|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الأثنين  15 / 7 / 2013                                 د. كاظم حبيب                          كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

هل تعلم سياسيو المرحلة الراهنة من تجارب العراق الغزيرة؟

كاظم حبيب

"اغفروا لي حزني وخمري وغضبي وكلماتي
القاسية, بعضكم سيقول بذيئة, لا بأس ... أروني
موقفاً أكثر بذاءة مما نحن فيه
".         .......             مظفر النواب

عاش شعب العراق خلال العقود التي أعقبت ثورة تموز 1958, أو حتى قبل ذاك, تجارب غزيرة وكدس معارف وخبرات كثيرة ومهمة يمكنه, لو أراد, أن يستفيد منها في مراحل مختلفة من نضاله في سبيل الحرية والديمقراطية والحياة المدنية وحقوق الإنسان وحقوق القوميات والعدالة الاجتماعية والسلام. وكما يمكن للسياسيين أن يستفيدوا منها إن أرادوا ذلك حقاً. يمكن ذلك حين لا تكون للشعب وسياسييه ذاكرة قصيرة ينسون أو يتناسون ما حصل بالأمس القريب ويتجاوزونها وكأنهم لم يلدغوا من جحر مرات ومرات. لقد مرَّ الشعب بنظم سياسية عديدة وبحكام وسياسيين لا حصر لهم. أسماء الحكام اختلفت والنظم السياسية تبدلت أوصافها ومسمياتها, ولكن سلوكيات الحكام ونظمهم وسياساتهم إزاء شعبهم العراقي بكل مكوناته القومية والفكرية والدينية والمذهبية كانت في المحصلة النهائية واحدة لا تتسم بالديمقراطية ومصلحة الشعب, بل غالباً ما كانت عدوانية متوحشة وجامحة الى الهيمنة التامة على إرادة الناس ومقدراتهم وعقولهم وسلوكهم اليومي, إضافة إلى تحقيق مصالحهم على حساب مصالح الشعب.

بالأمس القريب, في نهاية العام 1969 وجد صدام حسين نفسه أمام مأزق كبير هدد وجود حزب البعث في السلطة ووجوده ونظامه السياسي في آن واحد, فما كان له إلا وبادر ووافق على حصول الشعب الكردي على الحكم الذاتي وصدر بيان آذار في العام 1970. فهلل له جميع من كان يتعاطف ويلتزم الدفاع عن قضية الشعب الكردي وحقوق الشعب المشروعة باعتبارها الخطوة الأولى على الطريق الطويل. ولكن سرعان ما استطاع صدام حسين أن يلعب لعبته في تفكيك العلاقات النضالية للقوى الديمقراطية العراقية بفعل سياسات البعث وتكتيكاته إزاء إقامة تعاون مع هذا الطرف الوطني لضرب طرف آخر, ثم مع حزب آخر لضرب حزب رابع وهلمجرا, إلى أن تحقق له الانفراد بالساحة السياسية العراقية.. وهكذا كان, لقد صفى الساحة السياسية العراقية من معارضة كانت موجودة على الأرض العراقية مباشرة. غاص البعض القليل تحت الأرض, ووجد البعض الآخر نفسه في السجون أو في المنافي أو دفن في أقبية جهاز الأمن والمخابرات, أو صعد إلى أعالي جبال كردستان العراق, ومنهم الكثير ممن حط الرحال في إيران أو سوريا أو الدول الغربية وفي حينها بعض الدول الاشتراكية ايضاً.

كان صدام حسين يقول لمن يلتقي بهم من السياسيين: "أي موجة سياسية تأتي سأركبها, سواء أكانت يسارية أم يمينية, وسأقودها بنفسي وأنهي دورها لصالحنا". هذا هو مضمون قوله المشهود والذي اقترن بقول آخر: "العراقيون بعثيون وأن لم ينتموا", أو "لن أترك العراق إلا على جثث وخرائب" وهكذا كان.

نحن اليوم أمام حالة جديدة مشابهة من حيث الجوهر وأن اختلفت من حيث الأشخاص والأدوار والظروف والأساليب والزمان.
منذ ثماني سنوات عجاف جلس الحاكم بأمره نوري المالكي على رأس الحكومة العراقية ولم يبذل الجهد البسيط لمعالجة القضايا العالقة مع الشعب الكردي أو رئاسة وحكومة الإقليم أو مع القوى السياسية الأخرى, ثماني سنوات ماطل وعقد الأوضاع وشدد الصراع الطائفي السياسي وعمق الخلافات القومية وساعده في ذلك من بيده السلطة أيضاً بأساليب مختلفة. وعلى حين غرة انبري السيد نوري المالكي ليعالج الخلافات القائمة مع رئاسة الإقليم. لماذا هذا التغير في الموقف؟ هل يجسد رؤية سليمة للأوضاع التي يمر بها العراق أم إنها تنطلق من تكتيكات سياسية تستند إلى ذهنية انتهازية استبدادية خطرة يفترض الانتباه إليها والحذر منها؟

كان المالكي حتى نهاية انتخابات مجالس المحافظات قد ركب رأسه ورفض الكثير من محاولات حلحلة الأمور, بل كان يفجر قنبلة أو يدفع بواحد من أتباعه ليؤجج الحالة ويدفع بها إلى نقطة الصفر. والسؤال: هل من جديد في الواقع العراقي؟ يتطلب الأمر الإمعان في ما حصل بالعراق خلال الفترة الأخيرة والتي يمكن تلخيصها بالنقاط التالية:
1. انتهت انتخابات مجالس المحافظات بنتائج لم يكن يتوقعها نوري المالكي فخسر الكثير من مواقعه.
2. وبهذه النتائج بدأت تنشأ تحالفات جديدة في المحافظات تختلف عما كانت عليه قبل ذاك وخسرت قائمته مواقع مهمة في منطقتي الوسط والجنوب.
3. بدأت الأوضاع في سوريا تزداد تعقيداً وتهدد بدورها الوضع بالعراق.
4. وأوضاع محافظات غرب بغداد لم تنته بعد وهي تشكل عبئاً كبيراً عليه وعلى حزبه, رغم إنه مستمر في تشديد سلوكه وسياسته الطائفية.
5. كما إن الأوضاع المعيشية والخدمات ما تزال بعيدة كل البعد عما يريده الشعب والوعود الباطلة التي لم تتحقق تكشف عن عيب سياسات المالكي وحزبه وحكومته. فالبطالة كبيرة والفقر أوسع والفساد مستشري والإرهاب يقتل يومياً المزيد من البشر والخطط الأمنية فاشلة لأسباب ترتبط بفلسفة الحاكم بأمره بشكل خاص.

وفي الطرف المقابل, في الطرف الكردي نتلمس ما يلي:
1. استمرار واشتداد الصراع على السلطة في إقليم كردستان العراق ليس بين المعارضة والأحزاب الحاكمة فحسب, بل وفي داخل الأحزاب الحاكمة, إلى حد المهاترات والإساءات المتبادلة.
2. وكانت النتيجة أن أصدرت الأحزاب الحاكمة في الإقليم قراراً بتأجيل الانتخابات المستحقة دستورياً في شهر أيلول/سبتمبر من هذا العام لمدة سنتين, أي حتى العام 2015.
3. وجود تذمر في الساحة الكردستانية, رغم وجود الأمن المهم والضروري للمجتمع, بسبب البطالة المقنعة وارتفاع الأسعار والفساد الواسع وعدم التوجه صوب التنمية الصناعية الضرورية للإقليم.
4. وجود ضغوط سياسية متزايدة من الطرف الإيراني على الإقليم باتجاه المصالحة مع حكومة نوري المالكي.

إن قراءة المالكي للأوضاع في العراق عموماً وفي إقليم كردستان دفعته إلى ركوب الموجة ليبدو وكأنه المنقذ الأعرج, المعروف في التاريخ, ليقفز فوقها ويمتطي الموجة لتصفية بعض الأمور لصالحة في الانتخابات القادمة, بعدها سيكون في وضع أفضل يستطيع به مواجهة الخصوم الذين أًجبر على تبادل الكلمات الطيبة معهم وتوزيع الابتسامات العريضة التي تكشف زيفها.

لست إلى جانب تشديد الصراع في الساحة السياسية والشعبية العراقية, إذ إن عواقبها وخيمة على الشعب العراقي, وكان الكثير من الناس الحريصين على مصالح الشعب يبذلون الجهد لتخفيف وتهدئة الأوضاع. هذا صحيح وضروري في آن. ولكن هذا الموقف لا ينفي بأي حال ضرورة التنبيه الجاد والتحذير المستمر مما شاهدناه جميعاً من على شاشات التلفزة التي مررنا بها في سنوات العهد الصدامي وسُقينا مرارتها وعرفنا بأنفسنا عواقبها المريعة.

كانت عواقب ثماني سنوات من حكم المالكي على الشعب العراقي صاعقة, كانت النتائج ليست مخيبة للآمال بل عواقبها كانت وما تزال مدمرة لوحدة الشعب العراقي وضد مصالحه وحصد الشعب المزيد من الدماء والآلام والبؤس والبطالة. أن رؤيتي للمالكي لا تتحدد بمعرفتي الشخصية به, بودي أو كرهي له شخصياً. فهذه الأمور لا تتحكم بموقفي السياسي من هذا الحاكم أو ذاك, بل تتحدد بسياساته ومواقفه. فنوري المالكي كشخص وكرئيس حزب لا يفهم الديمقراطية ولا يريد أن يفهمها إلا حين تكون سلماً للصعود والوصول إلى قيادة الحكم, وحين يكون على السطح أو بعد جلوسه على كرسي الحكم يركل السلم بقدميه, ثم يمارس سياسة الحزب الواحد والشخص الحاكم الواحد والدكتاتور الأوحد. ولم تعد الديمقراطية مفيدة له أو ضرورية لحزبه. ورغم إن الظروف لا تتناسب مع هذا النهج غير الإنساني وغير الحكيم. إلا إن المالكي بحكم كونه ليس ديمقراطياً بل شخصية طائفية سياسية حتى النخاع, فأنه سيواصل هذا النهج الخطير ولا أتوقع له تغييره. وهو القائل "أخذناها بعد ما ننطيها" وهو "أكو واحد يگدر يأخذها بعد". والمقصود هنا هو شخص المالكي, هم الأحزاب الشيعية أو بتعبير أدق حزبه الشيعي الطائفي السياسي, الذي لا يختلف عن الأحزاب السنية الطائفية وليس جماهير الشعب من الشيعة والسنة. المالكي قناص فرص ولكنه يتشبث بها حتى النهاية المأساوية, إذ إنه برهن خلال ثماني سنوات عن ذهنيته الفكرية والسياسية وعن سلوكياته العملية في السلطة, إذ لم يدخر وسعاً في شراء المزيد من الأعداء في سبيل تعميق الصراع والاصطفاف والاستقطاب الطائفي, إضافة إلى شراء الذمم. ويمكن في كل لحظة أن يتحول إلى قومي شوفيني زائداً ديني متشدد وطائفي متعصب!

ينبغي أن لا يكتفي الساسة الكرد بما يحققونه لهم, بل يفترض أن يفكروا بأن حماية حقوقهم تكمن في الديمقراطية وحقوق الإنسان وحقوق القوميات والحياة الدستورية بالعراق كله. إن المساومة على المبادئ الأساسية لن تمر بسلام وتعود بالضرر على الجميع. هكذا علمتنا تجربة العقود المنصرمة, وهكذا يفترض أن نتعلم من تجاربنا وتجارب الشعوب الأخرى.

وهذا لا يعني إن سياسة الإقليم كلها كانت في الفترة المنصرمة صائبة أو ديمقراطية. بل تميزت بقدر كبير من التشنج والتوتر ومحاولة الابتعاد عن التنسيق والتكامل مع بقية أنحاء العراق. لقد تحدث المسؤولون الكرد أمراً مهماً واحداً مهماً وصحيحاً هو أنهم كشعب كردي وكأحزاب سياسية لا يريدون العيش تحت هيمنة الدكتاتورية مرة أخرى بالعراق, فقد عانوا منها الكثير ولا يمكن أن يعيدوا التجربة ثانية أو ثالثة. وهذا يتطلب منهم تقديم النموذج الديمقراطي في الإقليم لكي تحصل المصداقية المطلوبة. إن إقليم كردستان العراق بحاجة إلى مزيد من وحدة الموقف في الظرف الراهن, ولكن هذا يمكن أن يتم حين تسود الديمقراطية والحياة الحرة والالتزام بمواد الدستور. وهو لم يحصل حتى الآن وهو الذي يثير المزيد من الخلاف والصراع في الساحة الكردستانية, وهو الذي تستفيد منه قوى الإسلام السياسي على نحو خاص.

إن منطقة الشرق الأوسط , وبلادنا جزء منها, تتحرك على براكين, بعضها تفجر وبعضها الآخر ينتظر أن يتفجر في كل لحظة, ولا يمكن أن يكون العراق بعيداً عن تلك البراكين, بل هو جالس في القلب والمركز منها ويتحرك معها. وإذا ما استمر الحكام ممارسة سياسة قصر النظر وسياسة ضعف الذاكرة أو نسيان الأحداث المنصرمة التي كلفت الشعب العراقي بكل مكوناته القومية والدينية والسياسية مئات ألوف القتلى والجرحى والمعوقين وخسائر مالية وحضارية فادحة وهائلة, فإن الكارثة ستكون كبيرة وأفظع مما مر به العراق حتى الآن. إن السبيل الوحيد أمام حكام العراق جميعاً هي العودة إلى مبادئ الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان, مبدأ المواطنة الحرة والمتساوية للنساء والرجال وكل المكونات والتخلي الفعلي عن الأحزاب القائمة على الدين والطائفية الدينية والتمييز القومي والديني والطائفي والفكري والسياسي وضد المرأة ومصادرة حرية الأفراد وحقوقهم المشروعة وكرامتهم الإنسانية ودفع المزيد منهم للهجرة وخاصة بين اتباع الديانات الأخرى وفئة المثقفين.


10/7/2013

 





 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter