|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الأثنين  2 / 6 / 2014                                 د. كاظم حبيب                          كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 


 

الأعمار بيد الله ... والموت حق، ولسنا مسؤولين عن موت العراقيات والعراقيين بالجملة!!!

كاظم حبيب

هذا هو العنوان المختصر الذي يجسد فلسفة ونهج وممارسة المستبد بأمره حاكم العراق وولي الله الجديد على أرض الرافدين الحاج أبو أحمد المالكي الذي تسببت سياساته المعوجة والطائفية بامتياز إلى مواصلة إغراق العراق منذ أكثر من ثماني سنوات بالدم والدموع والخراب وتعطيل التنمية ونهب خيرات البلاد والمزيد من التناقضات والصراعات والنزاعات والمعارك الدموية في مناطق عدة من العراق. وهذا هو عنوان ومضمون فكر حزب الدعوة الإسلامية في العراق ورئيسه الراهن ونائبه. وقد ساهم وساعد بهذه السياسات الطائفية الجامحة إلى فسح المجال بعودة قوى الإرهاب المتطرفة وإلى إعادة بناء وتعزيز بناها التحتية وتجميع المؤيدين لها وتشكيل تحالفات جديدة مع قوى البعث الإرهابية المسلحة وجماعة حارث الضاري ومن لف لفهما في مناطق مختلفة من العراق. وها نحن نشاهد كيف يقتل الناس هنا وكيف تُخرب تلك المناطق وكيف يجبر سكانها على الهجرة إلى مناطق آمنة ولكنها مليئة بالعذابات والحرمان والبؤس والفاقة، إضافة إلى موت الكثير من أبناء وبنات الشعب الأبرياء في المعارك الدائرة مع قوى الإرهاب المسلحة بأسلحة سعودية وقطرية أو حتى إيرانية. إن فلسفة الحاج أبو إسراء المالكي تقول الأعمار بيد الخالق وهو المسؤول عن موت الناس ولسنا نحن نوري المالكي حاكم العراق أو حزب الدعوة الإسلامية، فكل إنسان حين يولد بالعراق مكتوب على جبينه يوم موته وأسلوب هذا الموت. كما إن الموت حق، فالناس جميعاً هم مرشحون لموت مؤكد، سواء أجاء عزرائيل ليقبض الروح هذا اليوم أو جاء غدا. ورغم تعدد أسباب وأساليب الموت فهو واحد لا غير. وعلى هذا الأساس لا يرى المالكي سبباً في تحميله وحزب "الدعوة الإسلامية" مسؤولية موت الناس على أيدي التكفيريين وغير التكفيريين من المليشيات المسلحة السنية والشيعية العراقية والإيرانية والقطرية والسعودية أو غيرها.. فهو ليس مسؤولاً عن موت الناس فهو حاكم فقط وبإرادة الله ولن يستطيع أحد أن ينتزع الحكم منه "أخذناها بعد ما ننطيها" حتى لو طلعت نخلة برأس الشعب.

حصد المالكي والجماعات التي معه 92 صوتاً من شيعة العراق، ودعونا لا نتحدث عن كل أشكال التزوير والتزييف والرشوة وشراء الذمم وتوزيع أراضي الدولة قبل موعد الانتخابات بفترة قصيرة وطبيعة تشكيل مفوضية الانتخابات "المستقلة" كلش ...الخ. ولكن هذا التصويت بالذات يدلل بما لا يقبل الشك على طبيعة وعمق المشكلة الطائفية التي يعاني منها المجتمع العراقي والتي أججها وكرسها المحتل الأمريكي والأحزاب الإسلامية السياسية الشيعية منها والسنية. وإذا كان المالكي وبعض الأحزاب الدينية الطائفية الأخرى قد حصدت أصوات الكثير من أتباع المذهب الشيعي، فأن قوى طائفية سنية حصدت أصوات الكثير من أتباع المذهب السني. وهي التي تؤكد اجتياح الهوية الطائفية واستباحتها للمجتمع وإزاحتها لهوية الوطن والمواطنة من الحياة الفكرية والسياسية والاجتماعية العراقية. ولهذه الحقيقة المرة عواقبها المدمرة التي نعيشها منذ عشر سنوات وسنعيشها في الغد إذا استمر هؤلاء في السلطة. إنها هويات فرعية مخربة مزقت وحدة النسيج الاجتماعي الوطني للشعب العراقي. وهذا الموت اليومي والاعتيادي الذي هو حق، أصبح هاجساً يومياً ثقيلاً يطارد الشعب العراقي دون حق ويخطف أرواحهم لا في مواعيدهم، بل على وفق إرادة الإرهابيين، هو النتيجة المنطقية للحكم الطائفي والسياسات الطائفية التي ولدت وتولد الإرهاب والفساد والظلم والاستبداد بالبلاد.

قوى الإرهاب الدموي مقتنعة تماماً، كما حزب الدعوة الإسلامية ورئيسه الحاج المالكي، بأن الموت حق إذ يستندون على قول الله "فإذا جاء ساعة أجلهم لا يستأخرون ولا يستقدمون"، فهم أداة الله لاستئصال من جاء أجله وفي الموعد المحدد. وهم بهذا لا يرتكبون جريمة بل ينفذون إرادة الله على الأرض. وعلى هذا الخط يلتقي أولئك بهؤلاء على درب موت المزيد من الناس على قاعدة الموت حق.. والأعمار بيد الله.

إن المشكلة التي تواجه المجتمع العراقي تكمن حالياً في هيمنة الفكر الطائفي السياسي التمييزي بين البشر على أفكار وممارسات الغالبية العظمى من سكان العراق، وهي تزحف تدريجاً لتشمل كل العراق أولاً، بعد أن شملت جمهرة كبيرة من المتعلمين والمثقفين أيضاً!! إنها العلة المركزية الحالية التي عجزت كل قوى التيار الديمقراطي العراقي على مواجهتها وكسر شوكتها وإقناع الناس بأهمية وضرورة الالتزام بمبدأ المواطنة ورفض تحويل الهويات الدينية والطائفية أو القومية إلى الهويات الأساسية واعتبارها الهويات المركزية التي ينتمي إليها العراقيون والعراقيات!! إنها الجريمة التي ارتكبها الاحتلال حين كرس هذا في الحكم رسمياً وجريمة ارتكبتها وما تزال ترتكبها كل الأحزاب الإسلامية السياسية التي لا تقوم ولا تعمل إلا على أساس الطائفة والتمييز الطائفي.

الشعب العراقي استمع إلى خطبة نوري المالكي في كربلاء حين قال إن الصراع الجاري بالعراق هو صراع بين أتباع الحسين وأتباع يزيد. والشيعة جميعاً، إلّا المثقف والواعي والإنساني منهم يدرك غير ما تقوله الميثولوجيا الشعبية التي لعب عليها بحقد وكراهية وخباثة كاملة نوري المالكي، بأن أتباع الحسين هم الشيعة وإن أتباع يزيد هم السنة، وهذا يعني بصريح العبارة إن الصراع بين الشيعة والسنة بشكل مطلق. هذا هو الرجل الذي يحكم العراق، هذا هو من يعمق الانشقاق في وسط الشعب العراقي لا لأن اسمه نوري المالكي كشخص، بل لأنه ينتمي إلى فكر طائفي تمييزي وإلى حزب يلتزم الفكر الطائفي السياسي وحكم يقوم على عقلية وممارسة طائفيتين. إنها المعضلة المركزية التي تواجه المجتمع وهي التي تتطلب منا العمل على تخليص المجتمع منها، وهي عملية معقدة وطويلة وصعبة ولكنها ليست مستحيلة. فهؤلاء الناس الطائفيون يرتكبون من الأخطاء يومياً ما تجعلهم يفقدون مواقعهم في صفوف الشعب، ولكن علينا أن نكون مستعدين لمواجهة أخطائهم دون مجاملة وبحزم صارم وموضوعية عالية. علينا أن لا نرحم الطائفية السياسية، أن لا نسكت عما جرته من عواقب وخيمة على الشعب العراقي، وما تزال تجره وستبقى تدفع بالشعب إلى المزيد من العواقب السيئة ما لم يتخلص منها الشعب بإزاحتها من حكم البلاد عبر الطرق النضالية السلمية الواعية والهادفة والقادرة على ربط المهمات الوطنية بمهمات وحاجات ومصالح الشعب اليومية.

لا يمكن للشعب أن يسكت باستمرار على موت هذا العدد الكبير من الناس على أيدي مختلف الفرق الإرهابية وعلى جرح وتعويق العشرات منهم يومياً. ولا بد له أن يعي ما يجري بالبلاد ويدرك تدريجياً أسباب ذلك ويبدأ بمواجهتها. وهذا اليوم آت لا ريب فيه.

 


31/05/2014


 

 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter