|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الجمعة  25 / 7 / 2014                                 د. كاظم حبيب                          كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 


 

هل يمكن لإسرائيل أن تعيش دون سلام دائم وعادل مع جيرانها العرب ؟

كاظم حبيب

بلغ عمر الصراع العربي الإسرائيلي حتى الآن أكثر من 66 عاماً. وقعت خلال هذه الفترة ثلاث حروب كبيرة (1948، 1967 و1973) إضافة إلى حروب أخرى مع لبنان وغزة وأكثر من انتفاضة فلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي للقدس الشرقية والضفة الغربية. ووهي حروب تتوالد بفعل استمرار الصراع وعدم الوصول إلى حل سلمي وديمقراطي. وفي كل من هذه الحروب المتتالية، كان عدد القتلى والجرحى من الفلسطينيين الذين يواجهون آلة عسكرية إسرائيلية متقدمة ومسلحة بجميع أنواع الأسلحة التقليدية الأكثر حداثة في العالم، والمزيد من الخراب والدمار. ولكن وفي كل مرة كان عدد المجندين اليهود الذين يقتلون في هذه الحرب في زيادة ملموسة، لأن الطرف الفلسطيني لا يمكنه أن يقف مكتوف الأيدي أمام القوة العسكرية الإسرائيلية. وتدلل الحروب الأربع الأخيرة بين إسرائيل ولبنان (حزب الله) وإسرائيل وغزة إلى أن عدد قتلى المجندين الإسرائيليين في زيادة واضحة، إضافة إلى استخدام المقاتلين العرب أسلحة جديدة أكثر حداثة وأكثر بعداً كالصواريخ التي استخدمتها غزة في الحرب الجارية حالياً.

لن يكف الموت عن حصد المزيد من البشر من الفلسطينيين والإسرائيليين، رغم الفجوة الكبيرة بين عدد قتلى الطرفين في غير صالح الفلسطينيين، ولن يكف الخراب عن الاتساع وشموله مناطق أخرى في إسرائيل ودولة فلسطين المحتلة ومعها غزة، ما لم تكف حكومات إسرائيل المتعاقبة عن التفكير بالتوسع على حساب ما تبقى من الأراضي التي ينبغي إقامة الدولة الفلسطينية عليها. إن حكومات إسرائيل المتعاقبة، وهذا ما يؤكده نهجها الفكري والسياسي على امتداد العقود المنصرمة، إنها تريد التوسع، بغض النظر عن الضحايا البشرية والخسائر المادية في كل من الحروب السابقة، وبناء المزيد من المستوطنات في القدس الشرقية والضفة الغربية. وهو الأمر الصارخ الذي تدركه شعوب العالم كلها وتدركه حكومات المجتمع الدولي، ولكنها لا تقوم بما يمنع تحقيق أهداف هذا النهج، مما يؤدي إلى المزيد ممن الحروب والمزيد من الموت والخراب.

وفي المقابل فقد أدى هذا النهج السياسي الإسرائيلي التوسعي والعدواني، وعلى امتداد العقود المنصرمة، إلى نمو النهج السياسي المتطرف لدى بعض الفصائل الفلسطينية وخاصة قوى الإسلام السياسي المتطرفة في فلسطين، مثل حماس والجهاد الإسلامي، أو حزب الله بلبنان، أو الدولة الإسلامية الإيرانية وتركيا أو الأخوان المسلمين في كل الدول ذات الأكثرية الإسلامية. كما إن بعض القوى القومية العربية الأكثر تطرفاً ساهمت وما تزال تساهم في ذلك. وهذا النهج المتطرف يدعو إلى إلغاء الدولة الإسرائيلية وإلى استعادة الشعب العربي الفلسطيني لكل الأرض الفلسطينية. وهو الأمر الذي ليس فقط لم يتحقق، بل ساعد على توسع إسرائيل على حساب الأرض التي كانت من حصة الشعب العربي الفلسطيني على وفق قرار التقسيم في العام 1947.

إن المتتبع للصراع الفلسطيني الإسرائيلي يستطيع أن يشخص بوضوح أن هناك جهداً استثنائياً تبذله الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة من أجل عدم الوصول إلى حل للمعضلة القائمة بهدف السيطرة على مزيد من الأرض وفرض الأمر الواقع من جهة، كما إن المنظمات الإسلامية السياسية المتطرفة مثل حماس والجهاد الإسلامي أو غيرها لا تريد الوصول هي الأخرى إلى حل سلمي وديمقراطي لأنها تريد التخلص من إسرائيل كلها من جهة ثانية. وبالتالي يبقى الصراع والنزاع مستمرين والموت أيضاً. وبعكس ذلك نجد إن القوى المعتدلة في منظمة التحرير الفلسطينية وقوى السلام في إسرائيل تريدان ذلك. وبدأ الآن تمرد جمهرة من الإسرائيليين (50 امرأة ورجل) ضد تجنيدهم لخوض الحرب في فلسطين المحتلة وهي حرب غير عادلة.

إن الجهة القادرة على إحلال السلام بين الشعبين هي الدولة الإسرائيلية أولاً وقبل كل شيء من خلال عدم إعاقة الدخول في مفاوضات فعلية وحقيقية وليست شكلية بحجج واهية والاعتراف الفوري ودعم إقامة الدولة الفلسطينية الوطنية على أرض فلسطين على أساس حدود ما قبل حرب العام 1967 واعتبار القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية الجديدة، والانسحاب الكامل من كل الأراضي المحتلة حالياً على وفق اتفاقية إسرائيلية فلسطينية برعاية دولية وعلى أساس الأرض مقابل السلام وحماية أرواح جميع الناس في هذه المنطقة.

إن استمرار الصراع ليس في صالح إسرائيل على المدى البعيد لا من حيث عدد السكان ومعدلات النمو ولا من حيث تفاقم الكراهية والحقد المتبادل ولا من حيث قدرة الفلسطينيين على امتلاك الأسلحة الجديدة التي يمكنها أن تهدد كل مناطق الدولة الإسرائيلية. إن ميزان القوى على المدى البعيد، ما لم تحل المشكلة على أساس السلام العادل والدائم بين العرب واليهود وعلى أساس الدولتين، لن يكون لصالح إسرائيل. ولن ينفعها امتلاك السلاح النووي في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.

إن متابعة المعارك الأخيرة والقصف المتبادل والتباين في عدد القتلى وحجم الخراب والتشرد تشير إلى حقيقة مرة هي أن الكراهية والحقد المتبادل وتجييش القوى آخذة بالتفاقم بين الشعبين العربي والإسرائيلي، وأن هذه الكراهية تجلت في المظاهرات التي وقعت في الكثير من الدول الأوروبية ومنها فرنسا وألمانيا مثلاً حيث ارتفعت أصوات جمهرة من المتظاهرين بالعداء للسامية والتي لم تحصل وبهذه الصورة والصراحة من قبل في أوروبا.

لا شك في أن عدم التمييز بين سياسة الحكومة الإسرائيلية واليهود أمر خاطئ جداً من النواحي الفكرية والسياسية والإنسانية، كما إنه يلحق ضرراً بالغاً بالقضية الفلسطينية ذاتها ويزيد في الطين بلة، كما يحول تعاطف الشعوب الأوروبية عموماً إلى مناهضة المنادين بشعارات مناهضة للسامية باعتبارها موجهة ضد اليهود فعلياً، وبالتالي تصبح ضد التفاعل مع الشعب العربي في الأراضي الفلسطينية المحتلة وتأييد قضية التحرر من الاحتلال الإسرائيلي وإقامة الدولة الفلسطينية الحرة والمستقلة وعاصمتها القدس الشرقية. إنه شعار القوى القومية اليمينية المتطرفة وقوى الإسلام السياسية المتطرفة التي لا تؤذي الشعب الفلسطيني فحسب، بل وكل الشعوب العربية، وهو ما يواجهه العرب وغيرهم من القوميات في الوقت الحاضر، كما يجري الآن في شمال العراق أو غربه مثلاً.
إن المظاهرات السلمية لوقف نزيف الدم في المعارك الدائرة بين إسرائيل وغزة منذ أكثر من أسبوعين هو الهدف المركزي مع الأخذ بالاعتبار ما تعانيه غزة من حصار مرير. إن الحصار لم ولن يمنع حماس من الحصول على المزيد من الصواريخ أو إنتاجها ولمسافات مختلفة يمكن أن تصل إلى كل مناطق الدولة الإسرائيلية. لهذا فلا الحصار ينفع ولا استمرار الاحتلال ينفع ولا الحرب والمزيد من القتل والدمار تنفع في الخلاص من الأوضاع الراهنة والمستمرة منذ 66 عاماً، بل إن الحل السلمي والديمقراطي وإقامة الدولتين المستقلتين والمتجاورتين والمتعاونتين هو الحل الوحيد القادر على إحلال السلام لا بين عرب فلسطين ويهود إسرائيل فحسب، بل وبين الدولة الإسرائيلية وكل الدول العربية وبين الشعوب العربية والشعب الإسرائيلي. إنه الطريق الوحيد لعيش شعب إسرائيل بسلام مع جيرانهم العرب.
 


24/7/2014

 


 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter