|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الأحد  13 / 12 / 2015                                 د. كاظم حبيب                          كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

هل كان حيدر العبادي أو ما يزال سيد قراره؟

كاظم حبيب
(موقع الناس)

نشرت جريدة برلين Berliner Zeitung بعددها 288، 10 كانون1، 2015 خبراً مفاده أن الرئيس الجديد لتنزانيا السيد جون ماغوفولي بدأ بحملة من الإجراءات الإصلاحية لتطهير البلاد من الفساد المالي والإداري وفرض احترام القانون على الموظفين ومتابعة معاملات الشعب وتقليص رواتب كبار الموظفين لا صغارهم لدعم الخدمات الصحية في المستشفيات وتقليص عدد المرافقين للمسؤولين في زياراتهم ومشاركاتهم في المؤتمرات. لقد حمل بيديه مكنسة كبيرة لينظف بها دائرته فاستجاب له كل موظفي البلاد بذات الفعل وسعى الجميع إلى تنظيف المدن. هذا في جمهورية تنزانيا الاتحادية (أفريقيا). هذه الدولة ليست في حالة حرب، ولكن رئيسها أدرك بأن الوضع السيئ لا يجوز استمراره وعليه تغيير الأوضاع، فبدأ بحملته الراهنة والموفقة. فهل يا ترى استطاع رئيس الجمهورية العراقية الجديد ورئيس الوزراء الجديد أن يخطوا ولو خطوة صغيرة واحدة نحو تغيير أوضاع البلاد، رغم الحاجة الماسة التي تفرضها الحرب الدائرة ضد الإرهابيين في شمال الوطن وغرب البلاد، ورغم الفساد الهائل الذي يسود في السلطات الثلاث؟ لم يحصل كل ذلك، لأن الفاسدين ما زالوا يهيمنون بالكامل على السلطات الثلاث وعلى مسيرة الأجهزة في تلك السلطات الثلاث، لم يتخذ المسؤولان عن سياسات العراق خطوة صغيرة واحدة نحو التغيير، بل هما يكرسان السياسة الطائفية والأثنية ومحاصصاتها. رئيس الجمهورية لا صلاحيات له، وحتى القليلة التي يملكها يخشى منها، فهو لا يشعر بأن عليه أن يفعل شيئاً، كما يبدو لي ولملايين العراقيات والعراقيين، وهو ضعف ولا مبالاة. أما رئيس الوزراء، فهو، كما يبدو لي في الواقع العملي ولملايين العراقيات والعراقيين، لا يملك بيديه قرار السلطة التنفيذية وعاجز عن استخدام ما يمنحه الدستور العراقي له من صلاحيات وما يفرضه عليه موقعه كرئيس وزراء من واجبات، وهو بالتالي لا يراوح في مكانه فحسب، بل يتراجع في سياساته وفي عموم نشاطاته، وحائر أمام مراكز القوى العديدة الفاعلة. وحين أصبح رئيساً للوزراء أقسم على الإصلاح والتغيير، ولكنه لم يغير شيئاً، وحين اندلعت المظاهرات لم يستجب! وحين احتج السيد السيستاني وطالبه بالإصلاح والتغيير ومحاربة الفساد، تحرك كأي برجوازي صغير، اندفع فجأة ثم خفت نهائياً، إنه كنافورة ماء ترتفع لتهبد ثانية. لقد تحرك دون دارسة وتدقيق وبلا عمق أو شمولية، رغم الدعم الدولي والإقليمي والمحلي الذي حظي به، وعجز عن الاستفادة من هذه الفرصة الثمينة. العبادي ضعيف وغير قادر على الخروج من جلده السياسي الطائفي ولا يريد ذلك وغير قادر على الخروج من سطوة رئيس حزبه وقائمته الخائبة نوري المالكي ومن تحت عباءته المهلهلة وسياساته المناهضة لوحدة الوطن والشعب.

نحن أمام رئيس وزراء لم يكن يوماً، منذ أن أصبح رئيساً للوزراء، مالكاً لقراره وغير قادر على اتخاذ القرار المستقل الذي يخدم الشعب أولاً وأخيراً. حتى القرار الرافض للتجاوز الفظ والانتهاك الشرس للقيادة والدولة والحكومة التركية بإرسال قوات عسكرية جديدة إلى شمال الوطن بذريعة تدريب القوات العراقية، إذ أؤيد هذا الرفض بالمطلق، لم يكن من بنات أفكاره، بل هو موقف إيراني وتبنته الأحزاب الإسلامية السياسية، مع وجود تأييد الشعب العراقي كله للموقف ضد وجود أي قوات عسكرية أجنبية بالعراق بما فيها القوات التركي والإيرانية! ولكننا نعيش التخبط حتى في هذا الموضوع، فهو شيء ووزير خارجيته شيء آخر!!

القوات التركية كانت موجودة بالعراق قبل ذاك ولديها أكثر من قاعدة عسكرية بالإقليم استناداً إلى اتفاقية بين حكومة صدام حسين والحكومة التركية منذ العام 1982 ولم يتحرك العبادي لإلغائها أو معارضة وجودها. وكان عليه أن يفعل ذلك منذ وصوله إلى رئاسة الحكومة، كما إن نوري المالكي الذي كان يعرف بوجودها لم يتحرك ضدها ويطالبها بالانسحاب أيضاً. ومنذ عام ونصف العام وجد المستشارون الترك في بعشيقة ولم يطالب بانسحابهم بل وافق عليها شفوياً. هذا السلوك هو الذي يجعل من العراق دولة هشة!

العبادي ليس سيد نفسه، إذ كان وما يزال وسيبقى حبيس النظام السياسي الطائفي والمحاصصة الطائفية، وبالتالي التعويل عليه من قبل جماهير الشعب ليس في محله، حتى المرجعية أدركت ضعفه أمام الفاسدين والمفسدين وأمام من سلَّموا الموصل بوقاحة إلى داعش، وأمام تأثير إيران وقاسم سليماني على القرارات السياسية العراقية.

على الشعب العراقي أن يدرك بأن حيدر العبادي يلعب دور المخدر ضد الهبَّة الشعبية العادلة والمشروعة الموجهة ضد النظام السياسي الطائفي ومحاصصاته وضد الإرهاب والفساد والفاسدين، إنه يهيئ الوضع كما يبدو لشخصية أخرى تمارس ذات السياسات التي مارسها نوري المالكي، بعد أن يتعب المتظاهرون ويكفوا عن التظاهر ويهدأ الجو للطائفية المقيتة.

على قوى الحراك الشعبي أن تتحرك، أن تعزز موقعها ودورها وأن تعبئ المزيد من الناس الطيبين للمشاركة في مظاهراتهم وتنويع أساليب وأدوات النضال السلمي للخلاص من الوضع المزري والرثاثة التي تعم البلاد وسلطاتها الثلاث والحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية. إن الحكم الراهن مستمر في تطبيق ما سعى إليه بريمر في وضع العراق رهينة بأيدي الهيئات المالية الدولية وأن يبقى مكشوف على الخارج. وعواقب ذلك ستكون وخيمة على الاقتصاد الوطني والشعب بفئاته الكادحة والفقيرة والمعوزة التي تضاعفت نسبتها لتصل إلى أكثر من 40% من سكان العراق وتفاقم البطالة الجامحة والنهب المتواصل.

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter