|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الأحد  18 / 8 / 2013                                 د. كاظم حبيب                          كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 


 

هل سيقرأ الشعب المصري الفاتحة على حزب "جماعة الإخوان المسلمين" ؟

كاظم حبيب

كانت تلك مغامرة كبيرة أن يسمح الشعب المصري لجماعة "الإخوان المسلمين" أن يصلوا إلى السلطة"، نتيجة الخلافات والصراعات الفكرية والسياسية في أوساط قوى الشباب الناهض والثائر والقوى الديمقراطية والعلمانية، كما كانت مؤامرة كبيرة تجسدت في تواطؤ مجموعة صغيرة من دول العالم والمنطقة لفرض وصول هذه الجماعة الإسلاموية المتطرفة إلى السلطة في أكبر دولة أفريقية وعربية تشكل القلب النابض للعالم العربي والطرف الفاعل في أفريقيا. لقد كانت مؤامرة كبيرة على ثورة يناير التي فجرها الشعب المصري وأطاح بحكم الدكتاتور محمد حسني مبارك حين تم تنصيب شخصية هزيلة هو الدكتاتور الإسلاموي الجديد القيادي في جماعة الإخوان المسلمين ليدفع بالبلاد إلى الُظلم والظَلام. لم يكن ذلك طبيعياً، بل كان مطلوباً، رغم كل ما نشر عن التزييف والتزوير اللذين حصلا في السجلات وتعداد الأصوات. لقد كان هناك تحالف جديد قد نشأ وتكرس منذ سنوات بين ثلاثة أطراف أساسية هي: "الولايات المتحدة الأمريكية وجماعة الإخوان المسلمين على صعيد تنظيمهم الدولي بموافقة جماعة الإخوان المسلمين بمصر ودويلة قطر. لقد كان هناك اتفاق في أن تأخذ جماعة الإخوان المسلمين الحكم بمصر وتونس وليبيا وسوريا ثم تلتحق بها بعض الدول العربية الأخرى تدريجاً مقابل حماية مصالح الولايات المتحدة الأمريكية أولاً، والابتعاد عن التحرش بإسرائيل ثانياً، وتقليل الدعم وتقليص المساعدة فيما بعد عن حماس في غزة، رغم كونهم إخونچية، لكي تبتعد عن إثارة المشاكل مع إسرائيل، إضافة إلى مكافحة التيار الديمقراطي العلماني في المنطقة. لقد كانت هذه العلاقات قائمة قبل ذاك، ولكنها تبلورت وتكرست مع بدء الربيع العربي في محاولة للالتفاف على نتائجه. ويمكن أن نتعرف على أسلوب الولايات المتحدة في التعاون مع قوى الإسلام السياسي المتطرفة وما حصل في أفغانستان وبروز تنظيم القاعدة فيما بعد، وبذل الإدارة الأمريكية وسلطة الاحتلال بالعراق أقصى الجهود لتكريس الحكم الطائفي المحاصصي والوقوف بوجه القوى الديمقراطية والعلمانية واللبرالية. والشعوب العربية أدركت منذ البدء الأهداف الفعلية الكامنة وراء هذا النهج والتحالف الجديد. وعلينا أن نؤكد بأن نهج الإدارة الأمريكية أثناء حكم جورج دبليو بوش أو حكم أوباما لم يتغير من حيث المبدأ، فاستراتيجية المصالح الأمريكية واحدة بالنسبة لأي حاكم أمريكي بغض النظر عن نعومة أو خشونة التنفيذ, والفارق الوحيد يتجلى في بعض جوانب السياسة الداخلية.

لست من الداعين إلى تدخل الجيش في الحياة السياسية اليومية في أي من الدول العربية. ولكن هل كان بإمكان القوات المسلحة المصرية السكوت عن مطالب أكثر من ثلاثين مليون مصري طالب برحيل الإخوانچي محمد مرسي من رئاسة الجمهورية ورفع يد جماعة الإخوان المسلمين عن السلطة وأجهزة الدولة ومؤسساتها والإدارات المحلية في المحافظات وعن الحياة السياسية والثقافية؟ ومن المهم بمكان أن يعود الجيش إلى ثكناته بعد أن تستكمل خارطة الطريق التي طرحها السيسي ويجري وضع دستور جديدة وإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية تنهي فترة الانتقال المحددة بستة شهور.

اليوم يدرك الجميع بأن جماعة الإخوان المسلمين التي أسست جناحها العسكري في العام 1940 ما يزال فاعلاً حتى الآن وجرى تعزيزه بوصول محمد مرسي إلى رئاسة الجمهورية فتشكلت ميليشيات فاعلة في أغلب المدن المصرية ومنطقة سيناء الواسعة موازية للقوات المسلحة المصرية. وأنها مارست توزيع الأدوار بينها وبين قوى سلفية متطرفة وعدوانية في سيناء ومناطق أخرى بهدف الهيمنة التامة على حكم البلاد وعلى الاقتصاد والمجتمع بمصر. وهذه المليشيات هي التي تمارس اليوم المحاولة اليائسة للعودة إلى الحكم وإسقاط ثورة يونيو التي فجرها الشعب المصري ثانية لتصحيح مسار ثورة يناير التي سرقها عنوة جماعة الإخوان المسلمين. إن القتل والحرائق، سواء في المباني العامة أم مراكز الشرطة أم الكنائس المسيحية على وجه الخصوص، هو الأسلوب المفضل لقوى الإخوان المسلمين والقاعدة في آن واحد وجذرهما واحد وخايس ومتعفن.

تواجه مصر اليوم تواطئاً عالمياً أطرافه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، بقيادة ألمانيا وفرنسا وبريطانيا، ودول أخرى في المنطقة تلعب تركيا "الإسلاموية" الدور الفاعل فيه، وقطر باعتبارها الشبيحة الأمريكية الفعلية والدويلة اللقيطة بالمنطقة، إضافة إلى الدور غير المباشر لإيران. كما حرك التنظيم العالمي للإخوان المسلمين أتباعه في الدول العربية والدول ذات الأكثرية الإسلامية لتنظيم المظاهرات الاحتجاجية ضد الوضع الجديد بمصر.

والسؤال هو: هل سينجح هذا التحالف في إعادة جماعة الإخوان المسلمين إلى السلطة، أم إن الشعب المصري قد دخل معركته الحاسمة ضد جماعة الإخوان المسلمين وبقية القوى المتطرفة المرتبطة بهذا الشكل أ ذاك بهذه الجماعة؟

ليست المعركة السياسية الدائرة بمصر في هذا الفترة الحرجة سهلة وسريعة. فالمعركة الجارية ذات أهمية استثنائية لحاضر ومستقبل مصر والشعب المصري، إنها معركة الهوية المصرية, هل هي دولة دينية وطائفية ظلامية ومتخلفة، أم دولة مدنية ديمقراطية حديثة, إنها معركة الدستور المصري هي يكون دستوراً إسلامياً يفرق بين الناس على أساس الدين أم يكون دستوراً مدنياً يوحد بين المواطنين على أساس الهوية الوطنية المصرية وليس غير ذلك, إنها معركة بين الغالبية العظمى من الشعب ومعها القوات المسلحة من جهة، وجماعة الإخوان المسلمين ومن لف لفها من جهة أخرى. ولهذا فأن المعركة لن تكون سهلة بل معقدة وصعبة. والأسباب وراء ذلك عديدة، منها بطء حركة القيادة المدنية الجديدة والقوات المسلحة في مواجهة تحركات جماعة الإخوان المسلمين بحيث سمح لها بالتعبئة الواسعة وتنظيم الصفوف، وخاصة ميلشيات الجماعة المسلحة، والتدخل الأجنبي الفظ بإرسال المزيد من الوفود للوساطة، بما أعطى المجال لمزيد من الفاعلية لجماعة الإخوان في الدعاية وتقوية معنويات أتباعهم بالموقف الدولي البائس والمناهض للثورة المصرية التصحيحية، إضافة إلى نقل المزيد من السلاح من ليبيا إلى جماعة الإخوان المسلمين بمصر وتوفير ما هو ضروري لإشاعة الفوضى والدمار ومقاومة قوى الشعب والقوات المسلحة. إن الدول الغربية مصابة بخيبة أمل في أوهامها وفي انهيار أول حليف لها من هذه الجماعة على صعيد المنطقة والدول العربية واحتمال كبير بسريان ذلك على تونس وليبيا وغيرها لاحقاً. وهو الموقف الذي يتناقض تماماً مع الدعاية الأمريكية وحديث الغرب الدائم عن حقوق الإنسان وحق الشعوب في تقرير مصيرها وعدم التدخل في الشؤون الداخلية واحترام إرادة الشعوب، ومنها الشعب المصري.

من يتابع تصريحا قادة ألمانيا الاتحادية من الحزب الديمقراطي المسيحي وحزب الديمقراطيين الأحرار يشكل خاص، وكذلك تصريحات الرئيس الفرنسي والجمهوري الأمريكي جون سيدني ماكين يدرك بأنهم تلقوا ضربة موجعة نزلت على رؤوس الجمهوريين على نحو خاص فأفقدتهم صوابهم وجعلتهم كالمهووسين بحب الجماعة في تصريحاتهم المناهضة للشعب المصري وقواه الثورية ومتباكين على "دمقراطية الإخونچية" بمصر. لقد فشلوا حتى الآن في إعادة محمد مرسي إلى رئاسة الجمهورية ثانية، وهو الذي أفقدهم صوابهم. وعلى المتتبع أن يبحث عن أسباب ذلك، وهل للنبأ الذي طرح سابقاً من عمالة محمد مرسي للمخابرات المركزية الأمريكية CIA أم لأسباب أكثر عمقاً وشمولية من ذلك؟ إنها الاثنان.

علينا أن نتابع أجهزة الإعلام الغربية التي تشن حملة شعواء ضد الشعب المصري والقوات المسلحة ولصالح جماعة الإخوان المسلمين. ويمكن أن نتابع بوضوح دور "قناة الجزيرة" التي افتضح أمرها وتقلص وزنها وتأثيرها على صعيد العالم العربي والعالم، إذ اتخذت هذه القناة المهرجة موقفاً منحازاً بالكامل وبصورة عدوانية ضد الشعب المصري وإلى جانب جماعة الإخوان المسلمين ومشوهةً حقائق الوضع هناك. إنها بذلك تجسد كون المعركة التي يخوضها الشعب المصري تعبر عن مصالح شعوب المنطقة بأسرها ضد قوى الإسلام السياسي المتطرفة والراغبة في الهيمنة على الحكم في دول المنطقة. ويبدو لي إن الدولة الأكثر انفعالاً وفقداناً لصبرها هي تركيا التي دعت لعقد جلسة لمجلس الأمن الدولي لبحث العنف الحكومي بمصر. وقد نسى نجيب طيب أردوغان لأخطل دوره المخزي والإرهابي في فض اعتصام الناس الترك والكرد في "ساحة تقسيم" بإسطنبول واستشهاد العشرات على أيدي الجندرمة، والآن يعطي لنفسه الحق في التدخل بشؤون مصر وكأنه القيم عليها. إن سقوط جماعة الإخوان بمصر يهدد جدياً موقعه وسلطة حزبه بتركيا.

إن هذه السياسات والمواقف الدولية والإقليمية السيئة والمؤذية لشعب مصر يمكنها أن تطيل عمر المواجهات بالقاهرة أو غيرها قليلاً وستقود إلى موت المزيد من الناس وإلى خراب ودمار كبيرين، ولكنها ستكون معركة حاسمة حقاً مع تنظيم جماعة الإخوان المسلمين بمصر، وبالتالي ستكون لها تداعياتها الكبيرة والمتواصلة على صعيد المنطقة كلها.

ولكن هذه العمليات الإجرامية غير السلمية التي بدأت تمارسها جماعة الإخوان المسلمين على نطاق واسع نسبياً دليل على إفلاسها ويأسها من جهة، كما إنها الدليل على طبيعتها الإرهابية والدموية التي اقترنت بنشأتها من جهة ثانية، وإدراكها بأنها تخوض معركة حياة أو موت من جهة ثالثة. وهي معركة غير متكافئة في غير صالحها ، رغم التأييد الدولي الراهن لهذه الجماعة الضالة. فميزان القوى في الداخل المصري هو الذي سيحسم المعركة السياسية لصالح الشعب المصري بدعم حقيقي والتزام ثابت من جانب القوات المسلحة.

إن الشعب المصري، كما يبدو من تطور الأحداث, سيقرأ الفاتحة على نعش جماعة الإخوان المسلمين بمصر، ولكن الحقيقة تشير إلى إن هذه النهاية التي ستدفع ببعضهم إلى العمل السري، ستكون بداية النهاية لدور قوى الإسلام السياسية الطائفية والضالة والمناهضة للمجتمع المدني والحياة الحرة والديمقراطية لا بمصر بل بالدول العربية الأخرى تدريجيا, وسينتهي شعار "الإسلام هو الحل" أو "الحاكمية لله". وها نحن نقترب أكثر فأكثر من قول الشاعر التونسي :

إذا الشعب يوماً أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر
ولا بــد لليــل أن ينـجـلــي ولا بـد للقيــد أن ينــكـسر

وهذا ما سيحصل بالعراق وغيره من الدول العربية المبتلاة بنظم سياسية "إسلامية" طائفية مقيتة أيضاً.
 


18/8/2013

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter