|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

السبت  14 / 11 / 2015                                 د. كاظم حبيب                          كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

أحمد الجلبي في ذمة المجتمع والتاريخ!

كاظم حبيب
(موقع الناس)

ليس غريباً أن يختلف الناس في ما بينهم بشأن حياة ونشاط أو نهج وسياسات أو سلوك وعلاقات الأفراد، سواء أكان ذلك في حياتهم أم بعد مماتهم، بل هذا هو الأمر الطبيعي والمعروف في جميع المجتمعات البشرية. ويصح هذا القول عن الأحزاب والقوى السياسية أيضاً، سواء أطال وجودها أم قصر. ولم يختلف الأمر بالنسبة للدكتور أحمد الجلبي، السياسي العراقي البارز والمعروف على الصعد المحلية والإقليمية والدولية، وسيبقى كذلك.

لا يختلف اثنان من الناس حول ذكاء وحيوية وطاقات الدكتور أحمد الجلي وكفاءاته المالية والاقتصادية ولا عن ثراءه بالعراق والخارج بغض النظر عن مصدر الثراء، ولكن الناس يختلفون كثيراً حول نهجه الفكري وسياساته ودوره في الحياة السياسية العراقية في فترة المعارضة، بعد أن برز بشكل واضح في مؤتمر المعارضة العراقية الذي عقد ببيروت في العام 1991، وتسنى لي المشاركة فيه والاطلاع على دوره حينذاك ومتابعة نشاطه بعد ذاك، أم بعد سقوط الدكتاتورية البعثية.

يمكن توصيف الدكتور أحمد الجلبي في فترة المعارضة وما بعدها في كونه واحداً من أبرز السياسيين العراقيين البراغماتيين الذين يرون بأن "الغاية تبرر الواسطة" بغض النظر عن العواقب. وجرياً على هذا المبدأ استخدم الجلبي كل ما يمكن أن يكون مقبولاً وغير مقبول، مشروعاً وغير مشروع، إشاعة صادقة أم كاذبة، للوصول إلى غاية واحدة، إلى إقناع مراكز القرار في الولايات المتحدة (البيت الأبيض ووكالة المخابرات المركزية والكونغرس ومراكز البحث والدراسة) بضرورة شن الحرب الخارجية لإسقاط الدكتاتورية البعثية الصدامية بالعراق، علماً بأنها لم تكن بحاجة إلى إقناع، فهذه المراكز كانت قد صممت على ذلك ابتداءً واتخذت قرار الحرب، ولكنها كانت تريد إعطاء الانطباع بأن الشعب والمعارضة يريدان ذلك، وما الحرب إلا استجابة لهم. كان أحمد الجلبي يتحدث بـ "اسم الشعب!"، سواء أمام نواب في الكونغرس الأمريكي، أم في تصريحاته السياسية، في حين كان يعرف تماماً بأنه لا يمتلك مثل هذا التخويل.

لم التق بالجلبي بعد ذاك سوى مرتين احداهما في ندوة اقتصادية عقدت في فيينا في منتصف التسعينات، وأخرى بعد سقوط الدكتاتورية وفي بيت الدكتور عبد اللطيف رشيد ببغداد. كان الرجل ودوداً تبادلنا وجهات النظر. تبنى العلمانية واللبرالية الجديدة في نهجه الاقتصادي، وسلك الطريق الطائفي في السياسة،. فكان المبادر إلى تشكيل البيت الشيعي، وبه دق أسفين الصراع الطائفي وأججه بين القوى والأحزاب الشيعية والسنية وساهم في نقله إلى المجتمع، وكانت هذه واحدة من أكبر الخطايا التي وقع بها الدكتور الجلبي، حين تخلى عن علمانيته تماماً.

اختلفت مع الدكتور الجلبي في موقفه من الحرب، رغم عدائي الصارخ للنظام الدكتاتوري الصدامي، إذ كنت أخشى مما نحن فيه اليوم، فالشعب وأحزابه وقواه السياسية الوطنية هي التي كان يفترض أن تسقط الدكتاتورية وليس الولايات المتحدة. واختلفت معه في الموقف من تشكيل البيت الشيعي وما جرّه على البلاد من كوارث ومحن وأزمات وموت ودمار حتى الآن، واختلفت معه في سكوته الطويل حتى مماته وقبوله بما كان يجري بالعراق من تدخل سافر ومريب لإيران في شؤون العراق الداخلية. والتقيت معه في ثلاثة مواقف :

1. رفضه القرار الصادر عن مجلس الأمن الدولي بفرض الاحتلال على العراق وبطلب من الولايات المتحدة، مما جّر عليه غضب الإدارة الأمريكية.
2. رفضه سياسات نوري المالكي في الهيمنة على مؤسسات الدولة والهيئات المستقلة وتجاوزه على قانون البنك المركزي مثلاً.
3. بدء نشاطه، باعتباره مسؤول اللجنة المالية في مجلس النواب، في جمع المعلومات والوثائق التي تبرهن على سيادة الفساد مالي ونهب البلاد، وقد شخص ذلك في الفترة 2006-2014، أي في فترة ولايتي نوري المالكي، وحتى وفاته.

وحين بثت قناة العراقية وقناة آسيا المقابلات الصحفية التي تحدث فيها أحمد الجلبي عن الفساد المالي وهدد بنشر الملفات والأسماء بعد فترة وجيزة ما لم تتخذ الحكومة الموقف المناسب، أدركت بأن الرجل قد دخل معركة شرسة لا رحمة فيها مع كل الذين لديهم ملف فساد عند الجلبي، وهم كثيرون حقاً.

ليس بودي أن أساهم في معركة الشائعات حول موته، بل أترك الأمر لعائلته التي طالبت بتشريح الجثة، والتي عليها أن تعلن النتيجة، إذ إن أحمد الجلبي كان جزءاً من الشأن العام وربما مات بسبب المال العام. كان الجلبي يتحرك بين مدينتي "نعم" و "لا"، وسقط ضحية مكافحة الفساد! المجتمع العراقي لا يرحم في أحكامه ولا التاريخ. وهو الآن في ذمتهما، وما علينا إلا أن نطرح الوقائع والحقائق النسبية التي نعرفها عن الرجل. أشعر بأن تسليمه مجموعة من وثائق الفساد لمؤسسة المدى يدل على مسألتين مهمتين ثقته بالمؤسسة وإحساسه بمخاطر جدية تحوم حوله، وعلينا الانتظار لمعرفة الحقيقة بشأن موت سياسي عراقي مميز اختلف الناس بشأنه!


 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter