|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الخميس  24 / 7 / 2014                                 د. كاظم حبيب                          كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 


 

الجرائم البشعة ضد بنات وأبناء شعبنا من المسيحيين بالعراق

كاظم حبيب

الجرائم التي ارتكبت ضد الإنسانية وجرائم الإبادة الجماعية باسم الدين أو العقيدة أو الأيديولوجية أو العرق ليست قليلة في العالم الذي نعيش فيه، سواء أكان قد وقع ذلك في أفريقيا أم آسيا أم في قارات أخرى مثل أمريكا واستراليا وما مارسته النظم الأوروبية في القرون المنصرمة. ولم تكن النظم السياسية العربية والخلافة الإسلامية بعيدة عن المشاركة في ارتكاب جرائم من هذا النوع المريع، سواء أكان ذلك في الماضي البعيد أو في فترات الدولة الأموية والدولة العباسية والدولة العثمانية، إضافة لما ارتكب بالعراق في فترة الحكم الملكي، ولكن بشكل خاص في فترة حكم البعث الأول وبشكل أخص في فترة حكم البعث الثاني. فما تزال أمامنا جرائم حكم البعث في إقليم كردستان العراق في مجازر الأنفال وحلبچة وتهجير الكرد الفيلية وزج شبابهم في الجبهات الأمامية للقتال في الحرب العراقية الإيرانية أو قتلهم في السجون، وكذلك التهجير القسري للعرب الشيعة من منطقتي الوسط والجنوب وبغداد بذريعة التبعية لإيران. فتاريخ الدول العربية والإسلامية ليس مجيداً في هذا الجانب، كما يرد في نشيد موطني، (...، بـلْ نُعيــــدْ مَـجـدَنا التّـليـدْ مَـجـدَنا التّليـد)، بل هو أسود وملطخ بدماء الكثير من أبناء وبنات القوميات وأتباع الديانات والمذاهب وأتباع الاتجاهات الفكرية والسياسية الأخرى.

وما حصل بالعراق من صراع ونزاع طائفي بين قوى إسلامية سياسية طائفية وميليشيات طائفية تابعة لها منذ سقوط الدكتاتورية الغاشمة ببغداد/ وما حصل من قتل على الهوية الدينية والمذهبية في الجنوب والوسط وبغداد ضد المسيحيين وضد الصابئة المندائيين وضد الإيزيديين وغيرهم من أتباع ديانات ومذاهب أخرى خير دليل على سلوك إلغائي وإقصائي للآخر، سلوك سادي وقناعة جائرة بأنهم الأصوب والأصح والآخر على خطأ ولا يحق له البقاء على قيد الحياة، بل ينبغي استئصاله.

هذا ما جرى بالعراق خلال السنوات العشر المنصرمة وفي ظل نظام طائفي محاصصي كرسه البيت الأبيض بإصرار وعناد مقصود ودعت وسعت إليه الأحزاب الإسلامية السياسية ذات الهوية الطائفية المقيتة. ولم تكن القاعدة وشبيهاتها، والتي تقترن دوما بالمدرسة الدينية الوهابية المتفرعة عن المذهب الحنبلي وعن تراث الكثير من قوى الإسلام في تاريخنا العرب كالخوارج، وحدها المسؤولة عن كل ذلك، بل شاركت معها كل المليشيات الطائفية المسلحة التي اقترن اسمها بالمذهب الشيعي، سواء أكانت قد تأسست بإيران في حينها أم بعد ذلك، ومنها عصائب أهل الحق وميليشيات جيش المهدي وميليشيات حزب الله وميليشيات منظمة بدر على سبيل المثال لا الحصر. ولم يكن من هجَّرَ المسيحيين والصابئة المندائيين أو غيرهم ببغداد والبصرة واستولى على دورهم وممتلكاتهم من تنظيمات القاعدة بل كان من المليشيات الشيعية المتطرفة والتي ما تزال مستولية على كل ذلك وما تزال تمارس هذا الأسلوب. ثم شاركت تنظيمات القاعدة بعد ذلك بعمليات إجرامية مرعبة كتفجير كنيسة أم النجاة ودور المسيحيين بغداد والموصل.

إن ما حصل بالعراق منذ التاسع من حزيران حتى الآن هو كارثة عظمى بالنسبة للشعب العراقي كله، حيث قامت قوات مسلحة مجرمة باجتياح واحتلال الموصل بساعات قليلة أمام هروب ونجاة بالنفس لأكثر من 50 ألف جندي وضابط وقائد عسكري عراقي من الموصل وترك الأسلحة والمعسكرات تحت تصرف القوات المجرمة التي هي من داعش والبعث وهيئة علماء المسلمين والنقشبندية وغيرها من التنظيمات المسلحة والعدوانية المتحالفة مع ما يسمى بـ "الدولة الإسلامية في العراق والشام" وخليفتهم أبو بكر البغدادي.

وتجلت المصيبة الأكبر في إعلان الخلافة بالموصل والبدء بتنفيذ النهج العدواني المجرم الذي اختارته هذه القوى التكفيرية لدولتها إزاء أتباع الديانات والمذاهب الأخرى بدءاً بقتل أعداد كبيرة من الشيعة وأئمة المساجد التي رفضت منح البيعة لهذا الخليفة الصعلوك، ثم قامت جريمتها الحالية بإعلان وتنفيذ خياراتها التي انتهت بهروب كل المسيحيين العراقيين من أصل أهل البلاد ومن سكنة الموصل من المدنية إلى أربيل ودهوك في إقليم كردستان وإلى بعض النواحي التابعة لمحافظة الموصل وتحت حماية حكومة الإقليم، وكذلك هروب التركمان من تلعفر باتجاه الإقليم وبغداد وبابل وغيرها.

لقد خلت الموصل من أهلها الأصليين، من المسيحيين، من بناة الحضارة العراقية وبناة الأديرة والكنائس، من مثقفيها ومنتجي خيراتها، من نسائها ورجالها وشبابها، ممن ولد أجدادهم من النساء والرجال فيها. لقد خلت الموصل من مكون ديني أساسي من المكونات الدينية والثقافية العراقية، من خيرة بناتها وأبنائها. لقد حصل هذا أمام أنظار الحكومة العراقية، وأمام أنظار كل الشعب العراقي، أمام أنظار حكومات وشعوب المنطقة والعالم. لم يحرك المجتمع الدولي والرأي العام العالمي ساكناً كما ينبغي حتى الآن. لم يقدم الدعم إلى أهل الموصل ليدافعوا عن مواطناتهم ومواطنيهم، بل شاركت جمهرة باغية منهم ومن غيرهم من العراقيين ضمن عساكر داعش والبعث وهيئة علماء المسلمين السنة وغيرهم في تنفيذ المخطط الإجرامي بحق العراق والمسيحيين وأتباع الديانات الأخرى.

حين سكتت الحكومة العراقية على ما جرى بحق المسيحيين بالبصرة وبغداد، وحين لم يكشف عن الجناة أول مرة، لم يكن يتوقع أن تتحرك الحكومة العراقية "الشهمة!" لمواجهة ما حصل ويحصل لأهل الموصل، لمسيحييها، لأهل العراق كلهم.

إن الجرائم التي ترتكبها داعش كبرى ورهيبة، إنها جريمة ضد الإنسانية وعلى المجتمع العراقي والدولي أن يتصدى لها لأنها لن تبقى محصورة بالعراق بل ستمتد إلى مناطق أخرى واحتمال امتدادها إلى إقليم كردستان واردة بالتأكيد ما لم تتوحد القوى لمواجهة هؤلاء القتلة الأوباش.

إن الصراعات الطائفية والأثنية الجارية بالعراق هي السبب وراء ما حل ويحل بالعراق منذ عشر سنوات وبعد سقوط الفاشية البعثية. ولن يستطع العراق النهوض ومواجهة ما حل به حتى الآن ما لم يتخلص من النظام المحاصصي الطائفي ومن سيطرة دكتاتورية المالكي وحزب الدعوة الإسلامية الذي حل عملياً محل حزب البعث العراقي.

إن الصدمات المتتالية والشديدة لا بد لها أن تُنهضَ الشعب العراقي من سباته العميق، سواء من اقتنع بالأحزاب الإسلامية الطائفية، شيعية كانت أم سنية، أم ارتبط بها مصلحياً، أن يدرك بأن هذه الصدمات لن تنتهي ما لم يتخلص العراق من الحكم السياسي الطائفي والأثني.


22/7/2014

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter