|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الأربعاء  26 / 8 / 2015                                 د. كاظم حبيب                          كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

متى سيستفيد العراق من كوادره العلمية؟

كاظم حبيب 

قبل أيام قليلة أصدرت جمهرة كبيرة من المثقفات والمثقفين الوطنيين بياناً موجها إلى الشعب العراقي وإلى السيد رئيس مجلس الوزراء أكدت دعمها لمطالب المتظاهرين بوضع حدٍ للفساد الذي ينخر في عظام الشعب منذ سقوط الدكتاتورية الغاشمة حتى الوقت الحاضر، وإلى استمرار التدهور في الخدمات وانقطاع التيار الكهربائي في هذا الصيف اللاهب، وتزايد عدد العاطلين عن العمل وغياب التنمية والفشل في بناء المشاريع الاستثمارية وتبديد الموارد الناضبة والنهب والهدر المتواصلين، إضافة إلى الاستئثار بالامتيازات والرواتب الخيالية التي يتمتع بها المسؤولون، ابتداءً من الرئاسات وليس انتهاءً بالنواب. وأكد البيان على دور المحتلين والأحزاب التي جاءت معه "في فرض نظام المحاصصات الطائفية والفئوية والعرقية. فقسموا العراق الواحد إلى عراقات ضئيلة تتناحر على ثروات الشعب العراقي".

ثم تطرق البيان إلى الكارثة التي حلَّت بالموصل بعد أن فَقَد الشعب الأمن والاستقرار والثقة بالحكومة بما ساعد على قيام العصابات المتوحشة (داعش) باحتلال ما يقرب من ثلث مساحة العراق، ومارست بهمجيتها أبشع أنواع التنكيل والسبي وانتهاك الأعراض، وإعدام المئات لأقل هفوة؛ كل ذلك باسم الإسلام والجهاد الإسلامي.

وسجل البيان حقيقة أن العراق قد فقد أكثر من عقد من السنين كان يمكن أن يُكرس للتنمية والإعمار والتشغيل، ولتحرير المرأة من عبوديتها، والأطفال من شوارعهم، والفقراء من فقرهم، والمرضى من أمراضهم، أكثر من عقد من الزمان تلاشت خلاله الأحلام، وانتكست الأعلام، وتُركت الساحة للصوص اللئام!!!

ولا شك في أن هذا البيان لا يعبر عن الموقعين عليه حسب، بل على الملايين من أبناء وبنات الشعب العراقي الذين خذلوا بفظاعة خلال الفترة التي أعقبت 2003 بعد أن كانوا يطمحون، بعد إسقاط الدكتاتورية، لا أن يتمتعوا بالحرية والديمقراطية وممارسة حقوق الإنسان، ولا أن يتمتعوا بحياة دستورية برلمانية نزيهة وأمينة لمصالح وإرادة الشعب العراقي بكل مكوناته القومية والدينية والمذهبية والفكرية المتحضرة التي حرموا منها طوال خمسة عقود عجاف ومريرة حسب، بل وأن يتمتعوا بخيرات بلادهم ويعيشوا بأمن واستقرار وسلام وتنمية اقتصادية وتصنيع وتحديث الزراعة وتطوير الخدمات العامة والإنتاجية.

والبيان الموقع من كوادر ثقافية عراقية نسائية ورجالية من مختلف الاختصاصات العلمية والإنسانية والتقنية والفنية من داخل الوطن وخارجه يعلن عن استعداد هذه الكوادر في وضع كل الإمكانيات المتوفرة في خدمة تنفيذ تلك الإصلاحات التي أصدرها مجلس الوزراء، وتلك التي أقرها مجلس النواب، الذي لم يكن أمامه أو بيد كتله السياسية خيار آخر أمام المدّ الجماهيري الواسع! ثم أشار البيان "إلى واحد من أهم الإصلاحات المقرة هو أن تكون المناصب الإدارية العليا والتخصصية، بما فيها الوزارية، مناطة بالأشخاص من ذوي الكفاءة والتخصص، أي التكنوقراط المؤهلين، وليس السياسيين الذين من بينهم من زور حتى على مستوى شهادته الابتدائية، وربما بينهم حتى من يستطيع بالكاد أن يفك الحرف. نعم، نحن طوع بنانكم، نقولها من منافينا في مهاجرنا المنتشرة على الأرض، كما يقولها مثلنا مرادفونا في الداخل."

وأهاب البيان بالسيد رئيس الوزراء في أن لا يهمل مضمون هذا البيان، إذ إن الاستجابة له تعني تعزيز قدرات العراق الفنية والعلمية والعملية على تخطي صعاب المرحلة المعقدة الراهنة وتعبئة أوسع الأوساط الشعبية والكوادر المثقفة حول مهام عملية الإصلاح وإنجاحها والتخلص من أسس المحاصصة الطائفية والفساد والإرهاب وبناء عراق جديد حر وديمقراطي مزدهر. إن الشعب العراقي
يعمل على الالتزام بمبادئ أساسية منها التداول الديمقراطي والبرلماني السلمي للسلطة والفصل بين السلطات وفصل الدين عن الدولة واحترام وممارسة حقوق الإنسان وحقوق القوميات وأتباع الديانات والمذاهب.

كم كان مصيباً السيد رئيس الوزراء حين التقى بمجلس محافظة البصرة وطرح عليهم الفكرة الآتية التي تضمنها بيان المثقفات والمثقفين العراقيين: إن" مصلحة الوطن يجب أن تكون فوق مصلحة الأشخاص وإعطاء مجال للأشخاص المهنيين لشغل المناصب"، ثم قال متسائلا من" الذي أعطانا الحق لتوزيع المناصب بين الكتل؟". إن هذا السؤال هو الذي كان وما يزال طرحه الشعب العراقي منذ عقد من السنين ورفعته مظاهرات 2011 و2013 وترفعه الآن مظاهرات 2015. وإنه بدأ بالاستجابة لهذه المطالب التي قال عنها إن" التنازل لأمور المواطنين ليس عيبا". والشعب العراقي كله بانتظار التنفيذ!



نشر المقال في جريدة العالم/ بغداد بتاريخ 24/8/2015
 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter