|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الجمعة  17 / 7 / 2015                                 د. كاظم حبيب                          كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

وقائع مكثفة للإبادة الجماعية والتطهير العرقي بمحافظة نينوى
(2-5)

كاظم حبيب 

في العاشر من شهر حزيران/يونيو2014 اجتاحت جماعة مسلحة أطلقت على نفسها تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام مدينة الموصل وأعلن من جامع فيها أن أبا بكر البغدادي هو خليفة المسلمين وعلى المسلمين جميعاً مبايعته ومن لا يبايعه يحل دمه، أي قتله. ومنذ اجتياحه مدينة الموصل وضع هذا التنظيم هدفاً له يتلخص في قطع رؤوس الإيزيديين والشيعة الشبك والشيعة التركمان، ويفرض على المسيحيين واحداً من أربعة احتمالات:
1) التحول صوب الإسلام والقبول بالختان للرجال؛
2) دفع الجزية والخراج؛
3) ترك البلاد بما على جلودهم من ملابس فقط؛
و4) قطع الرؤوس.

كانت حصيلة هذه السياسة ذات المضمون الصارخ "إبادة جماعية بما فيها التطهير العرقي والثقافي بأوسع وأقسى معانيه ضد مسيحيي الموصل وجميع أقضية ونواحي وأرياف سهل ومحافظة نينوى، بعد انسحاب مخزٍ للقوات العراقية (الجيش والشرطة وقوى الأمن الداخلي والمخبرين السريين) بقرار من القيادة السياسية والعسكرية العليا بالعراق أمام قطعان وعصابات داعش، فقتل الكثير منهم وتهدمت أديرتهم وكنائسهم ونهبت أموالهم واحتلت دورهم وأجبر الجميع على النزوح هرباً من الموت على أيدي "هولاكو" جديد مسلم. بلغ عدد النازحين من محافظة نينوى وحدها ما يقرب من 150 ألف نسمة يعيشون في مخيمات بعينكاوا ودهوك وأربيل والسليمانية وغيرها.

ولكن كانت الحصيلة الأبشع والأكثر وحشية وعتواً ما وقع من عمليات إبادة جماعية على أتباع الديانة الإيزيدية في محافظة نينوى حيث تم مطاردة ما يقرب من 600 ألف نسمة تركوا لوحدهم حين انسحبت قوات الپيشمرگة المعسكرة في سنجار وزمار من مواقعها بصورة مخزية وهرباً من الدواعش القتلة دون توجيه التحذير والإنذار اللازمين للأهالي، فتم هروب قسري لما يقرب من 400 ألف نسمة منهم من مناطق سكناهم إلى جبل سنجار وبعض الأقضية في محافظة دهوك. وقد تعرض الكثير منهم إلى القتل العمد وسبي المئات من النساء واغتصاب الكثير منهن وبيعهن في سوق النخاسة بالعراق وسوريا وتدمير دور العبادة وحصر ما يقرب من 1200 عائلة في جبل سنجار ولأشهر عدة حتى أمكن فك الحصار عنهم وهم ما زالوا يعيشون في الخيام في أقضية ونواحي دهوك وأربيل والسليمانية وجبل سنجار، والكثير منهم ومن المسيحيين توجهوا صوب الخارج وهم في أسوأ حال.

وكان المواطنون والمواطنات من الإيزيديين قد فقدوا منذ عام 2003 وقبيل دخول داعش إلى قضاء سنجار ما يقارب (879) شخصا ً نتيجة الأعمال الإرهابية." (
قارن: تقرير الجمعية العراقية لحقوق الإنسان في الولايات المتحدة الأمريكية لعام 2014).

ثم كانت حصيلة المطاردة واجتياح مناطق سكن الشبك في الموصل وسهل نينوى والتركمان في تلعفر نزوح عشرات الألوف منهم صوب المناطق الآمنة مع قتل جمهرة كبيرة من الشبك والتركمان ونهب وسلب ممتلكاتهم المنقولة وغير المنقولة، إضافة إلى تدمير أماكنهم المقدسة وتراثهم الحضاري.

ولم يقتصر الأمر على هؤلاء فقد قتلت هذه العصابات المجرمة الكثير من أتباع المذهب الشيعي باعتبارهم رافضة كفرة ومرتدين عن الدين الإسلامي وقتلوا الكثير من السنة لأنهم قاوموهم ورفضوا مبايعة القتلة، كما حصل للعديد من العشائر بمحافظة الموصل أو بمحافظة الأنبار ومنهم الكثير من أفراد عشيرة نمر وعشيرة الجبور على سبيل المثال لا الحصر. ووقعت الجريمة البشعة في معسكر سبايكر حيث قتل بشكل جماعي أكثر من 1700 طالبة ومجند وكلهم من الشيعة على أيدي القتلة المجرمين الدواعش. وهي مجزرة إبادة جماعية تذكرنا بالأساليب الهتلرية في قتل البشر أو بطريقة الخمير الحمر بالهند الصينية.

وهنا نستطيع أن نوجز حقيقة الإبادة الجماعية التي تعرض لها سكان محافظة نينوى على أيدي الغزاة الجدد على النحو التالي:

** التسبب في النزوح الجماعي والقتل الجماعي والتطهير العرقي وسبي النساء
ومنذ بدء الاعتداء على الأقضية والنواحي والأرياف التي يقطنها الإيزيديون في الثالث من شهر آب/أغسطس 2014 حصل لهم ما يلي:
"كان تاريخ 3/آب/2014 على الإيزيديين يوما ً مشؤوما ً سوف تخزنه الذاكرة العراقية وأتباع الديانة الإيزيدية من إن هذا التاريخ المرير، هو يوم الظلم، والحزن الدامي، والقتل الجماعي، يوم الجرائم ضد الإنسانية، حيث أقدمت المجاميع الإرهابية التكفيرية على اقتحام قضاء سنجار وقاموا على الفور بقتل (700) شخص في قرية كوجو، وقتل (67) رجلاً إيزيديا ً من مجمع سيبا في سنجار، خطف وسبي (5000) امرأة وفتاة وطفل، تم بيع (5000) شابة في سوق القدس بمدينة الموصل، وسوق الرقة في سوريا بمبلغ من (300 إلى 700) دولار، وأكثر من (5500) شخص بين قتيل ومفقود، وتدمير مساكنهم ومصادرة ممتلكاتهم، أكثر من (10) آلاف شخص حوصروا في جبل سنجار، وتهجير (350) ألف مواطن نزحوا إلى مدن إقليم كُردستان في (محافظات دهوك – أربيل – والسليمانية ) ومنهم من هاجر إلى تركيا وسوريا وجورجيا يعيشون في ظروف سيئة جدا.

** إجمالي عدد النازحين وأوضاعهم
ونتيجة لعمليات التطهير العرقي والإبادة الجماعية التي تمارسها هذه القوى الشريرة بلغ عدد النازحين من مناطق سكناهم إلى إقليم كُردستان ومناطق أخرى من العراق ما يقرب من 1,500,000 نسمة وهم موزعون على مخيمات تفتقر لكل وسائل العيش الإنساني. فعلى سبيل المثال لا الحصر يوجد 54 مخيماً في محافظتي دهوك وأربيل وقضاء عنكاوا التابع لهذه المحافظة. وهذه المخيمات تضم عشرات ألوف البشر من المسيحيين والإيزيديين وبعض القوميات وأتباع الديانات الأخرى. وهم يعانون من أسوأ ظروف المعيشة الآدمية ونقص الخدمات الاجتماعية والمصاعب اليومية في الحصول على ما يسد رمق الأطفال على نحو خاص ...الخ. فعلى سبيل المثال يوجد في مخيم آسيان في ناحية باعذرة في محافظة دهوك باعتباره مخيماً محسناً نسبياً قياساً لباقي المخيمات 3000 خيمة لسكن النازحين تضم حتى الآن 2480 عائلة أو ما يساوي 14440 نسمة. المخيم مزود بالكهرباء والماء وهو من المخيمات المحسنة نسبياً بسبب وجود مطبخ وحمام في مقابل كل خيمة.

** وبعد ذلك تعرضت مدينة تلكيف، وهي أكبر المدن المسيحية في سهل نينوى على كارثة حقيقة نفذتها عصابات داعش المجرمة. وجاء في ندوة عقدت في ديتروبت نظمها الاتحاد الديمقراطي العراقي بهذا الصدد ما يلي: "اكتملت تلك الكارثة باحتلالهم لبلدات سهل نينوى يوم السابع من آب 2014 م. وخروج جميع المسيحيين من بغديدا، كرمليس، برطلة، تلكيف، باطنايا، باقوفا، تللسقف والذي يقدر عددهم بما لا يقل عن 150 ألفا في هذه البلدات والتجأوا الى مدن محافظتي أربيل ودهوك في إقليم كردستان طلبا للأمان."

واليكم الجدول التالي الذي يوضح مأساة مسيحيي العراق
ويقدر عدد المسيحيين في العراق اليوم ما يقارب ( 600 - 700 ) الف بعد ان كانوا ( 1.600.000 ) نسمة.
وفيما يلي جدولا ً يوضح اعداد المسيحيين الذين غادروا مناطقهم الاصلية في العراق بسبب الاعمال الارهابية المنظمة

** إن ضعف مواجهة هذه العصابات قاد إلى زحف متواصل لهم باتجاه محافظة كركوك والأنبار، وخاصة على حديثة والحبانية والفلوجة والرمادي وتعزيز مواقعهم في الفلوجة وبعض مناطق صلاح الدين. وارتكبوا في هذه المناطق التي سيطروا عليها الكثير من المجازر الدموية وخاصة ضد تلك العشائر التي أعلنت رفضها ومقاومتها لهم بكل السبل المتاحة لديها. وكانت خسائر عشيرة ألبو نمر كبيرة حقاً ومحزنة جداً.

** وآخر الإحصائيات التي نشرت عن ضحايا الإرهاب تشير إلى قتل أكثر من 15000 نسمة وإلى أكثر من 30000 نسمة من الجرحى والمعوقين بالعراق، وهو رقم كبير جداً ولكنه صحيح، بل يمكن أن تكون الأرقام الفعلية أكثر من ذلك بكثير.

لقد كان هدف الإرهابيين قتل المزيد من البشر وإشاعة الرعب في نفوس الناس من خلال عرض الطرق الهمجية التي يقتلون بها الناس بالعراق وأساليبهم في تدمير المدن والمواقع الحضارية العراقية.

** ولكن هناك قوى أخرى تريد إشاعة الفوضى ببغداد وحيثما أمكن. فالمعلومات تشير إلى تفاقم عمليات الإرهاب والتفجيرات ببغداد، وكذلك اختطاف مسيحيين في محاولة لابتزاز العائلات المسيحية من جهة، والسيطرة على بيوتهم حين يتركونها هاربين من تهديدات القوى الإرهابية التي ما تزال عاملة ببغداد، وربما تحت سمع وبصر وسكوت أو تحت تأييد وتعامل مادي من بعض الأطراف المشاركة في الحكم. وتعتبر هذه العمليات جزء من الصراع على السلطة والمال والنفوذ بالبلاد من جانب الأحزاب الإسلامية السياسية المشاركة في الحكم والمتنافسة على المركز الأول فيه والتي سُحب الحكم جزئياً منها وفي غير صالح المستبد السابق بأمره، ولكنها ما تزال تتحكم بالعملية الجارية بالعراق وتفرض بصماتها السلبية على ما يجري في الساحة العراقية. فعلى سبيل المثال لا الحصر نشر المنتدى العراقي لمنظمات حقوق الإنسان بيانا بتاريخ 16/7/2015 شجب فيه عمليات الخطف التي تقوم بها الميليشيات الطائفية المسلحة، وجاء فيه ما يلي: "وقد أقدمت هذه الميليشيات التابعة للأحزاب المشاركة في العملية السياسية خلال الأيام الماضية على خطف الشيخ " علي دهام الخزرجي " و11 شخصاً آخر في قضاء الدجيل، وكذلك المواطنين المسيحيين " الدكتور بشار غانم عقراوي - وسعيد كليا شابا " في العاصمة بغداد." كما أصدرت بطريركية بابل للكلدان بتاريخ 13/7/2015 بياناً حزيناً ومندداً بقتل مسيحيين واختطاف اثنين آخرين ببغداد جاء فيه ما يلي :
"من المؤسف أن يستمر الوضع الأمني بالتدهور، وأن يستغله بعض الأفراد أو الجماعات للقيام بخطف أشخاص أبرياء من اجل كسب حفنة من المال وإثارة الرعب بين المواطنين العزل. كما أن هناك نفوساً ضعيفة تقوم علناً بتزوير سندات بيوت بعض المسيحيين وتستولي عليها وعلى ممتلكاتهم، أو ترسل لهم رسائل تهديد عبر هواتفهم النقالة ليتركوا وظائفهم. هذا أمر شنيع يثير القلق ويدمّر الفسيفساء الوطني العراقي ويضعف هيبة الدولة. المسيحيون مواطنون أصيلون والكل يشيد بأخلاقهم ووطنيتهم وتجذرهم في بلدهم وإسهامهم في حضارته وثقافته، فتخويفهم وتهجيرهم خسارة كبيرة للنسيج الوطني، لذا نناشد السلطات الحكومية وقوى الأمن في بغداد بحماية حياة المواطنين وممتلكاتهم."

وإذ نشارك البطريركية قلقها واحتجاجها وتنديدها بهذه الجرائم البشعة التي ترتكب ضمن محاولات قوى سياسية مشاركة في الحكم بتلغيم الجو لإزاحة حيدر العبادي باستخدام المليشيات الطائفية المسلحة التي ما تزال تمارس دورها العدواني والهمجي ضد المواطنين حيثما واتتها الفرصة، نطالب مجلس الوزراء ومجلس النواب ومجلس القضاء الأعلى باتخاذ الإجراءات الكفيلة بحماية المسيحيين وكل المواطنات والمواطنين الآخرين الذين يتعرضون لمثل هذه العمليات الجبانة والتي لا يخفى على أحد القوى والعناصر التي تمارسها، ونحتج على سكوت الحكومة عنها حتى الآن ونطالب بالكشف عن الجناة وتقديمهم للعدالة، إن كان بالعراق قضاءً عادلاً وقادراً على محاكمة القتلة ومن يقف خلفهم.



17/7/2015
 

- داعش وجرائم الإبادة الجماعية بالعراق 1-5

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter