|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الجمعة  21 / 2 / 2014                                 د. كاظم حبيب                          كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 


 

هل عبر مقتدى الصدر عن حقيقة وطبيعة نوري المالكي؟

كاظم حبيب

من أطلع على مقالاتي طيلة السنوات المنصرمة يدرك الأسباب الواقعية والموضوعية التي دفعتني إلى توجيه النقد الشديد والمتواصل لنهج مقتدى الصدر وسياساته الفعلية التي ألحقت أضراراً فادحة بالمجتمع العراقي وساهمت بتأجيج الصراع الطائفي والقتل على الهوية، سواء أكان من خلال ميليشيات جيش المهدي أم عصائب الحق أم جماعات أخرى تشكلت وشاركت في عمليات الاعتقال والتعذيب والقتل ولم تكن إيران بعيدة عن هذه الوجهة بل كانت المحرضة عليها والمساعدة والمساهمة فيها والمتبنية روحياً لها. وكانت تلك العمليات قد جرت تحت واجهة مكافحة الاحتلال الأمريكي، ولكنها كانت أحد الأسباب الحقيقية وراء الفوضى التي سادت العراق طيلة سنوات والقتل الواسع النطاق. ومقتدى الصدر وحزب الأحرار وميليشيات جيش المهدي كانوا وما زالوا جزءاً من البيت الشيعي الذي أساء للشيعة كثيراً وعمق الصراع بين الشيعة والسنة، وهي ما تزال تلحق الضرر بهم من خلال الأحزاب الإسلامية السياسية الأعضاء في هذا البيت الطائفي السياسي. ولقد وجه نوري المالكي في العام 2008 ضربة قوية لميليشيات جيش المهدي كانت تستحقها لأنها عاثت في البلاد قتلاً وتخريباً وفوضى. وقد أيدت المالكي في حينها لأنها كانت ضرورية لوضع حد لعمليات إجرامية كانت تتم تحت واجهة مكافحة الاحتلال الأمريكي وعلى أيدي بعثيين سابقين أو طائفيين متطرفين.

وخلال السنوات الثلاث المنصرمة غير مقتدى الصدر سياسته وحين التقيت بأبرز عضو قيادي في جماعته بأربيل في نهاية عام 2013 أشار إلى حصول تغير كبير في نهج وسياسة مقتدى الصدر، إضافة إلى اللقاء الصحفي مع الكاتب والصحفي سرمد الطائي، الذي أمر المالكي باعتقاله. اعتقد بأن من الصالح العام أن أنهي مقتدى الصدر عمل كتلة الأحرار باعتباره حزباً إسلامياً سياسياً وحل جماعته وجيشه. إذ أن السياسة والدين لا يجتمعان. ومن حقه كشخص أن يساهم بالسياسة كمواطن عراقي وأن يبدي رأيه بكل القضايا المطروحة، وأن يكون له وزنه السياسي. ومثل هذا الموقف سيكون له أثره الطيب على الحياة السياسية، إذ ينبغي أن تنتهي علاقة الدين بالسياسة أو بالدولة، وبالتالي سيكون للصدر قبول أوسع حين يقدم النصح من موقع أقرب إلى مواقف الطيب الذكر السيد أبو الحسن الأصفهاني في الأربعينات من القرن العشرين. ويتمنى الإنسان أن تمارس كل الأحزاب الإسلامية هذا الموقف وتتخلى عن السياسة كأحزاب ويمارس العاملين حالياً فيها كمواطنين أو أحزاب مدنية لا يدخل الدين في أجندتها العامة أو بالشأن العام.

طرح مقتدى الصدر موقفه المعارض لنوري المالكي منذ ثلاث سنوات وحقق نجاحاً في الانتخابات الأخيرة أكثر بكثير من قائمة نوري المالكي. وكان يسعى إلى إبعاد نوري المالكي عن السلطة لولا تراجع رئيس الجمهورية الطالباني بضغط معروف من جانب إيران. وهو موقف لم يكن إيجابياً بأي حال وألحق ضرراً بالغاً بالوضع العام وأفسد القدرة على الخلاص من دكتاتور جديد فرض نفسه في الساحة السياسية العراقية، وما زال يمارس دوراً مسيئاً للوحدة الوطنية، تماماً كما يفعل الطائفيون المتشددون في الطرف الثاني.

وبالأمس تحدث مقتدى الصدر عن الطاغية العراقي الجديد، عن نوري المالكي، فهل ما قاله يطابق الحقيقة؟

لنستمع إلي السيد مقتدى الصدر في شرح طبيعة الحكم الراهن وطبيعة المالكي :
إن "السياسة أصبحت باباً للظلم والاستهتار والتفرد والانتهاك ليتربع دكتاتور وطاغوت ليتسلط على الأموال فينهبها وعلى المدن فيحاربها وعلى الطوائف فيفرقها وعلى الضمائر فيشتريها وعلى القلوب فيكسرها ليكون الجميع مصوتا على بقائه".

لا يمكن للصدر أن يتحدث بهذه اللغة والوضوح لو لم يكن يملك من الوقائع ما يستطيع به دمغ النظام ورأسه. إذ إن هذا التشخيص دقيق للغاية ويعتمد على الوقائع الجارية يومياً بالبلاد. فإلى جانب النهب والسلب القائم على أوسع نطاق ممكن ومن داخل الدولة، أو ما يطلق عليه المصريون النهب من الباطن لموارد البلاد المالية، وإلى جانب تمزيق وحدة الشعب العراقي بنهج طائفي سياسي وسياسات رعناء تُنشط الهويات الفرعية القاتلة على حساب هوية الوطن والمواطن، وإلى جانب شراء الذمم والضمائر بتوزيع أموال الشعب بأساليب شتى، إلى جانب كل ذلك نجد الاستبداد الفردي في رسم السياسات واتخاذ القرارات وانفراد برئاسة مجلس الوزراء ووزارة الدفاع ووزارة الداخلية ووزارة الأمن الوطني والقائد العام للقوات المسلحة والمسؤول عن الأجهزة الأمنية والمخابرات والأجهزة الخاصة وما يمكن أن يُطلق على أعضائها بـ "فدائيي نوري المالكي" الشبيهة تماماً بـ "فدائيي صدام حسين" وقبل ذاك بـ "فدائيي محمد يونس السبعاوي" وزير الاقتصاد والمسؤول عن أمن بغداد وغيرها في حكومة رشيد عالي الگيلاني وكان اسمه الحزبي في حزب الشعب القومي "فرهود"، وهم الذين نفذوا مع رعاع بغداد والمناطق المجاورة الفرهود ضد مواطناتنا ومواطنينا من يهود العراق في الأول والثاني من شهر حزيران من عام 1941.

لقد أصبح العراق في ظل حكومة نوري المالكي يحتل واحداً من المواقع الأربعة المتقدمة في الفساد المالي والإداري بكل أشكاله على الصعيد العالمي، بضمنها الرشوة والنهب والسلب والتحايل والخديعة والمحسوبية والمنسوبية والشهادات المزورة وما إلى ذلك. كما أصبحت بغداد، مدينة البؤس والفاقة والخراب ومكب نفايات، لأنها محكومة من فئات أغلبها رثة بكل معنى الرثاثة.

وكان مقتدى الصدر في خطابه الأخير صادقاً مع نفسه ومع الناس بالعراق ومع الرأي العام العربي والعالمي حين أكد قائلاً:
إن "العراق يحكمه ذئاب متعطشة للدماء أو نفوس تلهث خلف المال تاركة شعبها في بحبوحة العذاب والخوف يرتع في برك الماء وليال مظلمة على ضوء قمر أو شمعة، وعراق تعصف به الاغتيالات لأجل تسقيط أو خلاف تافه والحكومة تتفرج، عراق تحكمه ثلة جاءت من خلف الحدود لطالما انتظرناها لتحررنا من الدكتاتورية لتتمسك هي الأخرى بالكرسي باسم الشيعة والتشيع".

لا شك إن مقتدى الصدر قد سمع حديث المالكي مع شيخ عشيرة شيعي حين قال له "دير بالك لا يأخذوها منّا" ويقصد الشيعة، فرد عليه: "أخذناها بعد ما ننطيها", ثم أضاف بتحد صارخ يجسد سلوكه الاستبدادي المطلق تماماً: "ليش هو أكو واحد يگدر بعد يأخذها منا" ويقصد هنا الشيعة!!! وهنا نسى الانتخابات والتداول السلمي للسلطة .. الخ.

ثم يتابع مقتدى الصدر خطبته فيقول:
"إن العراق أصبح بلا حياة ولا زراعة ولا صناعة ولا خدمات ولا امن ولا أمان ولا سلام وانتخابات يذهب ضحيتها الآلاف لتتسلط علينا حكومة لا ترعى" إلا " ولا ذمة، وبرلمان بكراسيه البالية لا يستطيع دفع الضر عن نفسه فما باله لدفع الضر عن الآخرين، ولعله يستطيع أن يجمع في التصويت داخل قبة البرلمان في حالة واحدة هو إذا كانت فيه امتيازات له أو نفع شخصي، وعندما وصل الأمر إلى نفع شعبي عام تخاذل الجميع، أو يصل الأمر إلى مجلس الوزراء فينقضه"

لم يتجاوز الرجل على واقع النظام الطائفي القائم، بل حدد بوضوح ما يعاني منه العراق:
ليست هناك عملية تنمية اقتصادية، ليست هناك عملية تنمية صناعية وزراعية واستثمارات في هذه القطاعات الإنتاجية، كما لا يزال الشعب يعاني من نقص الخدمات وفي مقدمتها الكهرباء والنقل والصحة والتعليم بمختلف مراحله والمدارس المخربة. أما طبيعة الاقتصاد العراقي فقد تعمقت طبيعته الريعية النفطية إلى أشد مما كانت عليه طيلة العقود المنصرمة، وهو أمر مخل بالمال العام ومصالح البلاد ومصالح الأجيال القادمة. واتسعت قاعدة البرجوازية الطفيلية وأصحاب النعمة الحديثة والرثة. أما بشأن غياب الأمن الذي يشير إليه الصدر فقد كتبت قبل ثلاثة أيام ونشرت مقالاً عن القتل بالجملة وعن الاغتيالات بالعراق، وهو ما أكده مقتدى الصدر في خطابه. أما البرلمان فهو الكارثة الحقيقية التي تواجه البلد بعد السلطة التنفيذية، وحدث عنه ولا حرج، فهو من الرثاثة ما لا يمكن تصوره. وكم كان صادقاً بشجب مواقفهم حين صوت هؤلاء النواب لصالح امتيازاتهم في الرواتب والحمايات وغلاء المعيشة والسيارات المصفحة والتقاعد وغيرها، ولكنهم أساءوا للشعب ورفضوا الموافقة على كل ما يمس مصالح الشعب والاقتصاد الوطني وحجرية الإعلام...

وقد عبر بوضوح عن طبيعة الحكم والفكر المعوج الذي يُسّيره حين قال:
"ولكن جاءت حكومة تكتم وتكمم الأفواه وتقتل المعارض وتفجر أصحاب الألسن المعارضة لتملأ السجون بهم وبكل مقاوم حاول تحرير بلده من دبابة الاحتلال أو طائرته ..حكومة استأثرت لنفسها كل شيء ولم تعد تسمع لأي احد على الإطلاق حتى صوت المرجع وفتواه وصوت الشريك وشكواه، مدعومة من الشرق والغرب لما يستغرب له كل حكيم وعاقل".

لنتذكر جميعاً ماذا فعل المالكي وأجهزته القمعية ووعاظه الكارهين خير الشعب ومصالحه والسائرين وراء المستبد بأمره حين توجهوا جميعاً بإدانة مظاهرات 2011 المطالبة بمكافحة الفساد والإرهاب والاستجابة لمطالب الشعب الأساسية, والتي أدعى رأسهم بأن البعثيين وراء تلك المظاهرات واعتقل من اعتقل وعذب من عذب وحَرك الطائرات المروحية لتكنس الناس من الشوارع وزج الجيش والشرطة في كل أنحاء بغداد فقطعت أوصال العاصمة بأمل وهدف كم أفواه أبناء وبنات الشعب الصادقين مع شعبهم. لنتذكر الإساءة التي لحقت من أجهزة المالكي بالكاتب والشاعر والصحفي الديمقراطي عبد الزهرة زكي، أو شهداء الكلمة والصحافة والثقافة بالعراق.

لقد قال مقتدى الصدر بأنه سيشارك في الانتخابات العامة القادمة. وهو موقف سليم. ثم قال بأنه سيعطي صوته "لكل شريف يخدم شعبه". والسؤال هل سيعطي صوته لقائمة التحالف المدني الديمقراطي ليبرهن على سلامة موقفه الجديد الراهن، إذ إن مرشحي هذه القائمة وباعتراف الجميع هم ممن لم تتوسخ أيديهم وذممهم بالفساد، كما لم تلطخ بدماء الشعب العراقي ولا بالسحت الحرام. إنه إذا فعل ذلك ونصح من يؤيده، فهذا يعني أنه قد أدرك فعلاً أهمية المساهمة في عملية التغيير المنشودة بالعراق صوب المجتمع المدني الديمقراطي المنشود الذي يغيب عنه المستبد والمستبدين والإرهابيين والفاسدين لا بالأقوال والتصريحات حسب، بل وبالأفعال الفاضلة. لدي الثقة بأن الرجل عاجز عن اتخذا موقف من هذا النوع وأن الماضي يلاحقه ويلاحق أتباعه والعزة بالإثم تمنع من الاعتراف بالأخطاء الفاحشة التي ارتكبت.


20/2/2014






 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter