|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الثلاثاء  27 / 8 / 2013                                 د. كاظم حبيب                          كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 


 

سلوك السفير العراقي ببرلين هو الاحتجاج والهروب
بدلاً من الإصغاء لملاحظات الناس!!

كاظم حبيب

عقد بين 22/8/-24/8/2013 مهرجاناً ثقافياً سنوياً ببرلين حضره جمهور عراقي وعربي للمشاركة على مدى ثلاثة أيام بتقديم أو الاستماع لمحاضرات ومداخلات في قضايا الفكر والشعر والمسرح والفن التشكيلي وخوض النقاش الثقافي المتفتح والمتحضر.

بدأ المهرجان بكلمة مكثفة وهادئة قدمها رئيس نادي الرافدين الثقافي العراقي ببرلين الدكتور مجيد القيسي لم يتعرض فيها إلى وضع العراق السياسي بل تحدث بجملة مكثفة ومختصرة عن الحياة الثقافية والمثقفين وأشار إلى بعض معاناتهم ودعا إلى تحسين أوضاعهم.

كان من بين الحضور المدعوين لهذا المهرجان سفير العراق الدكتور حسين الخطيب ومعه ثلاثة من طاقم السفارة. أعطيت للسفير الكلمة بعد رئيس النادي مباشرة. حال بدئه الكلمة أشار إلى إن كلمة الدكتور مجيد القيسي كانت ظالمة بحق العراق لأنه تحدث عن واقع المثقفين والحياة الثقافية بالعراق وقال بأن من ينتقد العراق عليه أن يتحدث عن جوانبه الإيجابية أيضاً. ثم بدأ بسرد ما يراه من جوانب إيجابية في العراق على مدى 15 دقيقة، إذ أكد بأن المثقفين يعيشون في حالة ازدهار ويسر لا مثيل له وإن الثقافة في تقدم وانتعاش وتحدث عن منجزات تحققت للعراق خلال السنوات الأخيرة، إضافة إلى الحرية والحياة الديمقراطية والانتعاش الفكري والثقافي. ويبدو إن الشعب العراقي نفسه لم يسمع ولم ير عن هذه المنجزات التي حققها النظام السياسي بالعراق! ثم تحدث عن أهمية الاستماع للرأي الآخر وخوض النقاشات الهادئة وإن على الماركسي أن يستمع للآخر وأن على الديني أن يستمع للماركسي. أي تحدث عن المجتمع المدني وأهمية تطوير الحوار والاستماع للرأي والرأي الآخر.

ورغم ابتعاد خطاب السفير عن جو المؤتمر الثقافي وواقع العراقيات والعراقيين ببرلين والبدء بحديث سياسي طويل وممل عن منجزات غير موجودة إلا في رأس السفير ورئيس وزرائه، فأن حديثه عن الاستماع بإصغاء للرأي والرأي الآخر كان مقبولاً. لقد حصد كلام السفير استياءً عاماً لدى الحضور لأنه تحدث عن قضايا غير موجودة بالعراق، بل كان يحلم. وكانت هناك رغبة لدى الكثيرين في أن يردوا على خطاب السفير العراقي الدعائي وكأنه في مدرسة ثانوية ألمانية يتحدث لطلابها عن منجزات النظام وهم لا يعرفون شيئاً عن العراق ولم يسمعوا بما يجري فيه.

إزاء هذا التزويق المتعمد لواقع العراق السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي وإزاء حديثه وترحيبه بالاستماع للرأي والرأي الآخر، طلبت من الهيئة المشرفة على تنظيم المهرجان السماح لي بتعليق موجز. وافقوا على ذلك.

تحدثت عن أهمية تطوير العلاقة بين النادي الثقافي العراقي والسفارة العراقية باعتبارها بيت العراقيين، ثم تطرقت إلى واقع العراق الراهن من حيث الأوضاع المعقدة التي يمر بها وما يفعله الإرهابيون والبعثيون الصداميون المجرمون من تعاون في القتل والتدمير وسقوط ما يقرب من 30 قتيلاً يومياً كمعدل وتزايد عدد الجرحى والمعوقين.

هذا يحصل في وقت يزداد الصراع السياسي بين الأطراف الحاكمة وعجز الحكومة عن توفير الحماية للشعب حتى الآن رغم مرور عشرة أعوام على سقوط الدكتاتورية المجرمة. واشرت إلى إن الأزمة بالأساس هي بنيوية ترتبط بوجود نظام سياسي يقوم على المحاصصة الطائفية.

كما تطرقت إلى أوضاع الثقافة والمثقفين الفعلية وإلى عدد القتلى من الصحفيين, دع عنك عدد القتلى من الأطباء والمثقفين وغيرهم. ثم أشرت على كلمة رئيس الوزراء في الاحتفال التأبيني الذي أقيم في ذكرى استشهاد محمد باقر الصدر حين هاجم الملحدين والعلمانيين واللبراليين والماركسيين دون وجه حق ودون أدنى مبرر.

وحين بدأت بالحديث عن هذا الواقع بدأ السفير العراقي يتململ في مكانه ويحدث جارته من طاقم السفارة العراقية وبدأ يقول بصوت مسموع بأن هذا غير صحيح وهذا غير مقبول وأنا سوف أخرج.

قلت له أخي الفاضل حين كنت تتحدث لنا استمعت لك بإصغاء رغم اختلافي معكم، ولكن من واجبكم كسفير للعراق أن تستمعوا إلينا أيضاً وأن تنقلوا رأينا للحكومة العراقية.

ولكنه رغم ذلك نهض دون أن يحترم الحضور أو يحترم نفسه وطلب من طاقم السفارة أن ينهضوا معه وغادروا القاعة. وحصد استياء الحضور لهذا السلوك المشين للسفير العراقي ببرلين. وأثناء خروجه كان يردد لمن طلب منه العدول عن الخروج : هذا ما مقبول أبداً وتماماً وسوف لن أحضر بعد الآن!!

لقد سقطت مصداقية السفير العراقي الدكتور عبد الحسين الخطيب في هذا اللقاء مع العراقيين والعرب ببرلين بعد أن كان تحدث عن الاستماع بإصغاء للرأي والرأي الآخر باعتباره مدنياً أو كان يعمل في إطار منظمات مجتمع مدني دينية حين كان مواطناً في هولندا، إذ لم يحتمل أن توجه ملاحظات واقعية عن الوضع بالعراق.

ومن الغرابة بمكان أن يكون سفيراً للعراق ببرلين ولم يتتبع خطب رئيس وزراء العراق، ومنها خطابه في الحفل التأبيني للشهيد محمد باقر الصدر، إضافة إلى مئات المقالات التي كتبت نقداً لذلك الخطاب العدواني ضد الرأي الآخر.

إن هوية السفير الدكتور حسين الخطيب الحزبية ينبغي أن لا يحملها معه كسفير للعراق، بل عليه أن يحمل الهوية العراقية أولاً وأخيراً. وهذا لم يحصل في هذا اللقاء. ولا يهمني أنه قد غيّر هويته من عضوية المجلس الإسلامي الأعلى بالعراق إلى عضوية حزب الدعوة الإسلامية, فهذه قضية تهمه شخصياً، ولكنها تعبر عن روحية معينة يدركها هو قبل غيره. ولكنه برهن في هذا اللقاء على إنه ضيق الأفق وضيق الصدر ومحدود في فهمه للمجتمع المدني وعاجز عن وعي ما يجري بالعراق، كما إنه عاجز عن أن يدرك بأن عليه أن لا يكون كالنعامة تدفن رأسها في الرمال حين ترى العدو، بل عليه أن يواجه حقائق الوضع في البلاد ويتحرى عن حلول لها لا عن إخفائها بغربال لا يمنع من اختراق أشعة الشمس.

كم كان بودي أن يكون حديث السفير واقعياً لهللنا جميعاً له لأن ذلك يهم كل مواطن ومواطنة بالعراق في أن يكون العراق مزدهراً. ولكن الوضع بالعراق بالعكس من ذلك تماماً. لقد كان السفير حالماً واهماً تماماً ونائماً وبعيداً عن واقع العراق الراهن.

إن من واجبي كمواطن أن أطرح على وزير الخارجية العراقي الأستاذ هوشيار زيباري سلوك السفير العراقي الدكتور حسين الخطيب ببرلين والذي لم يمارس موقفاً حضارياً سليماً، إذ لم يكن النقد موجهاً له شخصياً، بل لمضمون الحديث الذي تقدم به والذي عرض الأمر وكأن العراق یعیش فی عالم سحري وخيالي جميل, وهو في ذلك أشبه ما يكون بما عبر عنه المثل الشعبي العراقي القائل صوّر الأمر بالعراق وكأن "الهور مرگ والزور خواشيگ" .

لقد خرج السفير من المهرجان محتجاً ولم يستمع لرأي الآخرين، إذ تحدث بعدها الأستاذ زهير كاظم عبود الذي أشار إلى التباين الشديد بين حديث السفير الدكتور حسين الخطيب وبين الواقع الثقافي وحالة المثقفين بالعراق وأوضح المصاعب الجدية والمشكلات المعقدة التي تواجه البلاد في ظل الإرهاب والعجز عن مواجهتهم حتى الآن كما شرح باختصار ووضوح المعاناة والتهميش الذي تعيشه الثقافة والمثقف في العراق مما يجعل خروج السفير تناقضا مع ما طرحه في قبول الأخر.

وألى القراء والقارئات بعض صور من المهرجان تتعلق بالسفير العراقي الدكتور حسين الخطيب وهو يلقي كلمته وأخرى وهو يستمع للمتحدثين بالمهرجان وثالثة تمثل الدكتور كاظم حبيب وهو يلقي تعليقه.



 

21/8/2013

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter