|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

السبت 15 / 6 / 2013                                 د. كاظم حبيب                          كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

هل يحق للشعب التفاؤل أم ما يزال العراق يواجه المربع الأول؟

كاظم حبيب

هل يحق للشعب العراقي أن يعيش التفاؤل أم إن العراق, ورغم تلك اللقاءات والبوسات والكلمات المرحة, ما يزال يقبع في المربع الأول الذي يهدد الشعب بحرب طائفية أو اثنية؟ هذا السؤال طرحته على نفسي مرات ومرات أثناء متابعتي للقاء النجف الذي دعا له السيد عمار الحكيم ولم يخرج إلا بمصافحة حزينة بين رئيس السلطة التنفيذية ورئيس السلطة التشريعية وابتسامات عريضة ماتت على شفاههما قبل وصولهما إلى مقعديهما الوثيرين في دار ضيافة المجلس. ثم تابعت التعليقات التي وردت حول اللقاء الذي كان حضوره مقيداً بألف شرط وشرط بما لا يسمح بأي حلحلة للأوضاع الراهنة وترك الأمور على ما هي عليه. فرئيس الوزراء السيد نوري المالكي يريد أن يحتفظ بالمبادرة بيديه وليس بيد غيره! ولكن أي مبادرة؟

ثم جاءت زيارة السيد نيجرفان بارزاني إلى بغداد نتيجة وساطة مستمرة من جانب الولايات المتحدة الأمريكية وإيران على نحو خاص وانتهت بتشكيل لجان عدة للشروع ببحث المشاكل المعلقة. ويم يحصل شيء!

ثم جاءت مبادرة السيد نوري المالكي بعقد جلسة لمجلس وزراء الحكومة الاتحادية بأربيل, عاصمة الإقليم. ولا يمكن أن يتم هذا الاجتماع دون اللقاء برئيس الإقليم السيد مسعود البارزاني. وحصل هذا اللقاء وظهرت على شاشات التلفزة مرة أخرى تلك الابتسامات العريضة الباهتة والمتبادلة التي هي الأخرى ماتت على شفاه جميع الحضور بعد لحظات من انتهاء الرسميات.

من عاش العقود الخمسة المنصرمة يتذكر جيداً, وكأنه شريط سينمائي يتكرر أمام ناظريه, كيف كان المسؤولون يلتقون تتملأ وجوههم ابتسامات عريضة واحتضان وبوسات حارة واحيانا رباعية وليس ثلاثية فحسب, ولكنها كانت تنتهي إلى حيث ألقت رحلها أم قشعم! لماذا؟ لأن الجميع لم تكن لديه الثقة بأن الأخرين سينفذون ما يتوصلون إليه. ولأن نيات البعض كانت بعيدة كل البعد عن حل المشكلات القائمة ولأن الشوفينية كانت تهيمن على قادة الحكم بالعراق. وهكذا كان الأمر, فهل ما شاهدناه في مطار أربيل واللقاءات ستنتهي إلى حيث ألقت رحلها أم قشعم أيضاً؟

ليس فينا من يتمنى ذلك. وليس فينا من كان يريد أو ينتظر أن تصل الأمور بالعراق إلى هذا التوتر المهدد بخطر اندلاع حرب أهلية طائفية ماحقة.. وليس في القوى الديمقراطية العراقية, كما اعتقد جازماً من يهلل لمثل هذا الأمر. بل كانت القوى الديمقراطية قلقة جداً ومتوترة تماماً لما يمكن أن يحصل إن واصل الحكم سياساته وواصلت الأطراف الأخرى نهجها!

يبدو لي إن الأمر لا يتعلق بمثل هذه اللقاءات التي يبدو إن الهدف منها تخفيف التوتر لا غير. وتخفيف التوتر مفيد, ولكنه لا يعني حل المعضلات القائمة. والسؤال العادل والمشروع والمطلوب هو: لماذا لا ينتهي الفرقاء إلى حل عقلاني لصالح الشعب العراقي كله؟
الجواب لا يختلف عليه أثنان, حتى رئيس الوزراء يكرره دوماً, ولكن لا يسير عليه بل يبتعد عنه يومياً بسياساته الفعلية. الجواب يكمن مباشرة وصراحة في النظام السياسي الطائفي والمحاصصة الطائفية والأثنية التي وضعت العراق ليس في مركز الصراع الطائفي الداخلي فحسب, بل وفي مركز الصراع الإقليمي الطائفي الجاري بين الدول والتنظيمات والأحزاب والمؤسسات التي تعتمد على تفرعات مذهب السنة والجماعة, وتلك التي تتبع تفرعات المذهب الشيعي في المنطقة. إنه تجسيد للصراع المتواصل بين السعودية وإيران أولاً, وبين إيران وتركيا ثانياً, وكلاهما يشكل خطراً على وحدة شعب العراق بالدرجة الأولى. فالوضع الراهن بالعراق هو تجسد حي للأزمة البنيوية التي يعاني منها النظام السياسي العراقي الذي لا يمكن أن يتخلص من أزمة إلا ليسقط في أزمة أخرى.

من استمع إلى رئيس وزراء العراق في لقائه مع رئيس الإقليم لوجد أن كل شيء سيحل ولكنه مؤجل إلى حين الانتهاء من التعداد السكاني, رغم إن أكثر من وزير تخطيط ومسؤول عن الجهاز المركزي للإحصاء أكدو إمكانية إجرا التعداد السكاني فوراً, إلى أن توضع القوانين من السلطة التشريعية ...إلى "أن" ..إلى "أن" ولن تنتهي هذه إلى "أن" لأنها تلتقي مع "لو" لتلحق بها إلى "أنٍ" أخرى و "لو" أخرى وهلمجرا. وستذرع رئيس مجلس النواب بذات السلوكيات السابقة بحيث لا يعقد مجلس النواب جلساته الاعتيادية وحضور أكثرية قابلة لإنجاز مشاريع القوانين. من استمع إلى تصريحات رئيس الوزراء وهو يهاجم الطائفية في وقت نعرف جميعاً بأنه يقف على رأس القوى الطائفية وهو الجاثم على صدر الحكم في العراق ويتنافس مع راس القوى الطائفية الآخر الجاثم على صدر المجلس التشريعي, وكلاهما يريد الحكم لنفسه باسم طائفته ولكن الحكم بالأساس له وللنخبة من طائفته وليس للشعب, إذ لو كان للشعب لتخليا عن أحزابهم الطائفية وشكلوا أحزاباً وطنية عراقية بعيدة عن الطائفية بدلاً من شتم الطائفية وهم أصحابها, وهم كمن يقتل إنساناً ويسير خلف جنازته!

أيها السادة جميعاً أخاطبكم دون استثناء وأقول لكم يتواضع وحرص على الشعب وقضيته العادلة: إن المطلوب منكم في المرحلة الراهنة أن تكونوا
1. غير طائفيين سياسيين تتخلون عن الهوية الطائفية لصالح الهوية الوطنية!
2. أن تكونوا غير قوميين يمينيين تضحون بالهوية الوطنية لحساب الهوية القومية, في حين أن العيش المشترك يتطلب الهوية الوطنية أولاً وقبل كل شيء!
3. صريحين شفافين مع الشعب العراقي وأن تبتعدوا عن المناورات التي لن تنفع أحداً بل تلحق الأذى بالشعب كله!
4. أن تلتزموا بالدستور العراقي رغم نواقصه ولكل منكم وغيركم له الحق في تغييره عبر النضال السلمي والديمقراطي!
5. أن تبتعدوا عن القوى الإقليمية التي لا تريد إلا مصلحتها وهي التي تلحق الأذى بمصالح الشعب العراقي بكل قومياته وأتباع دياناته ومذاهبه واتجاهاته الفكرية والسياسية!
6. وطنيين هدفكم مصلحة الشعب لا مصلحة الحزب أو النخبة أو المسؤول الأول وحاشيته!
7. أمناء على هذا البلد وشعبه وثروته التي هي ثروة الشعب وأن لا تسمحوا للفاسدين والمفسدين التهام أموال الشعب الجارية على قدم وساق, إذ أمام أعينكم تجري عمليات نهب الشعب وسلبه وقتله!
8. مناهضين للإرهاب والتعذيب بكل أنواعه, سواء أكان فكرياً أم دينياً أم طائفياً أم حزبياً أم عشائرياً أم فردياً, وسواء أكان جسدياً والقتل بالجملة أو بالاغتيالات أو التعذيب الجسدي والنفسي في السجون والمعتقلات!

إن الابتسامات والقبل والأحضان لن تعالج المشكلات, بل مغادرة الطائفية السياسية المقيتة ومحاصصاتها والأخذ بمبدأ المواطنة الحرة والمتساوية والثقة بالشعب وبمصالحه الأساسية والأخذ بالحريات الفردية والديمقراطية وحقوق الإنسان وحقوق القوميات, فهو الطريق الوحيد لإخراج العراق من أزماته الراهنة والمستفحلة, فالقبل والأحضان والابتسامات العريضة لن تعالج المشكلات القائمة ولن تحل الأزمة البنيوية التي يعاني منها العراق دولة وحكومة وشعباً.

إنه التحدي الذي يواجهكم, فهل أنتم قادرون؟
 


12/6/2013
 





 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter