|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الجمعة  17 / 10 / 2014                                 د. كاظم حبيب                          كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 


 

الشعب الكُردي بـ"كوباني" يقدم نموذجاً مقداماً للمقاومة البطولية والبسالة، فهل لنا مثل ذلك بالعراق؟

كاظم حبيب

الشعب الكردي بمدينة كوباني الكردية بسوريا يواجه عدوين في آن واحد، يواجه أوباش داعش المجرمة من جهة، وعنصريو الدولة والحكومة التركية وقواتهم المسلحة من جهة أخرى، كما لا يمتلك الأسلحة التي يمتلكها أوباش داعش القتلة ولا عددهم وعدته من جهة ثالثة. ولكن بنات وأبناء كوباني مصممون على المقاومة ببسالة رائعة، يدافعون عن أرض الوطن كأبطال حقيقيين، كجند مجهولين، يدافعون عن حياتهم ومستقبل أبنائهم وبناتهم. إنهم يقاتلون بعزيمة وإصرار قل نظيره. ومقاومتهم هذه استقبلت بموقف رائع من الرأي العام العالمي وبتأييد مطلق لا مثيل له بحيث أجبر المجتمع الدولي على التحرك لتقديم المساعدة والنجدة الجوية. وإذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية لم تمارس الضربات الضرورية في البداية، فأنها وجدت نفسها تحت ضغط هائل من الرأي العام العالمي أجبرها على توسيع وزيادة عدد الضربات الجوية ضد أوباش داعش. هذا هو الموقف العظيم الذي ننحني له إجلالاً، لأنه يمثل الشهامة الوطنية والاستعداد للتضحية دفاعاً عن الأهل والأرض والثقافة وحقوق الإنسان. ولا شك في أن تأييد كل الكرد في كل مكان لهذا النضال البطولي هو الذي ساهم بدوره في تحريك الرأي العام العالمي والمجتمع الدولي لمساندة قوى المقاومة نساءً ورجالاً بمدينة كورباني الكردية بسوريا، رغم كل الأعداء الذين كانوا ينتظرون انكسار المدينة أمام الغزاة الأوباش، وفي مقدمتهم الدولة والحكومة التركية والطيب أردوغان! إن الأحزاب الكردية في جميع أجزاء كردستان تلعب اليوم دوراً مهماً في مساندة سكان كوباني ومقاتليها الشجعان، وهم أمر بالغ الأهمية، ولذلك فاللقاء الذي حصل بين السيد صالح مسلم، الرئيس الدوري لحزب الاتحاد الديمقراطي الكُردي، مع رئيس إقليم كردستان السيد مسعود البارزاني، واللقاءات الأخرى مع قادة الأحزاب السياسية الكردية الأخرى من أجل تحقيق التضامن والتعاون والتنسيق لدعم وحدات حماية الشعب الكردي ووحدات حماية المرأة الكردية المقاتلة بكوباني، تحتل أهميتها الكبيرة في المرحلة الراهنة لانتصار مقاتلي كوباني على أشرار وأوباش داعش وعلى المتحالفين معهم في تركيا وتلعب دورها في تقديم الدرس في أهمية التضامن والوحدة في النضال.

لقد استطاعت قوات البيشمركة الشجاعة أن تواجه بعزيمة ثابتة، وبعد تجربة مريرة في سنجار، أوباش داعش وتصدهم وتوقف زحفهم وتستعيد الكثير من المناطق التي اجتاحوها قبل ذاك. ولم يأت هذا عبثاً بل نتيجة الإصرار على المقاومة الذي حرك الرأي العام العالمي والمجتمع الدولي لإسناد الكرد وتشديد الضربات ضد الداعشيين وقتل الكثير منهم وشل الكثير من قواهم التي دفعت إلى مناطق أخرى. وما يزال الشعب الكردي بالإقليم بحاجة إلى رص صفوفه الداخلية وإيقاف الصراعات الثانوية بين أحزابه السياسية التي لن يكون استمرارها في مصلحة الشعب الكردي و انتصاره وفي دعم الجبهة الداخلية ودعم مقاتلي كوباني. إن الشعب الكردي بالإقليم بحاجة إلى مزيد السلاح والعتاد والتدريب لمواجهة العدو الزاحف، كما إنه بحاجة إلى مزيد من التراص والوحدة النضالية لكسر شوكة العدو والانتصار عليه وطرده.

إن انتصار مقاتلي كوباني من جهة، وتصاعد مقاومة البيشركة الكردستانية من جهة أخرى، وتصاعد دعم وتأييد الرأي العام العالمي لهذا النضال من جهة ثالثة، أدى إلى تزايد الضربات العسكرية الأمريكية وغيرها لقوات داعش وإلحاق الأذى بها من جهة رابعة، مما ساعد على إحراز نجاحات طيبة ومهمة. وفي مقدور كل ذلك أن يمنح القوة والعزيمة والإصرار لمقاتلي الجيش العراقي لوقف زحف أوباش داعش على محافظة الأنبار وديالي وكركوك وغيرها من المناطق، والتي يمكن أن تقترب تدريجاً من حدود بغداد، وهم الذين اجتاحوا أخيراً مدينة هيت وسيطروا عليها وانسحبت القوات العراقية منها. إن رفع معنويات الجيش العراقي لا تأتي دون فعل من جوانب عديدة منها مثلاً :
مدى قدرة الشعب على منح المقاتلين في الجبهات المختلفة التأييد والعزيمة والمساندة باعتباره الظهير المناضل لهذه القوات؛
وهذه القدرة لا تأتي من فراغ، بل من إجراءات يفترض أن تمارسها الدولة والحكومة بالعراق لا على التطهر من الطائفية السياسية المقيتة والعودة إلى المواطنة والوطن وليس الطائفة والعشيرة فحسب، بل وفي إعادة بناء القوات المسلحة العراقية والتثقيف ورفع الشارات الدينية الطائفية المقيتة الموضوعة على جاكيتات المقاتلين والتي لا تثير إلا الكراهية والأحقاد وتمنع التضامن والتفاعل والقتال المشترك كتفاً إلى كتف ضد الأعداء الأوباش؛
كما إن إعادة تثقيف القوات المسلحة وتأمين السلاح الجيد والتدريب الممتاز ورفع المعنويات بتأمين وحدة الشعب والموقف من الإرهابيين، سيمنع أيضاً الخوف والرغبة في النزوح ومغادرة العراق ، وسيمكنها من إيقاف الأوباش الغزاة.

إن الحكومة الحالية ما تزال تزحف كالسلحفاة في سيرها، في حين إن الحالة الراهنة تتطلب سرعة ودقة وحكمة في القرارات والإجراءات التي تتخذها وبالسياسات التي تمارسها أولاً وقبل كل شيء. إن تغييرا في الذهنية لم يحصل حتى الآن، لأن الذهنية الطائفية ما تزال مهيمنة وإعاقة الحلول العملية للمشكلات القائمة هي الفاعلة والمؤثرة. إن مجموعة المالكي التي حكمت العراق تسع سنوات عجاف هي التي، كما يتضح يوماً بعد آخر، سلمت الموصل، ومعها جماعة أثيل النجيفي وبهدف آخر، بأمل "تأديب!" أهل الموصل وأهل الأنبار وغيرهما، بعدم مقاومة أوباش داعش والانسحاب وترك كل شيء لها، سوف لن تكون بمأمن من عصابات داعش المجرمة. ولهذا ارتفع صوتها وأصوات مماثلة مطالبة بقوات أجنبية لحمايتها قبل أن تحمي العراق، في حين أن الضرورة ترتبط بالوضع الداخلي واتخاذ الإجراءات لعملية تغيير واسعة في الفكر والسياسة العراقية. وعلى العبادي أن يتحرك بهذا الاتجاه، إن كان مستعداً وراغباً في تطهير العراق من الأعداء الغزاة، إذ عليه أن يوفر شروط الانتصار، وهو الآن يملك زمام الأمور بيديه ولديه تأييد إقليمي ودولي واسعين، وبالتالي عليه أن يتصرف لا كعضو قيادي في حزب الدعوة الإسلامية وفي دولة القانون، بل كمواطن عراقي يحمل مسؤولية تخليص العراق مما تسببت به جمهرة من السياسيين الطائفيين الأوباش من عواقب على العراق وشعبه ومصالحه وحياة بناته وأبنائه.

لقد قال أحد أبرز الكتاب الألمان، وأعني به أريش كوستنر (Erich Kästner 1899-1974) بصواب كبير ما معناه: حين تُرتكب جرائم وأخطاء يفترض أن لا نرمي اللوم على الفاعل وحده، بل نسأل ماذا فعل الآخرون لمنعه من ارتكاب تلك الأخطاء والجرائم".
لقد بقى المالكي تسع سنوات في السلطة وسلم جزءاً عزيزأ من العراق، وكل أجزاء العراق عزيزة، على طبق من ذهب إلى أوباش داعش الذين يزحفون اليوم على مناطق أخرى من العراق، ولم يفعل الكثيرون ما هو ضروري من أجل إزاحته مبكراً ومنعه من دفع العراق إلى المستنقع الذي هو فيه الآن، بل دافع عنه من شاركه في كل ذلك، ومنهم جمهرة من مدعي الثقافة والحصافة، وهم وعاظ قبحاء للسلاطين، إذ ساهموا في وضع العراق في الحالة المزرية التي هو فيها الآن.

والآن ماذا علينا أن نفعل لكي لا نجعل العبادي، الذي قال عن نفسه أنه غير طائفي، لكي يكون غير طائفي فعلاً لا قولاً، كيف ينبغي لنا أن نتحرك لكي لا نجعله يزحف في سياساته أو يطرح الأمور بشكل خاطئ في مؤتمراته الصحفية كما حصل في مرتين سابقتين، مرة في تقديره للعوامل التي سمحت لداعش باحتلال الموصل، ومرة في تصريحاته الأخيرة حول إقليم كردستان العراق!

إن مقاومة أعداء الشعب تتطلب وحدة الشعب، ووحدة الشعب لا تتحقق بالسياسات والمحاصصة الطائفية. والتي تتجلى بوضوح في عجز رئيس الوزراء حتى الآن عن تسمية وزير الدفاع ووزير الداخلية، وهما الوزارتان اللتان يفترض أن تلعبا الدور الضروري والملح في الوقت الحاضر.

إن الطائفية السياسية والمحاصصة الطائفية تخلق الكراهية، والكراهية تخلق الحقد، والحقد يخلق الصراع، والصراع ينتج النزاع، والنزاع ينتهي إلى القتل والحرب والدمار. هذا الدرس كان ينبغي أن يتعلمه كل عراقي وعراقية منذ زمان طويل. ومع الأسف فأن التربية المدرسية والبيتية والتعليم ووزارة التعليم العالي في زمن علي الأديب علمت على كل ذلك ما يثير الكراهية والحقد وأججت الصراعات والنزاعات، وكان الأديب اليد اليمنى للمالكي في سياساته الطائفية الخبيثة. فهل سيتخلص العبادي من السياسات التي تسببت بكل ذلك، ويتخلص من السياسيين الذين تسببوا بكل ذلك ليعيد وحدة الشعب بممارسة فكر وسياسات وإجراءات جديدة؟

هذا ما ستكشف عنه الأيام والأشهر القادمة وسبل مقاومة العدو الغازي داعش وحل المشكلات الداخلية.




16/10/2014
 


 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter