|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الأثنين  28 / 7 / 2014                                 د. كاظم حبيب                          كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 


 

الموت يحاصر الشعب وليس في النخبة الحاكمة من منقذ له!!

كاظم حبيب

لقد سُجن الشعب العراقي عقوداً طيلة، لقد عاش في معسكر الاعتقال الفاشي الكبير، كان يعيش تلك العقود في ظُلمتين. كان يعاني تحت وطأة حزب ونظام البعث الدمويين. تعرض الشعب فيها لشتى صنوف العذاب والمرارة والحرمان والموت. غياب حرية الرأي والتنظيم والتظاهر والإضراب، الاعتقال الكيفي والتعذيب والقتل تحته، أو القتل بالدهس أو بالزرنيخ أو بالأنفال والكيماوي أو التهجير القسري والتعريب أو بتجفيف الأهوار وتهجير سكانها ومنع الحياة فيها أو بالحروب الدموية الداخلية والخارجية أو بالانتفاضات الشعبية ...الخ. عاش البؤس والفاقة الفكرية والحصار الدولي الظالم، عاش الجوع والمرض والجهل والخرافات والسحر والعبثية. هكذا عاش طوال أربعين عاماً أو يزيد (1963-2003م) على هذه الحالة المرعبة وفقد خلالها ما يزيد عن مليون قتيل وأكثر من مليون إنسان جريح ومعوق وأكثر من ثلاثة ملايين ونصف المليون مهجر قسراً أو هروباً من قتل واعتقال وتعذيب ودوس على الكرامة وعلى جميع حقوق الإنسان، ومئات المليارات من الدولارات الأمريكية.

واعتَقَدَ الناس، أغلب الناس، بأنهم سيعيشون بحرية ورفاهية وسعادة وكرامة بعد سقوط الدكتاتورية الفاشية الغاشمة، وأن الموت سوف لن يحاصرهم مرة أخرى كما حاصرهم طيلة سنوات الحروب الثلاث المتتالية واستبداد النظام وأجهزته. ولكنهم لم يدركوا إن الإستراتيجية الدولية كانت غير تلك التي كان الفرد العراقي البسيط والطيب قد فكر بها واقتنع بدعايات البيت الأبيض وسادنه جورج دبليو بوش ووكالة المخابرات المركزية الأمريكية بأنهم سيعيشون في الحرية ويتمتعون بالديمقراطية والرفاهية!!! فشنت الحرب في العام 2003 وسقط الدكتاتور الصنم وانهارت الفاشية البعثية وهشمت الدولة العراقية بكل مؤسساتها وبدأت عمليات تغييب الذاكرة وتهشيم التراث وسرقته، .. وماذا بعد؟

أقيم على أنقاض الدكتاتورية القومية البعثية دكتاتورية جديدة، دكتاتورية المحاصصة الطائفية والأثنية، دكتاتورية دينية طائفية سياسية لحزب الدعوة الإسلامية ورئيسها الدكتاتور الجديد نوري المالكي. وعاد العراق منذ أكثر من عشر سنوات يعيش في دوامة الصراع والنزاع والموت. وبدأ الموت يختطف الناس على الهوية الدينية والمذهبية والفكرية، يحاصر الإنسان العراقي في كل مكان، لا منفذ له، فمن لا يموت اليوم يموت غداً أو بعد غد أو الهجرة، ومن لم يمت على أيدي الانتحاريين يموت على أيدي ميليشيات طائفية مسلحة أو على أيدي من بيده الحكم.

كان الموت في زمن الدكتاتور يمارس من قبل الحكم وأجهزته أو بسبب سياساته، أما اليوم فالموت يحاصر الناس في كل مكان ومن قوى كثيرة لا حصر لها. إنهم في كل مكان. فمن لا يموت على أيدي انتحاريي داعش والقاعدة والبعث المسلح، يموت على أيدي عصائب أهل الحق وحزب الله وبدر وجيش المهدي وما شاكل ذلك، أو على أيدي أجهزة أمنية خاصة مكلفة بتنفيذ مهمات القتل أو على أيدي قوى مكلفة بذلك، سواء أجاءوا من إيران أم من قطر أم من السعودية أم من تركيا. فكلهم قتلة جاءوا ليذبحوا الناس أو يهجرونهم كما هجروا المسيحيين والشبك وغيرهما من الموصل.

الموت يحاصر الناس في الموصل وصلاح الدين وتكريت والفلوجة وكركوك وبغداد وبابل وخانقين والسعدية، الموت يحاصر المسيحيين والشبك والإيزيديين والصابئة المندائيين والشيعة والسنة، الموت يحاصر الجميع إلا النخبة الحاكمة، إلا النخبة السياسية القاطنة في المنطقة الخضراء لأنها تشارك في حصار الناس بالموت بسبب إصرارهم على البقاء في السلطة وعجزهم الفعلي والكامل عن تحقيق الوحدة الوطنية المفقودة حالياً والتي بها وحدها وليس بغيرها يمكن مكافحة الإرهاب وصنوه الفساد.

الموت يحاصر الإنسان العراقي البسيط/ رجلاً كان أم امرأة، طفلاً كان أم شيخاً مسناً، وليس ذلك بغريب في بلد يسوده نظام سياسي طائفي بامتياز، يتنكر للهوية الوطنية، هوية المواطنة الحرة والمتساوية، يلتزم بإصرار عجيب بالهوية الفرعية الطائفية والأثنية القاتلتين، يلتزم بالتمييز بين الهويات الفرعية لصالح هوية واحدة وضد الهويات الأخرى، يحتقرها من المنطلق العنصري العدواني "أنا" و ألـ"آخر". أنا الصح والبقية خطأ! هذه هي فلسفة القوميين الشوفينيين والطائفيين المتشددين في كل مكان وزمان، هذه هي فلسفة كل الذين يمارسون الأساليب الفاشية في الحكم وعلى رأسها التمييز بين الناس في البلد الواحد أو في العالم وبغض النظر عن أي أساس أو منطلق يبنى هذا التمييز.

الحكم السياسي القائم بالعراق، حكم طائفي بامتياز يقوده حزب الدعوة وقائمته "دولة اللاقانون" ويرأسه شخص لا يحس بعذابات الشعب ومراراته، بل يساهم بها ليبقى على رأس السلطة رغم فشله الكامل سياسياً وأمنياً وعسكرياً واجتماعياً واقتصادياً، ليطبق قاعدته المجنونة "أخذناها بعد ما ننطيها!" تماماً كما كان الدكتاتور صادم حسين يردد دائماً "جئنا لنبقى". يجب أن يرحل هذا النظام الطائفي القائم بالعراق لكي ينتصر العراق، لكي يحقق وحدته الوطنية، لكي يجابه الاحتلال والعدوان الداعشي وغيره بالعزيمة الوطنية التي عرف بها. لتنتصر إرادة الإنسان العراقي في إقامة دولة مدنية ديمقراطية اتحادية، دولة المواطنة الحرة والمتساوية.

 

28/7/2014
 


 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter