|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

السبت 12 / 10 / 2013                                 د. كاظم حبيب                          كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 


 

نقاش هادئ مع أفكار افتتاحية طريق الشعب في 10/10/2013

كاظم حبيب

نشرت جريدة طريق الشعب الغراء بتاريخ 10/10/2013 مقالاً افتتاحياً مهماً تحت عنوان "لنفوت الفرصة على من يريدون سوءاً ببلادنا" يعبر عن وجهة نظر هيئة التحرير، وهو بالتالي يعبر عن رؤية المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي حول الأوضاع الجارية بالعراق وسبل تجاوز أوضاعه الراهنة. ومثل هذا المقال المهم يستوجب النقاش من المهتمين بأوضاع العراق الداخلية والذين يهمهم تغيير الواقع الراهن لصالح الشعب.

يطرح المقال توصيفاً موفقاً للواقع العراقي الراهن وما يعاني منه الشعب على أيدي الإرهاب والموت المستمر لمزيد من البشر وتدهور الأوضاع والخشية من تفاقم الصراع الطائفي. وهذا التوصيف ورد في أكثر من مقال افتتاحي وغير افتتاحي لطريق الشعب، كما ورد ويرد في مئات المقالات لكتاب عراقيين. وهو توصيف صحيح. ثم يطرح المقال الافتتاحي تصوره لسبل معالجة الوضع فيشير إلى النص التالي :

"
في أجواء وأوضاع كهذه، بنهاياتها المفتوحة بعد، لم يعد يكفي تكرار نفس الحجج والذرائع لتبرير ما يحدث، فالأمر بحاجة إلى وقفة جادة، وصحوة ضمير وعقل، واعتماد نهج تفكير جديد، والى خطط سياسية وعسكرية وأمنية اكثر كفاءة وقدرة، وتسخير ذلك كله للارتقاء بفاعلية أجهزتنا العسكرية والأمنية والاستخباراتية، كي تتصدي لسائر مصادر العبث والتخريب الخارجية والداخلية وتدحرها، ولرفع معنوياتها وتوفير سبل الدعم الشعبي لها، بما يساعدها على إنجاز مهماتها على اكمل وجه، كذلك الكف عن التلويح بالميليشيات، على اختلاف مسمياتها، بديلا عن القوات المسلحة النظامية، وسواء سميت لجانا شعبية أو جيوشا أو غير ذلك.

إن الحاجة ماسة إلى إجراءات مبتكرة، غير تقليدية، تنسجم مع ما بحوزة الإرهابيين من إمكانيات يستخدمونها للقيام بعمليات إجرامية نوعية، ويستطيعون، للأسف الشديد، تنفيذها في اغلب محافظات بلادنا.
" (راجع" طريق الشعب بتاريخ 10/10/2013).

السؤال الأساسي الذي يتبادر إلى ذهن القارئ والقارئة لهذا المقال هو: أين تكمن المشكلة الرئيسية والأساسية بالعراق منذ سقوط الدكتاتورية حتى الوقت الحاضر؟ هل في الأجهزة الأمنية أم في الاحتلال الأمريكي البريطاني للعراق وما خلفه للمجتمع من نظام سياسي قائم على قاعدة الحكم الطائفي والمحاصصة الطائفية وما نشأ عنه من صاع طائفي دموي متواصل؟

الإجابة ، كما أرى، واضحة لا خلاف عليها مع الحزب الشيوعي العراقي، إذ أشار إلى ذلك أكثر من مرة ومرة. ولكن ألا ينبغي قول ذلك في مثل هذا المقال الذي يطرح الحل لمشكلة الإرهاب والفساد وما يعاني منه الشعب في المرحلة الراهنة؟ نعم أرى ذلك ضرورة ملحة من أجل توعية الناس بالسبب المركزي لما يجري حالياً بالبلاد، لأن المشكلة لا تكمن بالأساس في الأجهزة الأمنية أو عموم القوات المسلحة، رغم وجود مشكلة فعلية كبيرة في بنية وطبيعة وولاءات القوات المسلحة بكل أصنافها ومواقع عملها، بل المشكلة الأساسية والرئيسية والكبرى تكمن في طبيعة النظام السياسي القائم وعقلية الحكام السياسيين ونزوعهم إلى فرض دكتاتورية الأحزاب الطائفية الشيعية ونزوع أحزاب الطائفة السنية إلى انتزاع الحكم لها لفرض استبداها أيضاً, وبالتالي فالصراع بين أحزاب وحكام طائفيين بامتياز يقودون البلاد إلى ساحة حرب طائفية محتملة، لا يموتون هم فيها بل الشعب العراقي.

فقبل أن نفكر بإجراءات مبتكرة لمواجهة الإرهابيين نسبق بها أساليبهم، علينا جميعاً أن نفكر في كيفية الخلاص من نظام سياسي يلعب الدور الأساس في خلق المزيد من الإرهابيين والفاسدين، وهما وجهان لعملة واحدة. إن النظام السياسي الطائفي لا يريد للإرهاب والفساد أن ينتهيا ويريد تشديد الصراع والاصطفاف والاستقطاب الطائفي بالبلاد بهدف الوصول إلى انتخابات مضمونها الأساسي طائفي بامتياز. علينا أن نلاحظ كيف يمنع المظاهرات المناهضة للإرهاب والفساد والمطالبة بتغيير الأوضاع، لأن النظام فاسد ورموزه فاسدة، وإلا كيف يوافق القضاء العراقي ومجلس النواب على الاحتفاظ برئيس وزراء يهدد بنشر ملفات الإرهاب والفساد ولا ينشرها ويستخدمها ورقة لذر الرماد بالعيون من جهة، وابتزاز أخرين من جهة ثانية، ويملك الآخرون ملفات عن رئيس الوزراء وأفراد عائلته والكثير من المحيطين به أيضاً، والآخرون يهددون كذلك ولا ينشرون غسيل الدول الطائفية الفاشلة والهشة والفاسدة.

نحن أمام حالة فريدة ندعي وجود عملية سياسية ويراد إنقاذها، في حين لم تعد هناك عملية سياسية، هناك ضحك على ذقون شعب مرغت كرامته بالتراب في فترة صدام حسين وعومل بوحشية ولم يعد يمتلك الجرأة على المواجهة لأنه مخدر بحبوب الطائفية المقيتة.

علينا أن نواجه الشعب ونشارك في توعيته ليدرك واقع الوضع الذي هو فيه من بطالة وفقر وإرهاب وفساد ونهب دائم لثروة البلاد وتفريط بها وعجز عن تقديم حلول سياسية للمشكلات القائمة لأن الحاكم والمستبد بأمره لا يريد حلولاً لها بل يريد استمرار هذا الوضع، ففيه استمرار وجوده في السلطة وعلى رأسها والترشيح للمرة الثالثة، "أخذناها بعد ما ننطيها" وهو مطابق لما قاله صدام حسين الشوفيني والدكتاتور "جئنا لنبقى"!!!

إن الحاكم الأول الراهن بالعراق لا يختلف عن صدام حسين أبداً، والفارق بينهما يكمن في الظروف المحيطة بهما وبالعراق وكيف وصلا إلى السلطة. فالعراق ما يزال محكوما بالفصل السابع في جوانب معينة منه ولا يستطيع ممارسة ذات القمع الذي كان يمارسه صدام حسين. ولكن ما يجري في سجون العراق تؤكد إن طبيعة النظام الطائفي لا يختلف عن طبيعة النظام الشوفيني فكلاهما مخالف لشرعة حقوق الإنسان وللدستور الذي وضعه الحكام أنفسهم.

ليس النظام العراقي الراهن ضد الإرهاب، بل أصبح هو حامل الإرهاب بعينه، وهي المشكلة التي يفترض أن ننتبه إليها لأن استمرار الإرهاب والفساد في صالح رأس وحزب النظام، حزب الدعوة الإسلامية، وفي صالح تعميق الصراع الطائفية وفوزه في الانتخابات القادمة كما يعتقد!

علينا أن نلاحظ تصريحات أحد قادة البيت الشيعي والمبادر لتأسيسه، الدكتور أحمد الجلبي الذي دعا المليشيات الصدرية الطائفية المسلحة إلى التحرك دفاعاً عن "مناطقها!!"، وفي ذات الوقت صرح وحذر من احتمال وقوع انقلاب عسكري بسبب الموت الدائم وعجز الحكومة عن إيقاف القتل اليومي للناس، ولكنه لا يقترح تشكيل حكومة "إنقاذ" وطني مثلاً أو إجراء انتخابات مبكرة أو إسقاط المالكي. وكان المقال الافتتاحي على حق حين عارض التلويح بالمليشيات أو الجيوش بديلاً عن القوات المسلحة، ولكنه لم يطرح الحل المطلوب.

إن التعبئة الفكرية والسياسية يفترض أن لا تكف عن التوجه ضد قوى الإرهاب والفساد، ولكن عليها أن تركز أيضاً ضد طبيعة الحكم وطائفيته باعتباره السبب في كل ما يحصل حالياً بالبلاد، وإنه الداء الذي لا يمكن أن يكون الدواء.
 


10/10/2013
 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter