|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الثلاثاء  3 / 11 / 2015                                 د. كاظم حبيب                          كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

هل يمكن العيش في بلد يحكمه الأوباش؟

كاظم حبيب

شاعر الحداثة العراقي المميز سركون بولص هرب من وطنٍ كان يحكمه الأوباش ليعيش في أجواء الحرية والأمن والاستقرار بعد معاناة طويلة في وطن فقد فيه الإنسان حريته وأمنه واستقراره. ولقد عانى من الغربة أيضاً، رغم ما وفرته له هذه الغربة من العيش بحرية وأمن واستقرار وتمتع بحقوق الإنسان العامة، فتجلى كل ذلك في شعره الحزين والصارخ والمزمجر بغضب والمستغيث من عمق وشدة الألم. كان سركون يعيش الوحدة والغربة في آن ويتجلى ذلك في شعره المجسد بحيوية فائقة وكلمات ولوحات ناصعة عن آلام الشعب ومآسيه، هواجسه ومخاوفه وقلقه الدائم وخسائره اليومية من البشر، من الأهل والأحبة والأصدقاء والجيران، من الشعراء والأدباء والفنانين وسائر الناس. كان الشاعر وباختصار شديد الالتصاق بشعبه معبراً عنه في شعره ومذكراً بكوارثه المديدة وطموحاته وتطلعاته غير المتحققة.

مات الشاعر في الغربة، ببرلين، على مقربة من بعض مجموعة شعراء كركوك الآخرين، فاضل العزاوي ومؤيد الراوي. وكانت عيناالشاعر حتى اللحظة الأخيرة شاخصتين دون غشاوة رغم الموت المحدق به، صوب الوطن المستباح الذي كان قد استبدل لتوه حكاماً أوباشاً بأوباش جدد وضعهم المحتل الجديد على رأس السلطة ببغداد الأزل وعبئا ثقيلاً على صدر الشعب العراقي المرهق من الحروب والحصار والدمار والخراب ليزيدوا من خرابه ودماره وموت أبناءه غير المنقطع وحرمانه وفقدانه من الحقوق والحريات. إنها المأساة والمهزلة حين يعيد التاريخ احداثه المأساوية ثانية لتبدو الحالة مأساةً ومهزلةً جديدتين في آن واحد. القومية الشوفينية مرة، والإسلام السياسي الطائفي مرة أخرى وكلاهما أوصلا البلاد إلى المستنقع القابع فيه حالياً.

مات الشاعر ولم يعد قادرا على رفدنا بقصائد جديدة تروي لنا حكاية الأوباش الجدد الذين جاءوا بقطار أمريكي - بريطاني أيضاً وارتدوا ملابس الدين والمذهب ليدخلوا العراق في دوامة من الصراعات والمعارك الدموية ويكون الناس الطيبين والبسطاء من اتباع الديانات والمذاهب الدينية وقوداً وضحايا لأصحاب المصالح الذاتية والأنانية ممن يرتدون عباءة الدين والمذهب. لقد قُتل المسيحي والمندائي على أيدي الميليشيات الطائفية الشيعية الإرهابية المسلحة وعصابات الجريمة المنظمة، ثم مارست قوى التكفير والإرهاب الدموي من عصابات القاعدة السنية وعصابات داعش السنية المجرمة المزيد من القتل بحق مسيحيي الموصل وإيزيدييهم والشبك والتركمان، كما تفاقم القتل على الهوية المتبادلة بين اتباع تلك ألقوى الشيعية منها والسنية. لقد خسر العراق مئات الآلاف من الناس العراقيين من النساء والرجال، من الشيوخ والأطفال والمرضى والعجزة. لقد تحول العراق إلى ساحة لتصفيات متبادلة لصالح الصراع الديني والمذهبي في منطقة الشرق الأوسط لينتقل منها إلى مدن ودول اخرى كما تتحدث عنه خارطة الصراع والمعارك الدموية الجارية التي عمل لها المحتلون الأمريكيون عقوداً طويلة ونجحوا اخيراً في إشاعتها على نطاق المنطقة بأسرها.

نحن امام أوباش محليون، حفزتهم اكثر من دولة إرهابية بالمنطقة، ليتصارعوا على الثلاثي الشهير الذي تحدث عنه عالم الاجتماع الألماني ماكس فيبر بحق: الصراع من أجل "السلطة والمال والنفوذ الاجتماعي". لقد ارتدى بعضهم لبوس القومية وداسوا بأقدامهم حقوق المواطنة وحقوق الإنسان وحقوق القوميات ، ثم أرتدى البعض الآخر لبوس الدين والمذهب وداس على الدين والمذهب لصالح نهب المال العام وأفرغ الخزينة التي كانت ملئا بأموال النفط لتنتقل إلى جيوب الأوباش من حطام العراق كله وإلى أرقام حساباتهم في البنوك الأجنبية.

إن جريمة نهب العراق يستحيل وصفها بسبب ضخامة واستمرار هذا النهب وعدد وتنوع الأفراد والهيئات والشركات والأحزاب والقوى والمنظمات المشاركين فيه ، وبسبب أن القوى الفاسدة والمشاركة في النهب أو المتسترة عليه ما زالت في في السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية وبيدها تسيير دفة الأمور لصالح استمرار الوضع دون تغيير.

وعلى المناضلين الذين يحملون همّ العراق وشعبه أن يدركوا بأن إنقاذ العراق من محتليه ومن كوارثه ومآسيه الراهنة لا يمكن أن يحصل دون تغيير جذري في الوضع الراهن، فحتى محاولات الترقيع التي بدأت تعثرت لأن أبطال الفساد ما زالوا هم الذين يسيرون أمر البلاد. ولم يكن مقال رئيس مؤسسة المدى الأستاذ فخري كريم عن فساد "البطل!" وابن أبيه أحمد نوري المالكي، وتحديه لمن يعترض على ما جاء في مقاله، بأنه سيجد نفسه ملزماً في نشر تفاصيل فضائح أبطال الحزب الحاكم وبقية المشاركين في نهب البلاد والعباد.

على الأستاذ فخري كريم أن لا ينتظر من يتحدى مقاله، فأن عدم نشر الحقائق التي لديه لن ينفع سوى الذين نهبوا العراق وما زالوا في الحكم. وهو امر لا يمكن قبوله بأي حال! التهديد لا ينفع بل الشعب يطالب بنشر الحقائق ليعرف الشعب من كان على رأس الحكم وكيف مارسوا الحكم باسم الدين والطائفة ومرغوا كرامة الإنسان في الوحل وتسببوا في احتلال العراق وموت عشرات الألوف من أبناء وبنات هذا الشعب والوطن المستباحين!

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter