|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الجمعة  31 / 1 / 2014                                 د. كاظم حبيب                          كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 


 

هل من دور للمثقفات والمثقفين في الحياة السياسية العراقية في المرحلة الراهنة؟

كاظم حبيب

الكاتبة والروائية الجزائرية أحلام مستغانمي ذكّرت القارئات والقراء بحقيقة مرّة كانت شعوب الدول العربية وما تزال تعيش تحت وطأتها وتعاني منها، سواء أكانوا من العرب أم من قوميات أخرى كالكُرد والأمازيغ والتركمان والكلد-آشور، لخصتها بما يلي:
"يقضي الإنسان سنواته الأولى في تعلمه النطق، وتقضي الأنظمة العربية بقية عمره في تعليمه الصمت!" (أحلام مستغانمي. ذاكرة الجسد، ط 1، دار الآداب-بيروت، 1997). إنها تعبر بدقة ووضوح عن المأساة الفعلية والمصادرة الحقيقية لحقوق الفرد في هذه المجتمعات حيث النظم السائدة فيها دكتاتورية وعموماً فاقدة في أغلبها للشرعية الدستورية وقامعة للأفراد والمجتمعات. وإذا كانت ذه الظاهرة معروفة للجميع، فإنها ومنذ أكثر من ثلاثة عقود قد تفاقمت إذ لم تعد النظم السياسية القمعية العربية تكتفي بتعليم الإنسان الصمت حسب، بل تقوم بخنق صوته من خلال زجه في سجون تحت الأرض وأخرى صحراوية، أو قتله تحت التعذيب أو دهسه بسيارة, أو اغتياله بكاتم صوت في أماكن عامة وفي وضح النهار. وهذا الأساليب شائعة حالياً بالعراق وسوريا والسعودية، إضافة إلى بعض دول الخليج وإيران.

وبالعراق يستطيع المثقف والمثقفة أن يتحدثا بما يشاءان ويكتبا ما يشاءان وينشرا ما يشاءان، ولكن العاقبة لا تخرج عن الوقوع تحت طائلة :
1. إما التهديد بالاعتقال ودفع المثقف إلى ترك العراق هارباً، كما حصل مع الأستاذ الدكتور غسان العطية؛
2. أو الاعتقال الفعلي أو الاختطاف وفقدان أي أثر للمختطف؛
3. أو الاغتيال، كما حصل لعدد من سياسي ومثقفي العراق والذين لا يمكن نسانهم ومنهم كامل عبدالله شياع وهادي المهدي ووضاح حسن عبد الأمير (سعدون) واغتيال الصحفي كاوة الگرمياني .

ومع ذلك فهناك الكثير من المثقفات والمثقفين الذين يتصدون لهذا الواقع ويناضلون بعناد داخل العراق نتيجة أوضاع معينة لا تسمح باغتيالهم أو إسكاتهم بسهولة، ولكن يبقى الخطر يحوم حولهم!

في عهد دكتاتورية البعث الصدَّامية كان الناس وعائلة المثقف أو الإنسان الاعتيادي يعرفون تماماً الجهة التي كانت تقوم باعتقال أو اختطاف أو اغتيال هذا المثقف أو تلك المثقفة، إذ لا يخرج الفاعل عن دائرة قوى الحكم ذاته. أما اليوم فلا يمكن معرفة الجهة التي تمارس الاختطاف أو الاعتقال أو الاغتيال، إذ أصبحت الجهات الفاعلة كثيرة ومتنوعة الأهداف وتمارس فعلها بأساليب عديدة وخسيسة، ولا يمكن نفي هذا الأسلوب عن الحكومة، بل كثيراً ما يثار الحديث وتتوجه أصابع الاتهام صوب قوى في الحكومة أو في الأجهزة الأمنية الخاصة.

إن الوضع الراهن بالعراق يشير إلى عدد من الحقائق التي تزيد من عمق المأساة التي يعيشها الفرد والمجتمع بالعراق، وأعني بذلك :
أ‌. ممارسة الأحزاب الإسلامية السياسية الحاكمة أو المشاركة في الحكم، الشيعية منها والسنية، سياسة تصعيد الصراع الديني –المذهبي وتشديده ودفع البلاد إلى الاصطفاف والاستقطاب الطائفيين بما يمكن أن يقودا إلى حرب أهلية دموية.

ب‌. ومثل هذه السياسة تلعب دوراً مباشراً وفاعلاً على المثقفات والمثقفين الذين يعانون من هشاشة في ثقافتهم وفي وعيهم السياسي وضعف إدراكهم لمخاطر الحرب الطائفية التي يمكن أن تشتعل بسبب الاصطفاف والاستقطاب في الساحة السياسية العراقية، فيتجهون صوب واحد من تلك الأحزاب السياسية الطائفية ليمنحوه أصواتهم بدعوى المظلومية السابقة أو المظلومية الراهنة.

ت‌. إن سير المثقفة أو المثقف في ركاب قوى وأحزاب إسلامية طائفية سياسياً ودعم دعاياتها المضرة بالمجتمع ووحدة نسيجه الوطني، يدفع بالكثير من الناس إلى اللحاق بهذه القوى شيعية كانت أم سنية. خاصة وإن القوى المتصارعة شددت من نشاطها المصاحب لعمليات إجرامية لقوى الإرهاب التكفيرية على صعيد المنطقة الغربية ومحافظات عراقية أخرى من حيث التفجيرات الانتحارية والسيارات الملغمة أو ما يجري اليوم في الفلوجة مثلاً.

إن النخب الحاكمة ومنها الحكومة والحزب الحاكم الأول، حزب الدعوة الإسلامية، الذي يمارس سياسات ضد نهج المواطنة المتساوية والهوية الوطنية، وكذلك الأحزاب الإسلامية السياسية الأخرى، سنية أم شيعية، تمارس كلها سياسة تهميش المثقف والمثقفة وإبعادهما عن التأثير في الحياة السياسية بوجهة وطنية وديمقراطية وتنويرية، وهي محاولة لقتل الصوت الشريف لصالح الأصوات النشاز لوعاظ السلاطين الذين يعملون بشكل مباشر أو غير مباشر لصالح القوى الطائفية والحكم الطائفي بالبلاد.

الموقف النضالي الوطني يتطلب من كل أبناء وبنات العراق، وبشكل خاص من مثقفاته ومثقفيه، ومن المتعلمات والمتعلمين، أن يرفضوا هذه الصراعات المرتبطة بالهويات الفرعية المسيَّسة والقاتلة والرافضة للهوية الوطنية المتساوية، أن يمتنعوا عن دعم هذه القوى الطائفية، أن يرفضوا التصويت لقوائمهم في الانتخابات القادمة، سواء أكانت أحزاباً وقوى وقوائم شيعية أم سنية، فهي كلها ترفض الوطن والمواطن والمواطنة، إنها الخنجر المسوم الذي يغرس في ظهر هوية المواطنة المنشودة لعراق موحد، مدني وديمقراطي وإنساني في آن. أن الموقف الوطني يحترم أتباع جميع القوميات والديانات والمذاهب, يحترم الشيعي المذهب تماماً كما يحترم السني المذهب أو المسيحي أو اليهودي أو الصابئة المندائي أو الإيزيدي أو الكاكائي أو الشبكي، فهم جميعاً مواطنات ومواطنون من الدرجة الأولى وليس هناك مواطنين أو مواطنات من الدرجة الثانية أو الثالثة. هذا هو الموقف الذي يتناغم تماماً مع لائحة حقوق الإنسان الدولية وكل العهود والمواثيق الأخرى ضمن شرعة حقوق الإنسان.

إن النداء الذي أوجهه إلى أخوتي المثقفين وأخواتي المثقفات بالعراق وخارجه كافة يتلخص في أن من واجبنا أن نعي جميعاً دورنا الثقافي التنويري ومسؤوليتنا الوطنية في الانتخابات القادمة، أن نعطي صوتنا لمن يدافع عن الهوية الوطنية، لمن يرفض التمييز بين أتباع القوميات والديانات والمذاهب والاتجاهات الفكرية الديمقراطية، لمن يرفض التمييز بين الرجل والمرأة لصالح الحقوق والواجبات المتساوية، لصالح الإنسان العراقي ومصالحه الأساسية في هذا الوطن الجريح والمستباح، لصالح الأجيال الحالية والأجيال القادمة، لصالح وضع الثروات الوطنية في خدمة عملية التنمية وتغيير بنية الاقتصاد والمجتمع وفي سبيل العدالة الاجتماعية والاستخدام العقلاني للدخل القومي والتوزيع وإعادة التوزيع العادلتين للدخل القومي, ولصالح دحر الإرهاب والطائفية السياسية والفساد المالي والإداري وإعادة بناء العراق الجديد على أسس مدنية وديمقراطية وبناء حياة آمنة مستقرة متطورة وسلام دائم.
 


29/1/2014

 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter