|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الأثنين  23 / 6 / 2014                                 د. كاظم حبيب                          كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 


 

شروط تغيير اللعبة الطائفية الراهنة إلى عملية سياسية وطنية ناجحة

كاظم حبيب

الحكام الحاليون بالعراق يعيشون وهماً كبيراً لا يجوز استمراره. فالعراق لا يمكن أن يحكم بنظام سياسي طائفي بأي حال. العراق ملك أبنائه جميعاً دون استثناء وينبغي أن يحكم منهم جميعاً لا من أتباع دين واحد ولا من أتباع مذهب واحد أو طائفة واحدة ولا من أتباع أثنية واحدة. هذا الخطأ الاستراتيجي الفادح الذي بني عليه العراق منذ اليوم الأول لتأسيسه وتواصل حتى إسقاطه بثورة تموز 1958، ثم كرس الحكم لطائفة واحدة أيضاً في أعقاب انقلابات بعثي- قومي، وقومي ومن ثم بعثي بعد سقوط حكومة عبد الكريم قاسم في العام 1963 حتى إسقاط الدكتاتورية البعثية الغاشمة تحت عبء وثقل أوزارها وجرائمها وحروبها الداخلية والخارجية ونهجها الشوفيني والطائفي والفاشي.

وبدلاً من تكريس نظام ديمقراطي يعترف بهوية الوطن والمواطنة وحق مشاركة الجميع في حكم البلاد، كرس الاحتلال الأمريكي – البريطاني النظام السياسي الطائفي القائم على قاعدة التخلف والتشوه والوعي المزيف، وأقامه على قاعدة المحاصصة الطائفية السيئة الصيت والفعل مع تسلم طائفة واحدة قيادة البلاد بدعم مباشر من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا. ولم يكن هذا التوزيع للحكم هو التعبير عن أكثرية وأقلية سكانية، بل كان يراد منه إذلال الشعب العراقي كله وليس تأمين أجواء الحياة الديمقراطية. إذ كانت الإدارة الأمريكية، وكذا بريطانيا، تدرك ما سوف يحصل بالعراق من صراع ونزاع طائفي مير. وكان هذا مبتغاهم. وكما أشار السيد عادل مراد، العضو القيادي في الاتحاد الوطني الكردستاني وسكرتير مجلسه المركزي إلى ذلك في لقاء مع جريدة الصباح البغدادية ونشر في النشرة الصادرة عن المجلس رقم 375 بتاريخ 22/6/2014 بقوله: ” إن أول من طرح فكرة تشكيل حكومة مدنية ديمقراطية موحدة في أعقاب سقوط النظام السابق هو فخامة الرئيس جلال طالباني، وكان الحاكم الأميركي في ذلك الوقت جي غارنر يؤيد هذا الطرح، ولكن بعد ثلاثة أسابيع فقط جاء الحاكم المدني بول بريمر بحقيبته التي كانت فيها خطة محددة لحكم العراق هي ليست في صالح العراق، لأنها خطة كرست للمحاصصة الطائفية، وطرح علينا فكرة تشكيل مجلس الحكم من 25 عضوا يمثلون مختلف الطوائف والمكونات ليكرس بذلك واقعا تقسيميا طائفيا لحكم العراق،..". لقد كان هدف الولايات المتحدة الأمريكية يتلخص في جعل العراق دولة هزيلة هشة وخربة ومدمرة وغير قادرة على النهوض والمشاركة الفعالة في منطقة الشرق الأوسطـ تلتهم أموال النفط الخام وتبقي العراق ريعياً استهلاكياً ومكشوفاً بالكامل على الخارج. وهذا ما هو عليه العراق حالياً.

إن ما جرى بالعراق ليس بمؤامرة أمريكية– بريطانية دبرت في ليلة وضحاها، بل هو جزء من إستراتيجية أمريكية في منطقة الشرق الأوسط يساهم في تنفيذها رؤساء الولايات المتحدة على التوالي والتتابع بغض النظر عمن يكون المسؤول الأول في البيت الأبيض. إن هذه الإستراتيجية عدوانية إزاء شعوب الشرق الأوسط وكلفت وتكلف وستبقى تكلف في المستقبل المتوسط أيضاً الشعب العراقي المزيد من الخسائر البشرية والمادية وتعطيل حركته نحو الأمام بل تدفع به نخو الخلف والتخلف والتشوه والصراع والنزاع المسلح كما يجري اليوم في أكثر من مكان بالعراق.

لقد وصل نظام المحاصصة الطائفية إلى طريق مسدود، لقد وضع البلاد على مشارف حرب أهلية، إن لم تكن هي الحرب الأهلية ذاتها. ولن يخرج العراق منها سالماً معافى كما يريده أبناء وبنات هذا الشعب. وإذا كانت اليوم قد اختلطت أوراق الناس من ذوي المطالب العادلة مع قوى الإرهاب الدموي، فالفضل في ذلك يعود إلى حكام بغداد الطائفيين، إلى الحاكم المستبد بأمره وحزبه الطائفي بامتياز وإلى من تعاون معهم على هذا الطريق من طائفيين شيعة وسنة، وفي المقدمة منهم إبراهيم الجعفري وعلي الأديب وهادي العامري وأسامة النجيفي وصالح المطلك وسعدون الدليمي ومجموعة غير قليلة من أعضاء الحكومة ومجلس النواب والمستشارين. إن النظام الطائفي ما كان له ولا يجوز أن يكون له أي مكان بالبلاد. وعلى العراقيات والعراقيين أن يقرأوا الفاتحة على هذا النظام الطائفي السياسي الخبيث الذي فرط بوحدة الشعب العراقي وساعد على أن يكون في الوضع الكارثي الراهن.

إن الخروج من المحن والأزمات والكوارث لا يحصل إلا بالطلاق مع النظام المحاصصي الطائفي، إلا بالقناعة بأن الوطن يعود للجميع وأن الجميع يفترض أن يعيشوا بحرية وسلام ومساواة وشراكة فعلية في حكم البلاد أياً كانت قوميتهم أو دينهم أو مذهبهم أو فكرهم. إن تجييش الجيوش بدعوى جهاد الكفاية من جهة، والاعتماد على قوى الإرهاب في الحصول على الحقوق المشروعة من جهة أخرى، لن توصل العراق إلى بر الأمان، بل تزيد في الطين بلة. نحن لسنا بحاجة إلى عضلات لقهر قوى الإرهاب فحسب، بل نحتاج إلى رؤية واقعية وموضوعية لواقع العراق القومي والديني والمذهبي والفكري والتركية السياسية الثقيلة، والقناعة بأن النظام الديمقراطي الدستوري والمساواة التامة بين المواطنين والمواطنات والابتعاد عن تدخل الدين بالسياسة وبشؤون الدولة واعتماد مبدأ "الدين لله والوطن للجميع" والاستجابة لمطالب الشعب المشروعة بكل مكوناته هو الذي سيوحد العراقيين والعراقيات ويجعلهم صفاً واحداً في مقارعة الإرهاب وقواه الدنيئة أيا كانت التسميات التي تتلفع بها قوى الإرهاب البعثية وداعش التكفيرية ومن لفَّ لفها .

إن تخلي المالكي وحزبه عن الحكم وكذلك الوجوه البارزة من النخبة الحاكمة التي ضيعت العراق خلال السنوات العشر المنصرمة من الشيعة والسنة وعقد مؤتمر وطني توحيدي يشارك فيه أكبر قدر ممكن من كل القوميات والديانات والمذاهب والاتجاهات الفكرية غير العدوانية هو الطريق السليم والعملي والوحيد للخروج بمبادئ عقلانية منظمة وحكومة وحدة وطنية وأجندة واعية لحاجات الشعب بكل مكوناته قادرة على إنقاذ العراق من شر البلايا الراهنة والأشرار ومن ثم إجراء تعديلات على الدستور العراقي بما يسهم في إيجاد العلاقات السليمة والقوانين المنظمة بين الحكومة الاتحادية وحكومات الإقليم والمحافظات أو الأقاليم وبين الحكومة والمواطنين والمواطنات. إن هذا المؤتمر يمكن أن يعقد ببغداد وبدعم من الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان الدولية لكي يرسي المؤتمر قواعد سليمة تبعد العراق عن الانحرافات الشوفينية والطائفية السياسية والتمييز الديني والقومي المبتلي بها الآن. إن حكومة إنقاذ وطني هي السبيل الناظم لفترة انتقالية يحتاجها العراق للخلاص من قوى الإرهاب والفصل بينها وبين القوى السليمة ذات المطالب العادلة في المناطق الغربية من العراق والموصل وغيرها والتخلص من المليشيات الطائفية المسلحة التي راحت تستعرض عضلاتها في شوارع العراق أو غيرها، وتلك المليشيات الطائفية السنية المسلحة التي انخرطت مع قوى دعش وحزب البعث وغيرهما من قوى الإرهاب والتدمير. لقد امتلأ العراق بالأسلحة وهي مصيبة جديدة تهدد أمن وسلامة المواطنين وأصبح الحق في البقاء على قيد الحياة مهدد بمخاطر جمة ومستمرة ويومية وأكثر من أي وقت مضى.

إن على البيت الشيعي أن يعي بأنه ارتكب أخطاء فادحة، بل سمح بارتكاب جرائم في مناطق مختلفة من العراق، ومنها مدينة بهرز بمحافظة ديالى على سبيل المثال لا الحصر، من جانب الميليشيات الشيعية الطائفية المسلحة (عصائب أهل الحق) ولم يتصد لها ولم يمنعها ولم تشجب منه، وكان المالكي وحزبه خلفها إذ التزم هذه العصائب الخبيثة التي ابتلي بها العراق وهي إيرانية الانتماء الفكري والسياسي وشاركت مع قوى القاعدة والبعث المسلح في ممارسة القتل على الهوية حيث قتل عشرات ألوف الناس على أيدي هذه القوى المجرمة.

إن إرهابيي داعش وقوى البعث المسلحة تمارس القتل الوحشي الأعمى وعلى نطاق واسع وبأعداد كبيرة، إنها جريمة إبادة جماعية، إنه انتقام مخزي لا يقل وحشيته عن غيره من آثام الفاشيين في كل مكان، إنهم يقتلون الأسرى والجرحى بدم بارد ورغبة جامحة برؤية الدم العراقي المسفوح، إن إيقافهم ودحرهم وتحقيق النصر عليه هو نصر لللشعب العرقي كله، إن وقوف أتباع المذهب السني مع أتباع المذهب الشيعي وبقية العراقيات والعراقيين أصبح مهمة ملحة لكل العراقيات والعراقيين، لكل قوى الجيش، للشيعة والسنة وبمختلف الأساليب المشروعة للخلاص منهم، لأنهم يجسدون أجندات أجنبية مريعة، إنهم قتلة لا غير رغم الظهور بمظهر المتبني لمطالب السنة بالعراق. إنه كذابون وأعداء الشعب العراقي كله وعلينا جميعاً مواجهتهم فكراً وسياسة ومن قبل القوات المسلحة العراقية.

إن الهاجس الذي تلبس نوري المالكي بمعالجة المشكلات بالعنف واستخدام القوة والسلاح، والذي مارسه فعلاً قد أوصل البلاد إلى هذا الواقع المرير، كما إنه لم ولن يعالج مشكلات العراق بل ساهم في تعميقها وتوسيعها وشمول المزيد من البشر بها. ولهذا فأن حل مشكلات العراق لا تتم إلا بالسياسة العقلانية، والرشيدة والحكيمة والواعية. ولكن هذه الخصائص غير متوفرة في حكام اليوم بأي حال، وهؤلاء هم من يجيب تغييرهم، إضافة إلى تغيير النظام السياسي الطائفي الذي أفرزهم. إنهم ليسوا من هذا الشعب، رغم إنهم ولدوا فيه. فلنتبرأ منهم جميعاً لأنهم نكثوا العهد الذي قطعوه والقسم الذي أدوه بالحفاظ على وحدة الشعب والعراق وعدم ممارسة سياسات تقود إلى ما هو عليه العراق الراهن.

لتعلن الأحزاب الوطنية السليمة موقفها، لترفض المساومة مع الحكام الحاليين، لتتبرأ من دعمها لهم وسيسقطون لا محالة وسيعمل الوطنين على براء الشعب من مرض الطائفية السياسية والتمييز الديني والمذهبي والقومي والفكري.


23/6/2014





 

 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter