|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الأربعاء  2 / 12 / 2015                                 د. كاظم حبيب                          كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

هل في مقدور التعبئة العسكرية الدولية وحدها تصفية داعش؟

كاظم حبيب
(موقع الناس)

خلال الأسبوع المنصرم سعى الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند إلى التعبئة العسكرية الدولية بعد اعتداء 13 نوفمبر 2015 لتشكيل حلف عسكري واسع النطاق، بين قوى دولية وإقليمة متعارضة ومتصارعة، ليواجه به عصابات داعش وتنظيمات إرهابية أخرى، مثل جبهة النُصرة. والسؤال الذي يراود المتتبع للأحداث وتعقيداتها بمنطقة الشرق الأوسط هو: هل في مقدور هذا التحالف الدولي العسكري تحقيق النتائج المرجوة بضرب داعش ومثيلاته بالمنطقة؟

الحراك السياسي لهولاند يماثل الحراك الذي سار عليه جورج دبليو بوش بعد اعتداء القاعدة على الولايات المتحدة في 11 أيلول 2001 وما أعقبه من تحالفات وحربين في أفغانستان والعراق والعواقب الدامية التي تعيشها بعض دول المنطقة.

إن إعلان الحرب الجوية الدولية على تنظيم داعش ومن يماثله غير كاف في كل الأحوال للانتصار على هذه التنظيمات العسكرية التي تمارس أساليب مختلفة في حربها بالعراق وسوريا وفي العالم. سأحاول تعليل هذا الاستنتاج ببعض الملاحظات :

أولاً: إن قوى التحالف الدولي التي يراد تشكيلها غير موحدة في النوايا والمصالح والأهداف التي تسعى إليها، إذ لا يكفي أن تتفق على هدف محاربة داعش، في حين إن بقية المسائل تبقى معرقلة جدية للوحدة المنشودة.

ثانياً: كما إن في التحالف الدولي الذي يراد تشكيله مجموعة من الدول تمارس دورين متعارضين، دور المناهض لداعش وجبهة النُصرة وغيرهما، ولكنها لا تمارس العمل الفعلي، بل تمارس في السر وشبه العلن بتزويد داعش والنصرة بما تحتاجه من أفراد ومعدات وأموال وفتاوى دينية تنسف التحالف العسكري المنشود. النماذج: دور تركيا والسعودية وقطر بشكل مباشر، ودول أخرى بصورة غير مباشرة في ممارسة هذين الدورين.

ثالثاً: إن إصرار الولايات المتحدة والسعودية وقطر والولايات المتحدة الأمريكية على سقوط الأسد، وإيران وروسيا والعراق وحزب الله على إبقاء الأسد ونظامه، يجعل الهدف المركزي بعيد المنال. وزاد الأمر سوءاً إسقاط تركيا للطائرة الروسية في الأجواء السورية.

رابعاً: إن أجهزة أمن بعض دول التحالف الجديد تقيم علاقات تعاون غير مباشر ودعم لقوى الإرهاب الدولي، وبعضها الآخر ساهم ببناء وتطوير هذه التنظيمات الإرهابية بأهداف استعمارية وفرض الهيمنة الحديثة. ولا نغفل هنا دور الولايات المتحدة والتابعي لها إسرائيل والسعودية وقطر وتركيا وباكستان.

خامساً: لا يمكن إحراز النصر وتحقيق السلام عبر الضربات الجوية، بل لا بد من قوى برية تستطيع دحر عصابات قوى الإرهاب، وهذا يتطلب تعزيز القوات البرية للعراق وللحكومة السورية التي تصطدم برفض أمريكا ودول الخليج وتركيا.

سادساً: لم تتخذ إجراءات على مستوى الفكر والثقافة والإعلام في محاربة فكر وثقافة وإعلام داعش والتنظيمات المماثلة. فالسعودية منبع هذا الفكر بشكل مباشر، وقطر هي الممول لتنظيم الإخوان المسلمين الأكثر تطرفاً على المستوى الدولي. بل يمكن القول أن الغرب يقيم أفضل العلاقات مع السعودية وقطر. ولم يتصدى الغرب لفتاوى شيوخ الدين بالسعودية وفتاوى قادة الإخوان المسلمين ومنهم يوسف القرضاوي، المحفزة على العدوان والعنف.

سابعاً: لم تتخذ الإجراءات الكفيلة حقاً بتجفيف منابع الأموال التي تصل إلى أيدي داعش والنُصرة، بل إن تركيا تشتري النفط عبر بلال رجب أردوغان من داعش لها وتبيع نسبة منه لأوروبا وإسرائيل، وهي تعرف بأن هذا النفط مسروق.

ثامناً: لم يتخذ المجتمع الدولي موقفاً واضحاً وحازماً إزاء استخدام قوى داعش والقاعدة وغيرهما للفيسبوك وتويتر والفديو وغيرها في الدعاية لأفعالها الإجرامية وتعبئة الناس حولها، مما يجعل الشباب العاطل والأمي سياسياً عرضة لتأثير هذه القوى وانخراطها في صفوفها.

تاسعاً: يلعب الفقر والتخلف والأمية السياسية بدول المنطقة وكذلك الكراهية للسياسات الغربية ومواقفها إزاء القضية الفلسطينية وتأييد سياسات إسرائيل في الاحتلال والعقوبات الجماعية وعدم حل المسألة بصورة عادلة وسلمية دوراً بارزاً في جعل دعايات هذه التنظيمات الإرهابية أكثر قبولاً لدى جمهرة من الشبيبة المسلمة.

عاشراً: إن الأوضاع المزرية لمجموعات سكانية كبيرة من المقيمين بفرنسا وبلجيكا مثلاً، حيث تسود البطالة والفقر والبؤس والتهميش الاجتماعي والاقتصادي، تجعل من شباب وشابات هذه المجموعات عرضة لمناهضة الدول الأوروبية أو الانخراط في التنظيمات الإرهابية. ونسبة عالية من مقاتلي داعش هم من مواطني ومواطنات دول أوروبية.

أحد عشر: كما إن الصراع الطائفي بين إيران والسعودية، والصراع بين إيران وتركيا على الدور القيادي بالمنطقة يقودان إلى المزيد من الحروب الداخلية والتعقيدات. النماذج: اليمن وسوريا والعراق. وتلعب هذه التعقيدات دوراً كبيراً في إضعاف القدرة على تصفية قوى الإرهاب الإسلامي السياسي التي أطلقتها الولايات المتحدة والسعودية وباكستان قبل ما يقرب من ثلاثة عقود في أفغانستان وامتدادها إلي أمريكا والشرق الأوسط وأوروبا أخيراً.

إن حرباً ناجحة ضد داعش ومن يماثلها على صعيد البلدين والمنطقة يتطلب خوض حرب على كل تلك الجبهات العسكرية والأمنية والفكرية والسياسية والإعلامية وعلى الفساد وضد بيع المزيد من الأسلحة التدميرية لقوى ودول المنطقة، يتطلب إيقاف التدخل في شؤون هذه البلدان. وستبقى هذه البلدان عرضة لقوى التطرف والإرهاب ما دام الفقر والتخلف والنهب والحكومات المستبدة ومصادرة الحريات هي السائدة في هذه البلدان والمدعمة من دول الغرب دون استثناء.




 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter