|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الجمعة  20 / 6 / 2014                                 د. كاظم حبيب                          كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 


 

نداء العقل والشعب والوطن
من أجل ضمان وحدة القوى الديمقراطية والعلمانية في مواجهة الأوضاع الكارثية الراهنة!!!

كاظم حبيب

يقف العراق على مفترق طرق. وصرح أكثر من طرف ومحلل سياسي بالعراق وخارجه بأن العراق لن يعود إلى ما كان عليه قبل ذاك. وهنا تطرح الكثير من الأسئلة وتوجد الكثير من الإجابات التي تستوجب التدقيق والمراجعة. ولكن العراقيات والعراقيين جميعاً، أيا كانت قوميتهم أو دينهم أو مذهبهم أو وجهتهم الفكرية والسياسية، مسؤولون عما يجري بالعراق ومسؤولون عن مستقبل هذا الوطن والأجيال القادمة وسبل التعامل مع الأوضاع الجارية، وهم بحاجة إلى تفكيك وتحليل الأوضاع برؤية واقعية وموضوعية للعوامل أو الأسباب الفعلية التي كانت وما تزال فاعلة والتي قادت إلى الحالة الكارثية التي نحن فيها اليوم من جهة، وسبل الخروج من هذه الحالة التي لم يمر بها العراق قبل ذاك ثانياً. إن ما قيل عن كون العراق لا يمكن أن يكون نفس العراق الذي كان عليه قبل بدء أحداث الأنبار والفلوجة وثم الموصل أخيراً، قول صحيح، إذ لم يعد العراق قادراً السير على النُهج نفسها التي مورست حتى الآن من قبل كل القوى والأحزاب السياسية، إذ إنها كانت المسؤولة عما وصل إليه العراق حالياً، إذ لا يمكن إعفاء أحد منها رغم التباين الكبير جداً بين المسؤولين الأوائل عن الأحداث الجارية بالعراق منذ عشرات السنين وقمتها المشؤومة في استباحة الموصل وهزيمة القوات المسلحة العراقية التي لم تمتلك العقيدة الوطنية وروح المواطنة العراقية والتي ما تزال تعاني من هذا العيب القاتل.

لقد مارست كل النظم السياسية التي حكمت العراق نهجاً قومياً شوفينياً ونزعة طائفية غالبة. ولكن هذه الطائفية الرسمية لم تكن فاعلة بين الأوساط الشعبية ولم تكن مؤثرة على حياة الناس إلا في فترة حكم البعث التي برزت بشكل خاص والتي قادت إلى بروز مرارات لدى الكرد والشيعة على نحو خاص، رغم كون الناس السنة كانوا يعانون من نظام صدام حسين أيضاً وكانوا يناضلون ضده ايضاً. وقد أعطى هذا الواقع شحنات طائفية تقمصتها الأحزاب السياسية الدينية منذ فترة غير قصيرة قبل إسقاط الدكتاتورية الغاشمة في الحرب الأمريكية – البريطانية ضد النظام العراقي. وبالتالي تجلت في مؤتمر بيروت 1991 ومن ثم في مؤتمرات فيينا وصلاح الدين ولندن وتجلى بشكل خاص في أعقاب سقوط الدكتاتورية وتشكيل مجلس إدارة الدولة المؤقت والذي كرسته الإدارة الأمريكية عبر بول بريمر. ومن الأخطاء الفادحة في الواقع الجديد أن الأحزاب الإسلامية السياسية الشيعية اعتبرت نفسها هي المنتصر الأساسي في إسقاط الدكتاتورية وأن السكان السنة هم المسؤولون عن نظام البعث الدكتاتوري، وليسوا ممن تعرض للاضطهاد أيضاً. وهذا الشعور وعبر تجلياته المريعة في الواقع السياسي العملي أعطى الانطباع الكامل بأن هذه القوى تريد الانتقام من السنة، في وقت لم يكن الناس السنة مسؤولين عن النظام البعثي الذي حكم العراق طيلة 35 عاماً تقريباً، لقد كان القوميون البعثيون الشوفينيون المعادون للشعب العراقي كله. وكلنا عشنا تجربة ترحيل الكرد الفيلية وترحيل العرب الشيعة إلى إيران ومجازر الأنفال ضد الشعب الكردي وكذلك العمليات المناهضة للمعارضين السنة في الموصل وغيرها.

إن الحكومات الثلاث التي حكمت العراق في أعقاب إسقاط الدكتاتورية، سواء بوجود الاحتلال الأمريكي أم بعد إلغائه رسمياً، قد التزمت بنُهج ومارست سياسات أكدت إصرارها على ممارسة سياسة طائفية خطرة وغير حكيمة بل مجنونة إزاء أتباع المذهب السني، والذي قاد بدوره إلى ردود أفعال شديدة لدى أتباع المذهب السني من الأحزاب السياسية الإسلامية ومن ثم في صفوف جماهير السنة. إن الصراع والنزاع بين الأحزاب الإسلامية السياسية الشيعية والسنية لن يكون سوى الشعب العراقي ضحيته الأولى، سواء أكانوا من السنة أم الشيعة. إنه الخاسر الأول والأخير بينما الرابح هو تلك الأحزاب التي لا تريد الخير للعراق لأنها نقلت المعركة إلى المجتمع العراقي, وهنا تبرز الخطورة الأساسية. والرابح تلك الدول المجاورة التي لا تريد الاستقرار للعراق وشعبه.

إن المعركة الجارية ستنتصر فيها الدولة العراقية على هشاشتها الراهنة وسيسقط الإرهاب الدموي الداخلي وما قدم من وراء الحدود وستسقط بعدها القوى السياسية الطائفية، السنية منها والشيعية، التي كانت وما تزال السبب في ما يجري اليوم لشعب العراق وما يعاني من كوارث.

إن المرحلة الراهنة تتطلب من أصحاب الفكر النير، من المدنيين والديمقراطيين، من العلمانيين الواعين لطبيعة الصراعات الطائفية أن يدركوا بأن الوقوف إلى جانب هذا الطرف الطائفي السياسي الشيعي أو السني يقود إلى عواقب وخيمة في قوى التيار الديمقراطي العراقي ممن تنحدر عائلاتهم من اعتقاد بالمذهب السني أو المذهب الشيعي. إن العناصر الديمقراطية يفترض أن تصون نفسها من الوقوع في حبائل الطائفيين السياسيين الذين وضعوا بلادنا على مفترق طرق كلاهما لا يقود غلى الخير والمحبة.

علينا أن نمتلك الحصانة الفكرية والسياسية لنبتعد عن الصراع الطائفي، أن ندينه وندين المنادين به والدافعين إليه والمروجين له، وأن ندين المليشيات الطائفية شيعية كانت أم سنية التي تمارس القتل والإرهاب على الهوية.

علينا أن نتحلى بالقدرة على التمييز بين الإرهابيين القتلة، أياً كانت الهوية التي يحملونها، وبين الناس الطيبين المطالبين بحقوقهم المشروعة والرافضين للتمييز الطائفي. العناصر والقوى الديمقراطية العراقية هي التي يفترض أن تصون نفسها من تلك التيارات المريضة لكي تستطيع مساعدة الشعب في الخروج من هذه الكارثة والكوارث الأخرى، فهي البديل الفعلي القادم إدارة دفة البلاد رغم النفق المظلم الذي يمر به الشعب العراقي، فالضوء الضعيف الراهن سيتعزز بفعل الجرائم التي يرتكبها الطائفيون في المرحلة الراهنة.

لنرفع صوت العقل عالياً لنتضامن، لنناضل بإصرار وحزم ودأب من أجل دحر الإرهاب والطائفية السياسية، من أجل رفض العمل بالهويات الفرعية القاتلة لصالح الهوية الوطنية، هوية المواطنة العراقية الحرة والمتساوية.

إن هذا ليس بحلم، بل سيتحقق لأن الظلم إن دام دمر ولا يمكن أن يدوم. فالنصر للشعب والعقل في آن واحد.

 


20/6/2014
 

 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter