|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الخميس  27 / 11 / 2014                                 د. كاظم حبيب                          كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 


 

أما يزال الإنسان العراقي يقف على كف عفريت، أما يزال تحت رحمة الإرهابيين؟

كاظم حبيب

المراسلة مع المواطن بالوطن ضرورة دائمة لجميع المقيمين بالخارج، فهي الحبل السري الذي يربط الإنسان بالوطن وأهل الوطن وحياة الناس اليومية. إنها الغذاء الروحي اليومي الذي يتزود به الإنسان ليبقى على مقربة من حياة ومرابع الطفولة والصبا، إنه الحنين الدائم إلى أرض الأهل والأصدقاء والشعب، إنه العذاب النفسي الدائم الذي لا يحس به إلا من هو بالغربة مقيم.

تصلني رسائل كثيرة من أناس لا أعرفهم, ومن آخرين عرفتهم على عجل، ومن آخرين أعرفهم جيدا. هذه الرسائل تحمل الكثير من الآلام والمحن، ولكن البعض الكثير منها يحمل الحلم والأمل بالخلاص. بعضها يحمل شكوى يريدني أن أجعلها موضوعاً لمقالاتي اليومية تقريباً، ومع انسداد الصحف المحلية بوجه مقالاتي النقدية، فأن أبواب المواقع مفتوحة عليها دون استثناء.

الرسائل التي تصلني تساعدني على العيش اليومي مع الناس في وطني المستباح من الإرهابيين والفساد، على التفاعل مع الأحداث اليومية، على معرفة بموقف الناس باتجاهاتهم المختلفة. رسائل تجعلني أتلظى باللهيب المشتعل بالعراق، أعيش مع القتلى، مع أنين الجرحى والمعوقين وآلامهم، مع حزن وبكاء الأمهات والآباء والأزواج والزوجات الثكالى ومع الأنباء والبنات اليتامى الذين فقدوا عزيزاً أو عزيزة لهم. أبقى الليل ساهراً مفتوح العينين أفكر في من قتل أو جرح منهم، ولماذا قتل أو جرح. أتساءل عن أسباب هذه العبثية الظالمة والمجنونة والقاتلة. أفكر في الحالة النفسية والعصبية للناس جميعاً، ولكن وبشكل خاص للأطفال والصبية الذي يرتعبون من أصوات الانفجارات الهائلة التي تقع يومياً في هذه الساحة أو تلك وفي الشارع أو ذاك وفي هذا السوق الشعبي المزدحم بالفقراء من الناس أو ذاك، وتلك الانفجارات التي هزت البيوت القديمة التي تهاوت على رؤوس ساكنيها من الفقراء أو كسرت زجاجات النوافذ وجرح فيها من جرح أو قتل.

أحياناً كثيرة أنهض من سريري وأذهب إلى الحاسوب في محاولة مني لكتابة مقال عما يجري ببلاد الرافدين. أحيانا ينساب القلم سهلاً، وأحياناً أخرى يكون عصياً يعذبني. أشعر بإرهاق شديد، اترك القلم لأعود إلى السرير حاملاً معي أرقي وصور الأشلاء المتناثرة تملأ سقف وأجواء غرفة النوم!

وفي الصباح الباكر أعاود الكتابة ثانية وأضع الخطوط الأولية لمقال جديد. ما أن أبدأ بالكتابة حتى أتسلم رسائل أخرى عبر البريد الإلكتروني تروي لي ولغيري وقوع جرائم بشعة أخرى ترتكب في طول البلاد وعرضها. ضحاياها هم المسيحيون، الإيزيديون، الصابئة المندائيون، الشبكيون، الكاكائيون، البهائيون، المسملون شيعة وسنة، اللا دينيون، العرب، الكُرد، التركمان، الكلدان الآشوريون السريان، الفرس، زوار العتبات، أو المصلون في الكنائس والجوامع أو المساجد، أو طلبة المدارس أو النساء أو الرجال أو الأطفال والصبايا, إنهم ضحايا أبرياء، إنه بنات وأبناء شعب العراق، إنهم من أهل الموصل الحدباء والفلوجة وديالى وبغداد وغيرها وغيرها.

واليوم وصلتني رسالة حزينة من صديق أعتز به كثيراً جاء فيها:
"عدت يوم أمس من كردستان إلى بغداد الحبيبة ... وبعد ساعتين من وصولي خرجت انأ وابنتي ملاك (6 سنوات) إلى الطبيب وعلى بعد 10 أمتار انفجرت سيارة مفخخة قربنا، حملت ابنتي وانأ اركض وسط النار وفوق الشظايا وابنتي تقول لي باب ما أريد أموت عندي باجر امتحان .. وتسألني من الذي قام بالانفجار هل هم داعش أم العراقيين وعندما وصلت البيت وجدت زجاج النوافذ قد تكسر وان زوجتي وابني مهيمن في وضع يرثى له".

كتبت للصديق رسالة قصيرة أعلن فيها عن سعادتي بنجاته ونجاة ابنته وزوجته وابنه وتمنيت لهم الصحة والسلامة في بلد ما يزال يفتقد الأمن والسلامة. ولكن في الوقت نفسه حزنت لمن مات بفعل هذا الانفجار ومن جرح أو عوق منهم، لمن أخرج من دائرة النشاط الإنسان الاقتصادي والاجتماعي.

لقد ترك الحكام الشوفينيون المستبدون العراق، الذين عاثوا في البلاد إرهاباً وحروباً وفساداً، ساحة حرب طائفية مدمرة. الموت يحصد الناس في الموصل، في سنجار والفلوجة وهيت والسعدية وخانقين ... وبغداد.

وإذا كانت جمهرة من قادة النظام الاستبدادي القديم قد حوكمت وصدرت بحقها الأحكام العادلة، فأن قادة النظام السياسي الطائفي الذي ورث مخلفات النظام السابق وساروا على طريق الاستبداد والظلم والظلام وتسببوا بما يعاني منه الشعب في الوقت الحاضر، وفي المقدمة منهم نوري المالكي والنجيفي ومن لف لفهما، ما زالوا يحتفظون بمراكز قيادية في الدولة العراقية الهشة والمتزعزعة ويقفون حجر عثرة شرسة في طريق التحول أو الإصلاح ويتسلمون رواتب ضخمة، إلى جانب الثروات التي تكونت لهم خلال الفترة المنصرمة، وكلها من السحت الحرام. ورغم الإجراءات الطيبة الأخيرة لحكومة العبادي، فهل في مقدورنا الإدعاء بأن الإنسان العراق لا يقف على كف عفريت، وأنه لا يعاني من شراسة وقسوة وجنون الإرهابيين من الإسلاميين السياسيين التكفيريين، وأن الموت لا يراوده في كل لحظة وفي كل مكان؟

إن الاختراقات ما تزال موجودة في أجهزة الأمن والشرطة العراقية وفي الأجهزة المدنية أيضاً، وإلا لما استطاع هؤلاء القتلة ممارسة التفجير اليومي في مناطق كثيرة من العراق، كما أن الحكومة ما تزال لم تكسب ثقة الشعب لكي يساهم معها في الكشف عن المجرمين والتصدي لهم، وإن الناس ما زالوا ينتظرون التنظيف والتطهير لكبار الفاسدين والمفسدين العاملين في مؤسسات الدولة القيادية وفي كل المواقع التي يمكن أن تكون أداة بيد من لا يريد لعملية الإصلاح أن تتقدم نحو الأمام، ومن يريد الانتقام من رئيس الحكومة الجديد الذي أخذ موقعه بالرغم من قوله "أخذناها بعد ما ننطيها" وكأنها ملك والده وجده، أو كما ل صدام حسين في حينها "جئنا لنبقى" وكلاهما كان يقصد نفسه وعائلته لا غير.

 


25/11/2014
 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter