المبادئ الأساسية التي نص عليها الدستور والتي يفترض أن تحكم العلاقة السياسية بين أطراف العملية السياسية بالعراق, رغم النواقص الهائلة التي تعاني منها هذه العملية والتي تحولت إلى صراعات مخلة بحقوق الشعب العراقي وحياته الحرة الكريم, ومنها :
1. لا يجوز إقحام قوات الجيش العراقي بمهمات داخلية ومواجهة مطالب ومظاهرات واعتصامات أو عصيان مدني لقوى الشعب, إذ إن مهمات الجيش العراق تقتصر على حماية حدود البلاد وحرمته من أي تجاوز داخلي, ومكانه الفعلي هي الثكنات في وقت السلم والحدود في أوقات أخرى حين يضطر الشعب حماية حدوده.

2. إن من واجب الحكومة الاتحادية العراقية عدم زج القوات المسلحة (الشرطة والأمن الداخلي) بعمليات عسكرية ضد المظاهرات والاعتصامات والعصيانات المدنية السلمية, إذ إن هذه النشاطات الاحتجاجية والمطلبية لا تخالف الدستور العراقي بل تتناغم معه, وحين يُستخدم العنف من جانب قوى إرهابية فعلية وليس من جانب المتظاهرين, عندها يكون من واجب قوى الشرطة والأمن الدالي  التدخل لمنع استمرارها وتطور أعمال العنف.

3. لا يجوز تشكيل ميليشيات مسلحة بأي حال من الأحوال لفرض إرادة هذه الجماعة أو تلك على الحياة السياسية العراقية, بل يفترض أن يكون النضال سلمياً وديمقراطياً, والنضال السلمي والديمقراطي يستطيع تعبئة كل الشعب حوله ما دامت المطالب واقعية وتستجيب لإرادة الشعب ومصالحه الحيوية.

4. لا يجوز استخدام العنف من أي طرف كان لإجراء تغيير سياسي في العراق, بل يفترض ممارسة الأسلوب السلمي والديمقراطي في التداول السلمي والديمقراطي للسلطة. وهنا يفترض أن تؤمن كل القوى السياسية الفاعلة في العملية السياسية بالعراق بهذا المبدأ وبعيداً عن المناورة والخديعة للبقاء في السلطة دون وجه حق دستوري.

إن الحكم بالعراق وبعض القوى السياسية المعارضة ابتعدا كثيراً جداً عن المبادئ العامة التي أقرها الدستور العراقي. وهو ما يعتقد به الكثير من الناس بالبلاد. فالحكومة تمارس التهميش والإقصاء وممارسة الطائفية السياسية في الحياة اليومية, وبالتالي بدأت قوى سياسية وأحزاب وجماهير تعاني من هذه السياسة, وخاصة في مناطق غرب بغداد, أو ما بدأ يعرف سلباً بالمناطق السنية, رغم إن المناطق الشيعية لم تستفد هي الأخرى من الحكم الطائفي الذي تقوده الأحزاب الإسلامية الشيعية, بل تستفيد منه النخب الحاكمة الشيعية فقط. ومن الطرف الآخر رفعت بعض القوى سقف مطالبها لتطالب تحقيقها بقوة السلاح, وهو الأمر المرفوض أيضاً.

إن الخلاص من هذا الوضع يتطلب تعبئة الشعب وتوعيته للنضال من أجل التخلص من نظام المحاصصة الطائفية اللعين الذي يمزق الشعب ولا يجمعه ويقود إلى الخراب والدمار والحرب الطائفية. إن الخلاص من الوضع الراهن يتطلب استيعاب مطالب القوى المتظاهرة والمعتصمة التي تستند في معظمها إلى الدستور العراقي والتي أيدتها غالبية القوى السياسية العراقية, بمن في ذلك قوى وأحزاب في مجمع الإسلام السياسي الشيعي. ولكن عملية الجرجرة وكسب الوقت وتشكيل لجنة لا تمتلك صلاحيات حل المشكلات والاستجابة للمطالب العادلة, أدى إلى دخول قوى إرهابية معادية للحياة الحرة والديمقراطية على الخط وفرض شعارات متطرفة بما في ذلك إطلاق سراح الإرهابيين من أتباع القاعدة أو مجرمي البعث المدانين بأحكام يستحقون البقاء في السجون العراقية, أو المطالبة بإطلاق سراح من حمل السلاح من البعثيين وساهم بقتل العراقيات والعراقيين بتحالفه مع قوى القاعدة الإرهابية.

إن وحدة الشعب لا تتحقق بالتمييز والتهميش والإقصاء أو الإصرار على البقاء في الحكم دون وجه حق أو عدم الإصغاء إلى مطالبة الغالبية العظمى من الشعب بإجراء انتخابات مبكرة لصالح تغيير الوجوه الحاكمة, خاصة وإن من أنتج الأزمة لا يمكنه معالجتها. إن وحدة الشعب تتحقق بخلق الأجواء الديمقراطية والتحول صوب ممارسة السياسة وليس الحلو الأمنية والعسكرية والتخلي عن المحاصصة الطائفية التي يلعنها الشعب ليل نهار ويمقتها ويدرك عواقبها.

إن على الأطراف السياسية العراقية العودة إلى العقل والحكمة والابتعاد عن استخدام الجيش العراقي في الخلافات السياسية الراهنة وصراعات الحكومة, وكذلك الابتعاد كلية عن تشكيل ميليشيات مسلحة باسم جيش العشائر أو غير ذلك, إذ إن الحالتين تعتبران مخالفة صريحة للدستور العراقي الذي يؤكد على الحوار السلمي والديمقراطي لمعالجة المشكلات القائمة.

إن المشكلة الجوهرية التي يعاني منها الشعب تبرز في عجز من بيده الحكم عن إدارة الصراع ديمقراطياً وسلمياً, إذ يسيطر عليه الهاجس الأمني والمخبر السري والحلول العسكرية بدلاً من الحلول السياسية التي تستند إلى الدستور العراقي. وبالتالي تدفع هذه الحالة القوى الأخرى بدورها إلى التجاوز على الدستور العراقي وتنشأ حلقة مغلقة من المخالفات المتبادلة للدستور ولإرادة الشعب ومصالحه الحيوية.

والموقف هو: إما أن يدعو العقلاء إلى مؤتمر وطني عام, كما اقترحه الحزب الشيوعي العراقي, ودعا له السيد رئيس الجمهورية وسعى إليه قبل إصابته الأخيرة بالمرض والذي عطله عن المشاركة في الحياة السياسية اليومية, تشارك فيه كل القوى السياسية الفاعلة في العملية السياسية, رغم قصور هذه العملية وتفريغها من محتواها الحقيقي المطلوب, لمعالجة المشكلات القائمة, وإما الدعوة إلى انتخابات عامة مبكرة تقودها حكومة حيادية, من أجل أن تحسم الصراعات والنزاعات الجارية حالياً بالبلاد سلمياً, إذ بغير ذلك يمكن أن تدفع الأزمات الراهنة بالأمور إلى الكارثة المحدقة التي عاش الشعب إرهاصاتها خلال الأسبوعين الماضيين والتي لم تعالج أسبابها حتى الآن, وأعني بها الحرب الطائفية التي يعرف الجميع منذ الآن عواقبها المدمرة إن وقعت فعلاً.
 

    
1/5/2013
 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter