|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الثلاثاء  26 / 8 / 2014                                 د. كاظم حبيب                          كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 


 

معاني غياب التضامن العربي وحضور التضامن الكُردي بالعراق ومنطقة الشرق الأوسط

كاظم حبيب

من يتابع تطور الأحداث الأخيرة بالعراق والكوارث التي حلَّت بمكونات الشعب العراقي المسيحية والإيزيدية والشبك والتركمان وكذلك الكُرد والعرب من شيعة وسنة، سيجد أمامه ظواهر غريبة وسلبية لم يعرفها الشعب العراقي في السابق، أي قبل وبعد ثورة تموز 1958 بقليل. فخلال العقود الخمس الأخيرة تعرض سكان العراق إلى محن كثيرة ابتداء من تتابع الانقلابات العسكرية وسيادة الدكتاتورية الشوفينية وحملات الاضطهاد ضد القوى الوطنية والديمقراطية والحروب الداخلية ضد الكُرد في كُردستان العراق (في العام 1974/1975 وبشكل خاص في عمليات ومجازر الأنفال باعتبارها جرائم إبادة جماعية وضد الإنسانية) وضد الكُرد الفيلية في بغداد ووسط وجنوب العراق، وضد سكان الأهوار والسكان العرب في الوسط والجنوب وبغداد أيضاً، أو ضد العراقيين من أصل فارسي، وكذلك الحروب الخارجية التي فجرها حزب البعث والدكتاتور صدام حسين ضد إيران واجتياح الكويت وحرب الخليج الثانية والحصار الاقتصادي والضربات الجوية في العام 1998، إضافة إلى حرب الخليج الثالثة، الحرب التي أسقطت الدكتاتورية البعثية الشمولية والمستبد المطلق صدام حسين، كما هشمت أسس الدولة العراقية وأجهزتها المدنية والعسكرية وأحلت محلها دولة اتحادية ضعيفة وهشة ونظام سياسي طائفي. ولكن غاب خلال كل الفترة المنصرمة عن الساحة العربية والشرق الأوسطية والدولية أي تضامن حقيقي فعال ومؤثر وإيجابي مع الشعب العراقي ولصالح مكوناته القومية والدينية والمذهبية والسياسية وضد النظم السياسية الشمولية والمعاناة الحقيقة للإنسان العراقي عموماً والكادحين والفقراء والمثقفين نهم بوجه خاص.

ويمكن القول وبثقة عالية بأن الشعوب العربية والحكومات العربية وبرلماناتها ومنظماتها المهنية ونقاباتها ومنظمات المجتمع المدني وأحزابها السياسية لم تعبر بأي شكل كان عن تضامنها مع الشعب العراقي عموماً ومع الشعب الكُردي بإقليم كُردستان العراق خصوصاً، سواء ما حصل في العام 1988 حيث تعرض إلى مجازر مروعة راح ضحيتها خلال عدة شهور ما يزيد على 180 ألف إنسان كُردي مع عدة مئات من الإيزيديين الكرد والمسيحيين في كُردستان العراق أيضاً. كما لم يظهر أي تضامن مع العراقيات والعراقيين حين توجه صدام حسين بقواته العسكرية بضرب انتفاضة الربيع في العام 1991 للخلاص من نظام صدام حسين والطغمة الباغية، رغم ما فعله صدام حسين وطغمته أثناء غزوه الكويت واحتلالها من قبل القوات العراقية الغازية والجرائم البشعة التي ارتكبت ضد شعب الكويت والنهب والسلب الذي تعرض له الكويت بأمواله ومؤسساته وتراثه الحضاري. ولم تحتج على ما فعله النظام البعثي الصدّامي من قتل وتشريد وتهجير قسري وتعريب وهدر للأموال بالعراق. ولا شك في أن وراء هذا الموقف أكثر من سبب لم يكن المسؤول عنه الشعب العراقي أو الشعب الكردي بل كانت الحكومات العراقية المتعاقبة من جهة، والحكومات العربية الشوفينية والرجعية من جانب آخر، والأحزاب القومية والبعثية والإسلامية السياسية. كل تلك الحكومات وأغلب الأحزاب والقوى السياسية كانت تمارس تثقيفاً قومياً شوفينياً وعنصرياً متخلفاً وعدوانياً، إضافة إلى التثقيف الديني والطائفي المتسم برفض الآخر ونشر الكراهية إزاء والأحقاد وعدم الاعتراف بدين ومذهب الآخر والاستعداد لممارسة العنف ضد الآخر، سواء أكان من القوميات أو الديانات أو المذاهب الأخرى. وهذا ما حصل ويحصل بالعراق ولكنه حصل ويحصل في الدول الأخرى في منطقة الشرق الأوسط وغرب آسيا مثلاً. مما جعل الشعوب العربية بعيدة كل البعد عما كان يجري بالعراق أو إنها كانت مغسولة بعقولها ومقتنعة بتهم باطلة كانت وما تزال توجه ضد الشعب العراقي عموماً (العراق أهل الشقاق والنفاق !!) وضد الشعب الكُردي بشكل خاص (الجيب العميل والانفصالي والانتهازي!!).

وهذه الظاهرة السلبية السيئة والمثيرة للتعصب والكراهية والأحقاد تتجلى اليوم أيضاً وبشكل صارخ في موقف الشعوب العربية وحكوماتها من غزو مدينة الموصل واجتياحها واحتلالها والتوسع صوب باقي أقضية ونواحي وقرى محافظة نينوى، إضافة إلى بعض مناطق في محافظات صلاح الدين والأنبار وديالى وكركوك، والقتل الجماعي لسكانها أو تشريدهم في الجبال والوهدان، أو تنفيذ التفجيرات الإجرامية المتزايدة يومياً في مختلف مدن العراق، وبشكل خاص بغداد العاصمة، ثم ما حصل أخيراً بأربيل وكركوك وغيرها. وأخيراً وليس أخراً المجازر الرهيبة التي نفذتها هذه القوى الفاشية في قاعدة سبايكر في محافظة صلاح الدين وفي جامع مصعب بن عُمير في قرية الزركوش بمحافظة ديالى. لقد غاب عن الساحة العربية بشكل خاص التضامن الإنساني المنشود والضروري مع ضحايا عمليات عصابات الدولة الإسلامية في شمال العراق وتهديدهم لمحفظات كُردستان العراق والمحافظات العراقية الأخرى وقتل الآلاف من الناس الأبرياء على أيدي مجرمي داعش. ويمكن القول بكل ثقة بأن عدداً من حكومات الدول العربية في منطقة الشرق الأوسط وبعض المنظمات والمؤسسات والشخصيات العربية، وخاصة في بعض دول منطقة الخليج، متورطة تماماً في دعم عصابات داعش بالمال والسلاح والفكر المتطرف وفي تسهيل العبور إلى العراق، إضافة إلى إصدار بعض شيوخها فتاوى تحلل قتل أتباع الديانات الأخرى بدعوى الكفر، كما تحل دم الشيعة بدعوى الرافضة. ويزيد في الطين بلة دور إيران في تنشيط المليشيات الشيعية المتطرفة والمسلحة التي تمارس القتل لأتباع المذهب السني والشيعي المخالف لها أيضاً.

في مقابل هذا الموقف البائس للعرب بشكل عام، ما عدا قلة قليلة منهم، وقفت الشعوب الكُردية وأحزابها وقواها السياسية والمسلحة، كأجزاء من الأمة الكردية في الأقاليم الأخرى لكردستان الكبرى المجزأة، موقف التضامن القومي والإنساني والاستعداد للتضحية بالنفس والتطوع للقتال إلى جانب الشعب الكُردي بكُردستان العراق. وفي هذا الموقف الإنساني والقومي معاني الدفاع عن العراق في آن واحد. كما إن النسوة الكرديات المناضلات انخرطن في حمل السلاح وفي الدفاع عن شعب كردستان وعن العراق عموماً.

لقد تطوعت فصائل كردية من النساء والرجال من سوريا وفصائل أخرى من حزب العمال الكردستاني بإقليم كردستان تركيا وفصائل أخرى من كردستان إيران ونساء كرديات من إقليم كردستان العراق للمشاركة في الكفاح المسلح دفاعاً عن حياذ الوطن وحرية الكرد وحقوقهم المشروعة وضد الغزو الفاشي للدولة الإسلامية.

وبقدر ما يؤشر غياب التضامن العربي مع العراق خيبة أمل وسلبية حادة وإحباط، فإنها في حقيقة الأمر تجسد الواقع العربي المؤلم الراهن، والذي وجد تعبيره أيضاً في غياب التضامن العربي مع الشعب الفلسطيني في تصديه للعدوان الإسرائيلي المتفاقم والذي أدانته شعوب العالم كلها والمجتمع الدولي، ولكنه لم يحرك الشارع العربي المخدر حالياً والمستكين لكل شيء، فأن التضامن الكردي مع كردستان العراق والعراق عموماً يعبر عن وعي إيجابي وروح إنسانية عالية وشعور قومي سليم ونضال من أجل الحقوق المشروعة والعادلة.

إن العرب والمسلمين بحاجة إلى نضال فكري وسياسي وعمل فعلي متواصل ودؤوب على مستوى العراق والدول العربية والدول ذات الأكثرية المسلمة لتغيير النظرة القومية الشوفينية والدينية المتعصبة والنمطية التي زرعتها في المجتمعات العربية وذات الأكثرية المسلمة النظم السياسية والحكومات العربية والحكومات الأخرى على مدى قرون وعقود إزاء القوميات الأخرى وأتباعها وإزاء الديانات الأخرى وأتباعها والتي قادت وتقود إلى صراعات ونزاعات ودماء ودموع. وما يجري في عدد من الدول في منطقة الشرق الأوسط دليل على صحة ما اشرنا إليه في هذا المقال. إنها مهمة ثقيلة وكبيرة ولكنها نبيلة ولا بد من مواصلتها من جانب القوى الديمقراطية والتقدمية واليسارية والعلمانية الديمقراطية لصالح التعاون والتضامن والتفاعل والتلاقح بين ثقافات شعوب وقوميات هذه الدول، وضد التطرف والتعصب والكراهية والحقد الذي تنشره الأحزاب القومية اليمينية والأحزاب الإسلامية السياسية التي لا تقوم إلا على أساس طائفي سياسي مناهض للطوائف وأتباع الديانات والمذاهب الأخرى. إن على الدول العربية وذات الأكثرية المسلمة أن تتخلى عن اعتبار الدين الإسلامي هو دين الدولة، فالدولة لا دين لها، وعليها أن تعمد إلى إقامة دول مدنية علمانية ديمقراطية ونظم حكم مدني ديمقراطي يفصل بين الدين والدولة والسياسية ويلتزم بالحكمة القائلة الدين لله والوطن للجميع.


25/8/2014




 


 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter